icon
التغطية الحية

مسلسل "Silo".. ديستوبيا خيال علمي عن ما بعد نهاية العالم ودولة "الأخ الأكبر"

2023.07.13 | 16:33 دمشق

مسلسل الصومعة
ريبيكا فيرغسون وتيم روبنز في لقطة من "Silo" ـ آبل بلس
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

أعلنت خدمة البث العالمية نتفليكس العام الماضي أنها بدأت التعاون مع المنتج ألكس بينا، على تطوير مشروع تلفزيوني تحاكي قصته الآثار التي خلفها فيروس كوفيد-19، وتدور أحداثه في ملجأ فاخر تحت الأرض تكون فيه نسبة السكان الذين سيهربون إليه قد انخفضت إلى 1 في المئة، مشيرة إلى أن العمل سيكون مقتبساً عن مقال صحفي يتحدث عن شراء أثرياء إسبانيا ملاجئ تحت الأرض في أعقاب الجائحة العالمية.

وهذا العام، كان الجمهور على موعد مع الموسم الأول لسلسلة HBO الناجحة "The Last of Us" المقتبسة عن سلسلة ألعاب الفيديو الشهيرة التي تحمل العنوان نفسه، وتدور القصة حول انتشار وباء الفيروس الفطري "كورديسيبس"، وفرض السلطات لمناطق الحجر الصحي في مختلف أرجاء العالم. وبالرغم من أن شهرة المسلسل تأتي فقط من جانب جمهور لعبة الفيديو، فإنه سرعان ما تحوّل إلى ظاهرة عالمية، وكان من أكثر الأعمال التلفزيونية مشاهدة لهذا العام.

وفي هذا السياق، وصل إلينا مؤخراً الموسم الأول لمسلسل الخيال العلمي "Silo" (الصومعة) الذي انتهى عرضه على "آبل تي ڤي بلس" مؤخراً، وهو الآخر مقتبس من الثلاثية الروائية الأكثر مبيعاً للكاتب هيو هاوي.

يطرح "الصومعة" أفكاراً فلسفية وسياسية تشابه فكرة "الأخ الأكبر" في سيطرته على حياة هذا المجتمع المحدود، والسيطرة هنا تذهب إلى جميع مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، كل شيء في هذا المكان محكوم بالأكاذيب والتضليل والخداع من قبل العمدة الجديد والحاكم بأمر الواقع بيرنارد هولاند (تيم روبنز)، ومن خلفه مساعده روبرت سيمز (كومن).

لا أحد يعرف لماذا ولد في "الصومعة"!

يفتتح "الصومعة" المشهد الأول بتعليق صوتي للمأمور هولستون بيكر (ديفيد أويلو) الذي يمنحنا نظرة أولى عن ما يدور في هذا المكان الديستوبي، يقول: "لا نعرف لماذا نحن هنا. لا نعرف من بنى الصومعة. لا نعرف لماذا كل شيء خارج الصومعة على تلك الحال". فالمسلسل الذي يأتي إلينا من المخرج المرشح لجائزة الأوسكار مورتين تيلدوم، والكاتب الحاصل على جائزة إيمي جراهام يوست، يتتبّع حياة عشرة آلاف شخص يعيشون داخل صومعة مؤلفة من 150 طابقاً يعتقدون أنها تحميهم من العالم الخارجي الملوث بالهواء السام. ومع ذلك، فإن أي شخص يحاول اكتشاف الحقيقة يواجه عواقب قاتلة تؤدي به إلى الموت أو الخروج إلى التنظيف، ما يعني الطرد خارج جنة الصومعة.

عندما يقرر المأمور هولستون اللحاق بزوجته إليسون (رشيدة جونز) إلى الخارج، فإن الأمور تنقلب رأساً على عقب، لأن ميثاق الصومعة يسمح له بتسمية خليفته، والتي ستكون بدورها المهندسة جولييت نيكولز (ريبيكا فيرغسون)، وهي تقبل هذا المنصب مدفوعة بمحاولة البحث عن أسباب مقتل حبيبها جورج (فرديناند كينغسلي). لكن التحقيقات تقودها إلى الدخول في صدام مع هولاند وسميز. تعتبر السلطة القضائية في الصومعة أعلى سلطة تشريعية، ومع ذلك، فإن نيكولز تكتشف أن السلطة القضائية عبارة عن سلطة قانون شكلية، وأن منصب العمدة ليس إلا منصباً يحاول من خلفه هولاند إظهار سيادة القانون على مجتمع خائف.

تدرك نيكولز جيداً، مثل إليسون، أن الصومعة مبنية على مجموعة من الأكاذيب التي إن لم تقتلها، فإن بحثها عن الحقيقة سيؤدي إلى ذلك حتماً. فقد سمح لها منصبها باكتشاف مزيد من الحقائق، من بينها أن جميع سكان الصومعة تتم مراقبتهم عبر كاميرات مزروعة خلف مرايا منزلهم، هكذا يستطيع هولاند اكتشاف أي ثورة أو محاولة تمرد، أو اكتشاف أي "أثر" مرتبط بالعالم الخارجي، مجهر أو راديو أو حتى صورة تعبيرية لأي منظر طبيعي أو قصة مصوّرة. كما أن العلاقات العاطفية بين مجتمع الصومعة يجب أن تحصل على موافقة السلطة القضائية، ومثلها الإنجاب المحكوم بسياسة تحديد النسل (كما تقول النظرية المالتوسية). وغالباً تكون موافقة الإنجاب للأشخاص الأكثر ولاءً للنظام والسلطة.

تختفي في الصومعة أيضاً جميع ابتكارات التكنولوجيا الحديثة من الهواتف المحمولة إلى منصات التواصل الاجتماعي، في مقابل خضوع جميع الهواتف والحواسب للرقابة الصارمة، ويتم التنقّل بين الطوابق بالسير لعدم وجود المصاعد، كل شيء مخطط له للتحكّم بهذا المجتمع الذي يبدو للمرة الأولى متماسكاً. لكن الخوف أكثر من الخروج إلى التنظيف يجعلهم ملتزمين بالميثاق، وهناك خوف كبير من اندلاع ثورة أطلقت شعلتها الأولى نيكولز. يعني التنظيف أن يقوم الشخص الذي خرج من الصومعة بتنظيف كاميرا تظهر العالم الخارجي، ودائماً تظهر لهم الصورة أن العالم الخارجي أرض جرداء قاحلة، وعلى عكس الجميع، فإن نيكولز كانت الشخص الذي رفض التنظيف لاكتشافها أن الشاشة مجرد "أكذوبة".

من "Silo" إلى "Le Transperceneige".. مرحباً بكم في سلطة "الأخ الأكبر"

تبدو قصة "الصومعة"، الذي جددته آبل بلس لموسم ثان، مشابهة لقصة مسلسل نتفليكس "Snowpiercer" (قطار الثلج)، هو أيضاً مقتبس من الرواية الفرنسية المصوّرة "Le Transperceneige" لكل من جاك لوب، بنجامين ليجراند وجان مارك راشيت، لكنه يختلف في نوعية السرد والحبكة الدرامية للقصة، بتتبّعه قصة آخر البشر الناجين بعد تجمّد الأرض، ولجوئهم إلى قطار مؤلف من 1001 مقطورة يستمر بالدوران حول العالم، مع التركيز على التفاوت الطبقي بين ركاب المقطورات من الأدنى إلى الأعلى.

من بين أوجه الشبه بين المسلسلين لدينا الحلقة السادسة لـ"قطار الثلج" مشهد إصلاح إحدى المقطورات التي تواجه فشلاً هيدروليكياً، وفي الحلقة الثالثة لـ"الصومعة"، تقوم نيكولز بتنفيذ آخر مهمة لها – قبل انتقالها إلى منصب المأمور – بإصلاح مولد الطاقة الكهربائي الرئيسي للصومعة. أيضاً في سلسلة نتفليكس الجميع محكوم بقرارات ويلفورد، وهو شخصية وهمية ابتكرتها ميلاني (جينيفر كونلي) للسيطرة على ركاب وراكبات القطار، بينما في "الصومعة الجميع محكوم بالميثاق الذي يحاول هولاند من خلاله منع نشوء ثورة في هذا المجتمع المنغلق. وإذا كان ركاب وراكبات القطار في "قطار الثلج" قد حصلوا على مقطوراتهم كل بحسب سعر التذكرة، فإن كل فرد من مجتمع "الصومعة" يحصل على مسكن في طابق، والطوابق موزعة كل بحسب منصبه.

في قراءة سريعة لقصص الرواية الأولى "Wool" يبدو أن صُناع المسلسل التزموا بالتسلسل السردي للأحداث، منذ الحلقة الأولى التي تروي القصة الشخصية لأبطال المسلسل. ومع ذلك، فإن "الصومعة" يختلف في بعض الأحداث عن القصة الأصلية، منها على سبيل المثال لا الحصر، قصة هولاند الذي لا يحتاج جمهور الثلاثية الروائية إلى وقت لاكتشاف أنه العقل المدبر لكل شيء، بينما حافظ المسلسل على عنصر التشويق الخاص بإظهاره حليفاً لنيكولز، قبل اكتشاف حقيقته في الحلقتين الأخيرتين. مثال آخر، يظهر جورج كشخصية محورية في المسلسل بسبب حصوله على قرص صلب يتضمن حل لغز إليسون، إضافة إلى موته منتحراً، بينما في الرواية الأصلية تقدم السلطات على قتل جورج بعد اكتشافهم محاولته حفر منجم في الصومعة.

هل عالمنا المعاصر جزء من "صومعة" أكبر؟

تؤسس "الصومعة" لمجموعة من الأفكار السياسية والفلسفية. لا أحد يعرف ماذا حدث للعالم الخارجي عندما قرر الآباء المؤسسون بناء الصومعة قبل 140 عاماً، وقاموا بوضع ميثاق يحكم العلاقة بين الأشخاص الناجين من ما بعد نهاية العالم، من بين المحرمات التي يفرضها الميثاق عدم النطق بطلب الخروج من الصومعة، وفي حال حصل ذلك فإنه لا يمكن للشخص التراجع عن هذا الطلب مهما كان السبب.

تبدو الفكرة مشابهة للآباء المؤسسين الذين وضعوا دستور الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الأهلية، لكن بصورة أصغر. وعلينا التنويه هنا أنه لا يوجد شخص غير أميركي يعيش في الصومعة، وعلى الرغم من محاولة المسلسل أن يكون متنوعاً في تمثيل المجتمع الأميركي، فإنه لم يقدم لنا شخصية واحدة من السكان الأصليين.

تعمل المؤثرات البصرية في "الصومعة" مدعومة بالشاشة الزرقاء بطريقة أكثر من رائعة تضفي مزيداً من الواقعية على القصة، فهي مصممة على فكرة أن يكون الجميع مراقباً داخل أو خارج منازلهم في هذا المبنى الحلزوني الشاهق، جنباً إلى جنب مع غياب المصاعد والهواتف الذكية، كما يوجد الدرج الخراساني المصمم بثلاثة مستويات، حتى المنازل فإنها مصممة بطريقة واحدة، مع بعض الميزات لأصحاب المناصب أو العائلات. وفي المقابل لدينا كثير من المشاهد المصوّرة على الدرج الخراساني، من المطاردة بين نيكولز وسميز إلى عمليات التفتيش والتحقيق والبحث عن الأشخاص، والتي يبدو أنها كانت مرهقة لطاقم التمثيل.

{"preview_thumbnail":"/sites/default/files/styles/video_embed_wysiwyg_preview/public/video_thumbnails/QQ6x6NjVM_E.jpg?itok=Ni-ni-5X","video_url":"https://www.youtube.com/watch?v=QQ6x6NjVM_E&ab_channel=AppleTV","settings":{"responsive":1,"width":"854","height":"480","autoplay":1},"settings_summary":["Embedded Video (Responsive, autoplaying)."]}

وتعطي فكرة تصميم "الصومعة" بهذا الشكل بعداً فلسفياً لفكرة "السجن الكبير" لأن الجميع مراقب، ولديهم برنامج يحكم حياتهم الاجتماعية محدد بأوقات الوجود خارج المنزل. كما أن الدرج الخراساني زاد من نسبة الرقابة على هذا المجتمع بسبب عدم تمكن الأشخاص من تجاوز تفتيش السلطة القضائية عن الأشخاص المشبوهين، يضاف إليها القسم التقني الذي يراقب مجتمع "الصومعة" على الشاشات، وهو المكان الذي يبدو قريباً من وصف ميشيل فوكو، بأنه مكان "تُرابط فيه السلطة، وتصدر منه الأوامر، وتتدفق إليه المعلومات التي تصدر عن المجموع".

حتى نهاية الحلقة العاشرة للموسم الأول، لا يزال سكان "الصومعة" يجهلون ماذا يحصل في العالم الخارجي، فهم يعيشون حالة عزل أزلية تحجب عنهم الحقيقة. الحقيقة الوحيدة أن العالم قبل 140 عاماً دُمر بسبب أزمة مناخية أدت إلى تلوث الهواء، وهذه الحقيقة استدعت قمع 14 ثورة.

يبدو السكان أنهم يعيشون داخل سجن كبير بدلاً عن فكرة حمايتهم من الخارج، لكن الفكرة أعمق من ذلك، وهي تحيلنا إلى سؤال من نوع آخر، هل نحن أيضاً أسرى لحبس أكبر في الحياة الواقعية؟ لدينا أزمة مناخية، وأزمة أخرى مع الذكاء الاصطناعي، وغيرها من أزمات الحروب والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، كل ذلك ألا يجعلنا جزءاً أكبر من مجتمع "الصومعة"؟

أخيراً، من المؤكد أن الموسم الثاني سيشهد مزيداً من الأزمات التي سيواجهها هولاند بعد اكتشاف مزيد من الأشخاص حقيقة ما يحدث في العالم الخارجي، من بينهم نائب المأمور بول (تشينازا أوتشي) – وهو يقدم إلى جانب فيرغسون وكومن أداءً مميزاً – صورة واحدة يراها الجميع لأرض جرداء قاحلة تجعلهم يعيشون وهماً وكوابيس مخيفة عن مستقبلهم. لكن مع وصول الحقيقة لمزيد من الأشخاص فإن "الصومعة" مقبل على أحداث ستؤدي بالتأكيد إلى بدء ثورة جديدة مختلفة عن سابقاتها لأنها ستكون مدعومة من نيكولز التي اكتشفت بعد خروجها للتنظيف مجموعة حقائق، لا حقيقة واحدة.

{"preview_thumbnail":"/sites/default/files/styles/video_embed_wysiwyg_preview/public/video_thumbnails/8ZYhuvIv1pA.jpg?itok=6_jEM3A7","video_url":"https://www.youtube.com/watch?v=8ZYhuvIv1pA&ab_channel=AppleTV","settings":{"responsive":1,"width":"854","height":"480","autoplay":1},"settings_summary":["Embedded Video (Responsive, autoplaying)."]}