icon
التغطية الحية

مظلوم عبدي ينكر نقل قتلى "غويران" بالشاحنات وصحيفة أميركية ترصد جثث أطفال بينهم

2022.02.01 | 18:50 دمشق

امرأة تجلس مع ابنها فوق ركام بيتها بالحسكة
امرأة تجلس مع ابنها فوق ركام بيتها بالحسكة
نيويورك تايمز - ترجمة ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

غطى غبار أبيض شعر الفتى البني الداكن، بينما ظهرت على ذقنه بدايات بزوغ لحية.

فقد تم العثور يوم الأحد على جثة هذا الفتى مع جثة فتى آخر في شارع قذر يقع خلف السجن بشمال شرقي سوريا، حيث حاربت القوات الكردية التي يدعمها الجيش الأميركي لمدة تجاوزت الأسبوع، وذلك بهدف إحباط محاولة مقاتلي تنظيم الدولة التي تهدف إلى تحرير المقاتلين السابقين المحتجزين هناك.

أول دليل مؤكد

يعتبر العثور على هاتين الجثتين بمثابة أول دليل مؤكد على مقتل ما لا يقل عن مراهقين من بين 700 صبي مراهق تم احتجازهم في ذلك السجن لكونهم أبناء لمقاتلي تنظيم الدولة، في ذلك القتال.

ولقد اعترف قائد قوات سوريا الديمقراطية الذي يدير ذلك السجن يوم الإثنين بوجود: "عدد ضئيل" من الصبيان الذين قتلوا في ذلك القتال.

جثة تعود لأحد الصبيين المقتولين وهي ملقاة في أحد شوارع الحسكة
جثة تعود لأحد الصبيين المقتولين وهي ملقاة في أحد شوارع الحسكة

 

وأضاف مظلوم كوباني المعروف باسمه الحركي في أول مقابلة أجريت معه منذ بدء الحصار: "لقد هرب البعض منهم مع الكبار، وهؤلاء إما جرى القبض عليهم من جديد أو تعرضوا للقتل".

كما تم احتجاز البعض منهم كأسرى خلال فترة حصار السجن بحسب تصريحات لقسد.

أما الرواية الأكمل حول حصار السجن الذي يؤوي عناصر من تنظيم الدولة والجهود التي بذلتها الميليشيا الكردية والقوات الأميركية لإحباط ذلك الحصار، فقد ظهرت يوم الاثنين، بعد يوم من استعادة قسد للسيطرة الكاملة على سجن سيناء بمدينة الحسكة. فقد قتل نحو 500 شخص، 374 منهم لهم ارتباطاتهم بتنظيم الدولة حسبما ذكرت قسد. وشملت حصيلة القتلى نحو 40 مقاتلاً من مقاتلي قسد، و77 موظفاً وحارساً للسجن، وأربعة مدنيين.

وذكرت تلك الجماعة أن مقاتلي تنظيم الدولة الذين اعتدوا على السجن استعانوا بخلايا نائمة لتنفيذ ذلك الهجوم، وأن الاعتداء على السجن كان جزءاً من مخطط أكبر يهدف للهجوم على مخيمات الاعتقال الكبيرة في المنطقة ذاتها بما أنها تحتجز الآلاف من الأشخاص، معظمهم زوجات وأبناء لمقاتلي تنظيم الدولة، إلى جانب الهجوم على مدينة الرقة التي كانت عاصمة دولة الخلافة المزعومة لتنظيم الدولة الإسلامية.

يذكر أن هذين الصبيين احتجزا في سجن الحسكة لثلاث سنوات في الوقت الذي كان فيه المجتمع الدولي يتناقش حول ما يجب أن يفعله بهما.

مصدر خطر أم ضحايا؟

أعربت قسد عن أن الصلات التي تربط بين هذين الصبيين وبين تنظيم الدولة جعلت منهما شخصين خطرين، لأن بعض الأشخاص الأكبر منهما سناً تلقوا تدريباً على القتال، في الوقت الذي تعتبر فيه منظمات حقوقية هؤلاء الأشخاص بمثابة ضحايا، وذلك لأن الأطفال انضموا لتنظيم الدولة دون حول منهم ولا قوة.

بيد أن المنظمات وقسد طالبتا الدول الأصلية التي ينحدر منها هذان الصبيان بإعادتهما إلى بلادهما.

إذ ذكر مظلوم كوباني قائد قسد أنه طلب من المجتمع الدولي على مدار ثلاث سنوات إنشاء مراكز لإعادة التأهيل في منطقته الفقيرة، فمع عدم توفر مرافق أفضل لهم ومع عدم إجلائهم من قبل دولهم، لم يكن هنالك مكان آخر لإيوائهم سوى السجن على حد تعبيره.

يذكر أن صحفيي نيويورك تايمز شاهدوا يوم الأحد الماضي جثتي الصبيين  ملقاتين في شارع قذر إلى جانب بقايا من جثث تعود لأربعة أشخاص آخرين، كلها مقطعة الأوصال، ويبدو عليها أنها تعرضت للقنص.

ومايزال أحد هذين الصبيين يرتدي جوارب مصنوعة من بطانية رمادية تستخدم في السجن، أما ما تبقى من لباس السجن البرتقالي فقد تناثر بالقرب من جثته.

كما قام بعض الصبية من أبناء الحي بركل الجثث في أثناء مرورهم، وفي ذلك ما يعبر عن كراهية شديدة يضمرها غالبية أهالي تلك المنطقة تجاه تنظيم الدولة.

U.S.-backed Syrian forces searched for escaped prisoners and Islamic State fighters near the prison in the city of Hasaka.
قوات قسد وهي تبحث عن السجناء الهاربين من مقاتلي تنظيم الدولة

 

كما ذكر أهالي الحي أن الصبيين كانا ضمن مجموعة من السجناء الهاربين، ومعظمهم عراقيون، والذين قتلوا يوم الجمعة الماضي على يد قسد، في أثناء بحث مقاتلي تلك الجماعة عن مقاتلي تنظيم الدولة وتفتيشهم للبيوت بيتاً بيتاً.

أطفال مساكين 

ذكرت إحدى القاطنات في الجوار من أبناء الحي رفضت الكشف عن اسمها خوفاً على سلامتها، فقالت: "ياللأطفال المساكين! لقد حولوهم إلى جنود، كنا نتمنى لهم أن يعيدوهم إلى بلادهم".

ولم يتضح ما إذا حاول هذان الصبيان الهرب برفقة مقاتلي تنظيم الدولة أم أنهما كانا محتجزين كرهائن على يد هؤلاء المقاتلين. كما ذكر العديد من الأهالي بأنهم لم يشاهدوا الصبيين أو السجناء الهاربين وهم على قيد الحياة، كما لم يعرفوا إن كان أي منهم يحمل سلاحاً معه.

فيما ذكر مظلوم كوباني أن كل الصبية هم بمثابة مقاتلين مدربين لدى تنظيم الدولة، إلا أن منظمات حقوقية أنكرت تلك التأكيدات، وأضاف مظلوم أن أعمار الصبيين تتراوح ما بين 15-17 عاماً، إلا أن حقوقيين ذكروا أن عمر الصبيين لا يتجاوز 12 عاماً.

بدت الصدمة على وجه مظلوم كوباني حيال تقرير نيويورك تايمز الذي نشر يوم الأحد والذي ورد فيه أن شاحنة تشتمل على قلاب قامت برمي ما لا يقل عن 80 جثة في الشارع ثم قامت شاحنة أخرى بنقل تلك الجثث إلى مقبرة جماعية، حيث علق قائلاً: "هذه أول مرة أسمع بها عن هذا، ولو حدث ذلك فإنه ذنب عظيم".

"حقيقة مؤسفة"

وعندما سئل التحالف الدولي الذي تترأسه الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا عن هذين الصبيين المقتولين، وعن طريقة رمي جثتيهما، أتى الرد: "تلك حقيقة مؤسفة" في الحرب.

وأضاف التحالف في بيان له: "لقد وظفت قسد قدراً مناسباً من القوة الفتاكة لمجابهة الهجوم وإخماد عصيان المعتقلين، وحاولت غير مرة التفاوض معهم ليستسلموا بشكل كامل، واستعانت بالقوة اللازمة للرد على الأعمال العدائية.. وبالرغم من أن الصور التي عرضتها صحيفة نيويورك تايمز مزعجة إلا أنها تمثل حقيقة مؤسفة في النزاع المسلح حيث لابد من وقوع ضحايا وإصابات كما يجب اتخاذ إجراءات للحد من انتشار ذلك المرض".

An American soldier at a store last week in Hasaka province, which includes the city of Hasaka. 
أحد الجنود الأميركيين في متجر بمدينة الحسكة

 

وملأ ركامُ البيوت التي دمرتها قوات الأمن مستخدمة جرافات مصفحة ومركبات مقاتلة لقتل مقاتلي تنظيم الدولة والسجناء الهاربين الذين رفضوا أن يستسلموا الشارعَ المحيط بالسجن، وذكر الأهالي بأنهم رأوا عربات مصفحة وعليها أعلام أميركية ترفرف وهي تشارك في تلك العمليات.

 

S.D.F. forces checked documents of Syrian men on Sunday while searching for Islamic State fighters. 
قوات قسد وهي تفتش في وثائق رجال سوريين بحثاً عن مقاتلي تنظيم الدولة بينهم

 

بيد أن الهجوم على هذا السجن جر القوات الأميركية للقتال، إذ تحولت تلك العملية إلى أكبر معركة دارت بين الجيش الأميركي وقوات تنظيم الدولة خلال السنوات الثلاث الماضية منذ أن خسرت تلك الجماعة آخر ما تبقى لها في دولة الخلافة المزعومة، بعدما سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق. فلقد نفذت الولايات المتحدة غارات جوية وقدمت معلومات استخبارية إلى جانب نشر قوات برية مزودة بمركبات برادلي القتالية وذلك لدعم جهود قسد في تلك العملية.

سجناء في البيت!

 ذكر أبو جاسم، وهو أحد سكان الحي الواقع خلف السجن، أنه عاد إلى داره يوم الجمعة فوجد أربعة سجناء هاربين هناك يرتدون لباس السجن، ويروي لنا: "قالوا لي: ادخل واجلس، هل تعرفنا؟، فقلت: "أنتم تنظيم الدولة الإسلامية، فقالوا: اجلس ولا تتدخل".

 

The streets around the prison were littered with the rubble of homes destroyed by security forces.
ركام البيوت التي دمرتها قوات الأمن بحثاً عن مقاتلي تنظيم الدولة

 

تعود أصول اثنين من هؤلاء السجناء الهاربين للعراق، في حين أن أحدهم تعود أصوله إلى الشيشان بحسب ما ذكر أبو جاسم، وقد طلب منه هؤلاء ألا يفزع لأنهم سيرحلون عندما يحل الظلام، غير أنه أقنعهم بأن يسمحوا له بمغادرة البيت.

فما كان منه إلا أن أبلغ عن وجودهم في بيته لقسد، التي وصلت عناصرها إلى بيته برفقة جرافات بعد مدة قصيرة.

ويعلق أبو جاسم على ذلك بالقول: "شرعوا بتدمير الجدران إلى أن سقط البيت على رؤوسهم".

وقد شوهدت جثث هؤلاء المقاتلين الأربعة في وقت لاحق في الشارع ذاته بالقرب من جثتي الصبيين.

جزء من مخطط أكبر

ذكرت قسد بناء على وثائق لتنظيم الدولة تم احتجازها وبناء على اعترافات من قادة تنظيم الدولة الذين تم إلقاء القبض عليهم أن تلك الجماعة قررت بأن الهجوم على السجن هو جزء من مخطط أكبر، وفي حال نجح ذلك الهجوم، فإن تلك الجماعة ستشن هجوماً على الأحياء المحيطة وعلى مدينة الرقة وعلى مخيم الهول الكبير الذي يحتجز فيه ما يقارب من 60 ألف فرد من أفراد عائلات مقاتلي تنظيم الدولة.

يعتبر مخيم الهول الذي يبعد قرابة 65 كم عن مدينة الحسكة، أهم مخيم للاحتجاز أقيم لإيواء أسر وعائلات مقاتلي تنظيم الدولة الذين تم احتجازهم بعد سقوط دولة الخلافة قبل ثلاث سنوات.

وتقوم فصائل قسد بحماية وتأمين محيط المخيم وداخله ولكن ليس لديها ما يكفي من الحراس لدحر أي هجوم قد تشنه جماعة تنظيم الدولة هناك، فضلاً عن عدم قدرتها على منع حوداث القتل المتكررة في ذلك المخيم، إذ ذكر مظلوم كوباني أنه طالب بمزيد من الدعم من قبل الولايات المتحدة والتحالف لتأمين مخيم الهول وغيره من مخيمات الاحتجاز والسجون.

يقع كل من المخيم والسجن في منطقة مهجورة منعزلة وفقيرة في شمال شرقي سوريا، ولقد دأبت قسد على إبقاء سيطرتها على كل منهما، وحذرت قبل وقت طويل من أنها لا تستطيع أن تحرس هذين المقرين وتضمن سلامتهما وأمنهما بشكل كامل.

ومن بين القاطنين في مخيم الهول، ثمة الآلاف من النساء الأجنبيات وأطفالهن الذين رفضت دولهم إجلاءهم، بالرغم من أنهم يعيشون في ظروف غير صحية، حيث فارق كثير من الأطفال الحياة هناك بسبب سوء التغذية وعدم توفر رعاية طبية.

"هنالك كافر ميت"

 ذكر أحد الأهالي الذين يعيشون على مقربة من السجن، وهو موظف لدى حكومة النظام السوري اسمه حسون أن جماعات مسلحة من مقاتلي تنظيم الدولة اقتحمت بيته صباح يوم الجمعة، وأن ذلك تكرر ليلة الجمعة أيضاً.

كما ذكر حسون الذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً على أمنه أن المسلحين أخذوا هاتفه وتفحصوه ليتأكدوا إن كان ينتمي لقوات الأمن أم لا، وكل هؤلاء المقاتلين كانوا من التابعية العراقية حسب قوله، وأضاف: "لقد اشتكوا من الإنترنت حيث قالوا: الشبكة السورية بطيئة".

An S.D.F. militia fighter pushed a child away from his home during a search operation. 
قوات قسد تخرج طفلاً من منزله أثناء عمليات التفتيش

 

كما ذكر أن أحد المسلحين فتح الباب ليتحقق من الطريق وهو يقول: "هنالك كافر ميت".

 لم يكن ذلك الكافر سوى أحد جيران حسون، الذي أطلق عليه مقاتلو تنظيم الدولة النار بعد عثورهم على صورة له وهو يرتدي الزي العسكري لقسد أثناء تأديته للخدمة العسكرية الإجبارية، وقد تعرف أقاربه على جثته، واسمه غسان عوف العنزي، وعمره 20 عاماً.

ويعلق حسون على ذلك بقوله: "كان الأمر مريعاً، ولذلك أخذت أدعو الله طالباً من الشمس أن تشرق".

 

المصدر: نيويورك تايمز