من بغداد إلى أوكرانيا.. النظام الدولي على خطوط الطاقة

2022.09.08 | 06:11 دمشق

النفط
+A
حجم الخط
-A

كان المشهد الذي طبعته أحداث العراق الأسبوع الفائت، أبرز الدلائل على ما يمكن للولايات المتحدة الأميركية فعله بحضورها أو بغيابها أو انسحابها. 

من أفغانستان إلى العراق وما بينهما ليبيا. ساحات تضج بصراعات قبلية وسياسية وعسكرية على فوالق خطوط النفط والغاز. كل التطورات السياسية، العسكرية أصبحت مترابطة ببعضها البعض. الصراع على أمن الطاقة العالمي. ما تشهده أوروبا، سيكون له عناصر الانعكاس على كل دول العالم، وهي العلاقة التي تشبه السكّين في يد أصحابها بالنسبة إلى علاقتهم مع الأميركيين، فيها عناصر القوة لكنها تجرح اليد التي تلتقطها وتسيل بموجبها دماء. 

لن يكون لبنان وسوريا بعيدين عن تداعيات كل هذه الصراعات. سيكون البحر الأبيض المتوسط عنصر اشتعال جيوستراتيجيا في صراع النفط والغاز وخطوطهما

لن يكون لبنان وسوريا بعيدين عن تداعيات كل هذه الصراعات. سيكون البحر الأبيض المتوسط عنصر اشتعال جيوستراتيجيا في صراع النفط والغاز وخطوطهما. ليست بعيدة التطورات التركية اليونانية أيضاً في إطار الصراع على تلك الخطوط باتجاه أوروبا، في وقت تنجح فيه أنقرة بتحقيق الكثير من التقدم الجيوسياسي، من تحسين العلاقات مع دول الخليج ودول عربية أخرى، إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد تحقيق نقاط عديدة في شرق آسيا، وصولاً إلى الدور المركزي الذي تلعبه تركيا بين روسيا وأوكرانيا، فالغاز الروسي وغيره من الصادرات أصبحت تمرّ حصراً من خلال تركيا، وهي وحدها التي تضطلع بدور لفتح قنوات الحوار بين روسيا وأوكرانيا. 

سينتج عن هذا الصراع متغيرات كثيرة في تركيبة النظام الإقليمي وتوازناته. وهو ما تسعى إليه واشنطن في إعادة تشكيل جديد للنظام الدولي، والذي تتضرر بموجبه روسيا وأوروبا معاً. كما ألحقت واشنطن متغيرات في التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط، وتحديداً بين العرب والإيرانيين، وهذا مسار يعود إلى ما قبل الثورة الإسلامية في إيران وتحديداً إلى الخمسينيات أيام نظام الشاه، ومسار واشنطن وفي وراثة الدور والنفوذ البريطانيين في الخليج، واستمر ما بعد الثورة الإسلامية وصولاً إلى تمكين طهران من أربع عواصم عربية من شأنها تقويض الأمن القومي العربي والخليجي، وهو مسار تستكمله واشنطن في مفاوضاتها النووية مع إيران، ما يدفع الخليجيين أكثر إلى تعزيز العلاقة مع إسرائيل. 

نتج عن هذا الصراع متغيرات كثيرة في تركيبة النظام الإقليمي وتوازناته. وهو ما تسعى إليه واشنطن في إعادة تشكيل جديد للنظام الدولي، والذي تتضرر بموجبه روسيا وأوروبا معاً

هو المسار نفسه الذي تكرره واشنطن في دعمها لأوكرانيا بمواجهة روسيا، بينما النتيجة العسكرية ترخي بظلالها على أوروبا ككل، طاقوياً، اقتصادياً، وسياسياً بتأثيرات اجتماعية وفكرية وثقافية هائلة ستبرز تداعياتها في السنوات المقبلة. 

الردّ الروسي يأتي في إطار الضغط على أوروبا بسلاح الغاز والغذاء، وصولاً إلى تسريبات روسية واضحة تحاول موسكو من خلالها اللعب على وتر الفصل بين الأوروبيين والأميركيين وأن هدف أميركا إضعاف روسيا وأوروبا معاً. وهنا لا بد من الإشارة إلى مقالات عديدة كتبناها في هذه الخانة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وكانت تتضمن إشارة واضحة إلى أن ثمة التقاء استراتيجيا أميركيا روسيا على إضعاف أوروبا وتفكيكها أو إعادة إحياء سباق التسلح فيها. 

الصراع الشيعي الشيعي في العراق ذات أبعاد دولية وإقليمية، وهو أحد نتاجات الانسحاب الأميركي من العراق، الذي يتحول إلى واقع قابل للانفجار في أي لحظة

بالعودة إلى الشرق الأوسط، فلا يمكن إغفال كل التطورات العراقية. تطورات تشبه إلى حدود بعيدة حقبة الخمسينيات في المنطقة ونشوء حلف بغداد، ولكن هذه المرّة بقواعد جديدة وعناصر مختلفة في تكويناتها. الصراع الشيعي الشيعي في العراق ذات أبعاد دولية وإقليمية، وهو أحد نتاجات الانسحاب الأميركي من العراق، الذي يتحول إلى واقع قابل للانفجار في أي لحظة، على الرغم من المحاولات لإرساء التهدئة وحلّ الأزمة، إلا أن الواقع يشير إلى الدخول في مرحلة من مراحل الهدنة وليس انتهاء المواجهات. تجد طهران نفسها غارقة في الصراع الشيعي الشيعي. تذهب المعركة استراتيجياً إلى معركة إيرانية عراقية، فهي المرّة الأولى التي تنظر فيها إلى المشهد العراقي بدون أي إشارة إلى الدور الأميركي أو توجيه اتهامات بالخيانة والعمالة. وهذا سيؤسس إمّا لصراع عراقي إيراني أوسع، أو لانفجارات أكثر داخل البيئة الشيعية. سيكون من الصعب على إيران ضبط الوضع، وهو ما كشفته تجربة الصدر. ولاحقاً ستعبر الحالات الاعتراضية عن نفسها بأشكال مختلفة وأماكن متنوعة. وهذه ستؤدي إلى ترسيخ عنوان أساسي في الوعي العراقي وهي الانتقال من تحرير العراق من الاحتلال الأميركي إلى تحريره من إيران، وهذا لن يحصل خلال سنة أو أكثر لكنه سيفتح مساراً طويلاً. لن يقف عند حدود العراق، ولا بد له أن يلفح لبنان وسوريا معاً.