لبنان الغائب عن قمم المنطقة يتحضر لعودة سعودية

2022.04.01 | 06:43 دمشق

2022-03-25t112854z_374715588_rc2n9t9ywa1h_rtrmadp_3_lebanon-crisis-iran.jpg
+A
حجم الخط
-A

على وقع التحضيرات الجارية لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران وحل عقدة رفع العقوبات عن حرسها الثوري للمضي قدماً في ترتيب أوضاع المنطقة وإبرام اتفاق له ما بعده، هنا مجموعة مسارات وتحركات لا يمكن إلا التوقف عندها بشكل جدي، فمن قمة شرم الشيخ التي جمعت قادة مصر وإسرائيل والإمارات، إلى قمة العقبة الأردنية العراقية المصرية والإماراتية بمشاركة وزير سعودي، بالإضافة إلى القمة التي تعقد في إسرائيل لوزراء خارجية عربٍ بحضور أنتوني بلينكن، وهذه القمم هي نسخة جديدة لقمة أوباما للقادة الخليجيين العام 2015 عند لحظة الاتفاق النووي مع إيران والتي لم تراعِ حينئذ هواجس العرب والخليجيين وأثمرت مزيداً من التخبط والاستهداف والتطويق.

بالمقابل لا يمكن إغفال ما جرى من استهدافٍ لأرامكو داخل المملكة العربية السعودية ومن ثم ضرب بطولة الفورمولا في جدة عمّا أحدثته تلك القمم، وطهران تودّ استجلاب واشنطن لتحدد موقفها من التطورات السياسية والأمنية في المنطقة لبعض حلفائها، وتريد إيران من الولايات المتحدة اتخاذ موقف حاسم تجاه السعودية والإمارات في ذروة التأزم الحاصل على إنتاج النفط، ويخشى الإيرانيون اليوم من أن هذه اللقاءات مسارٌ جديدٌ من الارتباط الأمني والاقتصادي والنفطي بين دول خليجية وإسرائيل في ظل رغبة مصرية إماراتية مستجدة بسحب تركيا لهذا الطرح الإقليمي الجديد.

وعليه فإن زيارة وزير الخارجية الأميركية للمنطقة مردُّها الرئيسي تطمين الحلفاء العرب وإسرائيل لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي مع الإيرانيين في ظل الاشتباك الحاصل في أوكرانيا وما سببته دولياً من خلق نزعة فوضى لدى الشركاء الإقليميين لواشنطن، في حين أن رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت يبدو وكأنه حصل على تطمينات أمن بلاده بقوله إنه لم يعد هنالك من معنى لخوض أي صراع ضد الاتفاق النووي مع طهران لأنه بات قضية منتهية.

لذا تشير التطورات الإقليمية الجارية في المنطقة وتحديداً الحراك الإماراتي والقطري الناشط في الشرق الأوسط إلى أنها إعادة لترتيب المواقع والتحالفات والظروف التي سيخلقها الاتفاق مع إيران وارتداداته على الدول الحاضرة بها عبر حرسها الثوري أو ميليشياتها الطائفية وتحديداً في لبنان عبر الحزب إياه، وفي اجتماع النقب، وهو الأهم من بين التحركات الأخرى، ثمة اعتراف كامل بدور إسرائيلي قيادي لمحور المواجهة مع إيران وحلفائها وأذرعها، حيث تستعد إسرائيل لملء جزء من الفراغ الناجم عن الانسحاب الأميركي من الانشغال باهتمامات المنطقة. وصحيح أنَّ السعودية لم تكن حاضرة في الصورة الجامعة، إلّا أنه ليس من الصعوبة الاستنتاج بأنها كانت حاضرة خلف الكواليس.

توازياً فإن توقيت زيارة بشار الأسد إلى الإمارات، وهي الأولى له عربياً منذ العام 2011، يضطلع بأهمية لافتة لسببَيْن، فهي تتزامن مع الحرب الروسية على أوكرانيا، ومع اقتراب المفاوضات النووية بين إيران ودول الخمسة زائداً واحداً من الوصول إلى خواتيمها، والأسد يتمتع بعلاقات متينة مع كل من روسيا وإيران.

لذا تشير التطورات الإقليمية الجارية في المنطقة وتحديداً الحراك الإماراتي والقطري الناشط في الشرق الأوسط إلى أنها إعادة لترتيب المواقع والتحالفات الظروف التي سيخلقها الاتفاق مع إيران وارتداداته على الدول الحاضرة بها عبر حرسها الثوري أو ميليشياتها الطائفية

من هنا تشير مصادر رفيعة إلى أنّ الأسد هو من طلبَ زيارة الإمارات ولقاء بن زايد، حاملاً رسالة شديدة الأهمية من الروس، وقد حمّله ولي عهد أبو ظبي رسالة بدوره من السعودية إلى إيران، تسلّمها وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، الذي حطّ في دمشق، قبل التوجه إلى لبنان، كما تؤكد المصادر أنّ رسائل من إسرائيل نُقلت أيضاً، خاصة أنّ إسرائيل تعمل على إقناع الإمارات، ومن خلالها دول الخليج، بضرورة العودة إلى سوريا من دون إبطاء.

وهناك التطور المتعلق بإعادة الدول الخليجية تعزيزَ حضورها الديبلوماسي قريباً في لبنان والذي بات يرتبط بمجموعة مسارات خارجية وداخلية وهي التزام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعدم السماح بتحويل لبنان إلى منصة لاستهداف الدول الخليجية، وقد تصرّف على هذا الأساس في بيانات الحكومة والمواقف الصادرة عنه والتي حظيت بإشادة سعودية، وبالتالي لولا التزام ميقاتي بأجندة صارمة تستنكر كل اعتداء على المملكة العربية السعودية وتصرّ على أفضل العلاقات معها ومع الدول الخليجية لما سلك مسار العودة الخليجية طريقه.

أما المسارات الخارجية وهي مساعي باريس والدوحة والقاهرة بالتنسيق مع واشنطن وهناك خلية عمل يديرها ماكرون على ضفتي الصراع السعودي-الإيراني، فهذه الخلية عملت على إقناع الرياض بضرورة إعادة تفعيل حضورها في لبنان من أجل إبقاء ميزان القوى الخارجي وإعادة توازن الحضور الغربي والعربي بعدما تحوّل لبنان إلى ساحة لحساب الدور الإيراني، لأنّ طهران ستملأ الفراغ الناتج من أي انسحاب أو خروج أو ابتعاد خليجي، وبالتالي لا مصلحة إطلاقاً بترك الساحة اللبنانية لإيران.

وهذه الجهود الناشطة أسهمت في نهاية المطاف بإقناع السعودية بإعادة النظر في موقفها من لبنان، من منطلق أنّ ابتعادها عنه يعزِّز الحضور الإيراني، في حين أن اقترابها يؤدي إلى لجمه، وأنّ التخلي عن الساحة اللبنانية لإيران يزيد أوراق القوة التفاوضية ولا يفيد بشيء، إنما من الضرورة اعتماد سياسة ربط نزاع معها وإرباكها في لبنان بدلاً من تحقيق مكاسب مجانية للإيراني.

والزيارة التي أجراها رئيس جهاز المخابرات القطرية أحمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني لبيروت لم تكن زيارة يتيمة، وهو الذي أجرى لقاءات مع حزب الله وقوى سياسية أخرى كالنائب السابق وليد جنبلاط ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وهذه الزيارة تأتي عقب زيارة أجراها وفد أمني إماراتي لبيروت ولقائه ممثلين عن الحوثي وحزب الله.

والزيارة القطرية هي استمرار لجهود تبذلها في كل المساحات الإقليمية واللقاء الذي عقد مع حزب الله كان الهدف الرئيس منه تهيئة الأجواء لعودة العرب والخليجيين للبنان، لكن الهدف الأساس يكمن في الدور القطري المبذول لوقف مسلسل التصعيد الجاري في اليمن، والحزب أبلغ القطريين أمرين اثنين: الأول ما أبلغه الحزب للفرنسيين حول عدم الرغبة في الحصول على الأكثرية بالإضافة إلى رغبته في عودة السعودية إلى لبنان بخلاف ما يروّج له وما يضخ في الإعلام الموالي له، وترتبط تلك الرغبة بتخفيف الضغط عن إيران والحزب نفسه، نتيجة الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها كلّ محور الممانعة في سوريا ولبنان والعراق. 

لذا فإن العودة الخليجية إلى لبنان مرتبطة بسحب لبنان من أزماته مع تثبيت للقواعد السياسية القائمة، والتي ترسّخ نفوذ حزب الله، لأن أي استثمار سيصب في صالح الحزب على حساب السعودية والخليج، وهذه خطوات استباقية كمحاولة لتغيير موازين القوى وإعادة التوازن، في حين أن هناك من يعتبر أن لبنان لم يكن غائباً عن قمة الأردن، المرتبط عضوياً بها انطلاقاً من مشروع الغاز والتنقيب عن النفط، أو ابتداء من الحاجة الراهنة للغاز المصري والكهرباء الأردنية. ولبنان سيكون مطلوباً منه مستقبلاً الانضمام لهذا المنتدى أيضاً من بوابة المفاوضات مع صندوق النقد، والحصول على المساعدات من الجهات المانحة والصناديق الدولية، وهذه الرغبة في انضمامه معطوفة على تغيير في مواقع رئيسية في السلطة ابتداءً من رئاسة الجمهورية وشكل الحكومة وليس انتهاءً بحاكم مصرف لبنان.