مسارات سرية برعاية دول غربية تطرح وجهة نظر النظام

2023.09.23 | 18:04 دمشق

آخر تحديث: 23.09.2023 | 18:04 دمشق

"منتدى التنمية والثقافة والحوار
+A
حجم الخط
-A

منذ أن بدأت أزمة السوريين التي خلفها النظام بعد مواجهته للمحتجين في الشوارع عام 2011، رافقتها المسارات السياسية والعسكرية السرية أو ما يسمى "تراك 2"؛ هذه الفلسفة الغربية في إدارة الحوارات السياسية كانت في تجارب ما مفيدة خصوصاً حين تجمع أطراف النزاع بعيداً عن التشويش وعن التداول الإعلامي.

إلا أن الحالة السورية كانت أكثر الأزمات استعصاء على المسارات السياسية، لعدة أسباب منها الأجندات الموضوعة على طاولة الحوار، وعدم مصداقية هذه المسارات في كثير من الأحيان، إذ إنها تتوقف عند عملية جمع المعلومات عن الحالة السورية واستطلاع معلوماتي لا أكثر عن تلك الحالة وعن المجتمعات السورية بجميع تشكيلاتها.

صحيح أن بعض المسارات كانت ناجحة وعملية وحققت تقارباً بين مستويات سورية سياسية لا بأس بها، إلا أنه في العموم هذه المسارات تشبه الحوار بين المتفقين، كون النتيجة موضوعة مسبقاً وتم الاتفاق عليها، فيما يكون الحضور شهوداً لا أكثر.

من خلال بحثنا في العديد من المسارات السياسية السورية المنعقدة في الدول الغربية، لفت انتباهنا "منتدى التنمية والثقافة والحوار" أحد المسارات المغلفة بالقناع الثقافي وشخصيات المجتمع المدني، إلا أنه لا يخلو من التطعيمات السياسية، خصوصاً وأن قسماً لا بأس به من الحضور أصحاب تيارات وأحزاب سياسية.

خلال محاولتنا معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن هذا الحوار، تواصلنا مع العديد من المعارضين السوريين المقيمين في الدول الأوروبية أو تركيا، إلا أنه لم نحصل على أدنى تفاصيل حول مشاركة أي شخصية تمثل المعارضة السورية

كانت بداية منتدى التنمية والثقافة والحوار منذ العام 2016 برعاية سويسرية نرويجية، بحسب ما علمنا من خلال عدة اتصالات، ويجمع على طاولته شخصيات معظمها من الداخل السوري جاءت للحوار حول وضع سوريا في جنيف، بينما تشكل معظم الشخصيات المشاركة وجهة نظر تمثل النظام بشكل أو بآخر، سيما أنها لا تتضمن مشاركة أي من الشخصيات المعارضة.

خلال محاولتنا معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن هذا الحوار، تواصلنا مع العديد من المعارضين السوريين المقيمين في الدول الأوروبية أو تركيا، إلا أنه لم نحصل على أدنى تفاصيل حول مشاركة أي شخصية تمثل المعارضة السورية.

وفي الوقت ذاته، حاولنا التواصل عبر الإيميل مع القس الدكتور رياض جرجور رئيس المنتدى، إلا أننا لم نتلق أيضاً أية إجابة، إذ يبدو أن هناك حرصاً من المنظمين على سرية وإخفاء هذا النوع من المسارات، خصوصاً أنها لا تمثل إلا وجهاً من أوجه السلطة السياسية القائمة في دمشق بحسب ما علمنا من مصادر مطلعة.

ما بين العاشر والرابع عشر من حزيران الماضي، انعقدت أحد لقاءات المنتدى في لوزان في سويسرا، وبحسب مصادرنا فإن معظم المشاركين في هذه الجلسة جاؤوا من الداخل السوري، من بينهم شخصيات حزبية على رأسها حسين الراغب رئيس حزب الإصلاح الموالي لإيران، وبروين إبراهيم أحد أبرز وجوه المعارضة المصنعة من النظام السوري، وبينهم شخصيات أكاديمية أخرى، اجتمعوا من أجل الحديث عن فكرة ترسيخ وتجسيد الأمر الواقع في سوريا وكأن كل المسارات الدولية لا تعنيهم وعلى رأسها مسار الأمم المتحدة المتمثل في القرار 2254، بل يذهب مصدرنا للقول إن مسار منتدى التنمية، يؤكد أن سوريا تعيش حالة طبيعية وتجاوزت الأزمة خلال العقد ونيف، وبالتالي على المجتمع الدولي التعامل مع الوضع في سوريا على هذه الشاكلة.!؟

المثير للاستغراب أنه في ظل الحالة السورية المتشظية وانقسام سوريا إلى ثلاث مناطق نفوذ بالإضافة إلى وجود 4 ملايين نازح في الشمال السوري، يتناول المنتدى مفهوم المواطنة متجاهلاً كل التراكمات السورية وحالة الانقسام العميقة على المستويات كافة.

مصدر مطلع أكد أن هذه النسخة من المسارات، ما هي إلا محاولة إنتاج شكل "معارض" من الداخل السوري، عبر شخصيات متفق عليها مسبقاً بين النظام والجهة المنظمة لإنتاج أوراق لا تختلف تماماً عن طروحات النظام السوري

لا جديد البتة في طروحات هذا المنتدى سوى أنه مسار سري ويحرص أعضاؤه والدولة المنظمة على سريته، أما الحلول ودائرة المشاركة فهي تقتصر على الشخصيات المتعايشة مع الوضع الراهن.

حاولنا الحصول على أوراق هذا الاجتماع وبرنامج عمل المنتدى، إلا أن الجهة المنظمة لم تتجاوب مع محاولاتنا عبر الإيميل لغياب أساليب التواصل المباشر، لكنْ مصدر مطلع أكد أن هذه النسخة من المسارات، ما هي إلا محاولة إنتاج شكل "معارض" من الداخل السوري، عبر شخصيات متفق عليها مسبقاً بين النظام والجهة المنظمة لإنتاج أوراق لا تختلف تماماً عن طروحات النظام السوري.

إن الهوامش الغربية المتوفرة لمثل هذه اللقاءات ما هي إلا محاولة هروب من الحالة السورية، ومحاولة تصديرها بشكل مشوه، إذ مثل هذه اللقاءات تحاول تجميل الواقع السوري والترويج في الدول الغربية لفكرة أن سوريا تجاوزت الأزمة، لكن سرعان ما تنتهي هذه الفلسفة بالخوض في تفاصيل الجحيم السوري.