لماذا نرمي اللوم على المعارضة السورية؟

2023.01.19 | 06:20 دمشق

لماذا نرمي اللوم على المعارضة السورية؟
+A
حجم الخط
-A

لا تستوي الدعوة لإصلاح المعارضة السورية، بكل أجسامها، قبل التفكير الجدي بالأسباب التي ساهمت في إنتاج الواقع الراهن. وقد لا يخفى على أحد حجم الاستثمار الذي جرى في الواقع السوري، فمعظم الكيانات أو الأفراد تأقلمت مع الطروحات الموجودة وبنت على أساسها ماهية العمل والحراك، الذي كان الائتلاف الوطني جزءاً منها.

ثمة مراجعات كثيرة تقدمت بخصوص إعادة النظر بأجسام المعارضة لا سيما الائتلاف الوطني، انطلاقاً من الاعتقاد الذي يقوم على الإصلاحات الإجرائية المرتبطة بالحوكمة والشفافية والمشاركة والتكنوقراط والفعل السياسي. لكن من المهم التساؤل هل بالفعل التوجه نحو الإصلاح المراد، قد يساهم في تحسين واقع المعارضة، ومن الأساس هل تعتبر المشكلة السورية قائمة على إصلاح أجسام المعارضة.

الملف السوري بحد ذاته تجاوز المعارضة السورية كـأجسام سياسية، حتّى حجم تأثير تلك المعارضة لا يتجاوز الممكن في ملفات المقايضة

لا يمكن إغفال حقيقة، ضعف المعارضة، من حيث جوانب عديدة، وارتكابها أخطاء استراتيجية، لا سيما اقتناص الفرص، وأحياناً فسادها السياسي والإداري، وسيطرة دول معنية على الائتلاف منذ سنوات عبر شخصيات محسوبة عليها. لكن بتقديري أن مشكلة الائتلاف أو المعارضة السورية ككل، قد تتجاوز ذاتها، أو بمعنى هي مرتبطة بغياب الفعل الحواضني الشعبي المنظّم، وتوجس منظمات المجتمع المدني من التعبير عن مواقف وطنية مرتبطة بالاستحقاق السوري وتأطير العمل النقابي ضمن هوامش محدودة بعيدة عن السياسة كمساحة وطنية، فضلاً عن رغبة المجتمع الدولي بالتعامل مع الملف من منطلقات جديدة تتجاوز اعتباره فاعلا من مجموعة ملفات تتم إدارتها بما يحقق رصيدا مثل الاستثمار عند مقايضة الموقف الأميركي بالملف النووي في حقبة الرئيس الأميركي باراك أوباما أو حالياً الموقف التركي تجاه الإدارة الذاتية وإمكانية المقايضة مع روسيا بشأن رفع مستوى التمثيل.

يدفع ذلك للقول، إنَّ الملف السوري بحد ذاته تجاوز المعارضة السورية كـأجسام سياسية، حتّى حجم تأثير تلك المعارضة لا يتجاوز الممكن في ملفات المقايضة، ولربما وصفها بكيان ردة الفعل لا يعكس واقعيتها، بل يمكن اعتبارها مستوى من مستويات تمرير السياسات لا أكثر. وفي الواقع، بناء على تلك المعطيات؛ من الصعب في مكان ربط إصلاح الملف السوري بالمعارضة، إذ يمكن اعتباره ذلك استدلالا عاطفيا غير قائم على فهم انزياحات السياق التي جرت منذ أعوام، لا سيما بعد العام 2015 الذي شهد ترتيبات جديدة للملف السوري تجاوزت أو حيدت تأثير السوريين.

المعارضة، لا يمكن أن تقدم للسوريين شيئا دون فعلٍ ملموس يذكّر المجتمع الدولي، بأهمية مشاركة السوريين بأي قرارٍ يخصهم في المعادلة القائمة أو المتصورة، وقد قدم الناس صورة ممتازة عن ترتيبات تخص عودة العلاقات مع النظام بعد التظاهرات الأخيرة في الشمال عقب الانزياح في الموقف التركي كمثل أو مدخل للبدء الجدي في التفكير بتغير ثقل الأطراف. وقد تفاعلت شخصيات من المعارضة سياسية وعسكرية مع الملف بعدما رصدت مدى التأثير الذي خلفه حراك "لن نصالح".

السنوات الماضية، ساهمت بإنتاج أدوات جديدة يمكن الاعتماد عليها في تشكيل رؤية سورية جديدة تجاه الملف، منها مجموعات الضغط في دول الشتات أو النقابات والأحزاب والمنظمات والجمعيات فضلاً عن الحراك الشعبي في سوريا لكنها ما زالت بحاجة لانخراط أكثر جدية في المعادلة.

الإصلاح المراد يمكن تحقيقه عندما يعلوا صوت الناس، ويختلف ميزان القوة، والمقصود بالناس ليسوا المتظاهرين فحسب، وإنما هؤلاء المنخرطون بأجسام مختلفة

مما يعني أنّ بقاء التعويل على إصلاح الائتلاف للبدء في مسار التغيير المرغوب، لن يساهم بأي تغييرٍ، وفي الحقيقة يشير ذلك، لضرورة تلمس المساحات الموجودة بعيداً عن التفكير الكلاسيكي الذي كان قائماً منذ بداية الثورة؛ عندما تم رفض الشروع ضمنياً بأي تحضيرات مشروع دولة مضاد قبل سقوط النظام، واليوم يستمر الحال ذاته مع الائتلاف أي ربط إصلاحه بتغيير الواقع السوري، بالتالي العزوف عن أي مبادرات قد تساهم بابتداع أداوت جديدة.

الائتلاف أو المعارضة بالمجمل، غير قادرة على تقديم تصورات للسوريين متعلقة بالتغيير قبل توفير السوريين لمساحات عمل أكثر من مبادرات نظرية، حتى الإصلاح المراد يمكن تحقيقه عندما يعلوا صوت الناس، ويختلف ميزان القوة، والمقصود بالناس ليسوا المتظاهرين فحسب، وإنما هؤلاء المنخرطون بأجسام مختلفة نضجت بعد الثورة السورية، عندها فقط تصبح قضية إصلاح الائتلاف تحصيل حاصل، ضمن جملة من المتطلبات العامة، حتّى قرار الإصلاح لن يبقى ربما خياراً وإنما  يصبح أمراً واقعاً بما في ذلك استبعاد الشخصيات التقليدية والفاسدة واستقطاب التكنوقراط واستبدال الأدبيات الكلاسيكية، وتعزيز الديمقراطية، وتحسين الفعل السياسي، وتحقيق تمثيل الناس كما يجب.