icon
التغطية الحية

"لم يُعد معنا".. عن المغيّب السوري مازن الحمادة

2024.05.25 | 20:16 دمشق

آخر تحديث: 25.05.2024 | 20:16 دمشق

567567576
 تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

"لم يُعد معنا: سيرة مغيَّب"، عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن دار "الجديد" اللبنانية، وهو الترجمة العربية لكتاب الصحافية الفرنسية غرانس لوكان "انسَ اسمك" (Oublie ton nom)، الذي استندت في تأليفه إلى مقابلات أجرتها مع مازن الحمّادة قبل عودته إلى سوريا واختفائه فيها منذ نحو 4 أعوام.

يتحدّث الكتاب عبر 190 صفحة عن قصّة مازن الحُمادة؛ أحد المعتقَلين الناجين من سجون النظام السوري، مع الاعتقال والتعذيب واللجوء إلى ألمانيا، وصولاً إلى عودته الصادمة والمفاجئة إلى دمشق في شباط 2020.

ويعدّ مازن الحمادة من بين أهم الشهود على انتهاكات نظام الأسد بحق المعتقلين السوريين منذ الأشهر الأولى من الثورة، حيث اعتقل أكثر من مرة، وكان الاعتقال الأخير (في سجن المخابرات الجوية بدمشق) هو الأصعب، إذ مكث فيه ما يزيد على عام ونصف العام (بين 2012- 2014) تعرض خلالها لأشد أنواع التعذيب وكان شاهداً على العديد من ممارسات النظام الوحشية بحق المعتقلين.

"لك، لعائلتك الصغيرة، لِلرَّبع... الكل ينتظرك".

بهذه العبارة تستهل لوكان مقدمة كتابها قبل أن تتحدث عن مازن فتقول:

مازن هو ابن دير الزور. مدينة نائية في الشمال الشرقي من سوريا لم تبال سلطة دمشق بها. إن استثنينا المثقفين والطلاب والناشطين ونُخب العاصمة، فإن ثورة 2011 هي أيضا ثورة السوريين "العاديين"، الذين لم يكن يُحسب لهم حساب.

"أراد لنا النظام أن نبقى جاهلين"، و"برجوازيو دمشق اعتبرونا فلاحين". عدة مرات خلال مقابلاتنا، كان مازن ينفعل ويكرر بمرارة هذه الفكرة. فالسوريون، بعد سيطرتهم على الشارع، وبعد أن انتزعوا أملا في التغيير، فقدوا -تقريبا- كل شيء. فالعائلات مشتتة اليوم، ومهجرة دمرت منازلها، وكثير من الأحباء أضحوا في عداد المفقودين.

مازن -على حد تعبيره- "نموذج" يمثل هذه الفئة. كان لا بد من المحافظة على كلماته، وضحكاتــه، ونوبات غضبه، من أجله، أجل شعبه، ومن أجـل العـالم. لذا قررنا أن نكتب معا كتابا. وفي عامي 2017- 2018 انطلقنـا في هـذه المغامرة مع صديقة قديمة، الشاعرة عائشة أرناؤوط، التي أشرفت على الترجمة. لهجة الدير مميزة، قضينا أياما طويلـة نستمع فيها إلى مازن في شقة عائشة الباريسيّة، وفي منزله في قرية هيلغوم الهولندية، وفي مزرعة قديمة في ريف النورماندي.

كانت قصة مازن في كثير من الأحيان مفككة، ومتأرجحة بين ذهاب وإياب، وفوضوية، فهذا رجل محطم، عُذب وجرد من إنسانيته، ليس دقيقا في التواريخ؛ كنا نسأله العودة إلى سنوات خَلَتْ كي يفتش في ذكرياته مشاعره، والروائح، والألم أما الحنين إلى الفرات فهو ما كان يطفو دوما.

شيئًا فشيئًا شعرت بأن شهادته عن الهاوية ستجد مكانا لها في أدب معسكرات الاعتقال. ضحكنا عندما قال لنا -بين سخرية وجد: "أنا ابن البلد... أنا يقظ دوما... أنا منطقي ...". شعرنا منذ شهادته الأولى بأهمية قصته فهي مزيج جذاب من خطورة وسخرية ولامعقول. قصة جارفة من الصعب نسيانها.

ونحن نسجل معه، واصل مازن جولاته في مدن أوروبية وأميركية متحدثا عما عاشه وعاناه. فبعد كل رحلة كان يعود مكتئبا، متيقنا أن من يسوس العالم لن يحرك ساكنا. انتابته نوبات من الغضب والضغينة، لأنه فقد عائلته في دير الزور، وفقد وطنه. هو صغير عشيرته المكونة من ثمانية عشر أخا.

اختفاء مازن

تتابع لوكان: عندما علمنا في أحد أيام شهر شباط 2020 أنه قد عاد إلى دمشق، شعرنا بالذنب فور وصوله، اعتقلته المخابرات الجوية واختفى مرّةً أخرى في إحدى الزنازين السرية التابعة لها. صحيح أن دوي الحرب قد همد في أغلب المناطق، ولكن نظام دمشق واصل الاعتقالات والتعذيب والتغييب؛ أي إن الحرب المعلنة ضد الناس مستمرة.

مازن الحمادة في دمشق. مأساة عصيّة على الفهم... ماذا لو... ماذا لو كتبنا هذا الكتاب، ولو كان...؟

كلماته المسجّلة، وابتساماته، ودموعـه، وتذكار قامته النحيلة ذات الكتفين البارزتين، ويديه الطويلتين والكثيرتي الحركة وخديه الأجوفين، ونظرته نعم، نظرته الخالية من الأمل، كلها بقيت معي 3 سنوات في صندوق من الورق المقوى، معلقةً كالرفيق المخلص، ظلت معي كل هذه الصور. لا سبيل إلى تركها تتلاشى في غياهب النسيان. ولكن، هل أستطيع أن أنوب عنه؟

مازن لم يعد معنا... لا مفر إذا من الكتابة. هذا الكتاب ليس تحقيقا. فلستُ في وارد التفتيش في تفاصيل حياته وتصرفاته وساعاته الأخيرة في أوروبا، ولن أحاول تفسير اختفائه. فهناك وثائق ودراسات استقصائية وروايات، تحكي على أكمل وجه ما فعله النظام بناسه.

كلا، هذه الصفحات هي صفحات مازن؛ أفلم يعهد لنا بصوته وكلماته وضحكاته وهمساته كي نصغي ونستمع إليه وهو يتذكر؟

مازن الحُمّادة *

  • ولد مازن في دير الزور 3 تموز 1977.
  • 2 نیسان 2011 اعتقل أول مرة في مدينته، بعد مشاركته في المظاهرات مع انطلاق الثورة السورية.
  • 29 كانون الأول 2011، اعتقل مرة ثانية للسبب نفسه.
  • 1 آذار 2012 اعتقلته المخابرات الجوية مرة ثالثة في دمشق عندما كان يوزع الحليب والأدوية على أطفال من سكان حي محاصر.
  • 5 حزیران 2013 نُقل من شعبة المخابرات إلى سجن عدرا المدني.
  • بداية شهر آب 2013، أطلق القاضي سراحه، إلا أن الأمن السياسي اعتقله فور خروجه من المحكمة.
  • أطلق سراح مازن في 3 أيلول 2013، بعد 18 شهرا من الاعتقال.
  • غادر سوريا في الربع الأول من عام 2014.
  • وصل إلى هولندا بعد بضعة أشهر.
  • 22 شباط 2020 عاد مازن الحمادة إلى دمشق في ظروف غامضة، وقبضت عليه أجهزة المخابرات الجوية في المطار.
  • منذ ذلك الحين أصبح واحدًا من 95600 مغيب، اختفوا بعد أن اعتقلهم النظام تعسفيا بين آذار 2011 و آب 2022.

* سيرة مازن الحمادة كما وردت في الكتاب