icon
التغطية الحية

محنة النزوح واللجوء السوري يجسدها فيلم "قضية الغرباء"

2024.03.08 | 17:00 دمشق

مخرج ومنتج وكاتب سيناريو فيلم "قضية الغرباء" (إلى اليسار) برفقة بطل العمل الفنان عمر سي في موقع تصوير العمل
مخرج ومنتج وكاتب سيناريو فيلم "قضية الغرباء" (إلى اليسار) برفقة بطل العمل الفنان عمر سي في موقع تصوير العمل
Deadline - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال الشهر الماضي، فاز فيلم براندت أندرسون الطويل الأول: "قضية الغرباء" بجائزة منظمة العفو الدولية للأفلام السينمائية في مهرجان برلين السينمائي الدولي، فأتى ذلك بمثابة اعتراف وتقدير للرحلة الطويلة والمشوبة بالعاطفة التي خاضها المؤلف والمخرج والمنتج عندما تبنى فيلماً يتناسب مع نشاطاته في المجال الإنساني.

وهذا الفيلم الذي عرض لأول مرة في حفل خاص أقيم ببرلين، يعتبر نسخة أطول من فيلمه القصير "لاجئ" الذي رشح لنيل جائزة الأوسكار ووصل إلى القائمة القصيرة، وهو فيلم من بطولة الفنان الفرنسي عمر سي والفنانة اللبنانية ياسمين المصري، ويسرد فيه قصة تقطع نياط القلوب حول نزوح اللاجئين وخروجهم من سوريا.

ثم إن أندرسون الذي أنتج فيلم "إيفريست" و"الناجي الوحيد" وفيلم: "زهور الحرب" الذي رشح لنيل جائزة غولدن غلوب، هو من كتب وأخرج فيلم "قضية الغرباء" الذي استلهم قصته من الناس الذين قابلهم في أثناء عمله لدى منظمات إنسانية في تركيا واليونان وإيطاليا والأردن وسوريا.

يتتبع هذا الفيلم ردة الفعل على الأحداث التي أبدتها خمس عائلات مختلفة في أربع دول مختلفة عقب تعرض أسرة سورية في حلب لمأساة، حيث الطبيبة (التي تؤدي دورها المصري) وابنتها، تعودان إلى بيتهما عقب فترة عمل متعبة بمشفى من مشافي حلب، وهنالك الجندي الذي يشهد جرائم بشعة ارتكبت بحق رجال ونساء وأطفال عندما كان يؤدي خدمته في جيش النظام السوري، وهنالك المهرب المقيم في تركيا، والشخصية التي يلعبها سي الذي يحاول أن يقدم لابنه الصغير أقل القليل من احتياجاته مع سعيه لادخار ما يكفي من المال للهرب، وهنالك شخصية الشاعر الذي يقيم في مخيم للاجئين بتركيا والذي يقدم مقابلاً كبيراً حتى يوفر مساحة لنفسه ولأسرته على متن قارب يعج بالناس، وثمة نقيب من حرس الحدود اليوناني يمضي أيامه ولياليه وهو ينقذ القوارب الغارقة التي تحمل مهاجرين.

 

يعلق أندرسون على فيلمه بالقول: "بدأت سفري إلى تركيا واليونان مباشرة خلال فترة الربيع العربي عندما صار اللاجئون يغادرون سوريا بسبب النزوح القسري، فشعرت بأنني باستطاعتي مد يد العون لهم، فقد تدربت على عمليات البحث والإنقاذ وأسهمت في جلب المعونات والأطباء إلى هاييتي بعدما ضربها الزلزال، ولهذا اعتقدت أن بوسعي فعل شيء هنا في أثناء عبور الناس للبحر، إذ ثمة شيء داخلي كان يدفعني للسفر إلى هناك لأعرف ما بوسعي أن أفعله حتى أساعدهم، فقد أصبحت محاولاتي في التفكير بما يمكنني فعله على سبيل المساعدة في حالات كهذه جزءاً مهماً من حياتي".

أمضى أندرسون سنينا وهو يسافر من الولايات المتحدة إلى تركيا واليونان ليتعاون مع المنظمات الإنسانية ويوثق الظروف في مخيمات اللاجئين التي توسعت لتصل إلى إيطاليا والأردن وسوريا في نهاية المطاف، وخلال تلك الفترة بدأ بتعلم اللغة العربية وعن ذلك يقول: "ساعدني ذلك كثيراً في التواصل مع الأشخاص الذين يأتون ويسافرون بحراً"، ولكن في عام 2017، عندما فرض الرئيس السابق دونالد ترامب حظراً أثار جدلاً كبيراً على استخدام أجهزة الحاسوب المحمول على متن الرحلات الجوية الأميركية المتجهة إلى مطارات معينة في الشرق الأوسط، بدأ أندرسون بكتابة ما أصبح فيلم "قضية الغرباء" في نهاية المطاف، وعن ذلك يقول: "لقد أزعجني حظر استخدام الحواسيب المحمولة كثيراً، بيد أني تفقدت حاسوبي المحمول وذهبت ثم اشتريت مفكرة لوحية وخلال رحلتي عائداً إلى بلدي، كتبت ما تحول إلى قصة الشاعر في الفيلم".

تجربة إخراجية أولى

عندما قفل عائداً إلى الولايات المتحدة، أنهى سيناريو الفيلم خلال شهر، ولذلك يقول: "لم أكن أدري ما أفعله وقتئذ، إذ لم أكتب سيناريو بحياتي قبل ذلك، بل كنت أخرج ما يعتمل في داخلي وأعبر عن مشاعري وانفعالاتي، بما أني شعرت بأن علي أن أكتب حتى أحرر كل ذلك بما أنني لم أعش هذه التجربة من قبل، أي كل ما فعلته أني حاولت أن أتتبع مشاعري".

ألهمته تجربته في سوريا التي أمضى فيها ثلاثة أيام قصة الفيلم، إذ أمضى بعض الوقت في مشفى لحديثي الولادة يقع على أطراف حلب، وعبر خمسة حواجز أمنية حتى يصل إلى هناك، ويحدثنا عن ذلك فيقول: "كان المشفى مزدحماً جداً وفيه ممرضون وأطباء يعملون طوال الوقت في نوبات عمل جنونية، وبينما كنت أراقبهم ذكرتني فرحتهم وهم يتعاملون مع الأمور والشغف الذي يعتري قصصهم بمدى أهمية وجودي معهم حتى تصبح كل أحداث الفيلم حقيقية وصادقة، فلقد تحققت من كل شيء في الفيلم، بدءاً من الخوذ البيضاء وصولاً إلى الساعات التي ارتداها الممثلون وتأكدت بأنها جميعاً أصلية.

بعد كتابة سيناريو الفيلم، عانى أندرسون قبل أن يبصر مشروعه النور وذلك بسبب انشغالات سي وارتباطاته الكثيرة، وبفضل اقتراح أحد الأصدقاء قرر أندرسون إخراج نسخة قصيرة من الفيلم، فوافق سي والمصري على أداء دوري البطولة في الفيلم القصير أيضاً، ثم وصل فيلم لاجئ إلى القائمة القصيرة للأفلام المرشحة لنيل جائزة أوسكار في عام 2020، وعن ذلك يقول أندرسون: "كانت تلك طريقة مدهشة علمتني كيف أخرج".

معيار المصداقية والأصالة

صور فيلم "قضية الغرباء" في الأردن وتركيا وشيكاغو وأنتجه أندرسون وأسامة بواردي وريان بوس وتشارلي إندين، وقد كان من الضروري بالنسبة لأندرسون مشاركة سوريين حقيقيين ككومبارس حيث أشار إلى ذلك في بعض المشاهد، وقال بأن عدداً من الناس حاولوا عبور بحر إيجة ليصلوا إلى بر الأمان قبل ذلك.

 

وهذه الأصالة والمصداقية تعتبر معياراً بالنسبة لأندرسون الذي يقول: "أردت للمُشاهد أن يشعر بأنه مشارك فاعل في هذا الفيلم حتى يتعلق بمشاهدته إلى آخره من دون أن يحس وكأنه يلعب ألعاب الفيديو، لأن هذه القصص حقيقية، وقد أردت للجمهور أن يكوّن آراءً مختلفة، ولهذا قسمته إلى أجزاء".

خلال كل يوم من أيام التصوير، تحول الإنتاج إلى طقوس عبادة يومية بنظر أندرسون، إذ كان لاجئ سوري يسرد قصته على طاقم العاملين في الفيلم والممثلين، وعن ذلك يقول أندرسون: "كانت تلك فاتحة يومنا، إذ يجتمع الممثلون والجميع ليسمعوا قصصاً لأشخاص آخرين، ولهذا كانت عيوننا تدمع بنهاية هذه الطقوس، بيد أن هذا ما حدد أسلوب الإنتاج لأن الأمر لا يتلخص بالقدوم والتمثيل وصناعة فيلم ومن ثم الحصول على عوائده".

في الختام، يصف أندرسون فيلم "قضية الغرباء" بأنه يعبر عن مشاعر قوية عاشها كما يمثل جميع حالات الظلم التي كانت تحدث خاصة بالنسبة للسوريين الذين أخرجوا من بلدهم، ويضيف: "إن عملي التطوعي مستمر بصرف النظر عن الفيلم، أي إن الفيلم لا يمثل النهاية بالنسبة لي وبات بوسعي بعده أن أخرج لمشاهدة مباراة البيسبول الآن، بل إن الأمر ليس كذلك أبداً، لأن هذا العمل يمثل جزءا مني لا يمكنني أن أعبر عنه إلا عندما أقول بأنه يمثل مشاعر حب قوية والحاجة لمد يد العون قدر استطاعتي".

المصدر: Deadline