مؤتمر بروكسل واللاجئون السوريون

2019.03.28 | 10:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

انعقد في بروكسل أعمال المؤتمر الدولي الثالث بشأن سوريا على مستوى وزراء الخارجية وذلك بمشاركة ممثلين عن 55 بلدا، طبعا لم يدع ممثل نظام الأسد للمشاركة كما لم تدع المعارضة السورية ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات للمشاركة أيضاً وعليه فالمؤتمر عن سوريا لكن من دون مشاركة السوريين بشكل رسمي وإن كانت مجموعات مختلفة من المجتمع المدني تتلقى تمويلا من الاتحاد الأوروبي قد تمت دعوتها للمشاركة في ندوات جانبية على هامش المؤتمر وليس في الجلسات الرسمية.

لقد أصبح هذا المؤتمر يعقد في بروكسل بشكل سنوي بهدف التأكيد على دعم اللاجئين السوريين حيث تشير بيانات المفوضية العليا للاجئين في بيانات العام 2018 إلى تسجيل أكثر من 5.6 مليون لاجئ خارج البلاد و 6.2 مليون آخرين نزحوا داخل الحدود السورية في أكبر حالة لجوء يشدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية نتجت عن نزاع داخلي أو حرب أهلية.

يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال هذا المؤتمر لإبقاء سوريا على الأجندة الدولية من خلال التركيز على قضية اللاجئين وتخفيف عبء أزمة اللجوء على دول الجوار التي شاركت في المؤتمر وخاصة لبنان ممثلة برئيس الوزراء الحريري، كما أن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة تسعيان من خلال هذا المؤتمر إلى دعم الانتقال السياسي في سوريا عبر مساندة الدور الأممي من خلال دعوة المبعوث الأممي الجديد بيدرسون الذي استلم مهمته الجديدة خلفا لدي مستورا نهاية العام الفائت والذي ركز على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 كطريق وحيد لتحقيق الانتقال السياسي.

نجح الاجتماع في جمع تبرعات للاجئين السوريين بقيمة ستة مليارات دولار لصالح 11.7 مليون نازح ولاجئ داخل وخارج سوريا، حيث أشار المفوض الأممي السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي -الذي زار سوريا مؤخرا- أن حوالي 70% من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر مدقع، بينما شددت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي موغيريني "أن الحرب السورية لم تنته بعد" وأضافت "يجب أن تبقى سوريا على رأس جدول أعمال المجتمع الدولي" مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي لن يقدم أية أموال لإعادة الإعمار إلا إذا ترافقت مع عملية سياسية ذات مصداقية تحت رعاية أممية وتؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي.

الاتحاد الأوروبي لن يقدم أية أموال لإعادة الإعمار إلا إذا ترافقت مع عملية سياسية ذات مصداقية تحت رعاية أممية وتؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي

بيد أن المؤتمر كشف الانقسام الأوروبي أيضا حول طريقة التعامل مع الأسد والآلية الأفضل لمكافحة الإفلات عن العقاب ومعاقبة الأسد على الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، حيث دافعت ألمانيا وفرنسا وهولندا عن سياسة رفض إعطاء أموال إعادة الإعمار حتى تبدأ مرحلة انتقالية بدون نظام الرئيس بشار الأسد، بينما تفضل إيطاليا والنمسا والمجر الحوار مع النظام من أجل إعادة اللاجئين إلى سوريا. كما أن بلجيكا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والسويد وهولندا والدانمارك وضعوا شرط مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في سوريا قبل تقديم أي دعم مالي لعملية السلام في سوريا.

كما أن الحقيقة الغائبة عن هذا المؤتمر هي أنه لم يكن له أي أثر سياسي يذكر لاسيما أن الفاعلين الرئيسيين في القضية السورية اليوم الولايات المتحدة وروسيا كانا غائبين عن المؤتمر،(شاركت الولايات المتحدة بوفد محدود من وزارة الخارجية)، أما الولايات المتحدة فبسبب تضارب في أولويات الرئيس ترامب وتصريحاته المتناقضة بشأن سوريh، وأما روسيا فما زالت في موقفها الداعم للأسد، أما مسار جنيف فمتوقف تماماً لأن النظام السوري يعتبر أن قضية الدستور هي قضية سيادية ويجب أن لا يتم نقاشها في جنيف.

أما مسار أستانا فقد قضت روسيا على ما تبقى منه مع بدء تحضيرها للعملية العسكرية في إدلب بمساعدة النظام السوري الذي بدأ بقصف أهداف مدنية على مناطق مختلفة في ريف إدلب أسفرت عن سقوط العشرات من المدنيين الأبرياء في هذه الغارات الجوية.

وهكذا بدت الحقيقة الوحيدة التي خرج منها المؤتمر هي الاستمرار في تمويل تكاليف اللاجئين السوريين لكن دون حل قضيتهم.

هكذا بدت الحقيقة الوحيدة التي خرج منها المؤتمر هي الاستمرار في تمويل تكاليف اللاجئين السوريين لكن دون حل قضيتهم.

ولذلك فاستمرار الحديث عن قضية اللجوء السوري دون معالجة السبب السياسي الذي أدى إلى مضاعفتها يكون في أحد مظاهره تجاهلا حقيقيا لجذور الأزمة ومعالجة نتائجها فقط، فاللجوء هنا ظاهرة معقدة فهي لا ترهق الدول المستضيفة للاجئين فقط وهنا في الحالة السورية دول الجوار بشكل رئيسي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر وغيرها من الدول الأوروبية التي استضافت أعداداً هائلة من اللاجئين السوريين كألمانيا والسويد، وإنما تصبح مشكلة جيلية معقدة للدولة المصدر للاجئين من حيث فقدان النخب الاقتصادية والتعليمية بأعداد غفيرة والأهم نشوء جيل جديد غير متعلم ولا يمتلك المهارات الكافية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار، فكما تشير أرقام البنك الدولي فإن هناك ما يقارب مليوني طفل في سن الدراسة في عداد النازحين داخليا، وأقل من نصفهم يذهبون إلى المدرسة. كما أن هناك 739، ألف طفل سوري آخرين خارج المدارس في خمس دول مجاورة تستضيف اللاجئين السوريين. إن فقدان رأس المال البشري "مذهل" على حد تعبير البنك الدولي في أحدث تقاريره عن اللاجئين السوريين، وسيخلق معاناة دائمة لأجيال قادمة من السوريين.

كما أن المؤتمر فشل في معالجة الأسباب التي تدفع اللاجئين السوريين إلى عدم العودة إلى بلدهم رغم انخفاض مستوى العنف في بعض المناطق السورية، ذلك أن النظام السوري أتبع عملية تهجير السكان من المناطق المستهدفة بقيام قوات النظام بالاستيلاء على أراضي النازحين ومساكنهم وممتلكاتهم، وجرى الحديث عن إنتاج الوثائق المزورة كناية عن تكتيك واسع الانتشار في نقل الملكية القانونية للممتلكات والأراضي من مالكيها الشرعيين إلى الموالين للنظام. كما ظهرت تقارير عن التدمير المتعمد للسجلات المدنية في حمص والمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً في ريف دمشق وحمص وحلب، فضلاً عن مصادرة الوثائق عند نقاط التفتيش.