مجازر الأسد ومخاتلة النظام العالمي

2023.08.31 | 06:37 دمشق

آخر تحديث: 31.08.2023 | 06:37 دمشق

مجازر الأسد ومخاتلة النظام العالمي
+A
حجم الخط
-A

صار من الصعب إحصاء مجازر نظام الأسد الأب والابن، وهذا النظام واحد ومتصل ومستمر على ذات النهج بالمجازر، منذ عام "1980" في حلب، مرورا بمجازر حماة، وصولا إلى مجزرة تدمر والمجازر التي يصعب إحصاؤها، والتي شارك المجتمع الدولي في دفن مفاعيلها والتستر على فاعلها، حتى مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها اليوتيوب، يساهم إلى هذه الساعة في طمس تلك الجرائم بحذف عشرات آلاف الفيديوهات التي وثقت لمئات المجازر.

كلنا نذكر تهديد رئيس الولايات المتحدة الأميركية لنظام بشار الأسد، وخطوطه الحمراء التي غسلتها مياه الأمطار، حين لم يأبه نظام الأسد لهذا التهديد لمعرفته الأكيدة أنه نظام محمي من أهم قوة في المنطقة وهي إسرائيل، وليس هذا تحليلا قابلا للأخذ والرد، بل هو تصريحات قادة مخابرات ورؤساء وزراء إسرائيل بشكل صراح لا يقبل اللبس، بل هم وشركاؤهم الأميركان، من أوعزوا إلى الروس بالتدخل لحماية النظام حين أوشك على السقوط، ولم تعد قواته تسيطر على أكثر من ثلث مساحة سوريا، ويذكر أحد أساتذة جامعة إنديانا، ممن حضر الاجتماع الذي حضرته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وأحد جنرالات حرب العراق، والذي تمخض عن رفع تقرير إلى الرئيس أوباما بخصوص استخدام نظام بشار للكيماوي في غوطة دمشق، وكان مفاد التقرير وجوب فرض منطقة حظر جوي على الأقل، أسوة بما حدث في ليبيا وقد أيدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الاقتراح لكن أوباما رفضه!!

كما نذكر تلك المسرحية الصبيانية التي أدارها رئيس وزراء المملكة المتحدة "ديفيد ماكرون" في مجلس العموم، حول التقدم بطلب ضرب النظام السوري لارتكابه مجزرة الكيماوي التي تخالف جميع القوانين الدولية، وكيف استطاع ممثلو حزب العمال تمييع المطلب، حين زعموا أن اتجاه الشارع في المملكة المتحدة يرفض تورط قوات المملكة في حروب خارجية، ولم يكن هذا رأيه حين تواطأت المملكة مع بوش الابن على ضرب العراق وقتل أطفاله، مع أن جميع الحجج يومها كانت كاذبة ومختلقة وأثبتت الوقائع التالية أنها مفبركة مخابراتياً.

يمكن لأي شخص قارئ للأحداث التي عشناها خلال العشر سنوات المنصرمة أن يرى بما لا يقبل مجالا للشك، أن هذا النظام المجرم يعمل بحماية ودعم دوليين

بالأمس قرر المدعي العام السويسري طلب المجرم رفعت الأسد، شقيق الرئيس السابق وعم الرئيس الحالي للمثول أمام المحكمة، بتهمة تورطه بمجازر حماة التي مضت عليها أربعون سنة، وجاء هذا الطلب بعد أن اطمأن المجتمع الدولي والمدعي العام السويسري، أن رفعت الأسد بات آمنا في قريته السورية وبين أعوانه، بينما لم يكن يتطلب جلبه إلى العدالة في السنوات السابقة أكثر من إرسال مذكرة إحضار مع بضعة عناصر بوليس، علما أن البيانات التي اعتمدها المدعي العام السويسري هي بحوزته منذ عشرة أعوام كحد أدنى، يمكن لأي شخص قارئ للأحداث التي عشناها خلال العشر سنوات المنصرمة أن يرى بما لا يقبل مجالا للشك، أن هذا النظام المجرم يعمل بحماية ودعم دوليين.

عند تقليبنا لأيام الثورة السورية بالكاد يخلو يوم من أيام السنة السورية من ذكرى مجزرة أو أكثر، ويجري الآن توثيق ما يزيد عن ثلاثمئة مجزرة أو تزيد ارتكبت خلال سنوات الثورة السورية التي دخلت عقدها الثاني، يعمل على هذا العمل التوثيقي الضخم والمهم "مؤسسة الذاكرة السورية" التي يديرها الدكتور عبد الرحمن الحاج وفريق متخصص بجمع الشهادات وتوثيقها بمنهجية علمية بإشراف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

الاستمرار بحماية هذا النظام يكرس حقبة ظلامية أسوأ من العصور الوسطى التي طالما حسبنا أننا تجاوزناها

اليوم مع بدء موجة جديدة من موجات هذه الثورة، وعودة الشارع السوري للانتفاض بوجه هذا السرطان، الذي تتسابق الدول على نفخ الروح في جسده المتفسخ، أخشى ما نخشاه أن يستمر النظام بالشيء الوحيد الذي يبرع فيه، "قتل معارضيه، وتسميد التراب السوري بالمقابر الجماعية وبدماء ضحاياه"، وأن يستمر النظام العالمي بصمته المهين، بعد أن فقدت سوريا الشطر الأكبر من شبابها وطاقاتها الفاعلة بين قتيل ومخفي قسرياً ومهجر لا يلوي على شيء، سوى النجاة بنفسه والعيش بما تبقى له من كرامة، ولم يعد من خيار للبقية الباقية التي ترزح تحت سطوة النظام "مؤيدين ورماديين ومعارضين" إلا انتظار الموت البائس جوعاً وقهراً، أو الانتفاض الانتحاري الذي بدأ الآن، والذي نأمل مع كل عجزنا، أن يكون الشعرة التي ستقصم ظهر هذا البعير، وأن يعي أصحاب القرارات الدولية، أن الاستمرار بحماية هذا النظام يكرس حقبة ظلامية أسوأ من العصور الوسطى التي طالما حسبنا أننا تجاوزناها، وأن مصالحهم على المدى المنظور والطويل، إنما تصان عبر إيقاف المجازر المستمرة، والعمل على إعادة فرصة الحياة لشعب فقدها منذ عقود.