من سيرة آل الأسد: مفقود على جبهات إدلب

2020.03.08 | 23:00 دمشق

00.jpg
+A
حجم الخط
-A

مر أسبوعان على انقطاع الاتصال مع الملازم أول ومجموعته، توقفت المعارك بعد الهدنة التي أعلنت عنها القمة الروسية – التركية منذ أيام ورغم ذلك لم يظهر لهم أي أثر، حتى في المقاطع المصوّرة التي تبثها فصائل المعارضة لمن وقعوا في يدها من جيش النظام، الذي فقد كثيراً من ضباطه وعناصره مؤخراً، ولكن تبقى لعلي ميزته المكتسبة منذ الولادة، فكنيته هي الأسد!

في مقال سابق كتبت أن العائلة طبقات وشرائح، وأن الطريق المفتوح إلى زيارة القصر الجمهوري، والخط الساخن مع الفرع الذهبي الحاكم، أمر متاح للقلة منها فقط، بينما يُترك الآخرون لمهاراتهم الفردية، مع ما يحظون به من دعم تتيحه الكنية، ومساعدة من النافذين من ذوي القرابة اللصيقة، وبعض الاستثناءات «من فوق» عند الحاجة.

إلى نمط من يحملون الكنية أكثر مما يستفيدون منها عملياً ينتمي والد الضابط الشاب المفقود؛ حسن بن توفيق بن إسماعيل. وهذا الأخير أخ أكبر غير شقيق لحافظ، كان قليل الشهرة، كما هي حال ابنه توفيق، العريف الذي قضى حياته مغموراً، بخلاف شقيقه الثري كمال، رئيس غرفة تجارة وصناعة اللاذقية. عاش توفيق حياة بسيطة وأنجب عدداً كبيراً من الأبناء من زوجتين. وبالمقارنة مع إخوته سيبدو حسن من أقلهم حضوراً كذلك. فأكبرهم اللواء زهير وصل إلى مرتبة قائد فرقة قبل أن يزاح عنها مؤخراً، وأشهرهم محمد سيسبقه لقبه المرهوب «شيخ الجبل» قبل أن يُقتل عام 2015 في حادثة عارضة لا تليق بمقامه.

01.jpg

أما من قصّر منهم في السابق فقد أتاحت له «الأزمة»، وحاجة ابني العم، بشار الرئيس وماهر العميد فاللواء، إلى المؤازرة، فرصة لترميم ما فات. وهو ما فعله، على سبيل المثال، أخ ثالث هو حسين، الذي أسس فصيلاً مسلحاً قاتل إلى جانب النظام تحت اسم «قوات حماة سوريا: أسود الحسين»، معوّضاً، بالأهداف المثبتة على الشعار، «وطن شرف إخلاص» عن عدم التطوع في الجيش، ومحاولاً الترقي إلى لعب دور سياسي بتوثيق علاقته مع الضباط الروس في قاعدة حميميم.

02.jpg

يفيد هنا أن نلحظ أن مسيرة انتساب شبان العائلة إلى الجيش تباطأت منذ الثمانينات، بعدما تبيّن أن هذا السبيل ليس سالكاً على الدوام إلى السلطة والثروة كما كانت سيرة أجيال أقدم قد دلّت، وعلى رأسها «المؤسس» حافظ. وبالنسبة إلى طبقات أحدث من الشبان بدا طريق التهريب والتشبيح والوساطات والبزنس أسرع وأمتع. وهنا يمكن للمقارنة بين الشقيقين المشار إليهما أعلاه، اللواء زهير وشيخ الجبل، أن تكون دالة.

03.jpg

لكن الأمر عاد ليتغير إثر انطلاق الثورة في 2011. فمن جهة أولى لم يعد التهريب مربحاً كما في السابق بعد انفتاح البلد. ومن جهة ثانية بدت «دولة» بشار الأسد أقل احتمالاً لوجود أبناء عم من رجال العصابات، قبل الثورة. ومن جهة ثالثة اتسعت العائلة بمرور السنين، وتركزت ثروتها ونفوذها في القصر بالشراكة مع أولاد الخال محمد مخلوف وبعض الأصدقاء والمحاسيب الغرباء. ومن جهة رابعة دفع الحماس «الوطني»، المتصاعد بعد 2011، عدداً من أفرادها الناشئين باتجاه السلك العسكري مجدداً.

إلى هؤلاء ينتمي علي، المولود عام 1995 في القرداحة التي لم يعرف غيرها، لا سيما مع حذر التنقل حاملاً كنيته الخطرة بعد الثورة ثم تحول البلاد إلى شطرنج معقد من مناطق السيطرة منذ عام 2012. درس في مدينته وتشبّع بروايتها المتطرفة عما يجري. وحين حاز الشهادة الثانوية أخذ طريقه إلى «الكلية»، التي تعني الحربية في هذه البيئة ما لم يُلحَق بها تمييز يخص الجوية أو الشرطة... إلخ.

مطلع 2014 التحق علي بالدورة 69 في الكلية التي كانت قد تخففت من شروطها. فنتيجة استنزاف جيش النظام، بالانشقاق أو بالقتل، قررت قبول كل حاملي الشهادة الثانوية بفروعها، دون النظر إلى سنة الحصول عليها أو معدّل علاماتها، وتساهلت في جميع شروط القبول عدا الموافقة الأمنية، وقصّرت مدة «الدراسة» فيها إلى سنتين بدلاً عن ثلاث؛ الأولى عامة وفي الثانية يتوزع الطلاب على الاختصاصات. وفي تشرين الأول 2015 خرّجت ضباط هذه الدورة المعدِّين بإيجاز، وأرسلتهم إلى جبهات حلب الساخنة.

بين هؤلاء كان علي، ملازم المشاة الذي وصل أخيراً إلى الالتقاء برجال حلمه من مقاتلي «المقاومة» الذين كان قد فتح عينيه على الإعجاب بهم منذ حرب تموز 2006، واستهوته رموزهم الشيعية التي تماهى معها بسهولة نتيجة تداخلها مع خلفيته العلوية. غير أن التعامل معهم، بوصفه قائد فصيل في الجيش، كان شأناً آخر!

04.jpg

في السنوات التي قضاها على جبهات حلب كان مقاتلو «حزب الله» قد خبروا «الجيش السوري» جيداً. وطوّروا تجاهه موقف احتقار، بالنظر إلى ضعف كفاءته وعشوائيته وانسحابه كيفياً عند اشتداد المعارك وعودته بعد انتهائها للسرقة «التعفيش». صدم علي وحاول تغيير رأي «الحجاج» فلم يفلح وتباعد عنهم. غير أن ذلك مرّ، على كل حال، بعدما ترك حلب إثر ترفيعه إلى ملازم أول مع بداية 2019، ثم التحاقه بدورة صاعقة سيعود منها إلى الفرقة التاسعة، على جبهة بردت في المنطقة الجنوبية.

احتاج النظام إلى حشد كل ما يملك من فائض جنود لخوض معركة إدلب، بعد أن كانت أرياف حماة قد استعصت عليه في البداية نتيجة توازن نسبي في العدد. وهكذا وجد علي طريقه إلى إدلب، مؤمناً أن مهمته هناك ستنتهي، كسابقاتها، بالنصر وإثبات الولاء لقائد الوطن، ابن العم البعيد. وأنه سيجني ثمار ما يفعله الآن بحيازة «المراتب الأعلى» في مستقبل هادئ قادم.

لكنه اختفى بعد أسبوعين من إتمامه الخامسة والعشرين. وأصاب الاضطراب أسرته التي لم تسلك كأحد فروع عائلة الأسد الحاكمة، بل كخلية نمطية في بيئة طائفية معسكرة دأبت على الاستعانة، في السنوات الأخيرة، بالشيخ يوسف الرداد، الذي تنسب إليه المحافظة على سلامة الغائبين وردِّهم إلى ذويهم...

05.jpg