المضامين الدستورية للبنود الإنسانية

2020.12.22 | 23:07 دمشق

photo_2020-12-22_16-18-25.jpg
+A
حجم الخط
-A

اللجنة الدستورية، وبحسب القواعد الإجرائية الخاصة بها، وتحديداً المادة (1) منها قد نصت على ما يلي:

"تقوم اللجنة الدستورية في سياق مسار جنيف الميسر من طرف الأمم المتحدة بإعداد وصياغة إصلاح دستوري يطرح للموافقة العمومية."

إن أي موضوع يُطرح في اجتماعات اللجنة الدستورية ننظر إليه فقط من زاوية المضمون الدستوري الخاص بهذا الأمر، فعندما يطرح أي طرف في اللجنة موضوع مكافحة الإرهاب أو تمكين كل المهجرين من العودة إلى مساكنهم التي هُجّروا منها، يتم التعامل مع هذه الطروحات وغيرها بإيجابية مشروطة من قبل وفد المعارضة، بحيث تتم النقاشات في هذه الموضوعات ضمن ولاية اللجنة الدستورية المشار لها في المادة (1) من القواعد الإجرائية السابق ذكرها، أي أن يُحصر عمل اللجنة في عملية البحث وإعداد المضامين الدستورية للمواضيع المطروحة والتي سيتم اعتمادها في دستور سوريا الجديد بعد تنفيذ كامل لمندرجات القرار (2254 ). 

من هنا فإن أي قضية تهم الشعب السوري يمكن طرحها، بل اعتقد من الواجب طرحها ومناقشتها ضمن أعمال اللجنة، ولكن من خلفية ايجاد المضمون الدستوري المناسب لها.

لا شك في أن قضية المهجرين من لاجئين ونازحين هي قضية بالغة الأهمية لنا جميعا وتمس ملايين السوريات والسوريين(حوالي 12 مليون حسب تقديرات وكالات الامم المتحدة المتخصصة) وربما العدد الحقيقي أكبر من ذلك نتيجة عدم القدرة على الوصول للمعلومات داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، ومعظم اللاجئين والنازحين وساكني الخيام، هم من الشعب السوري الثائر الذي طالب بالحرية والكرامة ودفع ثمناً باهظا لأجل ذلك، والتهجير كان احد اكبر الأثمان التي دفعها ومايزال، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال السماح للطرف الآخر أن يزاود علينا في قضية هي بالأصل قضيتنا ونعيشها وأهلنا كل يوم وكل لحظة.

وأيضا وبالتوازي لا يمكن الحديث عن إحدى القضايا الإنسانية الكبرى مثل قضية المهجرين، دون طرح باقي القضايا الانسانية والتي تهم أيضا شريحة واسعة من الشعب السوري، فقضية المعتقلين والمفقودين والمختفين قسريا من القضايا الأساسية والمؤلمة لملايين السوريين الذين فقدوا أثر احبتهم ولا يعلمون شيئا عن مصيرهم.

لا يمكن الحديث عن السلام المستدام في سوريا من دون إيجاد الحلول العادلة لمأساة المعتقلين عبر الإفراج عنهم دون قيد أو شرط وكشف مصير المفقودين، وتسليم جثامين الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام وتسوية أحوالهم المدنية في الدوائر المختصة، وبداية كل ذلك يكون بالسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر وباقي المنظمات الدولية المعنية بالدخول وتفتيش كل السجون ومراكز الاعتقال والسجون السرية التي يديرها النظام او الميليشيات المتحالفة معه.

وبالتالي فإننا نطالب وبإصرار بأن يحتوي الدستور الجديد لسوريا نصوصاً خاصة تضمن إلزام الدولة السورية القادمة بالتعاطي الإيجابي لحل المشكلات القائمة عبر تمكين كل المهجرين من العودة الطوعية والآمنة إلى مساكنهم الاصلية التي هجروا منها، مع ضمان تأمين الاحتياجات الحيوية الخاصة بهم.

  لن نعيش السلام في سوريا إلا من خلال ضمانات دستورية لإيجاد مسار للعدالة الانتقالية وذلك لتأمين الحلول الفاعلة والناجعة لقضية المعتقلين والمختفين قسريا، وردع أي مولدات للعنف والانتهاكات المستقبلية لحقوق الإنسان في سوريا عبر تحقيق العدالة ومعرفة الحقيقة وجبر الضرر ومحاسبة كل من ارتكب انتهاكات بحق الشعب السوري. 

من هنا قد يطرح البعض السؤال التالي: لماذا لم تتضمن ورقة الأفكار الاولية التي قدمها وفد المعارضة في الجولة الرابعة أي ذكر أو إشارة للعدالة الانتقالية؟

ورقة الأفكار الأولية التي طرحت من قبل وفد المعارضة لا تمثل إلا جزءا بسيطاً من الأفكار والمواضيع المعدّة والجاهزة لدى وفدنا، إضافة إلى أن طرح المواضيع على طاولة اللجنة يتم وفق الاستراتيجية التفاوضية المعتمدة من قبل هيئة التفاوض السورية، ولكن صاحب الاختصاص المتمعن في بنود ورقة الأفكار الأولية ولاسيما البند المتعلق بتشكيل هيئة عامة مستقلة للمهجرين وأخرى لحقوق الإنسان والمعتقلين، يكتشف بوضوح استخدام وفدنا لمصطلحات قانونية لا يمكن تحقيقها إلا بفتح مسار للعدالة الانتقالية، ومن هذه المصطلحات العدالة، معرفة الحقيقة، جبر الضرر، وضمان عدم التكرار.

وهناك أمر جدير بالذكر في هذا السياق أنه لدى هيئة التفاوض السورية مجموعة عمل خاصة عملت على إعداد المضامين الدستورية للعدالة الانتقالية، وقد أجرت عدة ورشات ولقاءات ومشاورات مع عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني المتخصصة بالموضوع كما يوجد لدى هيئة التفاوض مسودة ورقة خاصة بالمضامين الدستورية للعدالة الانتقالية، وسيتم في الفترة القادمة عقد لقاءات مع القوى السياسية والثورية لإطلاعهم على الورقة وأخذ آراءهم ومقترحاتهم حولها.

وبعيداً عن أعمال اللجنة الدستورية أعتقد أن هناك أمراً هاماً، هو أن النضال من أجل إيجاد مسار للعدالة الانتقالية وبضمانات دستورية، يجب ألّا ينسينا باقي أوجه وطرق المحاسبة، والمساءلة، وفي مقدمتها استمرار الضغط على المجتمع الدولي، وتحديداً الدول الداعمة للنظام، والتي تقف عائقاً أمام اتخاذ قرار في مجلس الأمن لإحالة ملف الجرائم المرتكبة في سوريا الى المدعي العام، في محكمة الجنايات الدولية عبر استخدامها المتكرر لحق النقض الفيتو.

إضافة إلى الاستمرار ودعم مسار رفع الدعاوى على المجرمين الفعليين الذين ارتكبوا جرائم في سوريا، أمام القضاء الوطني لبعض الدول التي ينص قانونها على الاختصاص العالمي في ملاحقة المجرمين.

إن تمكين السوريين من الوصول إلى العدالة عنصر رئيسي بل ممر إلزامي للوصول الى سلام مستدام في سوريا، وعند تحقيق هذه العدالة يمكن للسوريين جميعا وبإرادة حرة تطبيق مبدأ العفو عند المقدرة أو الإصرار على القصاص.