icon
التغطية الحية

منافذ العلاج مسدودة.. مرضى الثلاسيميا غربي حلب مهدّدون بالموت

2023.07.28 | 05:05 دمشق

آخر تحديث: 28.07.2023 | 05:05 دمشق

1
+A
حجم الخط
-A

"أقسم بالله.. بات مرض أولادي أخطر من السرطان".. بهذه العبارة بدأ عبد الباسط جويني (45 عاماً) من مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، حديثه عن معاناة طفليه زهير 16 عاماً، وياسمين 12 عاماً، المصابين بمرض الثلاسيميا منذ صغرهما، ويسترسل في الحديث عن عجزه الكامل منذ أشهر عن إيجاد بدائل تناسب حالته المادية، مع توقف المركز الطبي الوحيد لمرضى الثلاسيميا الكائن في بنك الدم في المدينة.

ويُعرف مرض الثلاسيميا أو فقر دم حوض البحر الأبيض المتوسط، بفقر الدم وهبوط خضابه، وعادةً ما يكون مرضاً وراثياً يحدث عند التقاء جينتين إحداهما من الأب والأخرى من الأم، كما يُعدّ زواج الأقارب، سبباً رئيسياً للإصابة به.

ويوجد في ريف حلب الغربي مركز طبي وحيد لمعالجة مرضى الثلاسيميا ويرتبط عمله مع استمرار عمل "بنك الدم"، ولكن الأخير توقف دعمه بالكامل منذ مطلع شهر تموز/يوليو الحالي.

يقول جويني لموقع تلفزيون سوريا إن طفليه يحتاجان كل 15 يوماً إلى 500 غرام من الدم (نصف كيلو)، بالإضافة لإجراء تحاليل "التصالب والخضاب" شهرياً وتأمين الأدوية والغذاء الخاص بهم.

الطفلان زهير وياسمين
الطفلان زهير وياسمين

ويضيف: "منذ سنوات لم أعاني من مشكلة مرض طفلي، فالمركز الطبي المخصّص لمرضى الثلاسيميا في مدينة الأتارب خفّف عناء البحث عن أكياس الدم لأطفالي، كما وفرّ لهم الأدوية والتحاليل الشهرية بشكل مجاني"، لافتاً إلى أن المشكلة الحقيقة بدأت منذ مطلع العام الجاري، عندما توقف المركز عن منح المرضى الأدوية واقتصار عمله على نقل الدم فقط حتى مطلع شهر تموز/يوليو، حين أعلن فيه عن توقف الدعم بالكامل وإغلاق أبوابه.

ويحتاج كل مريض بـ"الثلاسيميا" إلى أدوية خالبات الحديد، الديس فرال (فيال)، وفيروبروكس (حبْ)، بالإضافة إلى عملية نقل دم بشكل دوري، كل 15 يوما، ويبلغ سعر الأدوية قرابة 120 دولارا أميركيا في الصيدليات الخاصّة (ما يعادل 3300 ليرة تركية)، وفقاً لـ مأمون الشون مدير مركز بنك الدم في مدينة الأتارب.

يقول الشون في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إن المركز كان يستقبل شهرياً قرابة 150 مريضاً بـ"الثلاسيميا"، مشيراً إلى أن أسرّة المركز كانت تمتلئ بالمرضى شهرياً، مشيراً إلى أن حامل المرض يحتاج إلى ما يقارب 1200 وحدة دم شهرياً، حيث كان المركز يقدمه بشكل مجاني.

"أزوّد أطفالي بدمي"

وأبدى الأب "جويني" عجزه الكامل عن تأمين الأدوية والغذاء المخصّص لأولاده المصابين، والتي تنحصر على (اللحوم الحمراء والحلويات والفاكهة والمكسرات)، مبيناً أن الوضع المعيشي بات صعباً في الشمال السوري، وأن سعر الأدوية كبير جد بالنسبة لآلاف العائلات التي لا تستطيع شراءه.

وأوضح جويني أنه بدأ منذ مطلع هذا الشهر في تزويد أبنائه بالدم بنفسه داخل المنزل، إذ اشترى جهازا لنقل الدم ومعدات طبية أخرى، بعد أن باع سيارته الشخصية، كما أتقن بحسب قوله "فتح الوريد" لأطفاله، بسبب إغلاق البنك أبوابه في المدينة، وعدم قدرته على الذهاب إلى أقرب مركز للثلاسيميا الموجود في بلدة كللي شمالي إدلب والذي يبعد عن منزله قرابة 30 كم.

وتنتشر العيادات المتخصّصة للعلاج والدعم النفسي في مراكز الثلاسيميا في الشمال السوري، على مراكز "جنديرس، جرابلس، كللي، دركوش، ومدينة إدلب".

وتتوزع مراكز الدم في الشمال السوري إلى 3 بنوك للدم، في مدينة إدلب، باب الهوى، والأتارب، ويتم الحصول على احتياجات هذه المراكز من خلال عمليات تبرّع دورية، تختلف بحسب الحاجة والاحتياطي في بنك الدم، ولا توجد إلى اليوم إحصائيات دقيقة في الشمال السوري لعدد المرضى.

توقف الدعم

يقول مصدر طبي مطلع (فضل عدم الكشف عن اسمه) لموقع تلفزيون سوريا، إن منظمة "IDA" الداعمة للبنك ومركز الثلاسيميا، بدأت بتخفيض دعمها الشهري منذ قرابة 6 أشهر، إذ أوقفت تزويد المرضى بالأدوية الشهرية واكتفت بدعم العاملين بتزويد المرضى بالدم، واستمرت في ذلك حتى مطلع شهر تموز/يوليو الحالي، لتعلن عن توقف دعمها بالكامل عن البنك، بعد مسيرة عمل للمركز استمرت لأكثر من سبع سنوات.

وبحسب المصدر فإن توقف الدعم سببه خلاف بين إدارة المنظمة الداعمة "IDA"، لافتاً إلى أن مساعي عدّة فشلت منذ أشهر في حل الخلافات وتحييد مركز الثلاسيميا وبنك الدم، مؤكداً أن هنالك وسطاء تدخلوا مؤخراً لحل الخلاف، دون معرفة النتائج إلى اليوم.

من جهته، أكّد "الشون" أن البنك كان يُقدم خدماته لأكثر من 22 مشفى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إذ كان يقدم قرابة 700 كيس دم شهرياً، بالإضافة لتكفله في تشغيل مركز غسيل الكلى في بلدة "معارة الاتارب" غربي حلب، والمدعوم من قبل منظمة "شفق".

وأكّد على أن المركز توقف دعمه منذ مطلع العام الحالي 2023، فيما استأنف عمله لمدة شهرين فقط بدعمٍ من منظمة "أطباء بلا حدود" عقب وقوع الزلزال في السادس من شباط/فبراير لتلبية حاجات المصابين، إذ تم سحب قرابة 1200 كيس دم وقتها ووُزعت على المشافي في منطقة إدلب، لافتاً إلى أنه منذ 21 أيار/مايو يعمل المركز بشكل تطوعي لخدمة المرضى بما يتوفر داخل المركز، متأملاً بإعادة الدعم نظراً لما وصفه بمساعي منظمة "IDA" في البحث عن جهات داعمة للبنك.

وطالب مدير المركز جميع المعنيين بالنظر في حال المركز وتخديمه بأسرع وقت، نظراً للحاجة الملحّة لمتابعة مرضى الثلاسيميا، ومرضى سرطان الدم وغسيل الكلى الذين يتراوح عددهم 40 مريضاً، بالإضافة لكون منطقة ريف حلب الغربي تتعرض لقصف مستمر من قبل قوات النظام، ما يجعل بنك الدم في حالة استنفار بشكل دائم وعلى مدار الـ24 ساعة.

بدورها أكّدت إدارة مركز غسيل الكلى في بلدة معارة الأتارب أن توقف عمل بنك الدم أثر سلباً على مركز غسيل الكلى، إذ كان البنك مسؤولاً عن تزوديهم بالدم والتحاليل المطلوبة لهم بشكل مجاني، بيد أن ذوي المصابين باتوا اليوم يعانون في كل جلسة من صعوبة إيجاد دم لمرضاهم، ما يجبرهم على التوجه إلى المراكز الفعالة في الشمال السوري لتأمين احتياجاتهم.

وذكرت الإدارة خلال حديثها مع موقع تلفزيون سوريا أن جميع المراجعين للمركز هم من سكان منطقة الأتارب وتحديداً من ذوي الطبقة المتوسطة والفقيرة.

مركز ثلاسيميا الأتارب

تقول الممرضة "علا برغش" العاملة في مركز الثلاسيميا في مدينة الأتارب لموقع تلفزيون سوريا، إنه تم افتتاح عيادة الثلاسيميا في بنك الدم عام 2015 لأول مرة كمركز مستقل ومتخصّص بنقل مشتقات الدم لمرضى أمراض الدم الوراثية.

وتضيف: "لا يمكن وضع إحصائية ثابتة لعدد المرضى المراجعين للمركز شهرياً، بسبب عدم توفر كامل الخدمة بشكل دائم ومستمر من   مشتقات الدم والأدوية اللازمة لهؤلاء المرضى، إذ لا توجد خالبات الحديد الضرورية لمرضى الثلاسيميا بشكل دائم بسبب غلاء الدواء وعدم تبني أي منظمة توفيره للمرضى بشكل مجاني، ممّا يضطر المرضى لعدم استعمال الدواء وترسب كميات كبيرة من الحديد في الجسم، الأمر الذي يؤثر على أداء الأعضاء الحميدة كالقلب والكلى والدماغ وتفاقم المشكلات المرضية لهؤلاء المرضى".

وطالبت برغش بتوفير مشتقات الدم بشكل دائم في بنك الدم، كما تأملت في توفر خالبات الحديد من أجل تقديم الخدمة على أكمل وجه لمرضى الثلاسيميا، ويكون بذلك المركز النوعي الوحيد في الشمال المحرر المختصّ للمرضى.

ومرض الثلاسيميا هو مرض وراثي ينتقل عند اجتماع المورثات من الأب والأم الحاملين لهذه الصفة، مِمّا ينتج عنه إصابة الطفل بالمرض الذي يتميز بعدم قدرة الجسم على إنتاج خلايا الدم الحمراء، مِمّا يضطرهم لنقل مشتقات الدم بشكل دائم ودوري.