icon
التغطية الحية

لماذا لا تمنح المملكة المتحدة أموال النظام السوري المصادرة للضحايا؟

2024.04.03 | 16:20 دمشق

صورة تعبيرية للمحاكم البريطانية - المصدر: الإنترنت
صورة تعبيرية للمحاكم البريطانية - المصدر: الإنترنت
Just Security -ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

جمّدت حكومة المملكة المتحدة بعد اندلاع الثورة السورية وعنف النظام المفرط في مواجهتها، أصولاً تفوق قيمتها 161 مليون جنيهاً إسترلينياً تعود لشخصيات تابعة للنظام السوري، ولكن حتى الآن، لم تصادر حكومة المملكة المتحدة سوى نسبة ضئيلة من تلك الأموال، ولم يصل منها أي شيء للناجين من النزاع السوري وذلك لتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم على يد النظام السوري.

في عام 2012 فرضت المملكة المتحدة عقوبات على رجل الأعمال السوري سليمان معروف بسبب ارتباطه بعائلة الأسد، وهذا الرجل يملك ما لا يقل عن 6 بيوت فاخرة في لندن تتجاوز قيمتها 9.5 مليون جنيه إسترليني، ولكن على الرغم من العقوبات التي فُرضت عليه، والتحقيق الذي فُتح بشأن غسله لأمواله في سويسرا، بقيت أصوله على حالها في المملكة المتحدة من دون أن يمسها أي سوء، وحصل الأمر نفسه مع عم بشار الأسد، أي رفعت الأسد، الملقب بجزار حماة، وذلك لدوره في مجزرة 1982 التي قتل فيها الآلاف في حماة، فقد كان هذا الرجل يمتلك منزلاً ريفياً في منطقة مايفير تصل قيمته إلى 26 مليون جنيهاً إسترلينياً، وعلى الرغم من الحجز على ذلك البيت عقب إدانته بغسل الأموال واختلاس أموال الدولة السورية في فرنسا خلال عام 2020، إلا أن أصوله بقيت تحت سيطرة حارس قضائي في المملكة المتحدة، من دون أن تصل عائداتها إلى من تضرروا من جرائم رفعت.

لم تنجح المملكة البريطانية في منح الأصول غير المشروعة المرتبطة بالنظام السوري للناجين من النزاع، ويعود أحد أسباب هذا الفشل للقيود المرتبطة بعملية متابعة آليات الحجز على الأصول ومصادرتها في المملكة المتحدة، إذ حتى حينما تحجز تلك الأصول، نادراً ما يجري توجيهها لتعويض الناجين من الفظائع والجرائم التي ترتبت عليها تلك الأصول. أما عملياً، فإن ذلك يعني بأن الناجين من انتهاكات حقوق الإنسان التي مارسها بحقهم النظام السوري قد لا يحصلون على أي جبر للضرر من الثروات غير المشروعة التي جمعتها عائلة الأسد وأعوانها في لندن، ولهذا لابد من وضع قوانين وسياسات جديدة لتصحيح تلك النقائص والعيوب ولتسهيل وصول التعويض للناجين من النزاع في سوريا.

مصادرة العائدات المترتبة على انتهاكات النظام السوري

إن القانون الإنكليزي الحالي لا يشتمل على آليات لمصادرة عائدات انتهاكات النظام السوري، إذ بموجب قانون عائدات الجرائم الصادر في عام 2000، يمكن مصادرة أصول الأفراد في حالتين اثنتين:

الأولى: عند استفادة المتهم من سلوكه الإجرامي عندئذ يمكن مصادرة أصوله فور إدانته بعمل إجرامي، بيد أن عملية الملاحقة القضائية صعبة ومكلفة في هذه الحالة، ومن غير المرجح أن يكتب لها النجاح عندما تطول سوريين غير موجودين في المملكة المتحدة أو سوريين من الصعب إثبات ارتكابهم لجريمة معينة بطريقة لا تدع مجالاً للشك.

الثانية: يمكن أن تخضع الممتلكات التي تم الحصول عليها عن طريق سلوك غير قانوني للمصادرة المدنية. لكن إثبات وجود صلة بين الأصول والسلوك غير القانوني في سياق انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، قد يكون أمراً صعباً أو حتى مستحيلاً. وفي كثير من الأحيان، تكون الانتهاكات التي تكمن وراء ثروة مرتكب الجريمة الفردية قد تم تجميعها على مدى عقود من الزمن وتم غسلها في أعمال تجارية مشروعة على ما يبدو باستخدام هياكل معقدة في الملاذات الضريبية الخارجية.

"أمر الثروة غير المبررة - UWO" هو  أمر صادر عن محكمة بريطانية لإجبار شخص على الكشف عن مصادر ثروته غير المبررة، لكن هذه الآلية لم تجد نفعاً في تعقب الثروات غير المشروعة، وذلك لأنها تسمح بمصادرة الأصول من دون إثبات الجرم وذلك عبر تحميل المتهم عبء إثبات تحصيله لأصوله بطريقة قانونية، أي أن هذه الآلية تحتاج لشخص مفضوح على المستوى السياسي، أو ثمة شكوك منطقية تحيط بتورطه أو ارتباطه بصورة شخصية بجريمة خطيرة وذلك حتى يشرح منشأ ثروته التي لا تتناسب مع دخله الذي يحصله بطريقة قانونية، وفي حال عدم تمكن هذا الشخص من الانصياع لهذه الآلية، تفترض المحكمة بشكل قابل للدحض بأن العقار قد تمت حيازته بطريقة غير قانونية، وبالتالي يمكن مصادرته.

ولكن بموجب القوانين، تعتبر الثروة قانونية في حال حيازتها بطريقة شرعية بموجب قوانين البلد التي حصل المرء دخله فيها، وبذلك فإن المتهم وبكل بساطة يمكن أن يحتكم إلى السلطات في الدولة الأم حتى تطعن بهذه الآلية، كما أنه في حال تقديم المتهم لتفسير مشروع ظاهرياً، عندئذ ينبغي على سلطات إنفاذ القانون في المملكة المتحدة أن تدحض هذا التفسير حتى تنجح في المصادرة، إلا أن ذلك سيطرح مشكلات جديدة تتصل بالإثبات وينبغي على هذه الآلية معالجتها.

وفي الوقت الذي يبيح فيه القسم 241 من قانون عائدات الجريمة بمصادرة الأصول التي جرى تحصيلها من "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" بصرف النظر عما إذا كان السلوك إجرامياً أم لا في الدولة التي وقعت فيها تلك الانتهاكات، فإن تعريف تلك الانتهاكات محدود من حيث تأويله، لكونه يقتصر على تعريف الحالات التي يتعرض خلالها مخبر أو مدافع عن حقوق الإنسان لتعذيب أو معاملة غير إنسانية أو مهينة على يد موظف حكومي أو لصالحه، وذلك بسبب سعيه للحصول على حقوق الإنسان أو ممارستها أو الدفاع عنها أو نشرها والترويج لها، أو بسبب فضحه لنشاط غير مشروع يمارسه مسؤول حكومي.

بيد أن هذا التعريف لا يتوافق مع معنى "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" في القانون الدولي، إذ على الرغم من عدم ورود تعريف رسمي للانتهاكات الجسيمة في القانون الدولي، نجده يشير إلى أنواع الانتهاكات التي تضر بطريقة كمية ونوعية بحقوق البشر الأساسية والتي تشمل حق الحياة والحق بالسلامة البدنية والمعنوية، أي أنه يفترض عموماً بأن الإبادة والاستعباد والقتل والإخفاء القسري والتعذيب وغيرها من أساليب المعاملة أو العقوبة الوحشية وغير الإنسانية والمهينة، إلى جانب الاعتقال العشوائي لفترات مديدة والترحيل أو التهجير القسري للسكان، والتمييز العنصري الممنهج، كلها تندرج تحت هذه الفئة.

وبناء على هذا المنظور الضيق، فإن معظم الدعاوى التي رفعت من أجل المصادرة ضد أشخاص ارتبطت أسماؤهم بانتهاكات حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي استهدفت أصولاً حصلوها من خلال تورطهم في جرائم اقتصادية، مثل انتهاك العقوبات، وما نجم عن ذلك من أموال تعتبر متواضعة نسبياً. إذ مثلاً في عام 2019، صادرت الهيئة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة مبلغاً قدره 24.668 جنيهاً إسترلينياً كان موجوداً في حساب بمصرف باركليز ويعود لأنيسة شوكت ابنة شقيقة بشار الأسد، كما عثرت تلك الهيئة على 56 وديعة نقدية وصلت لحساب شوكت من فروع البنك نفسه، كان قد أرسلها لها أفراد من عائلة الأسد وفي ذلك خرق للعقوبات البريطانية، وقد قاموا بذلك عبر الاستعانة بشبكات غسل الأموال في المملكة المتحدة والشرق الأوسط.

وأخيراً، لا توجد خيارات مماثلة بالنسبة لقانون عائدات الجريمة بالنسبة لمصادرة أصول الدولة السورية، لأن الأمر هنا يحتاج إلى أساس قانوني جديد، ولكن مايزال القلق يلف عملية مصادرة الأصول المرتبطة بالدولة السورية وهل ستتوافق هذه العملية مع القوانين المحلية والدولية التي تتصل بحصانة الدول، وبذلك سنركز فيما تبقى من هذا البحث على عملية مصادرة الأصول الشخصية.

الحاجة لقوانين جديدة من أجل مصادرة العوائد المترتبة على انتهاكات حقوق الإنسان

ثمة حاجة لقوانين صارمة تشرح سبل إخفاء الأصول غير المشروعة في المملكة المتحدة وتضمن إقامة العدل بالنسبة للناجين من النزاع في سوريا، ويمكن تحقيق ذلك عبر تعديل قانون عائدات الجريمة أو الخروج بقوانين جديدة ومستقلة تعمل على دعم حق الناجين في الحصول على تعويضات بموجب القانون الدولي.

ويجب على تلك القوانين أن تؤسس بطريقة قانونية جلية لمصادرة الأصول، لأن مالكها متواطئ أو داعم أو مستفيد من انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاكات القانون الإنساني مثلاً، مع ضمان تناسب حقوق الملكية واحترامها وإجراء العملية حسب الأصول. وقد تبنى تلك الأمور على فرضية قابلة للدحض ترى بأنه يجوز مصادرة العقار في ظل ظروف معينة كما هي الحال مع أوامر الثروة غير المبررة. أما الفئات المختلفة من الأصول فتحتاج إلى أساليب مختلفة، وذلك لأن جميع الأصول التي تعود لأعوان النظام السوري قد لا تحقق بالضرورة المعايير اللازمة للبدء بعملية المصادرة، ولكن إعادة تخصيص جزء صغير منها يمكن أن يغير وبشكل كبير حياة الناجين من النزاع السوري.

الناجون لا الحكومة البريطانية هم من يجب أن يستفيدوا من مصادرة الأموال

إن الأساس القانوني لمصادرة الأصول يعتبر مجرد خطوة أولى لاستعادة الأموال غير المشروعة، وحتى عندما تصادر تلك الأصول، لا يشترط القانون الإنكليزي الاستعانة بعوائد هذه الأصول لتعويض ضحايا الانتهاكات، بل يجوز لهيئات إنفاذ القانون أن تخصص الأصول المصادرة وفقاً لتقديرها على النحو الذي تراه مناسباً.

وعادة ما تتقاسم وزارة الداخلية البريطانية مع الجهات التي نفذت عملية المصادرة المبلغ المصادر، وتشمل تلك الجهات جهاز الشرطة والمحاكم وسلطات الملاحقة القضائية، وذلك بموجب خطة التحفيز على استرداد الأصول، أي أن تلك الأموال لا تدفع للضحايا إلا في حال تقدم الإدعاء بطلب محدد من أجل ذلك، ثم إن المحكمة البريطانية تفرض أمراً بالتعويض بموجب قانون المحاكم الجنائية لعام 2000، كما أن فرصة تدخل المجتمع المدني أو المنظمات التي تعنى بالضحايا للمطالبة بتعويضهم خلال عملية المقاضاة الجنائية تعتبر محدودة.

خلال الفترة ما بين 2021/2022، جرت استعادة مبلغ يعادل 117.9 مليون جنيهاً إسترلينياً بموجب قانون العوائد على الجرائم فوزعت بين الجهات التي نفذت العملية بموجب خطة التحفيز على استرداد الأصول، إذ استعانت الوكالات بنحو 71% من هذا المبلغ لتمويل "عملية استعادة الأصول" في حين استخدم 8% منه لمشاريع مجتمعية، فقوبلت تلك العملية بانتقادات واسعة، لدرجة دفعت بعض الناس لوصفها بأنها حملة شرطية هدفها الربح، وذلك لأن خطة التحفيز على استرداد الأصول تكافئ أيضاً من لم يتدخلوا في عملية استعادة الأصول، إذ في عام 2016، أوصت لجنة الشؤون الداخلية التي تضم نواباً في البرلمان من أحزاب مختلفة وتقوم هذه اللجنة بمراقبة عمل وزارة الداخلية والهيئات التابعة لها، بإعادة 10% على الأقل من الأصول المصادرة أو التبرع بها للمجتمعات المتضررة، من خلال الجمعيات الخيرية مثلاً، بيد أن الحكومة البريطانية رفضت هذه التوصية، وتذرعت بتقدير الأطراف المشاركة في عملية المصادرة وقدرتها على إعادة توظيف الأموال المصادرة ضمن أنشطة تفيد المجتمع المحلي.

ولكن لضمان وصول الأموال إلى الضحايا، ينبغي على حكومة المملكة المتحدة أن تتصرف وفقاً لتوصية لجنة الشؤون الداخلية وأن تسمح بإعادة تخصيص نسبة من العوائد المصادرة لجبر ضرر الضحايا، كما عليها أن تضع إطاراً شاملاً للسياسات يفرض على جهات إنفاذ القانون في المملكة المتحدة أن تراعي مسألة تعويض الضحايا عن انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي واعتبار ذلك عنصراً لفرض عقوبات والتشاور مسبقاً مع المتضررين من أصحاب المصلحة، وثمة إطار عمل موجود لصالح ضحايا الجرائم الاقتصادية في الخارج.

ولابد لذلك أن ينسجم مع الممارسات الدولية الناجمة عن تعزيز تعاون الدول بهدف تحديد الأموال وحجزها ومصادرتها وإعادة تخصيصها لجبر ضرر ضحايا الجرائم الدولية (وكمثال على ذلك نذكر اتفاقية لوبليانا-لاهاي المعنية بالتعاون الدولي في التحقيق والملاحقة القضائية بجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وغيرها من الجرائم الدولية) وحتى تاريخ اليوم، وقعت 38 دولة على هذه الاتفاقية، وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة كانت مشاركاً فاعلاً في المفاوضات التي سبقت المعاهدة، إلا أنها لم توقع عليها بعد.

إعادة تخصيص أموال الغرامات المترتبة على انتهاك العقوبات

بعيداً عن المصادرة الكاملة للأصول، يمكن لعملية إعادة تخصيص أموال الغرامات المترتبة على انتهاك عقوبات المملكة المتحدة أن تصبح بديلاً مجدياً لتمويل عمليات جبر ضرر الناجين من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، إذ بوسع سلطات إنفاذ القانون البريطانية فرض عقوبات مالية كبيرة على من يتورط في خرق العقوبات المملكة المتحدة، ويظهر اتفاق إقرار شركة لافارج بذنبها إمكانية تحقيق أموال طائلة من خلال هذه العقوبات.

ولكن لا يوجد حالياً أي أساس قانوني ضمن القانون الإنكليزي يبيح إعادة تخصيص أموال الغرامات المالية بما يفيد الضحايا، إذ من دون هذا الأساس القانوني، يتعين دفع تلك الأموال إلى حساب مصرفي تابع للحكومة في بنك إنكلترا، بما يبيح للحكومة الاستفادة من الانتهاكات بشكل غير مقصود، ولهذا لابد من إصلاح التشريعات حتى تفرض غرامات على انتهاكات العقوبات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان الدولية أو انتهاكات القانون الإنساني الدولي وذلك حتى يعاد توجيهها للضحايا، وهنالك مساران محتملان يمكن لحكومة المملكة المتحدة اعتماد أحدهما للقيام بذلك وهما:

  • يمكن للبرلمان البريطاني أن يسن تشريعاً ضمن عملية وضع الميزانية الدولية، ويخصص من خلاله جزءاً من أموال الغرامات لوزارات معينة مثل وزارة الخارجية أو مكتب الكومونولث والتنمية حتى تقوم تلك الجهات بتخصيص الأموال للضحايا.
  • يحق للحكومة سن "قانون التفويض الأصلي" وذلك لإعادة توجيه قسم من الغرامات المفروضة على خرق العقوبات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان إلى خطة مخصصة لجبر الضرر.

هذا وتعتمد فعالية هذين المقترحين على فرض المملكة المتحدة لعقوبات شديدة، إذ من المعروف عن المكتب البريطاني المعني بفرض عقوبات مالية بأن نسبة إنفاذه للقوانين ضعيفة فيما يتصل بخرق العقوبات، وكذلك الأمر بالنسبة للغرامات التي يفرضها، إذ منذ نيسان من عام 2022، لم يفرض هذا المكتب سوى غرامتين تصل قيمتهما مجتمعتين إلى 45 ألف جنيه إسترليني، على الرغم من تلقيه لما لا يقل عن 463 بلاغاً حول خروقات طالت عقوبات مالية موجهة خلال الفترة ما بين 2022-2023، ولتغيير هذا السجل المخيب للآمال، يجب على حكومة المملكة المتحدة أن تزيد الموارد المخصصة لهيئات إنفاذ القانون، وأن تعزز قدراتها وإمكانياتها في مجال التحقيق وملاحقة المخططات التي تعمل على التهرب من العقوبات.

الحاجة إلى آليات جديدة لجبر ضرر الناجين من النزاع السوري

تعتبر عملية تقديم الأموال للناجين من النزاع السوري آخر تحد في السعي لتعويضهم، وذلك لأن المملكة المتحدة ليست لديها آلية تجمع من خلالها الأموال التي جرى استرجاعها، وهذا ما يحرم من تعرضوا لجرائم وفظائع خلال النزاع السوري من الحصول على جبر للضرر الذي عاشوه.

في الوقت الذي تعد فيه أموال التعويضات المخصصة للضحايا اليوم بمثابة سبيل لجبر الضرر بالنسبة للحالات التي حدثت فيها جرائم داخل المملكة المتحدة، لا نجد تلك الأموال المخصصة لمواطني الدول الواقعة خارج المملكة المتحدة أو دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية، وكذلك الأمر بالنسبة لضحايا الجرائم الدولية، إذ على سبيل المثال، لا يمكن إلا للمقيمين في المملكة المتحدة أو لمواطني الاتحاد الأوروبي أو المنطقة الاقتصادية الأوروبية الوصول إلى الأموال المخصصة بموجب خطة التعويض عن الإصابات الجنائية لدى المملكة المتحدة، وذلك في حال وقوع الجريمة داخل حدود المملكة المتحدة، وبالطريقة نفسها، تقتصر خطة تعويض ضحايا الإرهاب الخارجي على الناجين الواردة تصنيفاتهم ضمن قائمة محددة من الهجمات الإرهابية على أن يكونوا من المقيمين في المملكة المتحدة أو مواطنين في دول الاتحاد الأوروبي أو المنطقة الاقتصادية الأوروبية، أي أن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الدولية وانتهاكات القانون الإنساني الدولي سواء في سوريا وغيرها محرومون من المطالبة بما يجبر ضررهم.

ولرفع هذا الظلم، يجب على حكومة المملكة المتحدة أن تطرح قوانين وإجراءات جديدة تقوم من خلالها بتوزيع أموال بشكل عادل على سبيل جبر الضرر وذلك بالتشاور مع المجتمعات المتضررة، وتلك الأموال يمكن تحويلها إلى خطة بريطانية جديدة لتعويض الأفراد أو المجموعات من الناجين من أي تصرف ظالم على المستوى الدولي، كما يمكن تحويلها إلى الخطط الموجودة حالياً مثل خطة التعويض عن الإصابات الجنائية، شريطة توسيع شروط التأهل في تلك الخطط لتسمح للناجين من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الدولية وانتهاكات القانون الإنساني الدولي الذين لديهم ما يربطهم بالمملكة المتحدة بالحصول على تلك التعويضات، وتلك الرابطة قد تؤسس إذا ارتكبت تلك الانتهاكات في الخارج بحق مواطنين بريطانيين، أو في حال كون مرتكبها بريطانياً، أو عندما تكون أصول من ارتكبها موجودة في بريطانيا، وهذه الخطة يمكن أن تسمح للناجين الأفراد بتقديم طلبات للتعويض إلى جانب تقديم منح لمنظمات المجتمع المدني التي تدعم المجتمعات المتضررة، وبوسعها أن تقدم أيضاً مساعدات مالية إلى جانب وضع إجراءات أوسع لجبر الضرر. وفي هذا السياق، تعتبر مشاركة الناجين في رسم تلك الخطط وتنفيذها أمراً حاسماً ومهماً لضمان شمولية عمليات جبر الضرر وتأثيرها الواسع.

ويمكن إعادة توجيه تلك الأموال إن أمكن لإنشاء آليات دولية تعمل على جبر الضرر، إذ مثلاً، أسس الصندوق العالمي للناجين وهو عبارة عن منظمة من منظمات المجتمع المدني تهدف إلى تعزيز القدرة على وصول الناجين من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع إلى عمليات جبر الضرر، ويشمل ذلك الناجين من سوريا، وبالمثل، يقوم صندوق الأمم المتحدة المعني بالتبرعات المخصصة لضحايا التعذيب بجمع التبرعات وتوزيعها على شكل منح لمنظمات المجتمع المدني التي تقدم دعماً طبياً ونفسياً وقانونياً وغيره من أشكال الدعم للناجين من التعذيب وأهاليهم، كما بوسع المملكة المتحدة أن تخصص مبالغ من الأصول التي خضعت لعملية تصفية، والغرامات التي أعيد تخصيصها، لتصل إلى تلك الصناديق المعروفة التي تكفل عمليات جبر الضرر التي تتم على يد أشخاص يتمتعون بالخبرة اللازمة في هذا المجال.

لقد فشلت المملكة المتحدة حتى الآن في إعادة تخصيص الثروات غير المشروعة التي جمعها النظام السوري وأعوانه وذلك حتى تعمل على جبر ضرر الناجين من النزاع في سوريا، ولرفع ذلك الظلم، يجب على الحكومة البريطانية سن قوانين وإجراءات جديدة لضمان توفر الأموال اللازمة لسد الاحتياجات العاجلة لدى الناجين بالنسبة لعمليات جبر الضرر مع توزيع تلك الأموال عليهم بالتشاور مع المتضررين من أصحاب المصلحة.

المصدر: Just Security