مذكرات الجنرال الهمذاني: لماذا تدخلنا في سوريا؟ وكيف؟

2018.05.06 | 10:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

على مدار العقود الأخيرة كان في المنطقة منظمات سياسية وعسكرية معروفة إلى حد كبير أو متوقعة، ومؤسسها وأعضاؤها محليون في الأعم الأغلب، وإن كان بعضها قائما على أيديولوجيا عابرة للحدود، وقضيتهم الرئيسية إما تغيير النظام أو تغيير الدولة نفسها، وهذا أمر مفهوم هنا، فالظروف السياسية البائسة في هذه المنطقة جديرة بتوليد حركات وتنظيمات سياسية وعسكرية لا متناهية، وهو أمر يجعل "الربيع العربي" حدثا محتوما بغض النظر عن التوقيت.

كل ذلك يبدو طبيعيا، لكن الحدث الذي غير شكل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة وغير أدواته بشكل جذري كان في نيسان/أبريل ٢٠١٣ حيث شكل أول تنظيم ميليشياوي بإشراف وقيادة إيرانية، ليبدأ غزو الدولة السورية وتجويفها من الداخل والتحكم بمركز القرار العسكري والأمني، ومنه إلى اختراق كل أجهزة الدولة والوصول إلى عمقها.

 "رسالة الأسماك" كتاب يتضمن مذكرات الهمذاني كان قد سجلها المؤلف قبل مقتل الجنرال في ريف حلب. طبع الكتاب ونشر بعد مقتله عام ٢٠١٥ في دار نشر تابعة للحرس الثوري في طهران.

وثائق متنوعة المصادر والموضوعات تسربت على فترات متباعدة تكشف كل منها تفصيلا من التفاصيل المذهلة حول عملية ابتلاع إيران للدولة السورية، والسيطرة الممنهجة على أجهزتها الإدارية وخدماتها الأساسية، بل أبعد من ذلك إلى السجلات السيادية المدنية العقارية، وهو أمر يساعد في إنجاز مشروع اقتلاع السكان وتغيير النسيج الاجتماعي الذي تعمل عليه إيران في سوريا.   

صحيح أنه لاحقاً حدث تغير كبير أيضاً في اليمن يشبه لعبة "حزب الله" داخل لبنان، وهي لعبة سياسية مفادها إنشاء وكلاء محليين للدولة الإيرانية يملكون القوة العسكرية ويشكلون في الوقت قوة سياسية بحيث يبتلع الوكلاء المحليون دولتهم لصالح دولة أخرى دون أن تستطيع مواجهتهم، ودون أن يسمى ذلك خيانة عظمى للدولة الأمة، في الواقع لا شيء أغرب من ذلك سوى ما حدث في سوريا.

في سوريا أنشأت ميليشيات من متطوعين أجانب تديرهم دولة أجنبية (إيران) لقتال السكان المحليين! أبعد من ذلك تم دمج أقوى الميليشيات الأجنبية هذه في الجيش وفي أهم الفرق (الحرس الجمهوري)، ومنح المقاتلون الجنسية السورية لتأمين غطاء قانوني لهم، ثم يبقون تابعين للحرس الثوري الإيراني، أي إلى دولة أجنبية!

لا توجد وثيقة عامة تكشف ما حدث في الأيام الأولى من التدخل والتخطيط له وكيفية تنفيذه، والأهداف منه سوى شهادة الجنرال أحمد الهمذاني في كتاب صاغه (كَلعلى بابايى) بعنوان "رسالة الأسماك" أو (پیغام ماهی ها) وهو كتاب يتضمن مذكرات الهمذاني كان قد سجلها المؤلف قبل مقتل الجنرال في ريف حلب. طبع الكتاب ونشر بعد مقتله عام ٢٠١٥ في دار نشر تابعة للحرس الثوري في طهران.

عرفنا ولا شك كثيراً من تصريحات الإيرانيين بأنهم أنقذوا النظام من السقوط، حتى زعيم ميليشيا وكيل للإيرانيين في دولة صغيرة مثل لبنان قال مرارا إن تدخلهم في سوريا إلى جانب النظام أنقذه من السقوط الذي كان مؤكدا خلال أسابيع. لكن التصريحات تلك سيكون فهمها مختلفا حين قراءة المشهد كاملا في هذه المذكرات.

بالطبع لا يمكننا اعتبار كل ما قيل فيها صحيحاً، لكن تبني الحرس الثوري لها يمكننا من النظر إليها باعتبارها رواية رسمية خصوصا أنها تتطابق وتصريحات المسؤولين الإيرانيين المختلفة بل وتفسرها أيضا.

"نظراً إلى أهمية الشهادة فإن ما سأقوم به هو نشر ترجمة كامل النص الخاص بسوريا على حلقات بدءاً من الأسبوع القادم."

بدءا من الأسبوع القادم سأبدأ بنشر كامل ترجمة نص الفصل الخاص بسوريا في المذكرات وهو الفصل الأخير، والذي عنونه المؤلف بـ"خارطة طريق سوريا" مرفقاً في كل مرة بمقدمة يوضح فيها القضايا المتعلقة بالنص المنشور وسياقه.

لقد سبق ونشرت فاطمة الصمادي ترجمة لجزء لا بأس به من هذا الفصل، غير أن ما نشرته ليس كل الفصل وإنما أجزاء رئيسية منه، ونظراً  إلى أهمية الشهادة فإن ما سأقوم به هو نشر ترجمة كامل النص الخاص بسوريا على حلقات بدءاً من الأسبوع القادم.