لبنان وسوريا وحديث عودة اللاجئين مرة أخرى..

2022.10.26 | 18:09 دمشق

لبنان وسوريا وحديث عودة اللاجئين مرة أخرى..
+A
حجم الخط
-A

العلاقة بين لبنان وسوريا منذ الاستقلال علاقة يشوبها الكثير من التوترات والهواجس والرغبة في الهيمنة، فقدر لبنان الجغرافي أن تكون حدوده البرية تقريبا فقط مع الدولة السورية طبعا لأن الحدود مع فلسطين المحتلة مصدر لتوترات وحروب من نوعية أخرى.

لطالما اعتبر أصحاب القرار في دمشق أن لبنان هو خاصرة سوريا الرخوة، نظام الأسد ضرب الجميع في لبنان وتحالف مع الجميع واستثمر وباع الجميع في بازارات الأمن والسياسة الدولية، كثيرة هي التفاصيل عن تلك المرحلة ويمكن أن نتحدث عنها بشرح أكبر في مناسبات مقبلة.

مع اندلاع ثورة الشعب السوري وتحت تأثير الحرب الشرسة التي شنها نظام الأسد على المدنيين كان السوريون على موعد مع معاناة لم يألفوها في الماضي وهي التهجير القسري ومرارة اللجوء، فمع اشتداد القمع وارتكاب قوات النظام للمجازر الأولى في سوريا، كان لبنان الخيار الوحيد أمام مئات الآلاف من أبناء دمشق وريفها وحمص والساحل بحكم الجوار الجغرافي وسهولة العبور غير القانوني.

لفهم أعمق لأسباب تغير مزاج المجتمع اللبناني تجاه الثورة السورية واللاجئين بشكل خاص لا بد من التوقف عند حدثين مفصليين كانا علامة فارقة في تلك المرحلة، الأول في صيف ٢٠١٣ عندما دخلت قوات حزب الله بشكل مباشر وعلني على خط المعارك في سوريا بين النظام والجيش الحر وتحديدا نقصد هنا معركة القصير، وما تلاها من عملية إعادة السيطرة على الحدود مع لبنان من تل كلخ إلى الزبداني ومضايا مرورا بالقلمون، هنا بدأ السوريون يشاهدون التغيرات في طريقة تعاطي المجتمع اللبناني معهم تحت وطأة الانكسارات والتراجعات في السيطرة العسكرية كما تحدثنا، وإحساس شريحة واسعة من اللبنانيين أن المعركة في سوريا طويلة جدا وليست كما كان يعتقد أنها سريعة ومضمونة.

قامت داعش بإعدام عدد من العسكريين المخطوفين في جريمة نكراء كان لها تأثير كبير على مزاج الشارع اللبناني

الحدث الثاني هو هجوم داعش والنصرة على بلدة عرسال اللبنانية في صيف ٢٠١٤ وخطفهم عدداً من الجنود من الجيش والدرك اللبناني، وقد قامت داعش بإعدام عدد من العسكريين المخطوفين في جريمة نكراء كان لها تأثير كبير على مزاج الشارع اللبناني، الأمر الذي استغله حلفاء نظام الأسد في لبنان لشن هجوم إعلامي وسياسي شعبوي واسع النطاق على الثورة السورية والضحية الأولى لهذا الهجوم كان اللاجئ السوري.

طبعا هنا لا نغفل عن باقي العوامل التي ساهمت بشكل كبير في انحسار البيئة الحاضنة للسوريين وأهمها المزاحمة في سوق العمل، طول فترة بقاء السوريين، وصولا إلى تحطم الاقتصاد اللبناني بشكل شبه كامل وغيرها من العوامل الصغيرة الأخرى.

منذ فترة والحكومة اللبنانية ومن خلفها التيار الوطني الحر (تيار ميشيل عون) يحاولون تسويق خطة لإعادة اللاجئين السورين إلى مناطق النظام، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل فقد رفضها المجتمع الدولي وفي مقدمته المفوضية السامية للاجئين، ومع ذلك السلطات اللبنانية استمرت في مساعيها وقام وزير النازحين بزيارة إلى دمشق وتحدث من هناك بأنه جرى البحث والاتفاق على خطة الإعادة، اليوم صرح الرئيس اللبناني ميشيل عون أن الدفعة الأولى من اللاجئين السوريين انطلقت إلى سوريا (مناطق النظام) يوم الأربعاء مع تشديده على أن الدفعة الأولى هي من اللاجئين الراغبين في العودة الطوعية إلى سوريا، في تغير بالشكل فقط ومحاولة التفاف على رفض المجتمع الدولي للإعادة القسرية للاجئين، الرئيس ميشيل عون وتياره الوطني الحر وصهره الوزير جبران باسيل بحاجة ماسة إلى إنهاء العهد الحالي (الذي ينتهي مع نهاية شهر تشرين الجاري) بمجموعة من الإنجازات التي قد تمثل رافعة سياسية لدخول الوزير باسيل في السباق الرئاسي خلال الأيام المقبلة، إحداها التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني والثانية ملف إعادة اللاجئين السوريين.

وبالعودة إلى مصطلح الطوعية الذي تستخدمه السلطات اللبنانية في محاولة لتجميل خطوة لا تجمّل، فنقول اللاجئ السوري بعد أن ضيّقت عليه السلطات اللبنانية كل سبل العيش الكريم ومنعته من العمل بعشرات المهن ومنعت عنه تصاريح العمل القانونية فأصبح مضطراً للعمل بأجر متدنّ وبلا أية تأمينات لأنه يعمل بشكل مخالف للقانون، فعن أية إرادة حرة للاجئ في العودة الطوعية يتحدثون، وعندما تحاصر السلطات اللبنانية اللاجئين السورين وتمنع أطفالهم من الدخول إلى المدارس، وتفرض عليهم حظر التجوال في ساعات ومناطق معينة ولا تترك لهم خيارا إما ركوب قوارب الموت مع أطفالهم أو العودة إلى جحيم الحياة في مراكز إيواء النظام السوري أي بعيدا عن ديارهم وبيوتهم الأصلية في غربة جديدة وإن كانت داخل الوطن هذه المرة، فعن أية إرادة حرة للاجئ في العودة الطوعية يتحدثون، وعندما تغذي بعض القوى السياسية اللبنانية العنصرية وتقدم خطاب كراهية ضد اللاجئين المظلومين، وعندما يموت اللاجئ تحت التعذيب خلال التحقيق لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، فعن أية إرادة حرة للاجئ في العودة الطوعية يتحدثون.

الحكومة اللبنانية تعلم أن أكثر من ٥٠٪؜ من اللاجئين السورين ينحدرون من مناطق سورية يحتلها حزب الله

تأتي الخطوات من قبل الحكومة اللبنانية في ظل حراك سياسي روسي أيضا للدفع بتصفية قضية اللاجئين فلقد قام مبعوث الرئيس الروسي لافرنتيف بزيارة إلى دمشق الأسبوع الماضي على رأس وفد كبير، وأجرى مباحثات مع النظام وموضوع عودة اللاجئين كان على جدول الأعمال في تزامن واضح بين مخططات الحكومة اللبنانية وإسناد سياسي روسي.

الحكومة اللبنانية تعلم أن أكثر من ٥٠٪؜ من اللاجئين السورين ينحدرون من مناطق سورية يحتلها حزب الله، ومع ذلك لم نسمع كلمة واحدة ولم يصدر قرار من هذه الحكومة بالطلب إلى حزب الله الانسحاب من المناطق المحتلة في سوريا وخروجه من سوريا بشكل نهائي.

نريد مع لبنان الشقيق أفضل العلاقات الندّيّة القائمة على احترام السيادة والاستقلال، وهناك موقف وطني لدى قوى المعارضة والثورة برفض توطين اللاجئين السوريين في لبنان وفي غيرها من الدول، لأن لدى السوريين وطناً لم ولن يتخلَّوا عنه، ونريد فعلًا أن تُؤمَّن البيئة الآمنة والمحايدة ويتم تنفيذ القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار ٢٢٥٤ وصولًا إلى تحقيق الاتفاق السياسي، عندئذ سنسعى جميعا لتمكين اللاجئين السورين كافة من العودة إلى مساكنهم وبيوتهم التي هُجّروا منها، إلى ذلك الوقت على الحكومة اللبنانية أن تفي بالتزاماتها الدولية والقانونية تجاه اللاجئين ومعاناتهم، وعليها أن تتحمل كامل المسؤولية التاريخية والقانونية عن اللاجئين السوريين الذين ستتم إعادتهم قسرا إلى مناطق النظام السوري.