مسارات لبنانية يحكمها النزاع على الخراب والإفلاس

2022.08.22 | 06:52 دمشق

مسارات لبنانية يحكمها النزاع على الخراب والافلاس
+A
حجم الخط
-A

رسميا تبدأ المهلة الدستورية لانتخابات الرئاسة في لبنان بعد أسبوعين. فاعتباراً من 1 أيلول يمكن لرئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة مجلس النواب لانتخاب خليفة للرئيس ميشال عون. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يتم ذلك بسرعة وسهولة بسبب عدم حصول توافق إقليمي ومحلي على اسم الرئيس.

منذ فجر ولادة الكيان اللبناني غالبًا ما يكون اختيار الرئيس اللبناني نتيجة إجماع سياسي على الساحة الداخلية والإقليمية، وهذا التاريخ يتصل بالحاضر حيث يعود المفاوضون الدوليون للحديث عن أن لبنان بحاجة إلى زمن واحد من اثنين إما زمن قائد الجيش فؤاد شهاب والذي جرى انتخابه العام 1958 بتوافق كبير وأدى وصوله للقصر الرئاسي حينها إلى بناء مؤسسات الدولة المتينة الاقتصادية والأمنية والسياحية واستطاع لبنان تجاوز المحن الإقليمية وجسد توازنًا في ظل تصاعد الصراعات الدامية.

فيما الاسم الآخر وهو حاكم مصرف لبنان السابق إلياس سركيس والذي انتخب رئيساً للبنان في العام 1976 وهو الذي أتاح للبنان من خلال براعته الاقتصادية وقدرته على بناء توافق في وقت أزمة حادة اتسمت ببدء الحرب الأهلية من الاستحصال على ثروة الذهب والتي لاتزال إلى هذا اليوم في رصيد الكيان المنهار.

البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أول من مهد الطريق لمرشح غير حزبي، منتقدًا مفهوم "الرئيس القوي"

واليوم ومع التطورات الإقليمية، مع احتمال إعادة توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة، تشير إلى أن الرئيس اللبناني المقبل سيكون شخصية توافقية، مثل فؤاد شهاب وإلياس سركيس من خلال طرح اسمين شبيهين: الأول هو قائد الجيش جوزيف عون بما يمثله محلياً ودولياً والثاني هو الاسم الذي تطرحه باريس أي المصرفي اللبناني سمير عساف.

وهذه الطروحات هي من خارج نادي زعماء الأحزاب المسيحية الأربعة، وكان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أول من مهد الطريق لمرشح غير حزبي، منتقدًا مفهوم "الرئيس القوي". حيث قال حينها: "يجب أن ننتخب رئيسًا خارج الاصطفاف السياسي والحزبي، ورئيسًا غير استفزازي، ولا مدفوعًا بمصالح شخصية، وقادراً على أن يكون مرجعية وطنية ودستورية، ويتمتع بأخلاق راسخة".

وبهذا رفض الراعي ترشيحات القادة المسيحيين الذين يطالبون بالصعود للرئاسة الأولى وهم سمير جعجع وجبران باسيل وسليمان فرنجية، والأكيد أن الاسمين الأولين يدركان الآن أنه ليس لديهما فرصة للوصول للموقع في السياق الحالي. أما الثالث فسيدفع ثمناً باهظاً بكونه حليف بشار الأسد وحزب الله، وهو لايزال يأمل أن يتم قبوله كشخصية توافقية. لكن الأمر يبدو معقدًا، لا يبدو سمير جعجع ولا جبران باسيل مستعدين في الوقت الحالي لدعم فرنجية أو السير به، كما يعارض البطريرك وصوله انطلاقاً من سياسة الحياد التي تتبناها الكنيسة مدعومة من الفاتيكان.

بالمقابل فإن هاجس تهديدات عون وباسيل بالبقاء بالقصر في حال بقيت الحكومة الحالية لتصريف الأعمال، بات يهدد أي مساعي تسوية مقبلة وخاصة أن باسيل حريص على اختلاق أزمة والاستفادة منها لتعزيز شروطه، لذا كان لافتاً اللقاءات التي يجريها رؤساء الجمهورية والحكومات السابقون مع المراجع الروحية والسياسية وآخرها اللقاء الذي جرى مع الراعي حيث جرى اقتراح بأن يجري لقاء موسع يضم الرؤساء السابقين ورؤساء الوزراء، من أجل تحديد خارطة طريق لاختيار مرشح للرئاسة وهذا الطرح لايزال قيد الدرس لدى المرجعية الكنسية في البلاد.

بالتوازي لم يوفق حزب الله حتى اللحظة في تعديل موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لإعلان تأييده ترشيح فرنجية. لكن فرنجية لايزال يراهن على أمرين الأول على الحزب لدفع باسيل للقبول به، لكن باسيل استغل زيارته للراعي منذ أيام، ليعلن مجموعة من الرسائل وصلت إلى حدّ إلقاء اللوم على حليفه -الحزب- ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتحميلهما مسؤولية دفع البلاد للذهاب إلى الفراغ الرئاسي. والمقصود برسالة باسيل هنا القول إنّه لن يخضع لضغط الثنائي الشيعي في هذا المجال في حال حصوله.

ولأن باسيل بات مقتنعاً أن حزب الله الذي جيّر قوته الانتخابية الكاملة لمصلحة التيار العوني على حساب بقية الحلفاء وتحديداً حلفاء النظام السوري ما أدى لرسوبهم رسوباً مدوياً، لذا فإن باسيل يقول في كل مجالسه إن حزب الله لن يتخلّى بسهولة عن علاقته معه خصوصاً في هذه المرحلة الإقليمية الدقيقة وخاصة أن الأكثرية في البرلمان ليست دقيقة بيد الحزب وحلفائه لذا فإن باسيل يراهن على حاجة الحزب له، وهو ما يعني أيضاً أن لقدرة حزب الله الضغط على باسيل حدوداً معينة في هذا الملف بالتحديد، لا بل إنّ هنالك من يقول إنّ الحزب الذي كان أعطى كلمته بدعم ترشيح سليمان فرنجية، أعطى في المقابل كلمته لباسيل بأن يكون ممراً إلزامياً للاستحقاق الرئاسي وأن يحظى مرشح الحزب للرئاسة بموافقة باسيل. صحيح أنّ ذلك جعل باسيل مقتنعاً بألا حظوظ رئاسية جدّية له، لكنه عزز لديه الاقتناع بأنّه سيكون صانع الرئيس المقبل.

وعليه يجد حزب الله نفسه مضطرا للبحث عن تسوية رئاسية في الداخل بالتنسيق مع الخارج، وعلى الرغم من عدم توافر ظروفها حتى الآن إلا أنه أعاد فتح قنوات تواصله مع الفرنسيين وهو يحاورهم بشكل منتظم، والحزب يدرك أن السعوديين سيكون لهم كلمتهم في اختيار رئيس الجمهورية ومن ثم رئيس الحكومة وهو بات محتاجاً لغطاء سعودي-عربي لرئيس الحكومة المقبل، لذلك فإن زيارة المرجع الشيعي عمار الحكيم للسعودية وهو يقيم معظم أوقاته في بيروت ليست تفصيلاً، فالعديد من الأطراف وضعتها في إطار فتح إيران والحزب أكثر من بوابة في علاقتها مع السعودية عبر مراجع وشخصيات سياسية.

بما أن كل المناخات الإقليمية تقود إلى التهدئة والتوافق، فقد تكون هناك فرصة لتجاوز المأزق الآتي في لبنان وانتخاب رئيس يرضي الجميع

لذا فإن الحزب قد يجد نفسه مضطراً في المرحلة المقبلة ومع إيقاع المصالحات الإقليمية والاتفاق النووي على تقديم تنازلات وهو يعمل على إعادة تقييم المرحلة المقبلة ودراستها مع حلفائه ومن ثم الإعلان عن وثيقة سياسية جديدة تواكب مقتضيات التطورات الدولية والإقليمية المقبلة، والحزب إياه كان قد أعلن منذ مدة وعلى لسان أمينه العام عن استعداده للانخراط في تكوين الدولة مع الحديث الدائر عن طاولة أوروبية - عربية بالتنسيق مع إيران لإعادة إطلاق عقد اجتماعي جديد للبلاد.

وهناك من يتحدث عن أن الحزب يدرس طرح اقتراحات مرتبطة بالأوضاع السياسية والمالية والاقتصادية. والشروط الدولية في هذا الخصوص وتحديداً شروط صندوق النقد الدولي وفق برامجه الواضحة، ما يفرض على الحزب وحلفائه مستقبلاً تخفيف نشاطه السوري ووقف التهريب وترك التسويات في المنطقة تسري دون عرقلة.

وبما أن كل المناخات الإقليمية تقود إلى التهدئة والتوافق، فقد تكون هناك فرصة لتجاوز المأزق الآتي في لبنان وانتخاب رئيس يرضي الجميع، وتشكيل حكومة جديدة. وثمة إشارات إلى أسماء تتمتع بهذه المواصفات المطلوبة رئاسياً. ولكن، إذا كان الاتجاه الخارجي استفزازياً، فإنّ فرص التوافق الداخلي قد تكون ضئيلة، وهنا ستكون المخاوف دون سقف محدد، حيث سيكون الصراع الداخلي على موقع الرئاسة ودور كل من الحكومة والمجلس النيابي سيشهد اشتباكات سياسية قد تنعكس على الشارع، وسيتجاوز الطابع السياسي إلى الطابع المذهبي، في ظل التصيد الروسي لأي خطأ لخصومه في المنطقة.