icon
التغطية الحية

لماذا لم تزود إيران نظام الأسد بدفاعها الجوي "المصنع محلياً"؟

2020.12.28 | 05:12 دمشق

dd5d75ef-51ed-4545-9d39-5ff131e957b1.jpg
إسطنبول - راني الجابر
+A
حجم الخط
-A

شهدت الأشهر الماضية ضربات متكررة للعديد من المواقع العسكرية والشخصيات الإيرانية في سوريا، آخرها الضربة التي استهدفت مواقع تابعة لإيران في مصياف وحماة، والتي لم تستطع إيران الرد عليها ولا حتى منعها، ولم تظهر فيها أي من الأسلحة "المتطورة" وقدرات الردع التي لم تتوقف عن الترويج لها لعقود، خاصة تلك المصنعة محلياً -حسب زعمها- بل كل ما استخدم من دفاعات جوية خلال محاولات النظام التصدي للغارات على المواقع الإيرانية مؤخراً هو منظومات سوفيتية بالمجمل لا علاقة لإيران بها.

فإيران التي تخوض اليوم حرباً بهدف السيطرة على دول عربية عدة استثمرت في الدعوة لمشروعها على جميع المستويات؛ من بينها الترويج لقدراتها التقنية وتصنيعها العسكري المحلي، وهي نقطة حساسة اعتمدت عليها كثيراً للانتشار ضمن المنطقة والترويج وكسب المؤيدين - قبل بدء الربيع العربي- بإظهار نفسها بمظهر الدولة المتمردة، مستغلة حالة الجدب التقني والصناعي الذي تعيشه الدول العربية.

فلأكثر من عقدين من الزمن لم تتوقف الآلة الدعائية الضخمة لإيران عن الترويج لقدراتها العسكرية والتقنية؛ والتي ادعت أنها وصلت درجة تفوقت فيها -حسب ما تعلنه- على الكثير من الدول المتقدمة.

 

دفاع جوي

احتلت منظومات الدفاع الجوي بشقيها منظومات السطع الراداري، ومنظومات الدفاع الجوي المدفعية والصاروخية حيزاً كبيراً من هذه الدعاية، لتتفنن إيران بالترويج  لصناعتها، والتي ضخمت قدراتها ومواصفاتها لدرجة تتفوق على الكثير من الأنظمة المتقدمة شرقاً وغرباً -حسب إعلامها- بداية بالطائرات المسيرة وصولاً لمقاتلات الجيل الخامس (التي تعتبر أحد أكبر فضائحها)؛ مروراً بمنظومات السطع الراداري المعتمدة على هوائيات المصفوفة الطورية ورادارات ما وراء الأفق؛ التي تعتبر من أكثر التقنيات تقدماً في العالم!.

فتنتج إيران -حسب إعلامها- منظومات دفاع جوي صاروخية متوسطة وبعيدة المدى، وتدعي مثلاً أن منظومة "باور 373" التي صنعتها قادرة على الاشتباك مع أهداف حتى 200 كم، في حين تدعي أنها صنعت منظومات دفاع جوي صاروخية متوسطة المدى مثل: "خورداد" المدولبة بمدى حتى 100 كم، التي تروج إيران أنها استخدمتها لإسقاط طائرة استطلاع أميركية من نوع RQ4 عام 2019.

 

بالإضافة إلى القدرات "الاستراتيجية" في هذا المجال عرضت إيران غير مرة منظومات دفاع جوي قصيرة المدى مثل منظومة (يا زهراء) مدعية أنها من صناعتها في حين أنها نسخة من منظومة صينية HQ-7، إضافة لصواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من أكثر من نوع، ونسخ بحرية لمعظم ما سبق ذكره من وسائط دفاع جوي.

648a7f5c-fd42-42f6-bc12-ad9eef604075.jpg

 

كما أعلنت إيران عن عدة أنواع من المدفعية مضادة للطائرات متعددة العيارات ومنها ما هو موجهة حاسوبياً وبصرياً، مثل مدفع "سعير 100 ملم" الموجه حاسوبياً حسب التوصيف الإيراني له، وعدة أنواع من المدافع المضادة للطائرات متعددة السبطانات مثل مدفع "مصباح-1 " ثماني السبطانات عيار 23 ملم، والموجه حاسوبياً أيضاً، كما عرض الإعلام الإيراني العديد من الرادارات وأجهزة الرصد المختلفة، التي تضيفها إيران لرصيدها الإعلامي يوماً بعد يوم دون أن يكون لها وجود حقيقي على الأرض إلا ما ندر.

 

748e23de-347b-47c2-8b04-2bb8d20941b7.jpg

 

d5428e16-87cb-48f9-ae03-665f2046b250.jpg

 

فالمصدر الوحيد للبيانات والمعلومات المتداولة في الإعلام حول الإنتاج العسكري الإيراني هو الإعلام الرسمي الإيراني فقط، بدون وجود مصدر محايد لتقييم هذا العتاد وقدراته خاصة أنه لم يجرب بشكل حقيقي، وتجارب إيران الماضية مع عدد من أسلحتها الاستراتيجية كانت كارثية في الكثير من الأحيان، فكل هذه الهالة الإعلامية والتهويل لقدرات إيران التقنية مجرد استثمار إيراني للتغاضي الغربي عن الدعاية الموجة التي تستخدمها، والتي يستفيد منها الطرفان بشكل كبير على عدة صعد، ما تسبب بتحول الدعاية الإيرانية إلى حقائق ومسلمات فيما يخص القدرات العسكرية.

 

استثمار خردة "الحرب الباردة"

لتوضيح الصورة  الحقيقة لمعظم ما تصنعه إيران من عتاد وبخاصة المتعلق بالدفاع الجوي، فهو بالمجمل إعادة تشغيل وتعديل لمنظومات تمتلك معظمها منذ عهد الشاه سواء المنظومات الأميركية أو البريطانية والسوفيتية والصينية، أو إعادة تشكيل لها على منصات أخرى، أو محاولة استنساخ بعض المنظومات الصينية؛ مستخدمة ما يصلها من تقنية سواء من الصين أو روسيا أو أوروبا، دون أي قدرة على إنتاج منظومة حقيقية بمواصفات مناسبة للتعامل مع مقاتلات الجيل الرابع أو الخامس، التي تعتبر الأساس الحالي للقدرات الجوية لدول المنطقة (باستثناء إيران ونظام الأسد اللذين يعتمدان على مقاتلات الجيل الثالث كعماد لقواهما الجوية)، أو التعامل مع ظروف التشويش الإلكتروني الشديدة التي ستتعرض لها في أي معركة محتملة مع أي دولة معتبرة في المنطقة فضلاً عن أي قوة عظمى، أو فرض استهداف المنظومات نارياً بشكل مباشر.

فالتسجيلات البصرية الدعائية لإيران تظهر منظوماتها تعمل وتطلق الصواريخ وتصيب الأهداف الافتراضية، لكن يدرك الإيرانيون أكثر من غيرهم أن هذه المنظومات لن يكون لها أي تأثير حقيقي في الواقع، بسبب التخلف والعجز التقني الذي تعاني منه، والفجوة التقنية الكبيرة التي تعيشها، بسبب اعتمادها أساساً على أعتدة متهالكة أثبت فشلها وتقادمها غير مرة.

493451b5-0c4f-45f8-b892-05aec6c65bf4.jpg

 

فإيران كدولة لا تمتلك قاعدة تصنيعية لمعظم الأجزاء المفتاحية في الصناعة العسكرية، وفي صناعة منظومات الدفاع الجوي وخاصة الدارات المتكاملة والمعالجات والحساسات بالمجمل، وتعتمد على الاستيراد وإعادة التدوير، ما يجعل من سقف قدراتها محدوداً جداً بما تستطيع الحصول عليه.

 

لماذا لم تنشر إيران دفاعها الجوي في سوريا؟

رغم كل ما تعرضت له من ضربات جوية؛ فلا يوجد شواهد حقيقية على انتشار ملموس وفعال للدفاع الجوي -المصنع إيرانياً- في سوريا، وخاصة حول المواقع الإيرانية التي تتعرض للقصف بشكل متكرر دون رد فعال، على الرغم من تعهد الإيرانيين خلال الصيف الماضي بدعم نظام الأسد بالدفاع الجوي.

فعلى الرغم من الكثير من الأخبار التي نشرها الإعلام الإيراني الناطق بالعربية والإنجليزية، حول تقوية إيران لنظام الأسد والميليشيات الشيعية في العراق، وتدعيمها بالدفاع الجوي المصنع محلياً، ولكن حتى اللحظة لا يوجد أي تأكيد على نشر مثل هذه المنظومات في سوريا أو العراق، وكل ما يمكن الحديث عنه هو ظهور بعض الصواريخ المحمولة على الكتف المضادة للطائرات الإيرانية المستنسخة من صواريخ صينية لدى بعض الميليشيات الشيعية التابعة لها في العراق.

إحجام إيران عن نشر دفاعها الجوي في سوريا سببه إدراكها حقيقة واقع هذه البطاريات، وطبيعة التقنية التي بنيت عليها وقدراتها المحدودة، فهي كما أسلفنا مجرد نماذج مستنسخة أو محورة من بطاريات دفاع جوي سوفيتية أو أميركية بالمجمل، تمتلكها إيران سابقاً وعملت على إجراء تحويرات في المظهر الخارجي بشكل عام، في حين التحديثات والتطوير في الأقسام الدقيقة من إلكترونيات ووسائط تحكم ووصلات راديوية إما منعدم أو غير فعال.

اقرأ أيضاً: الاتفاقية العسكرية بين إيران ونظام الأسد في سوريا

كما أن الوضع المالي لإيران لا يسمح لها بإنتاج أعداد كبيرة من هذه البطاريات المكلفة التي تدرك عدم فاعليتها، وتفضل الشراء من روسيا والصين كما حدث مع صفقة إس-300 التي تدعي إيران أنها أنتجت منظومة تتفوق عليه.

كما لا يوجد إحصائيات دقيقة لعدد البطاريات المصنعة من كل نوع، وغالباً الأعداد المصنعة لكل نموذج لا تتجاوز عدد أصابع اليد، ولا تخرج عن إطار النماذج ولم تدخل الخدمة الفعلية.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لمنظومات الدفاع الجوية الإيرانية أن تحمي وجودها بسوريا؟

في حين قد يؤدي هذا السبب لتشجيع الإيرانيين على نشر بعض بطارياتهم في سوريا، وذلك بهدف اختبارها، وخاصة أن معظم ما أعلنوا عنه ما يزال لم يدخل الخدمة وهي مجرد مشاريع ونماذج، وقد يشجع تجريبها في سوريا، كلا من الصين وروسيا على تقديم تقنيات أعلى لتطويرها، وهذا الاحتمال لا يمكن الاعتماد عليه لأن إيران تدرك أن هذه البطاريات في حال نشرها ستتعرض للقصف مباشرة ولن تحصل على الوقت الكافي للاختبار؛ ليس خشية منها أو من أي تهديد تمثله، ولكن لتحديد سقف العتاد المسموح لها بنشره في سوريا والمنطقة ككل.

f574a882-d224-4b9d-a335-9907d7ecc28d.jpg

 

كذلك أحد الأسباب يعود لطبيعة الاستراتيجية العسكرية الإيرانية التي تعتمد بالأساس على العامل البشري، وعلى حشد ميليشيات مسلحة بأعتدة برية يمكن إنتاجها بكميات كبيرة وبكلفة منخفضة دون الاهتمام بتوفير دفاع جوي لها بسبب اعتبار العدو الأول لها هو شعب المنطقة وليس القوى الكبرى، مستندة للخزان البشري الكبير المكون من شيعة العراق وأفغانستان وسكانها، إضافة إلى الميليشيات الموالية لها والتي تسيرها في سوريا والعراق وغيرها.

فإيران تدرك تقنياً عجزها العسكري الكامل عن أي مواجهة عسكرية مع أي دولة في الجوار، وما يهمها هو التمدد في المناطق التي يسمح لها بالتغلغل فيها كجزء من مشروع كلي يتعلق بإعادة رسم المنطقة.