icon
التغطية الحية

1300 نفق بطول 500 كم.. كل ما تريد معرفته عن سلاح القسام الفتاك الذي حيّر إسرائيل

2023.10.23 | 18:03 دمشق

آخر تحديث: 23.10.2023 | 18:11 دمشق

أحد عناصر كتائب القسام داخل أحد الأنفاق في غزة
أحد عناصر كتائب القسام داخل أحد الأنفاق في غزة
The Economist - ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تجاوزت أول قوة مدرعة صغيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم أمس الأحد الجدار الحديدي بين قطاع غزة والأراضي المحتلة، ليعود الجنود ركضاً على الأقدام بعد أن أوقعتهم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في كمين محكم شرقي خان يونس (جنوب قطاع غزة). ولم يكن الانتصار القسامي في الكمين بأنه نجم عنه تدمير جرافتين ودبابة لجيش الاحتلال، وإنما نجاح الكمين كان في أنه على بعد أمتار عن الجدار وسط أرض مكشوفة، هي أكثر الأراضي مراقبة في العالم منذ السابع من الشهر الجاري. ويفسر المحللون العسكريون ما حدث يوم أمس بأن قوة خرجت من تحت الأرض مستخدمة شبكة الأنفاق المرعبة تحت قطاع غزة.

يقسم دارسو حرب المدن ساحة المعركة إلى أربع مناطق، أولها: السماء فوق المدن، والتي ستصبح مزدحمة بالمسيرات، وثانيها، المباني المرتفعة، والتي توفر مواقع للمراقبة وأماكن للاختباء، وثالثها الشوارع، أي شبكة الطرقات والأزقة والممرات التي تشكل شرايين الحياة للمدينة وقت السلم، أما المنطقة الرابعة فهي الأنفاق الموجودة تحت الأرض والتي تمثل أكبر تحد للجيش الإسرائيلي عند بدء غزوه لقطاع غزة خلال الأيام المقبلة.

 

Israeli Group That Builds Wall Isn't Sure About Donald Trump's

 

حُفرت أوائل أنفاق التهريب في المنطقة على يد البدو الموجودين على كلا طرفي المعبر الذي يصل غزة بمصر، وذلك عقب عام 1981، عندما رسمت مصر وإسرائيل الحدود بينهما، ثم حدث أول هجوم عبر الأنفاق من القطاع في عام 1989، ولكن في عام 2001 بدأت حماس بإنشاء شبكة أنفاق مميزة تحت الأرض، ومن ثم أصبحت تلك الجماعة المقاتلة هي المسيطرة في المنطقة بعد انسحاب إسرائيل منها في عام 2005.

في البداية، كان هدف حماس من تلك الأنفاق يتمحور حول تهريب المواد والأسلحة من مصر، إلا أن استخدامات الأنفاق كثيرة ومتعددة، إذ يمكن للقيادات الاختباء فيها واستخدامها للتواصل من دون الاعتماد على شبكة الهواتف المعتمدة في غزة، بما أن إسرائيل تعترضها وتتجسس عليها.

وتوفر الأنفاق أيضاً مخابئ للأسلحة والذخائر، والتي يمكن لحماس استخدامها في الكمائن خلال الحروب البرية التي تشنها إسرائيل على غزة.

كما سمحت الأنفاق بشن غارات عابرة للحدود في الأراضي المحتلة هدفها الهجوم أو اختطاف الجنود، كما حدث عندما اختُطف العريف جلعاد شاليط في عام 2006 في مداهمة ساعدت حماس فيما بعد على تحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني. ولذلك، أقام حزب الله اللبناني شبكة أنفاق مماثلة على الحدود الفاصلة بين لبنان وإسرائيل، غير أن معظمها تعرض للتدمير خلال الفترة ما بين 2018-2019.

1300 نفق تمتد على مسافة 500 كم

والقاعدة المنطقية العسكرية لهذه الأنفاق تقوم على تقويض أسلوب إسرائيل في شن الحرب، إذ يقول أحد قادات حماس وهو يفكر بالحرب العاتية الخاطفة التي شنتها إسرائيل على غزة في شتاء عام 2008: "فوجئنا بالقصف والمراقبة الجويين من قبل إسرائيل... ولهذا وضعنا مخططات استراتيجية لنقل المعركة من الأرض إلى تحت الأرض".

وبحلول عام 2014، أصبح نحو 900 عامل يعملون بدوام كامل في عمليات حفر الأنفاق لصالح حماس، إذ استغرق حفر كل نفق ثلاثة أشهر وكلف وسطياً 100 ألف دولار، وذلك بحسب دراسة أجرتها مؤسسة راند البحثية.

 

 

في عام 2014، شن الجيش الإسرائيلي عملية "الجرف الصامد" الجوية والبرية لاستهداف تلك الأنفاق، فدمر نحو 32 نفقاً يبلغ طولها جميعاً قرابة 100 كم، 14 منها تخترق الأراضي الإسرائيلية، إلا أن ذلك لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من شبكة الأنفاق، التي يعتقد أن عددها يصل إلى 1300 نفق تمتد على مسافة 500 كم بحسب ما أوردته حماس، أي أن طولها يفوق مساحة غزة طولاً بنحو عشرة أضعاف. اكتشفت لجنة التحقيق بعد الحرب بأن الجيش الإسرائيلي لم يكن على استعداد لمجابهة الخطر الذي تمثله هذه الأنفاق، على الرغم من أنه حذر القيادة السياسية بأن الأنفاق تمثل خطراً من بين أشد الأخطار الخمسة المحدقة بإسرائيل، إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي صار يتفاخر وقتئذ ويتباهى بأن الجيش الإسرائيلي لن يحتاج سوى لبضعة أيام حتى يدمر تلك الأنفاق، بيد أن العملية استمرت لأسابيع.

يصل عدد شبكة الأنفاق إلى 1300 نفق تمتد على مسافة 500 كم بحسب ما أوردته حماس، أي أن طولها يفوق مساحة غزة طولاً بنحو عشرة أضعاف

أنفاق عصية على الاكتشاف

تبين لجيش الاحتلال الإسرائيلي بأن عملية تحديد مواقع الأنفاق غاية في الصعوبة، إذ يقول الجنرال ناداف بادان الذي ترأس فرقة عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي في عام 2014 لصحيفة إيكونوميست: "كنا مطلعين على الأنفاق نظرياً، ولم تكن لدينا خبرة عملية بالأمر"، ويخبرنا هذا الجنرال الذي عاد إلى إسرائيل في 8 تشرين الأول لينضم إلى جيش الدفاع بعد تقاعده في نيويورك بأن الجيش الإسرائيلي استخدم سماعات أرضية تعمل على تحويل الحركة على الأرض إلى جهد ومن ثم تسجل البيانات في مركز التسجيل ليتم تحليلها واستخدامها فيما بعد، بالإضافة إلى استعانة الجيش برادار يخترق طبقات الأرض ويكتشف أي صدى آت من الانفجارات المستخدمة في الحفر، وهي تقنية معتمدة تم تطويرها في مجال الصناعة النفطية.

وبحسب صحيفة إيكونوميست، فإن معظم الأنفاق اكتشفت بفضل عملاء الاستخبارات الإسرائيلية في غزة، أو عبر دوريات للمشاة عثرت على مداخل الأنفاق بالصدفة، فضلاً عما اكتشفته قطعات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتخصصة في استخبارات الإشارات والتي بحثت في أمر اختفاء إشارات هواتف الفلسطينيين فجأة.

"الحفر الحركي"

وحتى حينما يعثر الجيش على نفق ما، تتحول مسألة تدميره إلى قضية أخرى، فقد حاولت القوات الجوية الإسرائيلية رمي قنابل عالية الدقة على مسار الأنفاق ضمن ما يعرف بأسلوب: "الحفر الحركي"، إلا أن هذا الأسلوب فشل في إحداث تفجير في العمق الصحيح في بعض الأحيان.

 

Israel says destroyed Gaza attack tunnel under Israel, Egypt borders -  Lebanon News

 

كما استعان الجيش الإسرائيلي أيضاً بمادة متفجرة تشبه الهلام تعرف باسم "إيمولسا"، إلا أن كل نفق من الأنفاق يحتاج وسطياً ما بين تسعة إلى أحد عشر طناً من هذه المادة، بحسب ما أوردته مؤسسة راند البحثية، كما يجب على القوات البرية تأمين المداخل وحراستها لفترات طويلة، ولهذا تعين على القطعات العسكرية أن تجتهد وتبتدع في كثير من الأحيان، إذ استعان البعض منها بعربات ومعدات زراعية من القرى الموجودة على الحدود الإسرائيلية لينقلوا المواد المتفجرة إلى غزة.

 

Israel army says it found, blocked 'attack tunnel' from Gaza

 

في السابق، كان الجنود الإسرائيليون يتجنبون القتال في الأنفاق عموماً، نظراً لتلغيم معظمها، ولهذا حظرت القيادة العليا على الجنود دخول الأنفاق إلا في حال تفجير أحد طرفي النفق أو تأمينه، ولم تُخرق تلك القاعدة سوى مرة واحدة، في عام 2014، عندما سحلت جثة ضابط إسرائيلي داخل نفق في رفح، أي المعبر الجنوبي لغزة الذي يصلها بمصر، ولهذا كانت قاعدة الحظر منطقية، لأن الحرب تحت الأرض تمثل أصعب جوانب حرب المدن.

تتسم حرب المدن بمحدودية المساحات المرئية، كما أن المعارك فيها تجري ضمن مناطق مغلقة في ظل اتصالات ضعيفة، إذ من الصعب على الإشارات اللاسلكية أن تنتقل بسهولة بين الأبنية العالية، في حين تفاقم الأنفاق الوضع بدرجة أكبر بكثير، إذ حتى أكثر المسيرات تطوراً لا يمكنها أن ترى ما يوجد تحت الأرض، كما أن التنقل عبر الاستعانة بميزة تحديد الموقع الجغرافي أمر مستحيل، ثم إن الإشارات اللاسلكية للاتصالات لا تصل لمسافات بعيدة.

تؤكد تجربة الجنود البريطانيين مع تدريب عسكري أجري مؤخراً ضمن شبكة أنفاق في ليدز الواقعة شمالي إنكلترا، شدة الأخطار والتحديات التي يمكن للجنود الإسرائيليين أن يواجهوها في غزة، وذلك لأن الظلام المطبق يجعل من المناظير العسكرية التي تستخدم للرؤية الليلية عديمة الفائدة، بما أن هذه الأجهزة تعتمد على زيادة الضوء الخافت الباهت الموجود فوق الأرض حتى وقت الظلام. كما أن تحريك المياه الراكدة يهدد بإطلاق غازات سامة في الأجواء.

ثم إن الهواء يصبح أبرد مما هو عليه فوق الأرض إذ تنخفض درجات الحرارة بنسبة تصل إلى عشر درجات مئوية، وهذا ما علق عليه أحد الجنود البريطانيين بعد التدريب في ليدز بالقول: "تدرك أنك إن لم تحصل على التدريب الكافي في حال لم تمض وقتاً طويلاً في الأسفل هناك، وعندها لن يكون بوسعك أن تتحرك بسرعة".

نظرية "الضغط المفرط"

ثم إن صوت نيران الأسلحة يصبح أعلى بكثير ضمن المساحات المحصورة، بحسب ما لاحظه جو فيغا، وهو أحد كبار الخبراء بالحرب تحت الأرض لدى الجيش الأميركي، ولهذا يشرح لنا سبب ظهور الحاجة لفرق أكبر من أجل تطهير الأنفاق، فيقول: "عليك استبدال الأشخاص الموجودين في الداخل بجنود آخرين ينتظرون في الخارج، وذلك لأن من في الداخل لن يتمكنوا من البقاء هناك لفترة طويلة"، وهذه النتيجة التي تعرف باسم الضغط المفرط تجعل الأسلحة النارية تثير الغبار والأوساخ، ما يتسبب بمحدودية في الرؤية أيضاً.

أما بالنسبة للأساليب المتبعة لتطهير الأنفاق، ومنها استعانة أميركا بالغاز المسيل للدموع في فيتنام، واستعانة السوفييت بعديد من الغازات الكيماوية في أفغانستان، فمن المرجح أنها تعتبر مخالفة للقانون في يومنا هذا، بحسب رأي دافني ريتشيموند-باراك في كتابها: (الحرب تحت الأرض)، على الرغم من أن الغازات المسيلة للدموع ماتزال تستخدم ضد المتظاهرين الذين يخرجون ضد حكوماتهم في بلدانهم، غير أننا نكتشف بأنها محرمة في الحروب.

مشكلة الروبوت مع الأنفاق

يعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي على التقانة بشكل كبير في حروبه، إذ لديه على سبيل المثال روبوتات برية يتم التحكم بها عن بعد، وبوسعها أن تبحث عن الألغام أو الكمائن الملغمة التي تنتظر من يصل إليها، وتعليقاً على ذلك يقول جندي من قوات النخبة الإسرائيلية التي تعرف باسم سامور أي ابن عرس بالعبرية والمتخصصة بالأنفاق: "إن دخول نفق بعد قيام روبوت بتمشيطه... يخفف من الضغط والتوتر، غير أنه لا يمكن لأحد أن يثق بالتقانة مئة بالمئة، ولهذا يشتكي أحد الجنود من الوضع بالقول: "هنالك حالات كثيرة قام من خلالها لتعطل أحد الروبوتات داخل أحد الأنفاق في أثناء تشغيل الجنود له، ما يعني أن عليك الآن أن تحاول أن تدخل النفق لتعيد الروبوت الذي قطع مسافة 400 متر داخل شبكة أنفاق، وهذا أشبه بقطع مسافة 150 متراً جرياً، إلا أن قطع كل متر من تلك الأمتار يشبه قطعك لصحراء طوال شهر كامل".

تحديد مواقع أنفاق موجودة تحت الأرض تمتد لمئات الكيلوميترات وتطهيرها وتدميرها يحتاج لسنوات لا لأسابيع أو أشهر

خلال السنين التسعة التي أعقبت عملية "الجرف الصامد"، استثمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في عمليات الأنفاق كثيراً، وقدم لأجل ذلك عقيدة جديدة، دفعته لتشكيل قطعات متخصصة وأساليب وطرائق جديدة، كما أنشأ الجيش الإسرائيلي أنفاقاً تشبه أنفاق حماس بغرض التدريب، وأعاد تنظيم كتيبة ياحالوم وهي عبارة عن قطعة قتالية من قوات النخبة متخصصة بالهندسة وتشمل قطعة سامور، وذلك بحسب ما ذكره عمر دوستري من معهد القدس للاستراتيجيات والأمن، وهكذا تضاعف عدد جنود تلك القطعة من 400 ليصل إلى 900 جندي، كما ألحقت قطعات جديدة للقيام بعمليات استطلاعية في الأنفاق بالفرقة المخصصة للحرب في غزة ضمن جيش الاحتلال.

بيد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أمامه الآن مهمة صعبة، إذ توعد اللواء هرتسي هليفي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في السادس عشر من الشهر الجاري بدخول غزة، كما هدد باقتحام الأماكن التي تعمل حماس على تجهيزها والتحرك منها والتخطيط فيها وشن الهجمات من خلالها، وتوعد بمهاجمة عناصر حماس وقياداتهم وأعوانهم أينما ثقفوا، مع تدمير بنيتهم التحتية. ولكن من الناحية العملية، فإن تحديد مواقع أنفاق موجودة تحت الأرض تمتد لمئات الكيلوميترات وتطهيرها وتدميرها يحتاج لسنوات لا لأسابيع أو أشهر.

 

المصدر: The Economist