icon
التغطية الحية

"ملعب الشياطين"... حرب المدن التي تستعد إسرائيل لخوضها

2023.10.26 | 16:57 دمشق

آخر تحديث: 26.10.2023 | 16:57 دمشق

آثار القصف الإسرائيلي على سوق النصيرات وسط قطاع غزة، اليوم الاثنين.
آثار القصف الإسرائيلي على سوق النصيرات وسط قطاع غزة، اليوم الاثنين.
The New York Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

قالت صحيفة نيويرك تايمز الأميركية إن العملية البرية الإسرائيلية المرتقبة في قطاع غزة تحمل العديد من المخاطر والتحديات المتمثلة بغياب الخطة المعقدة للتعامل مع 40 ألف مقاتل من كتائب القسام يتحصنون داخل أنفاق بطول 500 كيلو متر في مساحة تبلغ 45 كلم مربع فقط ويقطنها أكثر من مليوني مدني وأكثر من 200 رهينة من جنسيات أجنبية وإسرائيلية.

ويحذر الخبراء من تكرار حالة مشابهة لحروب في الشوارع مثل فلوجة في العراق عام 2004 ومعركة الموصل ضد تنظيم الدولة عام 2016، ولكن هذه المرة قد يكون هناك خسائر أكبر. فحماس تمتلك قوة عسكرية كبيرة تضاهي أعداد مقاتلي تنظيم الدولة في الموصل بمعدل 3-5 مرات، وقد أعدت لفترة طويلة لمواجهة حرب في الشوارع المكتظة بالبنايات المرتفعة. 

فيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا للتقرير كما ورد من المصدر:

إطلاق نار كثيف من أسطح الأبنية، شقق ملغمة، قذائف تخترق المدرعات تضرب حاملات الجنود، مقاتلون يختلطون بالمدنيين وينفذون كمائن عبر المسيرات، أو يخرجون بأعداد غفيرة من الأنفاق المليئة بالذخائر وما يكفي من الأغذية والماء لاستمرار الحرب لفترة طويلة.

في الوقت الذي يحشد فيه الجيش الإسرائيلي دباباته على حدود غزة مهدداً بغزو هدفه القضاء على حماس، يحذر الخبراء من احتمال تعرض الجنود الإسرائيليين لأشرس نوع من أنواع قتال الشوارع منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك في مدينة غزة التي تتسم بكثافة سكانية عالية.

مقارنات واستعدادات

تجري دراسات حرب الشوارع وكذلك مسؤولون أميركيون مقارنات مرعبة مع ما حدث في العراق، وتحديداً في الفلوجة عام 2004، حيث واجهت القوات الأميركية أعنف معارك خاضتها منذ حرب فيتنام، أو ذلك القتال الضاري الذي استمر تسعة أشهر وذلك لمحاربة تنظيم الدولة في الموصل في عام 2016، والذي تسبب بمقتل عشرة آلاف مدني، إلا أننا هنا يجب أن نتوقع أعداداً أكبر بكثير من الخسائر والضحايا.

لدى حماس مقاتلون تفوق أعدادهم أعداد مقاتلي تنظيم الدولة في الموصل بثلاثة إلى خمسة أضعاف، أي أن عدد مقاتلي حماس يصل إلى أربعين ألفاً، وبوسع حماس أيضاً استدعاء جنود احتياط من بين صفوف الشبان، وأهالي غزة الذين يعيشون حالة اضطراب، كما أن حماس تحصل على دعم دولي يأتيها من دول مثل إيران، بل إن قيادة حماس بمفردها استعدت لسنوات طويلة على خوض حرب في غزة تشتمل على قتال شوارع، عندئذ قد يصبح تفوق الدبابات والذخائر التي تتميز بدقتها العالية في وضع حرج أمام الأساليب المتبعة في حرب العصابات.

يصف تلك الحرب اللواء توماس آرنولد، وهو مخطط عسكري استراتيجي لدى الجيش الأميركي نشر دراسات حول عمليات عسكرية في المدن قامت في الشرق الأوسط، فيقول: "ستكون بشعة، وذلك لأن المدن ملعب للشياطين، فهي تصعب كل الأمور لأبعد مدى".

القلق الأميركي من الغزو الإسرائيلي

تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو بتدمير حماس، من دون أن يحدد معنى ذلك بكل دقة، أي أنه توعد بالقضاء على الجماعة وإخراجها من غزة بعد الهجوم الذي نفذته في 7 من تشرين الأول وقتل فيه 1400 إسرائيلي واختطف أكثر من 200 آخرين.

إلا أن معظم المناطق في غزة حضرية وممتلئة بالسكان، وقد تخندقت حماس عميقاً في تلك البنية، ما يعني بأن ساحة المعركة ستكون غاية في التعقيد. وبما أن إدارة بايدن تحس بقلق شديد حيال المخاطر التي قد تظهر وقتئذ، فلقد أرسلت أرفع ضباطها العسكريين إلى إسرائيل ليقدموا لها المشورة، نظراً لخبرتهم الواسعة في العراق، كما ضغطت على إسرائيل لإرجاء الغزو، بهدف ترك وقت أطول للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم حماس ولتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية. إلا أن ما يقلق المسؤولين الأميركيين هو عدم وجود خطة ذات أهداف واضحة وقابلة للتحقيق لدى إسرائيل، لأن ذلك قد يمنع وقوع خسائر بشرية كبيرة بين صفوف أهالي غزة بما أن عدد المدنيين هناك قد تجاوز المليونين.

وتعليقاً على ذلك أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن يوم الأحد الماضي بأنه يشجع الإسرائيليين على تنفيذ عملياتهم بما ينسجم مع قانون الحرب.

 

 

عندما نسترشد بالتاريخ كدليل، سنخرج بثلاثة عوامل من المرجح لها أن ترسم شكل الحرب البرية في مدن غزة، وهي البيئة الحضرية والتفاعل بين المقاتلين والمدنيين والضغوط السياسية.

المشهد العام.. جبهة ثلاثية الأبعاد

تبلغ مساحة قطاع غزة نحو 360 كلم مربع، وهو عبارة عن تجمع لمراكز سكانية حضرية، ويبلغ عدد سكان مدينة غزة التي تعتبر عاصمة القطاع نحو 700 ألف نسمة وجميعهم محشورون داخل مساحة تبلغ 45 كلم مربع، وفيها أبنية شاهقة أعلى من تلك التي صادفتها القوات التي قادتها الولايات المتحدة في معركة الموصل، وهذا ما يشكل جبهة ثلاثية الأبعاد أشد خطورة.

بدأت أغلب الغزوات على المدن منذ العصور الوسطى وحتى عصر الحداثة، بتقدم سريع، إلا أنها جميعاً سرعان ما غاصت بين الأحياء والمقاطعات التي يفضل المدافعون الاحتماء بها، وخير مثال على ذلك ما جرى في الموصل، ويليه مدينة ماريوبول التي تعرضت لحصار خلال العام الفائت، إذ سيطرت بضعة آلاف من الجنود الأوكرانيين على المدينة لمدة قاربت ثلاثة أشهر فصدت التقدم الروسي ما بين خمس إلى ثماني مرات على الأكثر.

في تقرير عن السنة الأولى من الحرب الأوكرانية كتبه جون سبينسر، وهو رئيس دراسات حرب المدن لدى معهد الحروب العصرية التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية، شرح الوضع بقوله: "استفادوا من سماكة جدران الأبنية الصناعية وشبكاتها الموجودة تحت الأرض بشكل فعال جداً".

بيد أنه يمكن للمدن أن تصبح مطواعة هي أيضاً، فلقد دمرت إسرائيل المئات من الأبنية في غزة بفضل غاراتها الجوية، ولهذا بنت حماس قبل زمن طويل من تنفيذها للهجوم على إسرائيل خلال هذا الشهر، أنفاقاً تمتد مئات الكيلومترات تحت مدينة غزة وبوسعها استخدام تلك الأنفاق للتنقل بين مواقع الهجوم، ولإخفاء الأسرى ولحماية ما تحتاجه من مؤن وعتاد.

وهنالك مفاجآت أخرى، منها مصانع للصواريخ موجودة تحت المدارس، والأسلحة المخزنة في الجوامع، ومن المرجح العثور على كل ذلك في حال غزت إسرائيل غزة.

في الموصل حيث لم يكن أمام مقاتلي تنظيم الدولة وقت لحفر أنفاق، حفر المقاتلون حفراً بين الجدران حتى يطلقوا نيرانهم على الدبابات من الأبنية، كما استعانوا بمسيرات رخيصة مزودة بكاميرات لتوجيه سائقي السيارات الملغمة، وغطوا إمداداتهم التي وضعوها في الطرقات بأقمشة مدوها فوقها.

هناك وفي أماكن أخرى، تم ربط المواد المتفجرة بأسلاك تصل إلى أنقاض أو أبواب الشقق السكنية، كما استخدمت الثلاجات والقمامة والمحركات الكبيرة لمنع وصول المركبات العسكرية.

يخبرنا الكولونيل آرنولد الذي يعمل على إتمام رسالة دكتوراه لدى جامعة فيرجينيا بأنه: "يمكن للمدن أن تضعف امتيازاتك التقنية، وبينما تنتظر إسرائيل الوقت المناسب فتقوم بتهيئة الظروف وإسقاط المباني وتجهيز قواتها، يستعد الطرف الثاني لملاقاتها هو أيضاً".

مدنيون أم مقاتلون؟

هل هم مدنيون أم مقاتلون؟ من عادة حرب المدن مسح الخط الفاصل بينهما بشكل أكبر وبطريقة فتاكة أيضاً.

سبق أن اتُهمت إسرائيل بقتل آلاف المدنيين في هجماتها الجوية، بينهم 1200 طفل بحسب ما أوردته وزارة الصحة في غزة، غير أنه لا يمكن التحقق من تلك الأعداد بشكل مستقل، إلا أن خطر وقوع ضحايا بين صفوف المدنيين مايزال مرتفعاً بكل وضوح. إذ حتى في الوقت الذي تشجع فيه إسرائيل أهالي مدينة غزة على الانتقال جنوباً نحو مناطق أكثر أمناً، يلتزم أغلبهم بأوامر حماس والزعماء الدينيين الذين يحثونهم على البقاء، أو يعلنون عن عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الرحيل (ترجمة حرفية من المصدر).

وتلك مشكلة معهودة، إذ في عام 2004، أعطت إدارة بوش قوات البحرية الأميركية 72 ساعة فقط ليخرجوا بخطة لغزو الفلوجة بعد مقتل أربعة متعاقدين أميركيين والتمثيل بجثثهم، وتركها معلقة على أحد الجسور. عندئذ حذر القادة العسكريون من مغبة شن عملية انتقامية لأنها تهدد حياة المدنيين، كما أنها محكومة بالفشل، ولهذا انسحب الأميركيون بعد خسائرهم الفادحة، وأمهلوا العراقيين مدة ستة أشهر حتى يخرجوا قبل تنفيذ هجوم ثان، فخرج نحو 30 ألفاً، في حين بقي 90 ألفاً.

وعن ذلك يقول فريدي بليش وهو لواء متقاعد من البحرية الأميركية حارب في الفلوجة بصفة مهندس للعمليات القتالية: "لم يُسمح للكثير من المدنيين الأبرياء بالرحيل، وهذا ما سيحدث مع حماس، لأنهم سيستخدمونهم دروعاً بشرية".

أكدت إسرائيل على عدم استهدافها للمدنيين، ولكن في معارك المدن، غالباً ما يطلق القادة النار من مبان تشمل مقاتلين وعائلات، وهذا ما يفرض عليهم الاحتكام إلى العقل في اتخاذ القرار: إما إخلاء الغرف من المقاتلين أو تعريض العائلات للخطر، أو الرد بطريقة أعنف قد تتسبب بقتل مدنيين.

يتراجع مستوى التسامح بالنسبة للخسائر بين صفوف المقاتلين مع توسع الحرب في المدن، إذ في الموصل، وبعدما وصلت أعداد الضحايا بين صفوف القوات العراقية إلى 50%، زادت الغارات الجوية، وكثيراً ما طالب العراقيون شركاءهم الأميركيين بتدمير أكثر من مبنى واحد.

ويعلق على ذلك آموس فوكس وهو مخطط عسكري أميركي عمل في العراق خلال عملية الموصل، فيقول: "كانوا لا يقبلون أن يتقدموا حتى نسوي المبنى بالأرض".

لدحر تنظيم الدولة من الموصل، احتاج الأمر لـ252 يوماً و100 ألف جندي عراقي، ودعماً جوياً أميركياً، وإلى جانب 10 آلاف ضحية بين صفوف المدنيين، تعرض 8200 جندي عراقي لإصابات، كما أضحى ما لا يقل عن 13 ألف مبنى غير صالح للسكن، بحسب ما أوردته منظمة الأمم المتحدة.

غير أن القوات الإسرائيلية ستواجه محنة أقسى، على الرغم من أنها مدربة بشكل أفضل من الجيش العراقي، وأمضت سنوات وهي ترسم مخططات للغزو وشكلت قطعات هندسة خاصة لمواجهة أخطار الأنفاق وتحدياتها.

في بداية العملية على الموصل، كان تعداد مقاتلي تنظيم الدولة يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف، وذلك بحسب التقديرات الأولية للجيش الأميركي، ثم التحقت بهم بضعة آلاف فيما بعد. بيد أنه لدى كتائب القسام التي تمثل الجناح العسكري لحماس، نحو 30-40 ألفاً من المقاتلين، عدا آلاف المقاتلين التابعين لجماعات أخرى مثل حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

ثم إن معظم مقاتلي تنظيم الدولة تعود أصولهم لدول أخرى، أما مقاتلو حماس فقد كبروا وترعرعوا في غزة، أي أن ما يربط بين قطعاتهم هو المكان والروابط الأسرية والدين ويوحدهم سخطهم على إسرائيل.

وتعقيباً على ذلك يقول اللواء المتقاعد بليش: "إنهم يعرفون الشوارع والأنفاق جيداً، أي أن الضربة ستكون قاسية".

الجيوبوليتيك

نادراً ما تنتهي الحروب الحديثة بالسرعة التي يتوقعها الطرفان المتحاربان فيها، إذ كان من المتوقع أن يتم تطهير الموصل في غضون ثلاثة أشهر، لا تسعة، كما توقعت روسيا تحقيق انتصار سريع في كييف، ومع ارتفاع أعداد القتلى وتعثر الاقتصاد، ينحسر الدعم الدولي في أغلب الأحيان.

وأكثر من يعرف ذلك هم قادة أوكرانيا، إلا أن إسرائيل جربت التحديات السياسية والعسكرية التي تأتي نتيجة لتوسع النزاع وامتداده لفترة طويلة، فقد امتد آخر غزو بري إسرائيلي لغزة في عام 2014 لمدة تقل عن ثلاثة أسابيع، وهذا ما دفع سبينسر للحديث عن أن إسرائيل: "حاربت كل الحروب في تاريخها وهي تسابق الزمن، وتسعى لتحقيق أهدافها قبل أن تجبرها الضغوط الدولية على وقف عملياتها".

ومع هذه العملية الوشيكة حالياً، يحذر مسؤولون إسرائيلون من أن القتال قد يمتد لبضعة أشهر إن لم يمتد لسنوات، ما يعني زيادة الطلب على الأسلحة، وزيادة التقلبات على الصعيد الدولي، وثمة شيء آخر يقلق المسؤولين الأميركيين ألا وهو احتمال توسع الحرب لتصل إلى لبنان وإيران، مع احتمال شن هجمات على الجنود الأميركيين في العراق، وكل تلك المخاوف قد تؤثر في النصائح التي تقدمها واشنطن لإسرائيل عند تطور النزاع.

خلال الحروب السابقة، أيد الشارع الإسرائيلي العمليات العسكرية طالما أنها تحقق تقدماً، وتقدم أدلة حول تدمير مستودعات للأسلحة وتحقق نتائج ملموسة أخرى، أي أن عدد القتلى لا يهمهم بمقدار ما تهمهم التصورات حول نجاح الحملة وذلك بحسب تقرير صدر عام 2017 عن مؤسسة راند. يذكر أن عدد القتلى بين صفوف الجنود الإسرائيلين بلغ 66 إسرائيلياً في الحرب التي قامت عام 2014.

ولكن اليوم، أظهرت استطلاعات الرأي بأن إيمان الإسرائيليين وتصديقهم لحكومتهم قد تراجع في ظل قيادة نتنياهو المنقسمة، خاصة بعد فشله في منع وقوع الهجوم الأخير. غير أن تعريف النجاح بات أوسع هذه المرة وقد يكون من الصعب تحقيقه أيضاً، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن حماس أصبحت أقوى بمساعدة إيران، إذ زادت ترسانتها الصاروخية إلى حد كبير كما أصبحت تستعين بتقنيات حديثة مثل المسيرات.

قبل كل ذلك، دخلت حماس وإسرائيل في مسابقة على كسب التعاطف ما دفع لخروج مظاهرات غاضبة في مختلف بقاع العالم، وحول الشرق الأوسط إلى مصدر للقلق والتوتر العالمي، غير أن طريقة القتال التي سيتبعها الطرفان بوجود ترسانة من الأسلحة لدى كل منهما ستستخدم في مدن مكتظة بسكانها لابد أن تمثل اختباراً لتحويل وتحوير السرديتين المتنافستين وقوة إرادة الطرفين طالما بقيت الحرب مستمرة.

 

المصدر: The New York Times