icon
التغطية الحية

مختارات القصة القصيرة.. "هذه المرة" للأديب السوري إبراهيم صموئيل

2021.06.25 | 11:58 دمشق

abrahym_smwyyl-_tlfzywn_swrya.png
 تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A
 مختارات القصة القصيرة، زاوية أسبوعية يقدّمها قسم الثقافة للقرّاء كل يوم جمعة، وهي مخصصة لعرض قصة قصيرة من تأليف أديبات وأدباء سوريين.

عن القصة والكاتب

قصة "هذه المرّة" إحدى قصص مجموعة "رائحة الخطو الثقيل" للكاتب والقاص السوري إبراهيم صموئيل.

وصموئيل كاتب وقاصّ سوري من مواليد دمشق 1951 يحمل إجازة في الدراسات الفلسفية والاجتماعية من جامعة دمشق عام 1982.

عشق القصة القصيرة وكتب أربع مجموعات قصصية مميزة هي: رائحة الخطو الثقيل 1988، النحنحات، الوعر الأزرق، فضاءات من ورق.

طبعت الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر  مجموعته الأولى والثانية وأصدرتهما ضمن سلسلة "آفاق الكتابة" عام 1999.

وبالرغم من جمالية وتميّز قصصه، إلا أنه لم يسعَ وراء غزارة الإنتاج والطباعة، إذ يقول صموئيل: "مازلت مخلصاً لوعد قطعته وعاهدت نفسي عليه ألا أكتب سطراً واحداً في قصة إذا لم يكن من دمي وروحي وإحساسي وحاجتي للكتابة. وإن لم أشعر بحاجة ماسة لكتابة قصة لا أكتب".

ترجمت مجموعته الأولى إلى اللغة الإيطالية وصدرت عام 1992. كما ترجمت قصص متفرقة إلى اللغات: الإنجليزية، الفرنسية، الصينية وغيرها.

القصة:

ابنتي الصغيرة..

يغضبها مسح وجهها بالصابون أو رشقه – خفيفًا- ببعض الماء، فتفر منه، أو تتلوى بين يديّ كلما أدنيتها من الصنبور. أضطر لغسل وجهها عنوة، متغاضيًا عن صراخها و بكائها الرافض، غير أنها هذه المرة استكانت لساعدي! وسلمتني وجهها الذي بدا تحت قطرات الماء وحزمة الشمس الساقطة عليه مشعًا بضياء غريب لم أعهده من قبل.

تستهويها اللعبة دائمًا، فتتابع ركضها المتعثر حول الكرسي، وأستمر أنا في دعوتها للتوقف حتى أنهي تسريح شعرها، فلا هي تستجيب مترقرقة في ضحكها ولا أكف أنا منزعجًا من تصعيد غضبي وتحذيرها بالضرب إن هي استمرت في دورانها وحالت دون تمكيني من تسريح شعرها.

لكنها هذه المرة كانت هادئة وديعة. أعطتني رأسها الصغير المكور أسرّح خصلاته الذهبية على صدغيها وجبينها كما أحببت لشعرها دائمًا أن يكون. وتواري رغبتها في اللهو بأن تشكو ضيق ثوبها الأبيض المشدود على صدرها وخصرها النحيل والفضفاض عند كتفيها المبرومين وساقيها البضتين، أو تتذمر من خشونته التي تضايقها - كما كانت تقول - ما يدفعها دومًا إلى الاختباء تحت السرير كلما لمحته في يدي.

إلا أنها هذه المرة لم تختف تحت السرير، بل هي ارتضت ارتداءه بهناء وروية أتاحتا لي فرصة عقد الشريط الحريري الأزرق عند كتفها اليسرى والذي طالما ظل في الأيام الماضية متهدلاً ومثيراً لحنقي عليها.

ويغريها جوربها الأزرق، المطرز بقطتين بيضاوين، أن تسألني عما إذا كانت القطة ستأكل أصابعها، فأجيبها بالنفي. ثم تكرر السؤال مع الفردة الثانية، فأضيق وأجيبها نزقاً: لا. فتبتسم وتطلب مني أن أموء مثل القطة، فأفقد صبري صارخاً وتفقد ابتسامتها باكية.

وعلى غير  عادتها، كفت عن السؤال هذه المرة، وراحت أصابعها الفستقية تنزلق في جوف الجوربين، دون أن أموء لها أو تبكي أمامي. حتى حذاؤها كان يعجزني ويسلبني احتمالي! فكم تطاير من قدمها الرشيقة المتمردة فلا أتمكن من إدخال شريطه الجلدي في حلقته المعدنية قبل أن أعنفها وأحكم الإمساك بساقها جيداً.

أما هذه المرة فقد انسلت قدمها في الحذاء باسترخاء وليونة دون تعنيف، وتجاورت مع الأخرى في ازدواج محبب افتقدت تأمله منذ زمن طويل..

فقط حينما رفعتها وضممتها إلى صدري مسدلاً رأسها على كتفي ويديها حول عنقي المتصبب عرقاً انتبهت فجأة إلى أني لم أحذرها –كما كنت أفعل دوماً- من إلصاق حذائيها ببنطالي، لأنها هذه المرة كانت ميتة.