لماذا لا يصمت خطاب العنصرية عند أوميت أوزداغ؟

2022.09.08 | 06:11 دمشق

1
+A
حجم الخط
-A

بات المدعو أوميت أوزداغ اسماً غنياً عن التعريف بعدما أسس حزباً خاصاً يقوم على معاداة اللاجئين بشكل خالص دون أن يكون له أي برامج انتخابية أخرى سواء تتعلق بالسياسة أو الاقتصاد، بل هو يرى أن طرد اللاجئين من تركيا سيكون دواء كل علة.

الساخر المبكي في واقع الحال هو خطاب أوزداغ وافتراءاته بحق أناس أبرياء وتعميمه الباطل الذي يستهدف ملايين الناس بكل ما للكلمة من معنى، وما يصحب ذلك من تهديد لحياتهم وأمنهم ومستقبل أطفالهم، ثم ما ينجم عن ذلك من التفكير بالخروج من تركيا بأي طريقة بسبب تفاقم العنصرية.

لا شك أن هذا الخطاب أوصل الواقع السوري في تركيا إلى درجة كبيرة من الخطورة، حيث زادت الجرائم العنصرية، وحملات الهجرة الجماعية غير الشرعية، وسُنّت قوانين باتت تضيق على السوريين لا سيما بإسطنبول من حيث صعوبة إيجاد سكن بسبب تقييد ذلك بدائرة النفوس، مما يجعل الشخص أمام خيار لا ثاني له؛ هو الخروج.

لكن خطورة هذا الخطاب لا تنعكس على السوريين فحسب، بل باتت تهدد المجتمع التركي المعروف بتنوعه الديني والعرقي والثقافي، وإن رواج العنصرية والكراهية في مجتمع بهذه الصفات سيكون خطراً عليه بالدرجة الأولى أكثر من أي أحد آخر، فغداً يمكن أن يرحل السوريون، لكن من الصعب التخلص من خطاب العنصرية بسهولة.

كيف يمكن أن يصمت أوزداغ؟

إن مواجهة هذا الخطاب العنصري لا يقتصر على عاتق الدولة فحسب، بل هو ممكن من خلال جهود متضافرة تشد أزرها الأطراف المتضررة بالدرجة الأولى ومن يمثلهم كذلك.

بمعنى آخر، حينما يصرح نائب وزير الداخلية التركية ويصف أوزداغ بأنه ليس إنساناً، وأنه المتسبب عن جرائم القتل العنصرية الحاصلة، فهذه خطوة نحو الأمام، ولكن طالما أن هذه الخطوات غير مصحوبة بأثر قانوني فهي محدودة التأثير، ولذلك على السوريين المتضررين من خطاب أوزداغ، وكذلك من يمثل السوريين من المعارضة السورية ومؤسساتها المختلفة؛ أن تواجه أوزداغ قانونياً، وترفع دعاوى قضائية معتبرة بحقه يتولاها محامون خبراء، لأن أوزداغ في نهاية المطاف هو نائب برلماني يتمتع بحصانة برلمانية.

في هذا الصدد أنقل ما قاله النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، عبد الله غولر، حينما سألته عن السبب في عدم اعتقال أوميت أوزداغ بتهمة التحريض وإثارة الكراهية؛ فرد بالقول: "علينا معرفة أنه نائب برلماني ولديه حصانة برلمانية، ولا يمكن اعتقال من في حكمه إلا بعد مرحلة قانونية يفرز عنها رفع الحصانة عنه ومن ثم اعتقاله". كما أكد غولر أن "الحكومة والمسؤولين الأتراك يقومون بواجبهم في سبيل مكافحة الخطاب العنصرية".

بالطبع عملية رفع الحصانة البرلمانية يمر بمراحل طويلة تبدأ بالدرجة الأولى من داخل البرلمان نفسه، فلو أقدم مجلس البرلمان بواسطة لجنة مختصة وبتوقيع رئيس البرلمان نفسه بإرسال لائحة قانونية إلى وزارة العدل؛ تتضمن طلب رفع الحصانة عن نائب برلماني ما، فهنا يمكن أن تبدأ عملية رفع الحصانة وتستمر لأسابيع وربما لشهور.

ويشكل البرلمان لجنة مشتركة من جميع الأحزاب البرلمانية وتنظر في الأسباب المسوغة لرفع الحصانة عن هذا النائب أو ذاك، ويستغرق ذلك مرحلة طويلة، وإذا ما خلصت إلى قرار ما يجب أن يحظى بتأييد برلماني بالدرجة الأولى، ثم ينقل لوزارة العدل ورئاسة الجمهورية لبدء الإجراءات اللازمة بشأن مقاضاة ومعاقبة النائب البرلماني بعد أن رفعت الحصانة عنه.

في المنظور القريب أعتقد أن ذلك أمر صعب، طالما لم تكن هناك قوة سياسية تدفع بهذا الموضوع داخل البرلمان، وربما نشهد ذلك في نهاية المطاف بعد أن تكون آثار خطورة خطاب أوزداغ تجاوزت كل المستويات، خاصة وأن نائب وزير الداخلية التركي، إسماعيل تشاطاكلي، قال في تغريدة عبر تويتر، مخاطباً أوزداغ: "لا تظن أننا نسيناك، انتهت مدتك!".

لكن من جانب آخر، على السوريين ومن يمثلهم من مؤسسات المعارضة السورية العمل بشكل جماعي على حصر القضايا التي ضلع فيها أوزداغ بتهديد حياة شخص وأمنه واستفزازاه والتحريض عليه أو إثارة الكراهية ضده بعينه أو ضد شريحة أوسع من الناس.

مثال على ذلك، مسألة استفزاز أوزداغ للصائغ السوري في إزمير، وسؤاله عن هويته وجنسيته وتفاصيل أخرى، ولقد رأينا أن السكوت عن هذا التصرف غير القانوني زاد من حدة الاعتداء على هذا الرجل -حسب منصات إخبارية- لدرجة أنه تعرض لاعتداء بطلق ناري قبل أيام.

لكن لو قام هذا الرجل من الأساس برفع دعوى قضائية ضد أوزداغ، فأعتقد أن الأمر كان سيكون له منحى آخر، لا سيما مع تضافر الجهود الأخرى كما ذكرت على مستوى مؤسساتي لا فردي من أجل مواجهة هذا الخطاب العنصري قانونياً.

أوزداغ يتجاوز بابا جان وداود أوغلو

طالعت مؤخراً تقريراً يستعرض متوسط أصوات كل حزب وفق آخر 9 استطلاعات رأي خلال تموز الماضي، كانت النتيجة أن حزب النصر الذي يقوده أوميت أوزداغ حاز 2.8 في المئة من الأصوات متفوقاً على علي بابا جان وأحمد دواد أوغلو اللذين غادرا العدالة والتنمية وأسسا حزبين منفصلين على حدة.

بغض النظر عن دقة نتائج الاستطلاعات عامة، لكننا نتحدث عن 9 استطلاعات رأي، وأعتقد أن النسبة غير مُطمْئنة لهذا التقدم لحزب يميني متطرف من هذا النوع.

نظراً لهذه النتائج، فليس من المتوقع أن يتراجع أو حتى أن يخفف أوزداغ من خطابه العنصري، حيث إن هذا الخطاب الذي يستهدف اللاجئين والسوريين بشكل خاص؛ وجد فيهم كنزاً ثميناً من الأصوات التي يحتاجها لدعم حزبه "النصر" الذي لا يزال حزباً جديداً.

ولقد أشرت سابقاً أن الدافع الأساسي لأوزداغ وراء تبني هذا الخطاب هو حاجته لقضية يروج بها لحزبه الجديد، فهو بدلاً من أن يضيع في زحام الأحزاب السياسية التي تقدم برنامجاً شاملاً لكل قضايا ومشاكل البلد، اختار هو التركيز على جزئية مثيرة للجدل وعواطف بعض الناخبين المتضررين، والهدف هو بالتأكيد صنع دعاية إعلامية لحزبه.

نتيجة لذلك، سيواصل أوزداغ ما بدأه ولكن لكل شيء أجل، وإذا كان البعض اليوم يرى في حزب النصر متنفساً لترجمة حالة الغضب من الوضع الاقتصادي، فغداً حينما تفوح الرائحة النتنة للعنصرية والكراهية سيشتكي المجتمع التركي منها، وسينظر إليها كمشكلة خطرُها أكبر من أي قضية أخرى بما في ذلك الوضع الاقتصادي.