icon
التغطية الحية

مسلسلا "فوضى" و"وادي الدموع".. الدراما العربية تتخبط في سخافتها

2024.03.24 | 17:15 دمشق

آخر تحديث: 25.03.2024 | 08:09 دمشق

دبابات سورية مدمرة
دبابات سورية مدمرة في معركة تل المخافي ـ (منتدى الجيش العربي)
تلفزيون سوريا ـ هشام الزعوقي
+A
حجم الخط
-A

لا يتم خوض الحروب بين الدول باستخدام الأسلحة والمعدات العسكرية فحسب، بل يتم إدارتها بالعديد من الوسائل المتاحة، بما في ذلك الوسائل الثقافية والاقتصادية والعلمية وحتى الفنية. ومع ظهور المنصات و توزيع المسلسلات من خلال خدمة البث عبر الإنترنت مثل  نتفليكس وإتش بي أو (هوم بوكس أوفيس) أصبحت مشاهدة ومشاركة الدراما أكثر رسوخًا من أي وقت مضى.

تستخدم الدراما التليفزيونية (المسلسلات) كسلاح للهيمنة والسيطرة الثقافية بسبب تأثيرها الهائل على الرأي العام. خاصة عندما تكون الدول بشكل مباشر أو غير مباشر وراء هذا الإنتاج عندها، تكون كل الظروف مواتيه للسيطرة والتحكم الكامل بفكرة المسلسل ومحتواه، فمنذ بداية كتابة السيناريو والذي هو (Fiction) خيالي يصبح (واقعاً) وشاهداً على أحداث الحاضر والتاريخ، ومن ثم تسيطر عليه الدولة بالشكل الذي تريد و تقدم به روايتها الخاصة.

وبالتالي، فهي جزء من الحرب الإيديولوجية بين الدول وأداة قوية للقوة الناعمة. وبالإضافة إلى الترفيه فهو ينقل بمهارة رسائل مخفية أو صريحة تساعد على تحسين وتجميل صورة البلاد خصوصاً في الخارج. فالمسلسل يروج لثقافة البلد أمام العالم، بل وينشر ويعمق سرديتها ورؤيتها السياسية وصراعتها مع الشعوب المحيطة، سواء كانت تلك السردية صحيحة أم كاذبة.

من الجولان إلى غزة

بين عامي 2015 و2022، عُرضت 4 مواسم من مسلسل تلفزيوني إسرائيلي على منصة نتفليكس بعنوان «فوضى». في البطاقة التعريفية لهذه السلسلة تم وصفها بأنها (مسلسل درامي، أكشن، إثارة نفسية، إثارة سياسية، فيلم تجسس) لكن في الحقيقة لم يذكر التعريف أبداً، أنها السردية السياسية والثقافية والاجتماعية للإسرائيليين. وبأنها واقع الاحتلال في صراعه مع صاحب الأرض الأصلي، الشعب الفلسطيني.

باختصار، يصور المسلسل وبطريقة لا تخلو من الترفيه، "بطولات" قوات الاحتلال وأجهزتها الأمنية في مواجهة “إرهاب” المقاومة الفلسطينية في أراضي السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة. كما تظهر السلسلة "إنسانية" الجندي الإسرائيلي في مقابل تعصب وجهل الجانب الفلسطيني، "المخترق" أمنياً من قبل العملاء والجهاديين.

كان واضحاً أن تكاليف إنتاج هذا المسلسل كانت مرتفعة وتم إنجازه بشكل جيد ومثير، من الكتابة إلى التمثيل والإخراج والتصوير، كله كان متقناً. لقد حققت هذه السلسلة "نجاحًا" كبيراً نسبيًا. لكن الأدهى من ذلك أن هذا المسلسل الدرامي الخيالي أصبح بمثابة "مرجع" لآلية فهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لدى أجيال عديدة من الشباب، وخاصة ما يسمى بالجيل "Z" الذين ولدوا عام 1997 وما بعد.

استمر ذلك سنوات قليلة قبل أن يكتشف هذا الجيل نفسه حقيقة إجرام الاحتلال الإسرائيلي وتحديدا بعد 7 من أكتوبر / تشرين الأول 2023. ويكون شاهدا على ملامح الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، إنه نفس الجيل الذي قاد المظاهرات في جميع أنحاء العالم تضامناً مع الفلسطينيين وطالب بالعدالة والحرية لهم ووقف فوري لإطلاق النار، هذا الجيل لم يقرأ الكثير من الكتب الفلسفية والأدبية، لكنه يعرف جيدًا الفرق بين العدل والظلم.

ورغم حجم الدمار الهائل وضخامة الكارثة الإنسانية في غزة، إلا أن معارك غزة أطاحت كثيراً بسردية مسلسل “ فوضى” وسردية الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وأظهرت ضراوة المعارك والخسائر الفادحة للإسرائيليين أن شراسة المقاتلين الفلسطينيين شيء مختلف تماما عن الصورة التي قدمتها إسرائيل للعالم.

"مقبرة وادي الدموع"

في 6 من تشرين الأول/أكتوبر 1973، وعلى جبهة الجولان المحتل، هاجمت فرقة المشاة السابعة السورية اللواء المدرع السابع الإسرائيلي في المنطقة الواقعة بين جبل حرمونيت والتلال الجنوبية المعروفة باسم “تل المخافي”، والتي سُميت فيما بعد بـ"وادي الدموع” بسبب ضراوة القتال الذي دار هناك حينها، حيث وجدت 40 دبابة إسرائيلية نفسها في مواجهة نحو 500 دبابة سورية. و في اليوم الرابع للمعركة، وبعد انخفاض عدد الدبابات الإسرائيلية إلى نحو 12 دبابة ونفاد ذخيرتها، تلقى اللواء السابع مدرع الإسرائيلي تعزيزات، تراجع السوريون، وخسروا مئات الدبابات لأسباب لا تزال محل نقاش.

في عام 2020، وبعد نحو 47 عاماً، وعلى منصة (اتش بي أو) يظهر مسلسل إسرائيلي ضخم الإنتاج واسع الانتشار، وُصف المسلسل بأنه من أغلى المسلسلات التلفزيونية في إسرائيل، بلغت تكلفة الحلقة الواحدة نحو مليون دولار، يتناول فيه معارك حرب 1973، وتحديداً معركة "وادي الدموع"، ويجيب على السؤال الغامض، والسر الخفي وراء خسارة الجيش السوري لهذا العدد الهائل من الدبابات وانسحابه المفاجئ من المعركة. كيف تمكنت 40 دبابة إسرائيلية من مقاومة 500 دبابة سورية لمدة 3 أيام؟ من خلال المسلسل تكشّف أن الخلل الرئيسي والمميت كان في تخلف تكنولوجيا "الدبابات روسية الصنع"، وتحديدا مدفع الدبابة الروسية آنذاك. حيث أتيحت للدبابة الإسرائيلية، التي كانت في ملجأها خلف الغطاء الدفاعي، الفرصة لإطلاق النار من مدفعها المحمول والمتحرك في زاوية ومجال رؤية أوسع من فوهات مدافع الدبابات السورية، والتي كانت تقتصر في حركتها ورؤيتها على زاوية ضيقة.

لذلك كان على الدبابة روسية الصنع أن تتقدم وتتحرك إلى خارج نطاق ساتر الغطاء الدفاعي لإطلاق النار. فتصبح مكشوفة وغير محميّة تمامًا و ليتم بسهولة اصطيادها بنيران مدافع دبابات العدو المحمية في ملاجئها. وللأسف، هكذا تم مطاردة واصطياد مئات الدبابات السورية كالعصافير، وتمت هزيمتها وانسحابها من المعركة تلك التي انتصرت فيها بالبداية.

لقد أخفى الروس وقيادة الجيش السوري حينها هذه المعلومة في الوقت الذي أصبح فيه "تل المخافى" منطقة سياحية لجميع زوار الجولان المحتل في الربيع، وعلى مدى سهل واسع من العشب الأخضر، يزور السياح منطقة ممتدة مليئة بحطام الحديد الصدئ من مركبات ودبابات الجيش السوري المهزوم. منظر يدمي القلب ويدمع العين في منطقة أصبحت تعرف سياحياً باسم "وادي الدموع ".

لكن ما يفطر القلب أيضاً هو واقع الدراما العربية، فعلى مدى هذه السنوات الطويلة، لم تنتج أي مشروع كبير يمس قضايا جوهرية تهم واقع الناس، وباستثناء الإنتاج المصري الكبير للمسلسل الشهير "رأفت الهجان"، لم نر أي مسلسل ذو أهمية يتناول عملية الصراع مع الكيان الإسرائيلي، بل اقتصرت نتاجاتها على المسلسلات التاريخية، وفانتازيا اجتماعية غارقة في تخلفها. وربما كانت هناك بعض المحاولات المحدودة، لكنها لم تتجاوز المستوى المحلي. باختصار، لدينا دراما غارقة في سخفها وسطحيتها رغم توفر رأس المال الكافي، ولا يمكننا أن نصدق أن هذه مجرد صدفة.