icon
التغطية الحية

مفارقات إيرانية في سوق الإسكان السوري... فاقد الشيء قد يعطيه

2021.06.20 | 05:41 دمشق

2-7-scaled-2.jpg
إسطنبول - ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

منذ نحو ثلاثة أعوام، كان الدخول في مشاريع بناء ضخمة في سوريا هدفاً إيرانياً تم السعي إليه بشكل حثيث رغم المطبات والعقبات التقنية والاقتصادية العديدة التي تقف في طريق حصول المقاولين الإيرانيين وشركاتهم الخاصة على حصة في سوق الإسكان السورية.

وقد تكللت هذه الجهود الإيرانية على ما يبدو بالزيارة الأخيرة لوزير النقل والتنمية الحضرية الإيراني، محمد إسلامي، على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى ضم أيضاً مسؤولين في مديرية الإسكان والإعمار الإيرانية، مساء يوم الثلاثاء الماضي 15 يونيو /حزيران 2021، إلى دمشق.

صحيح أن جميع المواقع الإيرانية قد صنفت هذه الزيارة الرسمية تحت عنوان واحد (توسيع التعاون الاقتصادي مع سوريا)، من دون التطرق إلى ذكر مزيد من التفاصيل، إلا أن طبيعة الزيارة التي اشتملت على عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين المهتمين بمشاريع البناء والإسكان، وتوقيتها بعد فشل أغلب الجهود الروسية في تعويم النظام وتطبيع علاقاته مع مختلف الدول العربية، يؤكد أنها جاءت استكمالاً لمذكرات التفاهم التي وقعها محمد إسلامي نفسه قبل عام ونصف تقريباً، ولم تتخذ أي خطوات تنفيذية على أرض الواقع حتى الآن.

تضاؤل الرؤى المستقبلية الإيرانية

يبدو أن سقف التوقعات الإيرانية المرتفع نسبياً للدخول في سوق الإسكان السوري قد اصطدم بعدة حواجز منها الاقتصادية ووسائل وطرق الحمل والنقل والمشكلات المصرفية وغيرها، لتجبر بعد ذلك الجهود الإيرانية الدخول في طور العمل العقلاني أو القابل للتطبيق من الناحية العملية، عندما تضاءلت مذكرات التفاهم الممضية في 24 فبراير/ شباط 2019 من بناء 200 ألف وحدة سكنية في دمشق إلى التفاهم حول بناء 30 ألف وحدة سكنية فقط في الثاني من فبراير/شباط عام 2020. لتكون مذكرة التفاهم الأخيرة هذه أول خطوة عملية ستخطوها إيران في عملية إعادة الإعمار السورية، التي كانت وما تزال أكبر من قدرات إيران الاقتصادية على تحملها منفردة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

لكن هذه الخطوة وإن كانت قصيرة وغير مؤثرة على المدى المنظور، لكنها تأتي "بجهود مضاعفة مستعينةً بالقطاع الخاص (السوري والإيراني معاً) للدفع نحو المراحل التنفيذية للمشروع"، بحسب وزير النقل والتنمية الحضرية الإيراني، محمد إسلامي.

في خضم ذلك، تبقى النقطة المهمة في هذه المشاريع هو اعتمادها بحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم محمد إسلامي، بشكل أساسي على "قدرات القطاع الخاص في مجال الصناعة والتنمية المدنية للتمكن من دفع المشاريع المشتركة في ظل التنسيق الذي تم في مجالات التمويل والنقل"، في محاولة واضحة للتحايل على عقوبات قانون قيصر.

ففي وقت سابق من عام 2020 (2 فبراير/شباط)، تحدث محمود محمود زاده، نائب وزير الطرق والتنمية الحضرية في إيران عن أن الحكومة الإيرانية غير منخرطة في أي استثمار في سوريا، مضيفاً أن الخطة ستكون سوق عمل للقطاع الخاص، حيث ستعمل ثلاث شركات حكومية في إيران وسوريا على "إرساء الأساس" للمشروع، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.

وبالإضافة إلى ذلك، لم يوضح أي من المسؤولين الإيرانيين في وزارة الطرق الإيرانية مدى استجابة القطاع الخاص الإيراني للخطة، لا سيما في ظل استمرار تدهور الوضع الأمني في سوريا، ولم يحددوا أيضاً ما إذا كان "القطاع الخاص" سيشمل شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني أو مستثمرين وشركات مستقلين للمشاركة في مثل هذا المشروع في بلد مزقته الحرب كسوريا.

المفارقات الإيرانية.. فاقد الشيء قد يعطيه

في الوقت الذي تتضاعف فيه الجهود الإيرانية لبدء مشاريع البناء وإعادة الإعمار في سوريا وإدخالها في المراحل التنفيذية من خلال التخلص من العقبات الاقتصادية الموجودة، يعاني قطاع الإسكان في إيران من مشكلات جمة ويواجه ركوداً غير مسبوق في الوقت الحالي.

وفي وقت لاحق، تحديداً في 2 مايو/أيار 2021، تحدث تقرير مفصل نشره موقع عالم الاقتصاد الإيراني عن وجود مؤشرات أوضح حول حدوث ركود كبير في سوق العقارات الإيراني أشد مما شهده عام 2020، مضيفاً أن عدم اكتراث صانع السياسة بهذه المؤشرات يمكن أن يؤدي إلى سقوط سوق الإسكان الإيراني في مستنقع سوق الأسهم.

وبشكل عام، شهدت أسعار المساكن في إيران بين الأعوام 2017-2020 قفزة غير مسبوقة ومختلفة تماماً عن سابقاتها، لدرجة أن الإحصائيات تشير إلى ارتفاع عدد سكان العشوائيات إلى 38 مليون شخص، ووجود نحو 7 ملايين و600 ألف شخص يعيشون حول المقابر، بحسب ما أعلن عنه عضو لجنة تخطيط الأراضي في إيران، محمد رضا محبوب فر، يوم الأحد 24 مايو/أيار 2020.

وفي المنحى نفسه، أثار تصريح وزير التربية والتعليم الإيراني في 22 يناير/كانون الثاني 2020 بشأن استعداد إيران لإعادة إعمار المدارس السورية المدمرة جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشار الناشطون الإيرانيون حينئذ إلى تدهور حالة المدارس الإيرانية وحاجة أغلبها إلى عمليات ترميم وإعادة إعمار، خاصة أن تقارير عديدة ظهرت لتتحدث عن سقوط أسقف بعض المدارس المتهالكة في محافظتي الأحواز وبلوشستان.

ورغم ذلك، وقع وزير التربية والتعليم الإيراني خلال زيارته لدمشق مذكرة التفاهم مع نظيره في حكومة نظام الأسد.

من ناحية أخرى، لم تقتصر المفارقات الإيرانية على مشاريع الإسكان في سوريا، بل تعدتها للوضع الخدمي، حيث تسعى إيران لوضع يدها على ملف الكهرباء السورية من خلال سعيها المستمر لتوقيع عقود اقتصادية لإعادة إعمار شبكة الكهرباء السورية المتهالكة، في الوقت الذي برزت فيه تقارير عديدة تتحدث عن تهالك محطات الطاقة الإيرانية، وعدم قدرتها على سد حاجة السوق الداخلية الإيرانية، مما جعل من انقطاع التيار الكهربائي والتقنين مشكلة رئيسية في إيران في الآونة الأخيرة.

لذلك، في الوقت الذي يفتقر فيه الداخل الإيراني إلى المشاريع الخدمية المتنوعة من إسكان وعمليات إعادة إعمار وترميم وإصلاح للمحطات الكهربائية وغيرها، نجد النظام الإيراني يبذخ بها في الدول التي يتمتع بها بعمق استراتيجي ليستخدمها كأوراق ضغط سياسية، من دون الاكتراث إلى حاجة السوق الداخلية، لتظهر المفارقة الإيرانية التي تخالف كل الأعراف والمنطق المعهود بأن فاقد الشيء قد يعطيه.