icon
التغطية الحية

معماريّة الرؤى الحضارية في قصيدة "مونادا دمشق" لمحمود السيّد.. مقاربة نقدية

2023.10.06 | 08:19 دمشق

مونادا
محمود السيد
+A
حجم الخط
-A

تنطوي تجرِبة الشّاعر السُّوريّ الرّاحل محمود السَّيِّد (1935-2010) على خُصوصيّة فنِّيّة ومَعرفيّة في حركيّة الحداثة الشِّعريّة العربيّة، وعلى بعضِ الإطلالات الجادّة على عَوالِم ما بعدَ الحداثة، على نحْوٍ يستحقُّ معهُ هذا المُبدِعُ تمحيصاً خاصّاً في مُنجَزِهِ، واحتفاءً يستحقُّ أنْ ينالَهُ.

 

ويتجاوَزُ حُضورُه الإبداعيّ وتأثيرُهُ الأصيل في المشهد الثَّقافيّ السُّوريّ والعربيّ مسألةَ الكتابة الشِّعريّة باقتراحاتِها المُغايِرة، فحسب؛ ليمتدَّ هذا الحُضور إلى مجالات التَّدريس والصَّحافة والنَّشر التي ترَكَ فيها لمسةً واضِحة، ابتداءً من عملِهِ في الصَّحافة الدِّمشقيّة في العام 1960م، مُروراً بلمستِهِ المُؤثِّرة عندما كانَ مُشرِفاً فنِّيّاً على "مُلحَق الثَّورة الثَّقافيّ" في العام 1976م ولمدَّة عاميْن، حيثُ احتلَّ ذلكَ المُلحق مكانةً مرموقة ومُتقدِّمة في الثَّقافة العربيّة عبرَ ما كانَ يُقدِّمُهُ _شكلاً ومضموناً_ في سبعينيّات القرن المُنصرِم، ولا سيما بمُساهَمة كبار المُثقَّفين السُّوريِّين والعرب فيهِ في تلكَ الحقبة، ليُتوِّجَ السَّيِّد مشروعَهُ الإبداعيّ بالتَّجرِبة الفريدة _سُوريّاً وعربيّاً_ التي مثَّلَتْها مجلَّة "ألِف لحُرِّيّة الكشف في الإنسان والكتابة" واستمرَّتْ مُدَّةَ عاميْن قبلَ أنْ تتوقَّفَ لأسبابٍ ماليّة. حيثُ كانَ يُصدِرُها الكاتب والنّاشِر السُّوريّ سحبان سوّاح، وكانَ يرأسُ تحريرَها محمود السَّيِّد. 

يرى الشّاعر والمُخرِج علي سفَر أنَّ أثَر تجرِبة السَّيِّد التي تمحورَتْ، أساساً، في مُنجَزِهِ الشِّعريّ اللّافِت، وفي عمَلِهِ مُدرِّساً لطلّاب الَّصحافة في جامعة دمشق لمادّة الإخراج الصُّحفيّ، يتعدَّى (هذا الأثَر) ذلكَ إلى مُستوى ارتباطِ نصِّهِ الإبداعيّ، عميقاً، باشتغالِهِ الخاصّ على مسألة التَّشكيل البصَريّ المُختلِف، وهوَ الأمرُ الذي ظهَرَ، أوَّلاً، في عملِهِ في مُلحَق الثَّورة الثَّقافيّ، وثانياً، في مجلّة ألِف؛ فالسَّيِّد "وعبر تجربتين عمليتيْن وإبداعيتيْن، في آنٍ معاً، قدَّمَ (...) إرثاً بصَريّاً هامّاً، اتَّسَقَ مع مسعاه لأنْ يخرُجَ باللُّغةِ الشِّعريّة نحو تصوُّر مُختلِف عن السّائد"[1]، ذلكَ أنَّهُ "لم يأتِ إلى تجرِبة المُلحَق الثَّقافيّ من حالةٍ حِرَفيةٍ مكتفيةٍ بمهارات التَّشكيل والقُدرة على التَّلاعُب بالكُتَل المُكوِّنة للصَّفحة كالعناوين والصُّور وبلوكات الكلام، بل إنَّهُ سبَقَ إشرافَهُ الفنِّيّ على المُلحَق بتجرِبة صحفيّة وأدبيّة كانت قد كرَّستهُ بوصفهِ صاحب مشروع ووجهة نظر سياسيّة، ورؤية فنِّيّة تشكيليّة، ونبرة جارحة في كتاباته الشِّعريّة"[2].

ويبدو أنَّ هذا المشروع الإبداعيّ المُغايِر قد بلَغَ ذُروتَهُ في عمَلِهِ في مجلّة ألِف، فهوَ "ومن موقع المُبدِع صاحب الرُّؤية المُلهِمة للجيل الجديد الذي يبحثُ عن تفجير متن النَّصّ جاءَ محمود السَّيِّد (...) ولعلَّ مُطالَعة صفحات أعداد المجلّة الاثنين والعشرين توضحُ وبجلاءٍ مَلمَسَ رؤيتهِ الشَّخصيّة وروحهِ فيها، فقد قامتِ المجلّة تحت لواء التَّغيير في نمطيّة الكتابة السّائدة مُتعلِّلةً باسمها "ألِف" المُستوحَى من نصّ النِّفّري الشَّهير"[3].

لقد " بدَتْ (ألِف) مُختبَراً تجريبيّاً على مُستوى النَّصّ، وعلى مُستوى التَّشكيل أكثر منها مطبوعة مختومة ومُقفَلة، فكلّ شيء فيها كانَ يتغيَّرُ من عددٍ إلى آخر، ووحدهُ لوغو المجلّة كانَ ثابتاً في شكلهِ وليسَ في موقعهِ، وإذا كانَ لنا أنْ نبحثَ عن محمود السَّيِّد في هذا المُختَبر، فإنَّنا لا بدَّ أنْ نعثرَ عليهِ ضمنَ هذا المبنى الإجماليّ للتَّجرِبة حيثُ يُمكِنُ للفوضى البصَريّة المصنوعة كفعلٍ إبداعيّ أنْ تُثبِّتَ خطابَ المجلّة الذّاهب باتّجاه صفحات ما بعد حداثيّة يُمكِنُ لكلّ العناصر المُختلِفة أنْ تتجاوَرَ فيها، وأنْ يتمَّ تخليق التَّنوُّع من روح هذا الاختلاف"[4].

صدَرَ للسَّيِّد:

_ مركبة الرَّغوة _ شِعر.

_ الجرذ والملِك _ مسرحية.

_ مزامير ديك الجنّ _ شِعر.

_ مونادا دمشق _ قصيدة نثريّة.

_ سهرُ الورد _ نصّ إبداعيّ.

_ تتويجُ العشب _ نصّ إبداعيّ.

_ كتابُ العشق: إشراقيّة العشق الجنوبيّ.

مدخل

دعتِ الحداثة الشِّعريّة العربيّة إلى تقديم قصيدةٍ جديدة ومُختلِفة عن القصيدة التَّقليديّة من جانبٍ تقنيّ، أوَّلاً، حيثُ تتَّصفُ بالتقاط حركيّة العالَم الجزئيّة المُتحوِّلة، وتفتَحُ عالَم القصيدة الحداثيّة على الكونيّ والكُلِّيّ بما ينطوي عليه ذلكَ من كشفٍ ومُجاوَزة ومخضٍ للمَجهول، وهو الأمر المُرتبِطُ بالجانب الثّاني الذي اقترحتهُ القصيدة الحداثيّة، نظَريّاً على الأقلّ، والمُتمثِّلُ بالتَّبشير بالحداثة والتَّجديد والتَّغيير شِعريّاً، بما هو تبشيرٌ افتُرِضَ أنَّهُ يسبقُ إنجازَ هذهِ الحداثة وذلكَ التَّجديد في الحياة العربيّة السِّياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة.

لكنَّ الحداثةَ نفسها قد انقسمَتْ إلى حداثاتٍ عدَّة، حيثُ سادتْ بادئَ ذي بدء القصيدة الرُّؤيويّة المُشبَعة بالأيديولوجيا، نسبيّاً، قبلَ أنْ تظهرَ تجارب شِعريّة حداثيّة جديدة أرادتْ أنْ تتخفَّفَ من العبء الأيديولوجيّ، وأنْ تنهضَ فيها الأبعاد الرُّؤيويّة اليوتوبيّة على أُسُسٍ حضاريّة قائمة على الاستقلاليّة والكُلِّيّة والحسِّيّة الجسَديّة.

وساعدَ على هذا المسار التَّطوُّريّ في الحداثة الشِّعريّة العربية ظُهور اقتراحات شِعريّة مُغايِرة سعتْ إلى مُجاوَزة شكل قصيدة التَّفعيلة، باعتماد قصيدة النَّثر التي وُصفَتْ بقُدرتِها على النُّهوض بغايات الحداثة، ولا سيما بفضل قدرتِها الدّيناميّة على التَّطوُّر الشَّكليّ والمضمونيّ، وهذا الأمرُ حضرَ بجلاء فيما بعد عبرَ طُموح قصيدة النَّثر بالانفتاح على مشروع (الكتابة). 

وضمنَ هذا التَّحقيب الفنِّيّ والفكريّ كتَبَ الشّاعر السُّوريّ محمود السَّيِّد (ديوانَهُ/ القصيدة) المُعنوَنة بـِ "مونادا دمشق"، والمنشورة أوَّل مرَّة في مجلّة المعرفة السُّوريّة في العام 1973م، والتي عدَّ النُّقّاد والمثقَّفون صُدورَها حدَثاً ثقافيّاً مهمَّاً حينَها، لكونِها مثَّلَتْ، في اعتقاد الكثيرين، علامةً فارِقة في تطوُّر قصيدة النَّثر السّوريّة والعربيّة، من جهةٍ أُولى، ولقُدرتِها، من جهةٍ ثانية، على الخوض في تجريبيّة غنيّة مُنفتِحة على مشروع الكتابة، وعلى مُجاوَزة المَحمول الأيديولوجيّ، إلى حدٍّ كبير.

أتناولُ في هذهِ الدِّراسة بعضَ المُستويات الشَّكليَّة في ديوان "مونادا دمشق" للشَّاعر السُّوريّ الرّاحل (محمود السَّيِّد)، حيثُ أُقارِبُ أساليبَ حُضور مشروع الكتابة والتَّشكيل على البَياض في هذا النَّصّ/ الدِّيوان، إلى جانبِ دراسةِ سِماتِ الانزياح، ودراسةِ البلاغةِ الحرَكيَّةِ للصُّور، فضلاً عن تفحُّصِ مُستويَي الإيقاع الوجوديّ الكُلِّيّ للتَّجاوُز، والمُعجم بينَ التَّكثيف وتفجير اللُّغة.

وهوَ الأمرُ الذي يهدفُ إلى رسمِ مَلامِحَ عامّة تُكوِّنُ، إلى حدٍّ ما، فَهماً مَعقولاً لهذا الأُنموذج/ التَّجرِبة النَّثريَّة الحداثيَّة بحدِّ ذاتِها، من جانبٍ أوَّل، وتُساعِدُ، من جانبٍ ثانٍ، في فَهمِ بعضِ اقتراحاتِ الحداثة الشِّعريّة العربيّة العامّة.

أوَّلاً: مشروع الكتابة، والتَّشكيل على البَياض

إذا كانَ التَّعريف الإنجليزي والفرنسي لقصيدة النَّثر بأنَّها "قطعة كتابية بطريقة نثرية لكنها متميزة بعناصر تتوافر في الشعر. وهذا التعريف الأوروبي يشبه إلى حدّ بعيد مواصفات قصيدة النثر العربية"[5]، فإنَّ مشروع الكتابة الذي مثَّلَ طوراً تطوُّريّاً في التَّنظيرات اللاّحقة لقصيدة النَّثر، ولبعض نصوصِها، هو الفضاء الذي ينتمي إليه ديوان/ قصيدة مونادا دمشق؛ التي تُقدِّمُ اقتراحاً غنيّاً ووفّيّاً لفكرة أنَّ "الكتابة (...) في المشروع التجريبي العربي، أعلى مراحل تطور (القصيدة النثرية) وبكلمة أخرى (الكتابة) هي أفق التحولات التي بشرت بها (القصيدة النثرية)"[6]

إنَّ أهمّ سمات تجريب الانتقال إلى مشروع الكتابة نثريّاً يرتبطُ بخصائص شُموليّة تتَّسِمُ بها قصيدة (مونادا دمشق)، و"هي خصائص: الاستقلالية والكلية البدائية والجسدية كخصائص لماهية الحداثة"[7]

قال الشاعر:

"المرأة تولد بالرجل، والعاشقة وحدها

تغتبط بالامتلاك، وفي الحضور المأخوذ بالكشف

تتذوّق نكهة الأشياء دونما وسيط، ودونما

وسيط تدخل، مضاءة،

مشاعة،

مكتنزة،

مجذوبة باللقاء عبر الحجب مخترقة مسام

النسيان الممغنط بالفلز!..

آناً تتآلف

مع الوهج الروحيّ، وعلى سريره تتصاعد

بالمحبّ والمحبوب، جوّابة مياه الفجر وبحيراته

البنفسجية، منفلتة تحت ظلال الأساطير، وفي

قرى البحر المغلقة على المدهش والنفيس،

وآناً تتأرّج

مغتسلة بغضارة التهلّل،

مخفورة بالبكارات المسمّاة

بأسماء

الندرة والغرابة."[8].

يُقدِّمُ هذا المقبوس مثالاً مُعمَّماً في ديوان مونادا دمشق، حيثُ ينفتحُ عالَم العشق الحسِّيّ في القصيدة في وَحدة مركزيّة شبه مُستقلّة، تتأسَّسُ الكتابةُ فيها عبر بسط أساليب الوجود الحضاريّ النّاهض على اتّحاد الذّكر والأنثى لابتكار وخَلْق الوجود الجديد والمُغايِر، بما هو وُجود يتَّسِمُ بالكُلِّيّة البدائيّة التي هيَ إحدى دعائِم مشروع الكتابة القائِم على انفتاح كونيّ كيانيّ في زمن المُطلَق الجسَديّ بوصفِهِ زمن الحداثة الكُلِّيّة في هذا النَّصّ الأصيل فنِّيّاً.

تمتحُ علاقة الذّكر والأنثى في هذا الدِّيوان من شروط داخليّة في عالم النَّصّ، فيُحقِّقُ الشّاعر (استقلالاً نسبيّاً) عن الخارج، كأنَّ الموقف الرُّؤيويّ الكشفيّ لحُضور الحُبّ (الجسَد) مُتعالٍ عن المُستوى الوقائعيّ، وهذا أسّ رمزيّة فعل الحُبّ/ الولادة/ الخصب في تأسيس دلالة وَحدة الوجود (الكُلِّيّ) الحضاريّ في الدِّيوان:

"المرأة تولد بالرجل، والعاشقة وحدها/ تغتبط بالامتلاك، وفي الحضور المأخوذ بالكشف/ تتذوّق نكهة الأشياء دونما وسيط، ودونما/ وسيط تدخل، مضاءة،/ مشاعة،/ مكتنزة،/ مجذوبة باللقاء عبر الحجب مخترقة مسام/ النسيان الممغنط بالفلز!..".

وفي السِّياق نفسه، يتمُّ تعميقُ الاقتراح الذي تُقدِّمُهُ قصيدة مونادا دمشق في مشروع الكتابة بتصفية العلاقة مع المُسَبَّقات الشَّكليّة من جانب أوَّل، فـَ "ليس الشكل عند الشاعر الجديد، في الكتابة الجديدة، صيغة الكتابة، وإنما هو صيغة وجود، أي وعد ببداية جديدة. ومن هنا لا ينطلق الشاعر الجديد من أولانية شكلية، بل من أولانية اللا شكل"[9]، ومن جانبٍ ثانٍ، تسعى قصيدة مونادا دمشق إلى مُجاوَزة حدود التَّجنيس الأدبيّ، وهي أيضاً إحدى سمات مشروع الكتابة الحداثيّة، ذلكَ أنَّ "(الكتابة) في سمتها (الكلية) أو في مفهومها المقابل لـ (الأجناس الأدبية) تأتي في مرحلة امَّحت فيها الحدود التي تفصل ما بين هذه الأجناس"[10]

قال الشاعر:

"افتحن الأبواب، يا أبكاراً يسافرن من حلم إلى

حلم..

فالبحّارة آتون،

                فوارس البحر،

                      أبناء الأرض الأنثى في الريح

                                              والمطر،

تصطفق خطاهم، تتعثّر وتنهض.

                               والغرف طلقت جدرانها

من أجل متمرس واحد،

الأسرّة استافت عرقه فهلّلت.

    إلى ما نُصلب هجراً؟

إلى ما نتكدس مع الغبار ومع الكلمة المنخورة

كعظام الموتى في مقاهي المدن؟..

إلى ما يا بحّاراً تقحّمت على مسربته الحقول؟!

وليس،

ليس من إثم إلاّ وارتكبنه بالحلم، ليس من إثم

إلاّ وضاجعنه بالعين."[11]

نلاحظ في هذا المقبوس كيفيّات انبساط أساليب الوجود الحضاريّ الكُلِّيّة والنّاهضة على العشق الحسِّيّ انطلاقاً من مُجاوَزة الشَّكل المُسَبَّق، وتشكيل كيفيّات الوجود في عالَم القصيدة على البَياض بإعادة توزيعِها تبعاً للدَّفقات الوجوديّة والنَّفسيّة الحاملة لآفاق الدَّلالة، فتارةً يأتي السَّطر الشِّعريّ/ النَّثريّ مُكتملاً حتّى نهايتِهِ، وتارةً نقرأ كلمة واحدة على السَّطر، وتارةً تُوضَعُ الجُملة الكتابيّة في بداية السَّطر، أو تُدفعُ مسافةً نحو اليسار، وذلكَ في تشكيل عالَم القصيدة بما يفتحُ مسافات التَّوتُّر على أبعاد دلاليّة تُحقِّقُ أساليب التَّشظِّي الشَّكليّ في الوَحدة الكيانيّة/ الكُلِّيّة التي تطوي حركيّة الوجود الحضاريّ على تقنيّات تنتمي إلى أجناس كتابيّة مُتعدِّدة، كتقنيّات السِّرد والحبكة والمُفارَقة المُفاجِئة التي نجدُها بغزارة في ديوان مونادا دمشق.   

 ثانياً: أساليب وجود الانزياح

أوَّلتُ الانزياح في كتابي المُعنون بـِ "انزياح أساليب الوجود في الكتابة الإبداعيّة بينَ مُطابَقات العولمة واختلافاتِها"[12] بوصفِهِ يتجاوَزُ الدَّلالة التَّقليديّة نحويّاً وبلاغيّاً وصرفيّاً، مُنفتِحاً على أُفق (أُنطولوجيّ) أوسع مُرتبط بأساليب الوجود في عالَم القصيدة، وأحدُ أسباب هذا الفَهم المُغايِر للانزياح يعود إلى أنَّ المناهِجُ العلميّة _ المنطقيّة أهمَلتْ "البُعْدَ الأُنطولوجيّ لِلُّغة، مُكتفيةً بِالنَّظَر إليها في جانبِها الأداتيّ، وارثةً عنِ الفَلسفة التَّقليديّة موقفها من الانفعال والخَيال والحواسّ بوصفِهم في مرتبة أدنى من العَقل[13]، وساعيةً لتفسير النَّصّ الشِّعريّ ذاتيّاً وموضوعيّاً، ذلكَ بإخضاعه لقواعد تقنيّة _ قياسيّة، أو إجراءات منهجيّة مُؤسَّسة على البُرهان الحِسابي[14].

ولذلكَ كتبتُ في نهاية تأسيسي لتأويل الانزياح أُنطولوجيّاً في هذا الكتاب: "وهكذا، تُصبح رُؤيتُنا المَنهجيّة للانزياح بوصفِهِ تأويلاً أُنطولوجيّاً ناهِضةً على (...): (...) _ النَّظَر إلى نصوص الكتابة الإبداعيّة على أنَّها (عَوالِم)، تنبسِطُ فيها أساليب الوجود (طرُق الوجود) المُتنوِّعة بما هيَ (أي هذِهِ العَوالِم) ميادين اهتمام وحياة وصراع"[15].

يرمي هذا التَّوجُّه _هُنا_ إلى فهم ديناميّة الانزياح في قصيدة مونادا دمشق، بما هيَ ديناميّة تتأسَّسُ فيها وَحدة الوجود الحضاريّ الكيانيّ/ الكُلِّيّ انطلاقاً من تشظِّي أساليب العشق الحسِّيّ ومنظومة الحبّ والولادة والخصب؛ أي بوصف هذهِ الكيفيّات المُتشظِّيّة أساليب وجود ينهضُ عليها الانزياح الكُلِّيّ لعالَم مونادا دمشق ابتداءً من جدَليّات الحُبّ المُجاوِز، وانتهاءً  ببناء أُفق الحضارة الكيانيّة الكُلِّيّة الجديدة، وهذا ما يتَّضحُ بجلاء في المقبوس الآتي الذي تتحرَّكُ فيه آليّات الجدَل العشقيّ بوصفِها أساليب وجود ينهضُ عليها الانزياح الحضاريّ الكُلِّيّ الذي تتعيَّنُ بُؤرتُهُ الدَّلاليّة في علامة (الأطفال) رمز الولادة والخصب والحضارة الجديدة: 

"السلام، السلام للنبوءة، وللمدهش

في نموّه واتساعه..

السلام، السلام للاحتلال العشقيّ

والخضوع السيّد..

ولك وحدك يا كاهنة التواضع والحبّ

هتاف الرجل، وملكوته المسوّر بالقرميد والأسلحة،

القبل المحفورة كأفواه صخر الشواطئ.

يا حبيبة تتضوّع تحت عباءتي

تضوّع البراءة

والاشتهاء،

يا شفافية الطفولة،

ونقاوة الملامسة،

ليزدحمْ سرادقك بي:

الخلجان المروّعة بالقرش،

والسفن تغور بما فيها من قمح وحرير دمشقيّ،

والمسافرون يتأهّبون للغرق والامتلاء بمجد

البحر..

وعبر أرخبيل اللهب الأنثويّ، الأبهى

تحفزاً، والأعمق تمازجاً مع الحلم ينسج

الدم وسادة المرأة، يصنع أسرّة

للأطفال،

وللأطفال يكشف

الحجر

عريه وتاريخه!"[16].

لا يتأسَّسُ الانزياح في هذا الدِّيوان على انحرافات لُغويّة أو بلاغيّة واسِعة؛ إنَّما ينهضُ هذا الانزياح على معماريّة تنطلِقُ من أساليب وجود جزئيّة تتنامى شيئاً فشيئاً في معظم المقاطع كأنَّها لازمة مُتكرِّرة وصولاً إلى رمزيّة الخَلْق الحسِّيّ بما هو حامل دلالة النَّهضة الحضاريّة الكيانيّة بوصفِها انزياحاً كُلِّيّاً، ولهذا يبدأُ المقبوس السّابق بإنزال السَّلام على "النُّبوءة" و"المُدهش": "السلام، السلام للنبوءة، وللمدهش/ في نموّه واتساعه.."، مروراً بـِ "الاحتلال العشقيّ" و"الخضوع السِّيِّد" و"هُتاف الرَّجُل": "السلام، السلام للاحتلال العشقيّ/ والخضوع السيّد../ ولك وحدك يا كاهنة التواضع والحبّ/ هتاف الرجل، وملكوته المسوّر بالقرميد والأسلحة،/ القبل المحفورة كأفواه صخر الشواطئ"، وانتهاءً بالذُّروة الكشفيّة التي تبلُغُها أساليبُ الوجود الجزئيّة لبسط الانزياح الكُلِّيّ في وَحدة وجود الخَلْق والولادة والخصب المُتمثِّلة هُنا بـِ "الأطفال" بما هيَ حاملة رمزيّة لوَحدة الوجود الحضاريّ الجديد: "يا حبيبة تتضوّع تحت عباءتي/ تضوّع البراءة/ والاشتهاء،/ يا شفافية الطفولة،/ ونقاوة الملامسة،/ ليزدحمْ سرادقك بي:/ الخلجان المروّعة بالقرش،/ والسفن تغور بما فيها من قمح وحرير دمشقيّ،/ والمسافرون يتأهّبون للغرق والامتلاء بمجد/ البحر../ وعبر أرخبيل اللهب الأنثويّ، الأبهى/ تحفزاً، والأعمق تمازجاً مع الحلم ينسج/ الدم وسادة المرأة، يصنع أسرّة/ للأطفال،/ وللأطفال يكشف/ الحجر/عريه وتاريخه!".

ثالثاً: البلاغة الحركيّة للصُّور

أستكملُ النَّظَرَ في فَهم أساليب وجود الانزياح في قصيدة مونادا دمشق بفَهم نُهوض هذه الأساليب على حركيّة الصّورة الفاعلة لتخليق وَحدة الوجود الكيانيّ/ الكُلِّيّ، لا على بلاغتِها التَّقليديّة، على نحْوٍ نسبيّ، وهذا ملمح محوريّ في معماريّة الرُّؤى الحضاريّة في هذهِ القصيدة؛ ذلكَ "أنَّ (القصيدة الرؤيا) تتخطى الكلمة اليومية تماماً. وتبني عالماً تخييلياً بالصور. إنها معادل فني للرؤيا، التي بطبيعتها تحتوي على قطاع مجهول، تستنبطه القصيدة، وتحاول النفاذ فيه. لذلك فهي تقوم على تكسير اللغة، وتخريب علاقاتها المألوفة، وإبداع علاقات لغوية جديدة. إنها تؤسس لغة جديدة غير مستعملة بحساسيتها وعلاقاتها. وهذه اللغة في صيرورتها الداخلية تؤدي إلى تشكيل الصورة. إن (القصيدة ـ الرؤيا) تعتمد في صيرورتها الداخلية على حركة الصور"[17].

قال الشاعر:

"ها قارب آخر يتجه إلينا، متحداً بأنوثته، شاهراً

زعانفه، محمّلاً بالوجوب.

وبين الحشائش تضطجع الشمس وتُعرّى، وبين

الصخور يبحث البحر عن بكارة يتسلّل فيها، وتمتزج

به.

ومن أبواب متعدّدة تدخل الأنثى، وتُطرد من

باب واحد.

ومعها كنّا، ومشتهاة كانت.

فجثونا نتزاحم على ثقب نتسرّب عبره، ومن وراء

الجدار جثونا نتدافع حول ثقب نراقب منه..

وليس في عروقنا غير نزيز رائحة البحر!..

ومن باب واحد تدخل الأنثى، وتبحث عن خرم

إبرة تخرج منه، فلا تجد..

فتضطجع بها الشمس

تهلّل للبحر متسلّقاً إليها،

مرتفعاً بكلّ ملوحته، هابطاً ومجذوباً بالمرساة.

ومن فحولة البحر تغذي الطيور شراستها، وفوق

الزبد تسترخي لتنسج حرير الهنيات المشحونة

بلطافة المرأة.

وهجوم الرجل المجلّي.."[18].

تُستَمَدُّ بلاغة الصُّور في هذا المقبوس من حركيّة العشق الحسِّيّ ورمزيَّة علاماتِهِ بما هيَ أساليب وجود تُؤسِّسُ الوَحدة الحضاريّة الكُلِّيّة بما هيَ وَحدة الأنا/ الآخَر (الرَّجُل والمرأة)، فالقارب يتَّجه إلينا شاهراً زعانفه، والشمس تضطجع وتعرّى بين الحشائش، وبين الصُّخور يبحثُ البحر عن بكارة يتسلَّلُ فيها وتمتزج به، ومن أبواب مُتعدِّدة تدخلُ الأُنثى، ثُمَّ من باب واحد تدخل الأنثى، وتبحث عن خرم إبرة تخرج منه، فلا تجد، ونحنُ جثونا نتزاحم على ثقب نتسرّب عبره، وليس في عروقنا غير نزيز رائحة البحر، لتبلُغَ هذه الأساليب الوجوديّة عبرَ حركيّة صورِها البلاغة العليا _إذا صحَّ التَّعبير_ بوصفِها ذُروة حركيّة الصُّور الجزئيّة المُنبسِطة في وَحدة الوجود الحضاريّ الكُلِّيّ النّاهض على رمزيّة فعل الحُبّ والولادة والخصب: "ومن فحولة البحر تغذي الطيور شراستها، وفوق/ الزبد تسترخي لتنسج حرير الهنيات المشحونة/ بلطافة المرأة./ وهجوم الرجل المجلّي..".

ولهذا أجدُ أنَّهُ يُمكنُ الحديث في مونادا دمشق عن صورة كُلِّيّة/ مُركَّبة تختزنُ الصُّور الحسِّيّة والذِّهنيّة، وتبدو وفيّة لعالَم الدِّيوان بما هو وَحدة وجود حضاريّ كُلِّيّ ينهضُ على ديناميّة حركة الصُّور الجزئيّة بوصفِها أساليب وجود الحُبّ والولادة والخصب، فالصّورة المُركَّبة "هي الصورة الغنية التي تمتد، فيما تحمله، إلى أكثر من اتجاه. وتقوم خصوبتها، ليس على احتمالاتها المطروحة، وإنما على تعدّد الصور التي ينهض بها سياق النص، الجسد العام للصورة، وعلى كثافة هذه الصور أيضاً، وتمثّل التجربة الشعرية، بمستوياتها كافة، أبرز محمولات الصور المتكاملة المتضمنة، والهادفة إلى خلق جو غنيّ ومثير، غايته كشف عالم التجربة وتوضيح المكوّنات التي يتأسس عليها بمقصياتها النامية، كما تتأزر عناصر الصورة بمختلف المعطيات والخصائص التي تقوم عليها، على تفتّح الدلالات المرافقة وجعلها أكثر إحاطة وشمولية، مما يجعل النص أكثر ديناميكية في إظهار الفاعلية القصوى لحيوية هذه الدلالات، وكشف العلاقات الأساسية المتشابكة القائمة فيما بينها. إن الصورة المركبة، في النهاية، هي الإحاطة بالموقف الشعري المؤسّس على موقف حياتي صريح أو مكتنه. وتقوم بنموّها وترابطاتها المثيرة، الحسيّة والإدراكية، على خلق جو عام تتشابك داخله تحولات ذات طبيعة تفاعلية تخصّ بنية النص، تنزع لإعطاء هذه البنية سمة النمو والفيض، مما يسمح بظهور ما يمكن أن نسميه، بالتعددية الصورية التي تفصح بحركيتها العامة عن المستوى الفنّي الواعد والأصيل للنص"[19]

قال الشاعر:

"بالغبطة، الأرض تتذكّر بكارتها، الرحم تتهيّأ

للاستقبال. والمرأة تسكن وحدها الحمّى، وما من

ابتهاج إلاّ وفيها، هي المسربلة بعباءة المياه،

المتفقّدة داخل مقاصيرها ذات المرايا أصواتاً

تتوزعها الإمارة، تتشبّث في أرجاء شتى

كما العلق:

الثمين من ثمر الأنثى

يتوجّع ويأنس باللمس.

وحيث يرسم الطفل وجه البراءة، تتشابك

الهتافات،

تهبط

على التموّج المرصّع

ببهلوانيات الاشتهاء البحريّ،

تلتفّ بالعبق والحذر مخافة السقوط عبر مصبّ

الحرائق،

والانخطاف بالنغم السيرينيّ.."[20].

من الواضح أنَّ هذا المقبوس يحتفظُ بدلالة جليّة حول كيفيّات تخليق وَحدة الوجود الحضاريّ في الدِّيوان عبرَ تخليق صورة كُلِّيّة ناهِضة على حركيّة (علامات/ صور) مؤتلفة ومُختلفة جدَليّاً، بغية بناء المعماريّة الرُّؤيويّة المركزيّة، فعلامات "الغبطة" و"الاستقبال" و"الابتهاج"، وصور "الماء" و"الثَّمر" و"الهتافات"، تُشكِّلُ ديناميّة دلاليّة لملء مسافات التَّوتُّر بحركيّة دلاليّة ذات أسّ أُسطوريّ مُكلَّل بالعشق الحسِّيّ الذي يُتوَّجُ في هذا المثال بلازمتيْن محوريتيْن في مونادا دمشق، هما: البحر والطِّفل، بوصفِهِما دعامتيْن أساسيتيْن من دعائِم تخليق الصُّورة المُركَّبة الكُلِّيّة بما هيَ صورة الحبّ والاشتهاء والولادة والخصب، حيثُ يُؤسِّسُ الجسَد والحسّ والعشق عبرَ ديناميّة أساليب الوجود الجزئيّة المُتشظِّيّة وَحدة الصّورة الحضاريّة الكُبرى.

رابعاً: الإيقاع الوجوديّ الكُلِّيّ للتَّجاوُز

من المعروف أنَّ "الانتقال من الوزن إلى الإيقاع، كان أحد التغيرات التي أفرزها تنامي الرؤيا الشعرية العربية"[21]، والإيقاع هو "عبارة عن الحركة أو الإحساس بالحركة من خلال ترتيب المقاطع المنبورة والمُسكَّنَةْ ومدى هذه المقاطع"[22]، وللحركة الإيقاعيّة اختلافاتُها وخصوصياتُها المُتنوِّعة، فهيَ "تتباين من كاتب إلى آخر وفق طبيعة الكاتب وأسلوبه وموضوعه"[23].

قال الشاعر:

"طوبى لكنّ يا نساءً يستقبلن البحر،

طوبى لرجال يتعاصبون مع التربة والشمس،

يستدرّون الفحولة،

وفي كلّ آن يبحرون وليس من

زاد إلاّ العصب المجدّل، والعين المتفكهة بثمر

المرأة، ومن أجل المرأة..

طوبى لهم يتعاركون

مع الجبل والصخر، مع اليبس والقحط والعطش،

ومع الطواويس ذات الأسلحة، وذات القلاع،

ليصيبوا لكنّ وللأطفال خبزاً مجبولاً بالدم،

يتقدّمون به على الراح المعرّق والمفترس من

الشوك،

مرفّلين بالتعب،

وبرائحة البراري..

طوبى لكنّ سفناً مغامرة متضامنة مع البحارة،

صانعة في الحقل والدرب والكوخ، وبين أصوات

الفزع، وإشارة الفتك

عروق العالم ودمه."[24].

لا يخرجُ الشاعر في هذا المقبوس عن تقاليده الصّارمة في الدِّيوان، حيثُ يبسطُ حركيّات عالَم القصيدة وفقَ إيقاع أساليب وجوده الجزئيّة المُتشظِّيّة، بغية تخليق وَحدة الوجود الحضاريّ الكيانيّ/ الكُلِّيّ بما هيَ الذُّروة الشُّموليّة، أو زمانيّة الإيقاع المُطلَق؛ إذ تنهضُ البنى المعماريّة الإيقاعيّة التَّراكُميّة في عالم النَّصّ لتُحقِّقَ الإيقاع الكُلِّيّ التَّجاوُزيّ بما هو انفتاح أُفق الانزياح العشقيّ الكُلِّيّ باتّجاه كيفيّات الوجود النَّهضويّ الحضاريّ.

نلاحظُ الدَّور الدَّلاليّ المُوحي الذي يُحقِّقُه إيقاعيّاً تكرار مُفردة "طوبى" في هذا المقبوس، فلا يخرجُ عن تقاليد الدِّيوان بأكمله، لتبدأ نبرات الإيقاع بالاحتفاء بالنِّساء والرِّجال مُتآلفين مع البحر والتُّربة والشَّمس: "طوبى لكنّ يا نساءً يستقبلن البحر،/ طوبى لرجال يتعاصبون مع التربة والشمس"، ويتصاعد الإيقاع بتكرار جديد ولمّاح لـِ "طوبى" ليبلغَ نبرة صراعيّة تُساعدُ في بناء الدَّلالة الكُلِّيّة الآتية: "طوبى لهم يتعاركون/ مع الجبل والصخر، مع اليبس والقحط والعطش،/ ومع الطواويس ذات الأسلحة، وذات القلاع"، ليصلَ الإيقاع إلى ذُروتِهِ الدَّلاليّة المُولِّدة لوَحدة الوجود الحضاريّ التَّجاوُزيّ النّاهضة على رمزيّة خَلْق عالَم جديد انطلاقاً من الحُبّ والجنس والدَّم: "طوبى لكنّ سفناً مغامرة متضامنة مع البحارة،/ صانعة في الحقل والدرب والكوخ، وبين أصوات/ الفزع، وإشارة الفتك/ عروق العالم ودمه.".

إنَّ الإيقاع ليسَ سوى نبرات الخَلْق الحضاريّ الذي يعيشُهُ الشاعر في مونادا دمشق، ولذلكَ فهو ذاتي وموضوعيّ في آنٍ معاً، وهو آليّة الصِّراع نفسِها بغية بلوغ الوجود الكُلِّيّ التَّجاوُزيّ لوَحدة الحضارة المُنزاحة محمولةً على العشق الحسِّيّ؛ "فالنفس الإنسانية تعيش في حالة الخلق الشعري، حالات من ردود الفعل المختلفة بين الشدّة والضعف وما بينهما. من هنا، فإن الإيقاع أقرب ما يكون إلى تماوج هذه النفس، ومدى انسجامها أو تنافرها مع الواقع"[25]، وهذا الانسجام أو التَّنافر هو ما يبسطُ إيقاع أساليب الوجود الجزئيّة في عالم القصيدة، لتكونَ أشبه بمخاض الولادة وتخليق انزياح مُختلِف وجديد عبرَ إيقاعٍ كُلِّيّ مُغايِر وتجاوُزيّ.

قال الشاعر:       

"أهلاً به مستبيحاً أسوارنا ومقرفصاً في المخادع،

أهلاً به منتصباً كسارية، منغرزاً في الحركة والتموّج

قابضاً على الوحدة: الملاّح والعاصفة، الملوحة

والاحتكاك، الغبطة والتوّجع.

وأهلاً به قارئاً على زنديّ الرجل وظهره، قصيدة

نهستها امرأة وهفت إلى الأمومة.

المجد لك يا سنوزيريس،

المجد لك يا سيّد الحبّ، ولي الحضور في كلّ

آن، كل النداءات لي، كل الأسماء

أسمائي،

وليس من اسم أعرَّف به..

ليس من اسم لك!!

أبداً الصوت صوتي، وأبداً أتمرأى بعينيك،

والبحر يتمرأى بالعالم بي.

وأنت في البحر، ولا غياب، البحّارة يتحدثون

إليك، المسافرون يتحسّسون جنب الحربة،

الأطفال يأكلون معك، ومعهم تتوحّد والبحر،

وأتوحّد والأرض."[26].

تبدو النَّبرات الإيقاعيّة للخلْق الحضاريّ في هذا المقبوس شديدة الوضوح، فتكرار مُفردة التَّرحيب "أهلاً" يُتوَّجُ سريعاً بالاحتفاء بالوَحدة التي تطوي المُتناقضات داخلَ حركيَّتِها، ولا تلبث أنْ تبثَّ ما يُشيرُ إلى الدَّلالة الكُلِّيّة التَّجاوُزيّة المُتمثِّلة برمزيّة الخَلْق الحسِّيّ بينَ الرّجُل والمرأة: "أهلاً به مستبيحاً أسوارنا ومقرفصاً في المخادع،/ أهلاً به منتصباً كسارية، منغرزاً في الحركة والتموّج/ قابضاً على الوحدة: الملاّح والعاصفة، الملوحة/ والاحتكاك، الغبطة والتوّجع/ وأهلاً به قارئاً على زنديّ الرجل وظهره، قصيدة/ نهستها امرأة وهفت إلى الأمومة"، ويُعادُ الأمر نفسهُ في الإيقاع التِّكراريّ لمُفردة "المجد" ناهضاً على دلالة "النِّداءات"، ومُتوَّجاً في نهاية المقطع برمزيّة الولادة والأطفال تأسيساً لوَحدة الوجود الحضاريّ الكُلِّيّ التَّجاوُزيّ: "المجد لك يا سنوزيريس،/ المجد لك يا سيّد الحبّ، ولي الحضور في كلّ/ آن، كل النداءات لي، كل الأسماء/ أسمائي،/ وليس من اسم أعرَّف به../ ليس من اسم لك!!/ أبداً الصوت صوتي، وأبداً أتمرأى بعينيك،/ والبحر يتمرأى بالعالم بي./ وأنت في البحر، ولا غياب، البحّارة يتحدثون/ إليك، المسافرون يتحسّسون جنب الحربة،/ الأطفال يأكلون معك، ومعهم تتوحّد والبحر،/ وأتوحّد والأرض.".

 خامساً: المُعجَم بينَ التَّكثيف وتفجير اللُّغة

ينسجمُ معجم مونادا دمشق مع دلالاته الوجوديّة والكيانيّة والكونيّة، وتساهم المُفردات بطريقة آليّة تلقائيّة في تخليق المعاني الجزئيّة المُكثَّفة، بهدف تحقيق الدَّلالة الشُّموليّة الكُلِّيّة، وهذا التَّكثيف الدَّلاليّ لا ينفصلُ _بحالٍ من الأحوال_ عن قدرة اللُّغة في الدِّيوان على التَّشظِّي وتفجير المسافات في بؤر دلاليّة تستدرجُ المُتلقِّي إلى ذرى إدهاشيّة مُكثَّفة، "فالشعر، أساسه تكثيف موضوعاته. وهو إذ يعبّر عن هذه الموضوعات باللغة فإنه (يحمّلها من المعاني أكثر مما تحمل في أذهان الناس.) ذلك أن أولى مهام الشعر اختزال التجربة الحياتية. وكون التجربة الحياتية متشعبة وممتدة عبر الزمان والمكان، كان لا بد للشعر أن يساير هذا الامتداد، كي يكون أقرب إلى ذات الإنسان وألصق بحياته، من هنا، فإنه يسعى للإحاطة بهذه التجربة والتعبير عن أبرز معالمها، وهو إذ يقوم بذلك إنما  يدخل غمار الحياة، جنباً إلى جنب مع الإنسان لاكتشاف المستجدات الطارئة، وهكذا تظهر قيمة الشعر باعتباره نصوصاً تضيء ما غار داخل التجربة، واكتنه فيها، وتظهر قدرته في اختزان دلالات عديدة ترمز إلى هذا المنحى أو ذاك من مناحي الحياة، بمعنى أن الشعر يقوم على اختزال التجربة الشعرية في كلمات مصوغة بدقة وتركيز، في الوقت الذي يقوم فيه، على تحقيق رغبة الشاعر في التعبير عن هذه التجربة"[27].

قال الشاعر: 

"أَنتفضُ أيّها المحبّ، وبسخونتي أنسكب فيك

رمزاً لانتصار الدم، علامة وجد تتشوف بها

ذكورة البحر:

رائع هو الجنون يرسم وجهك كما

ليس يوصف،

رائع التجاوز الكلّي يضع خاتمه في إصبعك،

وبإصبعك، أيّها الفارس،

تفور ماويّة أنوثتي، ترتفع بكلانا حتى الأقنوم

الواحد في الامتلاك!!

إيه يا طعم الحلم في اليقظة، يا طعم المحرّم

على جسد الكاهنة المنذور للعشرة المقدسة.

إيه أيّها الربّان المتمرس بالأقاليم، والمزخرف

بالنجيل الشمسيّ.

هو ذا الجنون قارض التويجات

المهبليّة يحرّر المرأة، وخوفاً منك تلتجئ

إليك، مودعة طعمها في الملمس، وأبّهتها في

عينيّ النسر.

فلأشهد أن الحبَّ وحده مفتاح السريّة،

وأن الرجل في الحبّ مسلّح ضدّ الوهم.."[28].

إنَّ اللُّغة (معجميّاً) في هذا المقبوس شديدة الوفاء لعلامات الوجود المحوريّة في الدِّيوان، وهيَ جزء وجوديّ من آليّات تكثيف أساليب الوجود المُختلفة، بما هيَ أساليب الحبّ والولادة والخصب، والتي تتشظَّى وتتفجَّر كيفيّاتُها عبر علامات مرحليّة في هذا المثال كـَ "الانتفاضة" و"السُّخونة" و"الجنون"، وعبر لازمات كُلِّيّة كـَ "الدَّم" و"البحر" و"الفارس"، وكُلّ ذلكَ يُحقِّقُ تكثيفيّاً القدرة على تفجير الدَّلالات الجزئيّة ناهضةً على حركيّات العشق الحسِّيّ، ومُعانِقةً في كُلّ مرّة وَحدة الوجود الحضاريّ الكيانيّ/ الكُلِّيّ في عالم مونادا دمشق.

تبدو دلالتا الفعلين: "أنتفضُ" و"أنسكبُ" فعّالةً في تفجير التَّكثيف الدَّلاليّ الذي تقوله عبارة: "رمزاً لانتصار الدَّم"، وتأتي مُفردة "الجنون" مُمهِّدةً بحنكة لتفجير دلالة عبارة الشّاعر العميقة: "رائع التَّجاوز الكُلِّيّ"، وتفي عبارة "تفور ماويّة أنوثتي" تأسيساً على فعل "تفور" بدلالة "الأقنوم الواحد في الامتلاك"، وتكثِّفُ مفردات "الحلم" و"اليقظة" و"العشرة المقدَّسة" و"الربّان" و"الشَّمسيّ" و"الجنون" دلالات اللُّغة المُتشظِّيّة في أساليب وجودها الجزئيّة وصولاً إلى الدَّلالة الرَّمزيّة لحركيّة الحُبّ/ الولادة/ الخصب المُنطوية عبر تكثيف لافت على وَحدة الوجود الحضاريّ الكيانيّ والكُلِّيّ الجديد: "فلأشهد أن الحبَّ وحده مفتاح السريّة،/ وأن الرجل في الحبّ مسلّح ضدّ الوهم..".  

قال الشاعر أيضاً:

"ولتكن أنت يا فارس الحبّ والقتل، سيّد

المبادهة، موقّت التحدّي ضدّ الآلهة، وضدّ

اللا امتلاك.

أبداً متهيء للعناق والمحاضنة، وأبداً العاشقة

طريدة ومرشوقة بلهاثك الممزوج بالغضب

والاستبداد.

وأبداً صوتك الآمر مصطدم بي،

متشابك مع الحشرجة والهطول العذب.

آه يا منحة الشراسة، يا حبّي المتأجّج

بروعة العصيان، والمسلّح بالتحدّي..

ها أنت الآن أكثر

طمأنينة، وأكثر انتصاراً بالمرأة المتضوّعة

عند خاصرك بالتّنهّد والطفولة.

ها أنت القابض على سرّ القتل، أنقى طهارة

بالحضور الأنثويّ، وأبعد امتلاكاً للحبّ،

والوداعة في الحبّ.

أيتها الآلهة، أيتها الآلهة المفجوعة بالغيرة

والأرق، والمنهكة برصد التدحرج والمراقبة..

ما من مكان

لك بين جمهرة العشّاق، وفي مملكتنا المزدهية

بمشاعل الرعشات والتأوّه، المتكتمة على

خيول لم تروض، وفوارس

يغزون لمجد الحبّ،

خلجاناً تعنّب بالنساء،

ونساء يجلين عريهنّ على

الذهب المتساقط من الشمس، دونما

احتشام،

ودونما وجل.."[29].

إنَّ بدء هذا المقبوس بمُفردة "فارس"، واختتامه بمُفردة "النِّساء" أمرٌ تطلَّبَ حشد مُفردات تُكثِّفُ الدَّلالة التي تنتقلُ كالعادة من الجزئيّ المُتشظِّي إلى وَحدة الكُلِّيّ، ولهذا وصفَ الشاعرُ الفارسَ بـ "المبادهة" و "موقِّت التَّحدي" والمُعادي لـ "اللا امتلاك"، فهو "أبداً متهيء للعناق والمحاضنة"، والعاشقةُ أبداً "طريدة ومرشوقة بلهاثك الممزوج بالغضب"، ومفردات "الحشرجة" و"الهطول العذب" و"الشَّراسة" و"العصيان" وفيّة لحركيّة الحُبّ المُتأجِّج، فالفارسُ هو: "القابض على سرّ القتل، أنقى طهارة/  بالحضور الأنثويّ، وأبعد امتلاكاً للحبّ،/ والوداعة في الحبّ"، وقُوَّة تخليق الولادة الحسِّيّة تتجاوزُ حتّى "الآلهة" الموصوفة بـِ "الغيرة" و"الأرق" و"المنهكة"، فالعالم الحضاريّ الجديد يحتفي في وَحدتِهِ الكُلِّيّة المُكثَّفة بالخصوبة التي حشدَ الشّاعر لبناء دلالتِها مجموعة مُفردات مُكثَّفة الرَّمزيّة، مثل: "مشاعل" و"الرعشات" و"التَّأوُّه" و"خيول" و"لم تروَّض" و"مجد" و"تعنِّب" و"عريهنَّ" و"الذّهب" و"الشَّمس"، مُنهياً بالقول النّافي لأيّ احتشامٍ وأيّ وجل: "ونساء يجلين عريهنّ على/ الذهب المتساقط من الشمس، دونما/ احتشام،/ ودونما وجل..".

خُلاصة

تُمثِّلُ قصيدة "مونادا دمشق" _تجربةً وتجريباً_ أُنموذجاً لافتاً للانتقال في الشِّعريّة العربيّة من مشروع قصيدة النَّثر إلى مشروع الكتابة، حيثُ انطوتْ على أساليب كيانيّة شُموليّة تحتفي بالاستقلاليّة النِّسبيّة والكُلِّيّة البدائيّة والجسَديّة، بما هيَ خصائص ماهويّة للحداثة الشِّعريّة، وقد تعيَّنتْ هذه السِّمات عبر حركيّة معماريّة رمزيّة تتأسَّسُ على موقف رؤيويّ كشفيّ لحُضور فعل الحُبّ والجسَد والجنس النّاهض بدلالات تخليق وَحدة الوجود الحضاريّ.

ويتَّسِمُ الانزياح في هذهِ القصيدة بديناميّة كُلِّيّة تنطلقُ من أساليب وجود جدَليّات الحُبّ المُجاوِز، وتنتهي ببناء أُفُق الحضارة الكيانيّة الكُلِّيّة الجديدة؛ أي إنَّ ديناميّة الانزياح تُؤسِّسُ في القصيدة وَحدةَ الوجود الحضاريّ الكيانيّ انطلاقاً من تشظِّي أساليب وجود العشق الحسِّيّ، ومنظومة الحُبّ والولادة والخصب.

وفي هذا المَنحى، لا تقومُ بلاغة الصُّوَر في هذا الدّيوان _نسبيّاً_ على البلاغة التّقليديّة؛ إنَّما تقومُ على حركيّة الصُّوَر نفسِها المُستمدّة من حركيّة العشق الحسِّيّ، ورمزيّة علاماتِهِ التي تُؤسِّسُ الوَحدة الحضاريّة الكُلِّيّة، بما هيَ وَحدة الأنا/ الآخَر (الرَّجُل والمرأة)، فهذهِ القصيدة تنطوي على صورة كُلِّيّة مُركَّبة تختزنُ الصُّور الحسِّيّة والذّهنيّة الجزئيّة المُحتفية بأساليب وجود الحُبّ والولادة والخصب.

كذلكَ تنطوي هذهِ القصيدة على انتقالٍ غنيٍّ من الوزن الشِّعريّ المعروف عربيّاً في القصيدة العموديّة وشِعر التَّفعيلة، إلى حركيّة الإيقاع المُغايِر والخاصّ بكيفيّات وفائِهِ الانفعاليّ والوجوديّ لتنامي الرُّؤيا الشِّعريّة العربيّة الجديدة، فتتنوَّعُ إيقاعات الدّيوان بنبرةٍ قويّة لافتة تحتفي بأساليب الوجود الجزئيّة المُتشظِّية لحركيّة الحُبّ الحسِّيّ، لتتراكم وُفقَ هذهِ الحركيّة الإيقاعيّة البِنى المعماريّة وصولاً إلى تشييد البناء الإيقاعيّ الكُلِّيّ التَّجاوُزيّ بما هو انفتاح أُفُق الانزياح العشقيّ الكُلِّيّ باتّجاه كيفيّات تخليق الوجود النَّهضويّ الحضاريّ المُغايِر. 

ولهذا اتَّسَمَ مُعجم "مونادا دمشق" بألفاظ مُنسجمة مع الحركيّة العامّة للدّيوان، ومع دلالاتِها الوجوديّة الكيانيّة والكونيّة كتابةً وإيقاعاً، حيثُ مارستِ المُفرداتُ دوراً محوريّاً في تخليق المعاني المُكثَّفة، وفي تفجير اللُّغة، بهدف نموّ كيفيّات وُجود الحُبّ الحسِّيّ الجزئيّة وُصولاً إلى الدَّلالة الشُّموليّة المُنفتِحة في وَحدة الوُجود الحضاريّ الكيانيّ/ الكُلِّيّ؛ إذ استطاعَ محمود السَّيِّد، بذلكَ، أن يُكثِّفَ أساليبَ وُجود الحُبّ/ الولادة/ الخصب، عبرَ مُفردات تنفخُ الكثافةَ في حركيّة الجدَليّات الجُزئيّة المُتفجِّرة، بغيةَ بلوغ الدَّلالة الرَّمزيّة المُشيرة إلى العالَم الحضاريّ الجديد والمُختلِف والمُنتظَر.

أخيراً، وليسَ أخِراً، أقولُ:

تستحقُّ تجرِبة محمود السَّيِّد على نحْوٍ عامّ، ولا سيما في ديوان/ قصيدة "مونادا دمشق" تحديداً، الاحتفاءَ والتَّقديرَ المَعرفيّ والنَّقديّ والإبداعيّ. فضلاً عن ضرورة الاحتفاء بمجموعةٍ من الدَّواوين والقصائد العربيّة الحديثة الأُخرى، والتي تستحقُّ، في اعتقادي أيضاً، المزيدَ من القراءة والتَّمعُّن والتَّحليل، بوصفِ تلكَ الأعمال علاماتٍ لافِتة في الشِّعريّة العربيّة الحديثة.

ومن الجدير بالاهتمام، في هذا السِّياق، أنْ يَعمَلَ النُّقّادُ كذلكَ، على فهمِ الصِّلات الإبداعيّة والفنِّيّة التي تربطُ بينَ بعضِ الأعمال الشِّعريّة الحديثة والأبعاد التَّنظيريّة التي نهَضَ عليها الموقف العربيّ الحداثيّ/ النَّظَريّ، ومدى انفتاح تلكَ الأعمال على فضاءاتٍ مُمكِنة تنتمي، إلى حدٍّ ما، إلى رُؤىً ما بعدَ حداثيّة، وهو فعلٌ مُتعلِّقٌ عميقاً بتحقيب الأعمال الشِّعريّة ذات الأهمِّيّة تأريخيّاً وفنِّيّاً.


[1] علي سفر: محمود السَّيِّد صاحب مونادا دمشق التي أيقظَت النُّصوص (موقع العرب: السَّبت 30/ 5/ 2015).
[2] المرجع نفسه.
[3] المرجع نفسه.
[4] المرجع نفسه.
[5] عز الدّين المناصرة: إشكاليّات قصيدة النَّثر _ نصّ مفتوح عابر الأنواع (بيروت _ لبنان: المُؤسَّسة العربيّة للدِّراسات والنَّشر، ط1، 2002) 15.
[6]  محمَّد جمال باروت: الشِّعر يكتب اسمه _ دراسة في القصيدة النَّثريّة في سوريّة (دمشق _ سوريّة: منشورات اتّحاد الكُتّاب العرب، 1981) 130.
[7] المرجع نفسه، 130.
[8] محمود السَّيِّد: مونادا دمشق (دمشق _ سوريّة: دار ألف للكتابة الجديدة، ط2، 2003) 96 _ 97.
[9] محمَّد عزّام: الحداثة الشِّعريّة _ دراسة (دمشق _ سوريّة: منشورات اتّحاد الكُتّاب العرب، 1995) 32.
[10] محمَّد جمال باروت: الشِّعر يكتب اسمه، 140.
[11] محمود السَّيِّد: مونادا دمشق، 84 _ 85.
[12] مازن أكثم سليمان: انزياحُ أساليبِ الوُجود في الكتابة الإبداعيَّة بينَ مُطابَقاتِ العولمة واختلافاتِها _ دراسة نقديَّة (الخرطوم _ السُّودان: الشَّركة السُّودانيَّة للهاتف السَّيَّار (زين)، ط1، 2019) ص 39 _ 63.
[13] يُنظَر: محمَّد طواع: هيدجر والميتافيزيقا _ مُقارَبة تُربة التَّأويل التِّقنيّ للفكر (الدار البيضاء _ المغرب: أفريقيا الشَّرق، 2002) 137 _ 138.
[14] يُنظَر: المرجع السّابق، 61، 137 _ 138. ويُنظَر: سعيد توفيق: في ماهيّة اللُّغة وفلسفة التَّأويل (بيروت _ لبنان: مجد المُؤسَّسة الجامعيّة للدِّراسات والنَّشر والتَّوزيع، ط1، 1423 هـ _ 2002 م) 145 _ 146. ويُنظَر: سعيد توفيق: الخبرة الجماليّة _ دراسة في فلسفة الجمال الظّاهراتيّة (بيروت _ لبنان: المُؤسَّسة الجامعيّة للدِّراسات والنَّشر والتَّوزيع، ط1، 1992) 127.
[15] مازن أكثم سليمان: انزياح أساليب الوجود في الكتابة الإبداعيّة بين مطابقات العولمة واختلافاتها، 57.
[16] محمود السَّيِّد: مونادا دمشق، 30 _ 32.
[17] محمَّد جمال باروت: الشِّعر يكتب اسمه، 96.
[18] محمود السَّيِّد: مونادا دمشق، 67 _ 68.
[19] يوسف حامد جابر: قضايا الإبداع في قصيدة النَّثر _ دراسات في نصوص القصيدة (دمشق _ سوريّة: دار الحصاد للنَّشر والتَّوزيع، ط1، 1991) 164.
[20] محمود السَّيِّد: مونادا دمشق، 109.
[21] محمَّد جمال باروت: الشِّعر يكتب اسمه، 54.
[22] عز الدّين المناصرة: إشكاليّات قصيدة النَّثر، 13.
[23] المرجع نفسه، 14.
[24] محمود السَّيِّد: مونادا دمشق، 72 _ 73.
[25] يوسف حامد جابر: قضايا الإبداع في قصيدة النَّثر، 243.
[26] محمود السَّيِّد: مونادا دمشق، 88 _ 89.
[27] يوسف حامد جابر: قضايا الإبداع في قصيدة النَّثر، 79.
[28] محمود السَّيِّد: مونادا دمشق، 95 _ 96.
[29] المصدر نفسه، 26 _ 27.