منها توسيع المنطقة الآمنة.. شروط تركية للتطبيع شرق الفرات

2020.10.12 | 00:02 دمشق

20191012_1570879373-755895.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لم يكن من المفاجئ إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام، أن أميركا تقدمت بعرض لتركيا حول شرق الفرات من أجل التوصل إلى تفاهمات حول تلك المنطقة التي تسيطر عليها ما تعرف بـ"قوات سورية الديمقراطية"، ومحاولة تليين الموقف التركي الصلب في تلك المنطقة، فالجانب الأميركي يعمل منذ سنوات على تليين الموقف التركي تجاه هذه القوات التي تسيطر عليها عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د"، وتسويقها على أنها القوة الرئيسية التي قاتلت تنظيم "داعش" الإرهابي وحررت مناطق سورية من قبضته، ولكن الجانب التركي يدرك تماما أنها مجرد محاولات تسويق لهذه القوات التي ارتكبت انتهاكات كبيرة جدا بحق أهالي المناطق الأصليين، من تقييد للحريات، وإجبار على النزوح، وحرق للمحاصيل، وفرض التعليم، والأهم من ذلك هو النزعة الانفصالية لتلك القوات، وارتباطها بتنظيم "بي كي كي" الإرهابي.

تركيا في كل لقاء دولي تؤكد على وحدة التراب السوري، وترفض أي مشاريع انفصالية من قبل أي تنظيم في سوريا، وترفض أيضا احتكار نفط البلاد بيد هذه القوات الانفصالية، المرتبطة بتنظيمات إرهابية تسبب بمشكلات للأمن القومي، وجميع محاولات تعويم التنظيم أميركيا لن تكون ناجحة طالما أن هذه القوات ترفع صور زعيم التنظيم الإرهابي عبد الله أوجلان، وتواصل الانتهاكات بحق المدنيين كما هي محاولات النظام بحق كل من يسعى للوقوف بوجه توجهات التنظيم حتى من الأكراد، ونظرا لإدراك أميركا حجمَ الهوة الكبير، يبدو أنها بدأت بمحاولات ردم هذه الهوة، بداية من محاولات السعي لإكمال التفاهم بين هذه القوات وبين المجلس الوطني الكردي الذي تعترف به المعارضة السورية وتركيا، وهو مكون من مكونات الائتلاف الوطني المعارض، وبنفس الوقت ما زالت تجري الحوارات مع الأطراف المعنية وخاصة تركيا، إذ إن روسيا بدورها أبدت مرونة في التعامل مع هذه القوات، وبالفعل تعمل معها.

وسيطر في الفترة الأخيرة خلال زيارات المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، للعاصمة التركية أنقرة ولقاء المسؤولين الأتراك، الحديثُ عن شرق الفرات، وكان هناك طرح لتشكيل مجالس محلية في هذه المناطق عبر العشائر المسيطرة عليها وأبناء المنطقة، وجرى الحديث بشكل معمق بين الجانبين عن هذه الخيارات المطروحة، وبدا من الواضح أن أميركا تعمل بشكل جدي  للحصول على مواقف تركية للعمل في هذه المنطقة، إذ إن تليين الموقف التركي سيدفع بالضرورة إلى الزج بهذه القوات ضمن العملية السياسية في مباحثات اللجنة الدستورية، وهو ما يجعل الأطراف المعنية الإقليمية والدولية قادرة على إنجاز الحل السياسي، وبالفعل تم تبادل قوائم بأسماء العشائر المقبولة، مقابل تقديم مغريات كبيرة لتركيا في هذه المنطقة مستقبلا، مع بدء عملية الإعمار مجددا عند بدء عملية الانتقال السياسي، ولكن ليس من المؤكد حتى الآن إن كان طرح موضوع الفيدرالية والحكم الذاتي في هذه المنطقة أم لم يطرح، إذ إن تسريبات لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي تحدثت عن اتفاق على الفيدرالية ولكن روسيا مع تركيا ضمن اجتماعات أستانا على مستوى الاجتماعات الرفيعة أو على مستوى الزعماء تؤكد أنها مع وحدة سوريا واحترام سيادتها.

الشروط التركية الملحة حتى الآن وأهمها، أو ما تعرف بخطوطها الحمراء، هي خروج جميع العناصر المرتبطة بتنظيم "بي كي كي" الإرهابي من سوريا، وعدم بقاء أي عنصر فيه على الأرض السورية، حيث اعتاد التنظيم الإرهابي على رفع صور الحزب وأعلامه، وإجبار المكونات الأخرى من العرب والتركمان وغيرهم على رفع هذه الصور، في مسعى لترسيخ الارتباط والوجود في المنطقة، وهو أمر مرفوض وبشكل كبير من قبل تركيا، ويضاف لذلك الحصول على ضمانات أميركية تشمل تشكيل منطقة عازلة تركية محمية من أميركا ومن تعمل معهم على طول الشريط الحدودي، ويكون ذلك ممتدا من المالكية شرقا حتى إدلب، وهذا الخط الأحمر التركي الثاني لا بديل عنه، ولذلك فإن تركيا لطالما تتحدث في الفترة الأخيرة عن عزمها توسيع المنطقة الآمنة بين رأس العين وتل أبيض، حيث تطالب بأن يكون أبعادها بالعمق واصلا إلى حد 35 كم، في حين ستتوسع الحدود الشرقية والغربية وتتمدد، وحاليا بدء طرح هذا المطلب، وربما يتكثف تناوله إعلاميا في الأيام المقبلة في مرحلة تشابه تلك التي سبقت تنفيذ عملية نبع السلام.

وفي حال تم تنفيذ الشروط السابقة الأساسية التي هي بمثابة الخطوط الحمراء، فإن هناك شروطا أخرى مطلوبة كذلك منها أن يكون لتركيا الدور الكبير في إعادة الإعمار في المنطقة وفي سوريا، ويمكن لها أن تتبوأ المكانة الهامة في هذا الإطار، من خلال ما تملكه من إمكانات اقتصادية وتقنية وفنية ولقربها من المنطقة، وسبق أن كان لتركيا دور كبير في إعادة الإعمار في العراق، وخاصة في المنطقة الشمالية، عبر شركات البناء المتقدمة على مستوى العالم، كما أن موضوع النفط أيضا سيكون حاضرا في المفاوضات، وترغب تركيا بأن يتم تسويقه عبرها وبيعه على سبيل المثال، واستغلال عائداته

تدرك تركيا أن وجودها المجاور لسوريا يجعل منها اللاعب الأساسي، وتحركاتها في المنطقة المبنية على حفظ أمنها القومي، لا يمنعها من أي عمل عسكري وبأي وقت.

في إعادة الإعمار والمنطقة الآمنة، لكي يتم إعادة السوريين لهذه المنطقة وتوفير مقومات الحياة لهم، وترفض تركيا احتكار عائدات النفط من قبل تلك القوات الانفصالية المسيطرة على المنطقة، وبالتالي فإن موضوع النفط أيضا من المواضيع الهامة التي تسعى تركيا لتحقيق حلول لها تساهم في عودة الاستقرار إلى سوريا.

وتدرك تركيا أن وجودها المجاور لسوريا يجعل منها اللاعب الأساسي، وتحركاتها في المنطقة المبنية على حفظ أمنها القومي، لا يمنعها من أي عمل عسكري وبأي وقت، وهو ما يجبر القوى الأخرى وعلى رأسهم أميركا وروسيا، على وضع الموقف التركي في اعتبارات أي حل أو مشاريع في المنطقة، وهو ما لم تفعله إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، التي على العكس من ذلك اعتمدت على المماطلة، الأمر الذي أزعج تركيا ودفعها للتحرك لحفظ أمنها القومي ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وحماية المدنيين السوريين وتوفير منطقة آمنة لهم، وسيستمر هذا الهدف التركي حتى تضمن أمنها من التنظيمات الإرهابية، وتدرك بنفس الوقت أن حصولها على مطالبها في المنطقة سيعود بالنفع عليها وعلى أمنها القومي، وسيساهم أيضا في حصول الاستقرار في سوريا، والتنمية وإعادة الإعمار، وعودة اللاجئين لهذه المناطق، ولهذا لن توافق على أي خطوة ما لم يتم تنفيذ خطوطها الحمر أولا، وشروطها لاحقا.

والمؤكد في الختام أن الملفات الأخرى ستكون حاضرة في أي تسوية في سوريا، لأن ارتباطها بات واضحا رغم محاولات الفصل بينها من قبل تركيا، فالموقف الأميركي في سوريا أيضا سيكون مرتبطا بتطورات الصراع في شرق المتوسط وتطورات الأزمة في ليبيا، والموقف الروسي مرتبط بدوره بالتطورات في إدلب وليبيا وأخيرا التطورات في الحرب ما بين أذربيجان وأرمينيا، كل هذه الملفات تلقي بظلالها على التطورات الحاصلة في سوريا، وبالتالي ستكون هناك تأثيرات واضحة ومؤكدة على سير التوافقات بين القوى الأساسية في سوريا، لتحديد مستقبل المنطقة بين الأطراف، ولعل الانتخابات الأميركية هي التي سيكون لها المحدد الأساسي، في حال استمر حكم ترامب فإن التوافقات ربما تتواصل بنفس الإطار، وإن جاء جو بايدن فقد تكون له سياسة مختلفة ضمن إطار السياسة الأميركية العامة، وجميع العناصر السابقة ستكون محددة لمستقبل شرق الفرات.