مستقبل الليرة التركية بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية

2023.04.30 | 05:48 دمشق

مستقبل الليرة التركية بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
+A
حجم الخط
-A

مع اقتراب تركيا من الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخها الحديث، ومع احتمالات الفوز المتقاربة، وسيطرة حالة عدم اليقين على البيئة الاقتصادية بين احتمالات فوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الذي يبدو مصمما على الاستمرار في سياسته الاقتصادية غير التقليدية، واحتمالات فوز مرشح الطاولة السداسية كمال كليتشدار أوغلو والذي من المتوقع أن يطيح بنموذج أردوغان الاقتصادي وإعلان عودة تركيا إلى الاقتصاد الليبرالي، واحتمالات تشتت القرار الاقتصادي في حال الفوز المختلط (فوز أحد الأطراف بالرئاسة والطرف الآخر بالبرلمان) دخلت الليرة التركية مرحلة جديدة من الهبوط بعد تجاوزها حاجز 20 ليرة للدولار الواحد أمام الدولار الأميركي في أسواق الصرف العامة.

حاول البنك المركزي إبطاء هبوط الليرة والتي بقيت مستقرة منذ أيلول العام الماضي إلى منتصف آذار العام الحالي من خلال التدخل في أسواق الصرف من أبواب خلفية بالإضافة إلى ضوابط رأس المال وتحفيز المواطنين على الاستثمار في وديعة الليرة المحمية.

منذ السابع عشر من مارس الماضي بدأت الليرة في الانخفاض بشكل يومي مع استمرار ظهور البيانات السلبية عن الاقتصاد التركي المتعلقة بعجز الحساب الجاري، وعجز التجارة الخارجية وتباطؤ القطاع الصناعي وعودة البطالة إلى الارتفاع واتساع عجز الموازنة، بالإضافة إلى البيانات التي أظهرت تراجعا حادا في احتياطات البنك المركزي التركي ولجوءه إلى البيع من احتياطي الذهب للمرة الأولى منذ عام.

ساهمت تقديرات البنوك الاستثمارية لسعر صرف الليرة بعد الانتخابات واحتمالات انخفاضها إلى القيمة العادلة، والتي تم تقديرها بحدود 24-25 ليرة للدولار الواحد بسبب عدم قدرة المركزي على الاستمرار بسياسة التحكم بسعر الصرف في ظل عجز الحساب الجاري الحالي، وتآكل الاحتياطي النقدي في مزيد من عدم اليقين وزيادة الطلب على القطع الأجنبي.

يوجد طريقتان لقياس القيمة العادلة لأي عملة:

الطريقة الأولى: والتي يستخدمها صندوق النقدي الدولي والبنوك الاستثمارية الكبرى وهي التي تربط بين عجز الحساب الجاري وسعر الصرف الموافق له.

الطريقة الثانية: وهي التي تربط بين معدل التضخم وسعر الصرف الموافق له وتعتبر هذه الطريقة الأقل دقة مقارنة بالطريقة السابقة.

أثارت إجراءات البنك المركزي التركي لمواجهة حدوث انخفاض دراماتيكي المخاوف من وجود أزمة عملة من خلال توسيع الفارق بين حد البيع والشراء إلى 1.2 ليرة في المصارف

بتطبيق كلا الطريقتين على الحالة التركية نجد أن القيمة العادلة لليرة تتراوح في مدى من 24-27 ليرة للدولار الواحد.

لكن في المقابل يناقش بعض الاقتصاديين أن نماذج قياس القيمة العادلة لا تصلح للقياس في اقتصاد من حجم متوسط ويخضع لضوابط رأس المال الصارمة.

بالمقابل أثارت إجراءات البنك المركزي التركي لمواجهة حدوث انخفاض دراماتيكي المخاوف من وجود أزمة عملة من خلال توسيع الفارق بين حد البيع والشراء إلى 1.2 ليرة في المصارف وتقليل حد السحب اليومي لليرة من 5000 إلى 3000 في بعض البنوك الحكومية.

كما أدى ذلك إلى ظهور أمر خطير للغاية وهو توسع الفرق بين سعر المصارف وسعر الصرافين إلى 5% وهو أعلى فرق منذ عام 1989 تاريخ تبني تركيا لسعر الصرف الحر، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء سوق سوداء وهو أوضح المؤشرات الرئيسية لأزمات العملة.    ويعطي انطباعا بأن الليرة التركية ستفقد مزيدا من قيمتها بمجرد إزالة ضوابط رأس المال الحالية، حيث تدرك الأسواق تماما أنه في ظل عجز الحساب التجاري الحالي وعجز الميزان التجاري ومستوى الاستثمار المباشر المنخفض إلى أدنى مستوياته لا يمكن للمركزي التركي الاستمرار في سياسة التحكم بسعر الصرف.

تقوم النظرة لسعر صرف الليرة بعد الانتخابات على مبدأ أساسي هو أن قيمة الليرة حاليا أعلى من قيمتها العادلة، والسبب في ذلك هو تدخلات البنك المركزي لمنع الانخفاض قبل الانتخابات مما يؤثر على حظوظ الحزب الحاكم وخصوصا أن العامل الاقتصادي هو أكبر العوامل المؤثرة على قرار الناخبين في هذه الانتخابات المفصلية، وبالتالي بغض النظر عن نتيجة الانتخابات فإن انخفاض الليرة إلى حدود 25 ليرة للدولار الواحد قبل نهاية العام الحالي هو السيناريو الأكثر ترجيحا.

في حال العودة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية فستكون تركيا أحد أهم وجهات الاستثمار الأجنبي حيث تشير التقديرات إلى إمكانية تدفق 50 مليار دولار خلال هذا العام

أما المسار التالي لمرحلة الوصول إلى القيمة العادلة فيتوقف على نتيجة الانتخابات وطبيعة السياسة الاقتصادية المتبعة وطبيعة الفريق الاقتصادي الذي يقود مرحلة مابعد الانتخابات ومدى الاستقلالية التي ستمنح للمصرف المركزي، ففي حال استمرار السياسات الحالية، فسنشهد مزيدا من الانخفاض ومدى هذا الانخفاض سيتوقف على معدل التضخم وحجم العجز في الحساب الجاري، أما في حال العودة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية فستكون تركيا إحدى أهم وجهات الاستثمار الأجنبي حيث تشير التقديرات إلى إمكانية تدفق 50 مليار دولار خلال هذا العام بحسب بلومبيرغ، الأمر الذي سيؤدي إلى تقليص عجز الحساب الجاري وبالتالي استقرار الليرة في حدود القيمة العادلة.

يشكل الاقتصاد محورا أساسيا في هذه الانتخابات وربما سيكون العنصر الحاسم في نتيجتها، ولكن مما لا شك فيه أن الاقتصاد التركي سيمر بمرحلة من التقلبات القياسية بعد هذه الانتخابات، كما أن العودة إلى الاقتصاد الليبرالي ستكون مؤلمة بسب الاختلالات التي أصابت مؤشرات الاقتصاد الكلي خلال العامين الماضيين.