icon
التغطية الحية

مرضى الشمال السوري في تركيا.. علاج مأجور وتعقيدات مرهقة و4 أنواع من الوثائق

2023.07.23 | 18:54 دمشق

آخر تحديث: 23.07.2023 | 20:31 دمشق

ؤرلا
مريض سوري مقيم في مركز جمعية الأمل في غازي عنتاب التركية - تلفزيون سوريا
غازي عنتاب - وائل عادل
+A
حجم الخط
-A

تقيم "أم علي" مؤقتاً في مركز جمعية الأمل في غازي عنتاب جنوبي تركيا، بعد أن وصلت من الشمال السوري لتلقي العلاج من مرض السرطان، لأن وثيقة العلاج السياحية التي منحتها إياها السلطات التركية لا تتضمن تأميناً طبياً أو خدمات أخرى للمبيت والطبابة، وهي وثيقة بدأ العمل بها عام 2021 بعد أن كان علاج المرضى السوريين مجانياً بدعم من الاتحاد الأوروبي.

تقول "أم علي" في حديثها لتلفزيون سوريا: "أشتاق لأطفالي، أنا أرملة أكمل علاجي من مرض السرطان في تركيا، وبيتي في إدلب فيه ابنتي الأرملة وطفلاها، بالإضافة إلى أطفالي الصغار الثلاث". وأنهت أم علي حديثها بجملة "وضعنا في البيت صعب، والشكوى لله".

مركز جميعة الأمل خصص طابقاً للسيدات والأطفال، وآخر للرجال، جميعهم ممن يتابعون علاجهم في المشافي التركية، يقدم المركز لهم الإقامة والطعام، ويغص بالحالات والقصص الإنسانية، فالمريض القادم من الشمال السوري يعتقد أنه وصل للخلاص والشفاء، لكنه يعيش رحلة جديدة من المعاناة، والتي تبدأ بالإجراءات البيروقراطية المتعبة والمكلفة، وقد لا تنتهي بعدم القدرة على تأمين المواصلات والعلاج وأجور العمليات الجراحية التي لا تغطيها المشافي التركية الحكومية في كثير من الأحيان.

 

 

أنواع وثائق العلاج السياحية بحسب المعبر

في الشهر الثامن من العام 2021، أوقفت الحكومة التركية منح الوثائق للمرضى السوريين القادمين من سوريا والتي تبدأ بالرقم 99، كما أوقفت ما كان يسمى الوثيقة المؤقتة البيضاء، وهي وثائق كانت تتضمن تأميناً صحياً كبطاقة الحماية المؤقتة "الكملك" التي يحملها اللاجئ السوري المقيم في تركيا، وتوقفت المعابر لفترة 20 يوماً حينها، وعادت للعمل بشكلها الجديد دون تأمين صحي، ولكل معبر نموذج مختلف للوثيقة.

وثيقة معابر ولاية هاتاي (باب الهوى ومعبر الحمام) تختلف عن وثيقة معابر ولاية كلس (الراعي وباب السلامة)، وعن معبر غازي عنتاب (جرابلس)، وعن معبر ولاية أورفا (تل أبيض). هنالك 4 وثائق مختلفة تمنح للمرضى السوريين المتوجهين إلى تركيا للعلاج.

هذه الوثائق تختلف بالشكل لكن جميعها محدودة في التأمين الصحي فأي إجراء طبي داخل المشفى الحكومي يكون مجانيّاً، عدا العمليات الجراحية، وبعض عمليات التنظير المتقدمة وأيضاً عمليات القثطرة القلبية للأطفال أو للكبار فهي مأجورة، أيضا يدفع المريض قيمة الأدوية في الوصفات الطبية غير الموجودة داخل المشافي، أو الصور كالرنين المغناطيسي أو الطبقي المحوري، والتي في كثير من الأحيان يكون الضغط كبيراً عليها فيتم تأجيل المريض لفترة طويلة، يضطر لإجراء هذه الصور والتحاليل على حسابه الخاص لأن وضعه لا يحتمل الانتظار.

رحلات مرهقة بين الولايات لتجديد الإحالة الطبية

بعد دخول المريض إلى تركيا بهدف الزيارة العلاجية، يواجه معضلة اسمها "الإحالة الطبية"، فإذا دخل مريض السرطان السوري من معبر باب الهوى مثلاً، لا يجد حالياً مشافي تقدم العلاج في ولاية هاتاي المدمرة بالزلزال، فيستصدر إحالة من مستشفى الدولة في مدينة أنطاكيا وهذا المشفى حالياً فعال فقط للخدمات الإسعافية والأولية.

ويتوجه المريض إلى ولاية أضنة مثلاً للعلاج، ولدى انتهاء أي فترة علاجية (كورس علاجي) أو كيميائي أو شعاعي، يُضطر المريض للعودة من أضنة إلى هاتاي لاستصدار إحالة جديدة.

وهذه الرحلة المرهقة لمدة 3 ساعات بين المدينتين يخوضها المريض المنهك تقريباً كل عشرة إلى عشرين يوماً، وهي مكررة لكل مريض يدخل إلى مستشفى مدينة ويحال علاجه إلى مدينة أو ولايةٍ أخرى. ولا يسمح لأقارب المريض أو أي شخص يوكّله باستلام "الإحالة"، ولا تسلّم إلا باليد للمريض ذاته.

والجدير بالذكر أن السلطات التركية تمنع حالياً دخول مرافق مع الطفل المريض الذي يزيد عمره على 8 سنوات مثل أبيه أو أمه، وهذا ما يتسبب للطفل بتدهور حاد في صحته النفسية، ويترك عائلته في قلق كبير عليه.

تقول أم حسين (50 عاماً ومصابة بسرطان الثدي) إنها بعيدة عن أسرتها المقيمة في سوريا، وتقيم بمفردها في مركز الأمل منذ شهور، ويجبرها موضوع الإحالة إلى الذهاب لولاية كلس (60 كم عن غازي عنتاب) لتجديد الورقة، ثم العودة إلى غازي عنتاب للعلاج في مستشفى الجامعة.

 

 

ويشير أحد نزلاء المركز عبد الرحمن حج حسين (29 عاماً) إلى أنه ورغم عدم قدرته على الحركة بسبب كتله في ظهره، يأخذه والده على الكرسي المتحرك إلى كلس ليحصل على تجديد للإحالة، ولا يقبل الطبيب بأن يبقى المريض في السيارة، ويطلب رؤيته شخصياً، لينقله والده بصعوبة ويحمله على الكرسي النقال إلى عيادة الطبيب في المستشفى ليحصل على الإحالة ليستطيع استكمال فحصه وعلاجه في غازي عنتاب.

عبد الرحمن ومنذ ثلاثة شهور وبسبب تأخر الصور والإجراءات، لم يحصل على تشخيص أو علاج وما يزال منتظراً مصيره.

معاناة الأطفال السوريين مرضى القلب والكلى

لا توجد في الشمال السوري عمليات قثطرة قلبية جراحية للأطفال، وفي حال تحويل الطفل للعلاج في تركيا فهي مأجورة، وقد تصل أجورها إلى 30 ألف ليرة تركية بحسب "محمد زينو" مدير مركز الرعاية، كذلك الكثير من الجراحات التخصصية أو التنظير في مشفى الجامعة في غازي عنتاب على سبيل المثال.

يضيف "محمد": إن قرّر الطبيب عدم حاجة الطفل للعملية في القلب بعد التحاليل والصور المتقدّمة، وبأن علاجه بالأدوية ممكن، هنا يدفع الأهل قرابة 12000 ليرة تركية سعر العلبة الواحدة من دواء "Bosentan" شهرياً. 

تقول والدة الطفل المريض بالكلى عبد الله الحميد (3 سنوات)، وهي مهجّرة وعائلتها من ريف إدلب الجنوبي، لموقع تلفزيون سوريا: "أقيم وطفلي في المركز بسبب مشكلات صحية في الكلية والمثانة لدى طفلي، ونحن على هذه الحالة منذ أكثر من عام، نأتي بزيارة علاجية من مدينة الباب إلى تركيا لنجري له عمليات تفتيت أو تنظير أو قثطرة، وكل هذه العمليات مأجورة، تبدأ أقل عملية بـ 5000 ليرة تركية".

استقبل مركز الرعاية في مدينة غازي عنتاب آلاف المرضى السوريين في السنوات الماضية، ويقدّر مدير المركز قرابة 70 إلى 80 بالمئة من الحالات كانت مأجورة، سواء من ناحية العلاج و الأدوية أو من ناحية الجراحة.

ويضيف: كثير من مرضى العينية السوريين الذين يحتاجون إلى عمليات القرنية أو الشبكية، يأتون إلى تركيا بحثاً عن جمعية أو منظمة تساعدهم في دفع التكاليف الباهظة لمثل هذه العملية والتي تصل للعين الواحدة إلى 6000 دولار، لكنهم مع الأسف لا يجدون إلا في حالات نادرة جداً.

لا تنظيم لإجازات المرضى البعيدين عن عائلاتهم في سوريا

إن لم يتبق للمريض جرعات علاجية، أو فحوصات مختلفة لشهرٍ أو اثنين، فهو سيبقى في تركيا بعيداً عن عائلته المقيمة في سوريا، إما لعدم توفر الإجازات أو رفض الطلب من قبل والي الولاية التي عبر من معبرها، أو خوفاً من عدم قدرته على العودة بسبب تغير القرارات وعدم وضوحها في كثير من الأحيان.

تقول المريضة مدى موصلّي المصابة بسرطان الرحم، إنها تقيم منذ قرابة عام في مركز جمعية الأمل، بعيدة عن أطفالها في ريف إدلب، وهي تتابع علاجها في غازي عنتاب أملاً في العودة سليمة لعائلاتها.

قدمت مدى إلى تركيا عبر معبر باب الهوى ولم تستطع الحصول على إجازة لتعود إلى عائلتها مؤقتاً، وتخاف العودة إلى سوريا وتغير القرارات وبالتالي خسارة فرصتها في العلاج في تركيا.

ويوضّح الطبيب "عبد الرحمن زينو" رئيس مجلس إدارة جمعية الأمل، بأن "مديرية صحة غازي عنتاب" الوحيدة التي تنظم إجازات للمرضى، عبر التواصل مع الجمعية، ترسل الجمعية للصحة كتاباً بالمدة التي لا حاجة لوجود المريض بها في تركيا، ليكتب الطبيب بدوره إجازة للمريض، وتأتي سيارة تتبع لمديرية الصحة تنقل المريض من باب المركز إلى مشفى مدينة الباب في الشمال السوري.

ويضيف الطبيب زينو: وقعنا بروتوكول تفاهم بيننا وبين مديرية صحة عنتاب، يتضمن التفاهمات حول خدمة الإيواء والتنسيق والإطعام والنقل داخل المدينة.

حملة "أنقذوا مرضى السرطان"

أوقفت السلطات التركية إدخال المرضى السوريين لتلقي العلاج عقب الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، ثم استأنفت بعد فترة إدخال مرضى السرطان الذين كانوا يتلقون العلاج في المستشفيات التركية قبل الزلزال فقط، لاستكمال علاجهم، لكن دون السماح للمرضى الذين تم اكتشاف إصابتهم بالسرطان بعد وقوع الزلزال، والذين قدرت مصادر طبية في الشمال السوري أعدادهم بأكثر من 600 مريض، بعضهم فقد حياته وهو ينتظر سماح تركيا بدخوله والحصول على العلاج.

ونظم ناشطون أمس السبت اعتصاماً مفتوحاً في معبر باب الهوى مطالبين الحكومة التركية بفتح المعبر أمام دخول مرضى السرطان للدخول إلى مشافي الداخل التركي والحصول على العلاج الازم غير المتوفر في المنطقة، وذلك في سياق حملة مناصرة بدأت قبل أيام.

يذكر أن جمعية الأمل لرعاية مرضى السرطان أسست في عام 2013، وتعمل من حينها على إيواء المرضى وإطعامهم وتأمين العلاج لهم إن أمكن عبر التبرعات الفردية، والمواصلات والترجمة، بحسب الإمكانيات المتوفرة والتي عادة ما تكون ضئيلة بعد انقطاع الدعم عنها منذ أعوام والاعتماد على التبرعات الفردية.