icon
التغطية الحية

معرض الفنان "علي عمر" في إسطنبول.. بورتريه للكشف عن معنى حياتنا القلقة

2023.09.01 | 07:12 دمشق

معرض
الفنان علي عمر بجانب إحدى لوحاته (تلفزيون سوريا)
+A
حجم الخط
-A

احتضن غاليري "كلمات" في منطقة "كادي كوي" في مدينة إسطنبول، معرض الفنان التشكيلي السوري الشاب "علي عمر" خلال شهر أغسطس/ آب 2023.

يعتمد أسلوب الفنان -في غالبية أعماله- على "البورتريه"، كأسلوب فني يختزن العوالم المختلفة للإنسان، في رؤيته لما يدور حوله من معان شكّلت علاقته بهذا العالم؛ الذي يزداد قسوة يوما إثر يوم.

في الوقت ذاته، يحقق "علي" من خلال أسلوب "البورتريه" فلسفته الفنية في الكشف عن جوهر الإنسان. يقول علي: (أسلوب البورتريه اعتمدته كمشروع لي منذ البداية، من أجل فهم الإنسان ومعنى وجوهر الأشياء، وفي نفس الوقت هو أيضا محاولة مستمرة لفهم الذات من خلال فهم الآخر).

انشغال "علي" بالوجوه وما تخفي من فهم متباين لهذا العالم، قادم من ذكريات وتفاصيل مرحلة الطفولة، التي لا تزال حاضرة في ذاكرته ورغبته بالاكتشاف، بكل ما يحمل المفهوم من معانٍ واسعة، كما يقول.

علي عمر

البورتريهات التي ضمتها صالة العرض، تواجهك مباشرة بسيل من الأسئلة، حتى وكأنها تخاطبك وحدك دون غيرك، دون أن تمنحك الإجابات، إذ هي تترك لك حرية التأويلات المختلفة في تفسيرها.

بورتريهات لوجوه خائفة، متوجسة، منتظرة، تنطوي على لمسات واضحة من الحزن، والرعب أيضا، وربما كذلك، الرغبة في مخاطبتنا كوجوه تشبهنا في حالاتنا النفسية الصعبة، وكذلك أساليب الحياة الذي نعيش فيها؛ المنفتحة على تبدلات وتغيرات لا نستطيع توقعها في غالب الأحيان.

لم يعط "علي" لمعرضه اسمًا محددا، تاركًا لكل متلقٍ مساحته الخاصة في قراءة اللوحة كما يراها بالعلاقة مع تجربته الحياتية.

وبما أننا نعيش كسوريين في ظل ظروف، أقل ما توصف بأنها مربكة وضبابية وغير مستقرة؛ فلربما نجد وجوهنا متجسدة في هذه اللوحات، لا سيما إذا ما تعمقنا في تفاصيل كل "بورتريه" بشكل منفصل. مرة نكتشف وجها مغرقا في الغموض والانتظار، ومرة تظهر آثار الرعب على العيون الخائفة أو الشفاه المشوّهة. وتخبرنا وجوه أخرى بقرار الاستسلام للقدر، وأخرى بالتفاؤل بما هو قادم، وقبل كل ذلك، وجوه يفتنها "السؤال" عن معنى وأسباب وجودنا.

يحتاج كل بورتريه من "علي" إلى التمعن مطوّلا في تفاصيل اللون، وتفسير "التحديقات" الخاصة لها، حتى لتبدو وكأن اللوحة سوف تنطق بعد قليل، لتخبرنا أن تفسيرنا قد يكون دقيقا وواضحا تارة، أو تحفّزنا للتعمق أكثر، فربما نكتشف ما هو أبعد من الوجوه الخائفة أمامنا.

فنان

اللوحة هي نوع من "الاكتشاف"، والبحث عن معنى الأشياء. ومن هنا، فإن الفنان يرى أنه بالإمكان فهم العالم من خلال اللوحة، على الأقل بالنسبة له ولمشروعه الفني.

يستدعي المخزون البصري للفنان تجربته الحياتية والأشكال و"الألوان" التي شكّلت فهمه وتصوراته عن معنى التداخلات اللونية في لوحته. وهو ما يمكن تلمّسه في لوحات "علي" القادم من مناطق شمال شرق سوريا، الغنية بالبعد الجمالي واتساع المدى اللوني الخاص بها. وبسبب هذا، فهو يرى أن تغيّر المكان "الجغرافيا" لا دور له في تمثّل أطياف جديدة للون في لوحته، فما اختُزن في الذاكرة الفردية والجمعية كافٍ له ليواصل مشروعه الفني الذي انطلق منذ عقد من الزمان، في سوريا والعراق وأخيرا في تركيا.

يحق للمتلقي أن يفسّر ويعيد فهم اللوحة كما يريد، أو يستوعبها إدراكه الحسي. وهو ما أيّده "علي": (الخطاب البصري يؤسس للديمقراطية، بمعنى حرية التأويل التي تسمح بمساحات كبيرة لتفاعل المتلقي مع العمل).

لذلك فإنه يرى أن مشروعه هو (ترك العمل البصري يطلق حوارا مع المتلقي مهما كانت خلفيته أو بيئته). مؤكدا أن اللوحة أو "الخطاب البصري" يختزن ذاكرة جمعية إنسانية عامة، طالما أننا نتشابه "كبشر" في التجارب، كل حسب الخلفية التي أسست شخصيته، والثقافة التي شكّلته.

أتى معرض "علي عمر" وسط الإرباكات التي يعيشها السوريون في تركيا وفي ظل تراجع مساحة الأمان والاستقرار لهم، وكذلك تزايد موجات هجرة الكثير منهم إلى أوربا بحثا عن مساحات للأمان والأمل، بعد تعالي خطاب الاستبعاد والكراهية بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.

علي

ورغم ذلك، فإن للفن، على ما يبدو، دوره في فعل التلاقي بين الثقافات، إذ كان غالبية الحضور على مدى أيام المعرض هم من المهتمين الأتراك أو من جنسيات أخرى أيضا تعيش في تركيا. وهو أمر على درجة من الأهمية في التقارب الإنساني والثقافي؛ ووسيلة مقاومة لكافة أشكال القهر والإقصاء (وما أكثرها تزايدا في أيامنا هذه)؛ لا سيما مع وجود مشروع خاص بالغاليري لتأسيس جسر ثقافي بين الفنون الشرقية والفن والجمهور التركي المعني بهذا الشأن.

مشروع "علي" الفني يستحق إفراد مساحات كبيرة للحديث عنه، ربما لأن “البورتريه" هنا يحتاج إلى قراءته بأكثر من زاوية، لاختزانه على معاني عميقة تمس حياتنا بشكل مباشر.

بقي أن نذكر أن الفنان "علي عمر" هو من خريجي كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 2011، وأقام العديد من المعارض الفردية والجماعية في تركيا، كما أنه حاصل على جائزة الفنانين الشباب في تركيا عام 2017.