مخابرات الأسد تراقب الموتى وتكتب تقارير بالجثث!

2021.09.12 | 06:18 دمشق

613098694236044cfb3f2567.jpeg
+A
حجم الخط
-A

نكأت وفاة الأستاذة ستيلا خليل خبيرة فن المكياج الجرح السوري من جديد وعلى مستويين، أولهما يتعلق بالمبدعين السوريين الذين فضلوا البقاء في سوريا من دون أن يعلنوا موقفاً مؤيداً للنظام وبناء على ذلك تم تجاهلهم وإهمالهم تماماً من قبل نقاباتهم والأوساط التي ينتمون إليها، فخسرتهم الحركة الثقافية أحياء قبل أن تخسرهم بعد موتهم الفاجع وحيدين وغرباء في بلدهم.

والثاني، يتعلق بحجم الألم الذي لا يمكن وصفه لدى السوريين الذين وقفوا مع الثورة واضطروا لمغادرة بلدهم، ولم يعودوا قادرين على العودة إليها حتى لزيارة أهلهم.

وجع النجوم..

في هذا الإطار يمكن التوقف عند مأساة الفنانة يارا صبري على سبيل المثال، والتي حرمت منذ سنوات طويلة من رؤية والديها ولا يزال هذا الحرمان مستمراً وبلا أمل، وبلا سبب جوهري للفراق سوى همجية النظام وأجهزته الأمنية، وحرصه على الانتقام ممن صرح بموقف مضاد لروايته، وبالطبع فإن ثمة مئات الآلاف ممن لديهم ذات تلك المعاناة.

على أن الوجع الحقيقي ستلخصه قضية عجز السوريين عن حضور مراسم جنازة أهلهم ومراسم دفنهم حين الوفاة، لأنهم ببساطة ممنوعون من دخول البلد، هم بالأحرى مطلوبون للمقصلة أو المعتقلات، وربما جاءت وفاة الأستاذة ستيلا لتضع ابنها مكسيم خليل في خانة الوجع والدموع من جراء عجزه عن الذهاب إلى سوريا بمناسبة موجعة كهذه..

إنها أبشع حالة همجية يشهدها التاريخ أن يتم حرمان ذوي الراحل من حضور الدفن والعزاء في أمه أو أبيه، أو أي من أصول العائلة، مكسيم خليل لم يكن الوحيد الذي تعرض لهذا الأذى، فقبله تعرض الفنان جمال سليمان لذات الموقف حين توفي والده ولم يستطع دخول سوريا لحضور مراسم الدفن والعزاء، أو هو بالأحرى لم يفكر بالذهاب لأنه يعي المصير المحتوم في حال دخوله للبلد.

التهم الجزافية..

تعد مطاردة المخابرات السورية للشخصيات الموثوق بإنسانيتها وتميزها ونخبويتها وبالتالي بوطنيتها أكبر دليل على كذب رواية النظام بمجملها، فهو لا يلاحق خونة وإرهابيين كما يدعي وإنما يلاحق من وقف مع الحق ومن طالب بالعدالة ومن رفض القتل والإبادة، إنه يلاحق -ويا للعار-، كل من حلم بسوريا أفضل وأكثر تطوراً، بسوريا ديمقراطية ومدنية، بدليل هؤلاء النجوم الذين يصر على تسجيلهم على قائمة الإرهابيين والخونة.

لا أحد يمكن أن يصدق تهم النظام الجزافية سواء لجمال سليمان أو مكسيم خليل وغيرهما الآلاف من الفنانين والإعلاميين والمثقفين والعلماء وضباط الجيش المنشقين، والمحامين والمعلمين وأساتذة الجامعات..الخ، هذا ينطبق أيضاً على السوريين الآخرين من العمال والحرفيين والطلاب، فكل من لم يردد رواية النظام بشكل ببغائي، محروم من دخول سوريا ومحروم من رؤية أهله أو المشاركة في مراسم دفنهم وعزائهم حين موتهم..

محاسبة الجثة..

أوضح دليل على حقد النظام وأتباعه ليس فقط على من وقف ضدهم بل أيضاً على كل من لم يعلن موقفاً صريحاً معهم، أن أتباع الأسد لا يزالون ممتعضين من قضية السماح بدفن جثمان الفنان الراحل حاتم علي في سوريا بعد شهور طويلة على وفاته، وكان هؤلاء يتمنون لو أن الأمن أو القصر الجمهوري كانا صارمين أكثر ولم يسمحا بدخول الجثمان إلى الأراضي السورية، رغم معرفتهم بأن الفنان الراحل لم يعلن موقفاً صريحاً ضد النظام بما يبرر قراراً يتضمن عدم السماح بعودة جثمانه..

حادثة نقل جثمان حاتم علي وتداعياتها والمواقف الصادمة أخلاقياً التي صدرت عن أتباع النظام، تفتح الجرح الذي لم يغلق بعد لدى السوريين، فبعد تلاشي حلمهم في المدى المنظور بالعودة إلى سوريا واسترداد حياتهم السابقة دون مذلة الأسد وأجهزته الأمنية، فإن الحلم البديل لمعظم، بل لكل السوريين الوطنيين، هو أن تتاح لهم فرصة أن يدفنوا في تراب بلدهم..

غير أن نظام القتل والإجرام الذي لا يزال قابعاً على قلوب السوريين يقف حائلاً دون ذلك الحلم، يبدو النظام مشلولاً وكسيحاً وليس بيده أية سلطة على القرار السيادي وعلى القضايا الكبرى المتعلقة بمصير الوطن، ولكنه يحتفظ فقط بسلطة التحكم بحياة السوريين، والأنكى أنه يريد التحكم بمماتهم أيضاً، ناهيك عن اعتقالهم وقتلهم وتهجيرهم وابتزازهم، أما القرارات المصيرية فمتروكة لروسيا وإيران وغيرهما ممن لديهم مصالح في سوريا.

محنة السوري..

إنها حالة من القسوة المفرطة التي تلاحق السوري منذ أن أطلق صرخته ضد الوريث، فحولته مخابرات الأسد وأتباعه إلى عدو وأعلنت الحرب عليه كأولوية أولى، تناسى هذا الوريث خصوم البلد الحقيقيين والذين تعيّش على فكرة مقاومتهم على مدار عقود دون أن يتجرأ يوماً على إعلان الحرب عليهم إلا بالكلام، بل إنه تجنب حتى رد الاعتداءات المتكررة والمهينة على سوريا من قبل أولئك الخصوم، ولكن ما إن تجرأ السوري على المطالبة بحق البلد في النهوض والتحرر حتى أخرج الأسدُ الوحشَ المختبئ تحت البدلة المدنية وأطلق له العنان في ممارسة أبشع أنواع الإجرام والهمجية على المدنيين المسالمين..

عندما قرر السوريون القيام بثورتهم، كانوا يعرفون تماماً خشونة النظام ووحشيته، ولكن خيالهم لم يوصلهم إلى المرحلة التي نحن فيها الآن، تلك المرحلة غير المسبوقة من إبداعات البطش والتنكيل والتي وصلت إلى ملاحقة الجثث ومحاولة الانتقام من أصحابها، وأخذت أجهزته الأمنية تكتب تقاريرها حتى بالأموات في محاولة للانتقام من جثامينهم ومن ذويهم في أعنف ظاهرة يشهدها التاريخ الحديث، وفي أوضح وصمة عار على مافيا حاكمة، فيما بقي الكثيرون من المؤيدين والشبيحة يشدون على يدي النظام ويباركون أفعاله ضد أخوتهم وأبناء بلدهم، بل ويطالبونه بالمزيد..