لا وطن والاستبداد قائم..

2019.10.09 | 18:27 دمشق

r3dwcfeemmhqfba55vce9bsdf0ythv5up3hmer9j.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لا أعرف ما الذي يغضب النظام من التحرك العسكري التركي باتجاه شمال شرق سوريا مع أنَّ هذا الأمر لا يشكل خروجاً عمَّا هو حاصل على الأرض السورية من تدخلات.. فمنذ أن بدأ النظام نفسه بمواجهة شعبه الذي خرج محتجاً على استبداده وقمعه الرهيب، وما خلفه من أوضاع سيئة على صعيد السياسة والمجتمع والاقتصاد والعيش الكريم، وسعى بسبب خوفه على مصالحه، وبما ارتكبه، على مدى خمسين عاماً من حكمه الفردي المطلق من جرائم مختلفة إلى الاستعانة بالشيطان لكي يحافظ على ما هو قائم وإن أدى إلى تدمير سوريا بمن فيها.. ولم يخجل من هذا الأمر إذ طرحه شعاراً، وكان الشيطان جاهزاً بالفعل، وقد تمثل بإيران المتربصة، ولعلها ساهمت منذ البداية بتأجيج الصراع إذ كان تدخلها من تحت الطاولة، وعبر من هيأتهم خلال ثلاثين عاماً، ليخرج فيما بعد إلى العلن على شكل ميليشيات مسلحة تتوزع على الأراضي السورية كلها في العام 2013 ولدى عجزها عن حمايته من شعبه.. استجلب الروس الذين كانوا ينتظرون مثل تلك الإشارة، وهم المجروحون من الأميركان والأوربيين الذين تفردوا في ليبيا، وللروس رغبة في سوريا تحديداً وإذ بها تُقدم لهم على طبق من ذهب.. فهبَّ بوتين الوجه الإمبريالي الجديد المطعّم بنزعة إقطاعية تاريخية، وهو الملقب بإمبراطور الغاز، بحربه الوحشية في الثلاثين من أيلول عام 2015 فقتل من قتل، نساء وأطفالاً ودمَّر ما شاء له التدمير وجرب مئتين وخمسين نوعاً من الأسلحة الحديثة، وعقد صفقات على إثرها، قدرت بخمسة وثلاثين ملياراً من الدولارات.. وكان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قد سبقه معلناً الحرب على داعش وليدخل قوات وينشئ قواعد قاربت أربعين قاعدة وليكن لأصحابها رأي وقرار كغيرها حين الجلوس حول طاولة المفاوضات..!

(2)

إذا ما طوينا مرحلة الخمسينيات والسنوات الثلاث التي أعقبت الاستقلال فإن سوريا عانت الاستبداد السياسي/الإقطاعي ولم تزل.. وبسبب من تلك الحكومات المستبدة لم يجر أيّ ترسيخ لمفهوم الهوية الوطنية السورية الجديدة التي حددتها جغرافياً اتفاقيات سايكس بيكو، بغض النظر عن جريمة سايكس بيكو التي قطَّعت أوصال سورية الكبرى بحدودها الطبيعية، ثم ليتجاوز أحد أقطاب الاتفاقية ذاتها بسلخ لواء اسكندرون منتزعاً من حدودها.. فإن الحكم الاستبدادي "الوطني" الذي استولى على سوريا عام 1963 مستمراً إلى العام 2011 أخذ يتحدث عن هوية عربية لا ليحقق وحدة تتجلى فيها الأمة الواحدة بل ليمارس فرقة بين العرب أنفسهم، وليستعلي عليهم وعلى غيرهم في الداخل السوري، ولعل العراق مثال ونموذج إذ حكمه شق حزب البعث السوري، ورغم ذلك فقد كان يعامل كعدو لدود، وتفضل إيران عليه، وهكذا طمست الهوية السورية التي كان من المفترض أن تتعمق على أسس من المواطنة التي لا يمكن تحقيقها إلا على قواعد ديمقراطية تأخذ بالحسبان مسألة المساواة بين ذلك التنوع السكاني السوري المتشكل عبر تاريخ طويل قومياً ودينياً وطائفياً هذه الهوية التي كانت مقموعة شكلت فيما بعد نقطة ضعف لدى المعارضة السورية التي قامت في تشكيل هيئاتها على ذلك التنوع دون التوحد الواضح على هدف محدد هو الحرية والديمقراطية والدولة المدنية التي يكفلها دستور يأخذ بالحسبان هذا التنوع لدى صياغة بنوده السياسية والثقافية وحقوق المواطن وواجباته بما يكفل سلامة المجتمع وأمنه.. وعلى ذلك فقد طغت أكثرية ما متجاهلة تلك الهوية غير المكتملة لتختطف ذلك الطموح السوري المشروع نحو إحياء هويته السورية وتفعيلها..

(3)

إن النزاع التركي السوري قد بدأ منذ العام 1937 حول اللواء ثم هدأ بعد الاستقلال ولم يبق قائماً إلا في البيانات الورقية والخطب التي كانت تصدر في ذكرى سلخه إلى أن أتت اتفاقية أضنة عام 1998 التي وقعها حافظ الأسد، وسمحت للجانب التركي الدخول عبر الأراضي السورية لملاحقة حزب العمال الكردستاني حتى مسافة خمسة كيلومترات، إضافة إلى إخراج عبد الله أوجلان من سوريا وهكذا كان.. كما نصت اتفاقية أضنة على أن مسألة الحدود قد سويت نهائياً بين الجانبين ما يعني الاعتراف الضمني بتركية اللواء.. ومعروف أن حزب العمال الكردستاني قد رعاه "القائد الخالد" حافظ الأسد وكان في ظنه أن سيستخدمه ضد تركيا وهو القومي العربي ابن حزب البعث الذي رفض أن يعطي الأكراد أيَّ حق من الحقوق التي تميزهم كقومية تشكل 10 إلى 12% من سكان سوريا.. وفي المقابل أقر حزب العمال الكردستاني أن لا حقوق قومية للكرد في سوريا، ولعله أضمر ذلك ليأتي الوقت المناسب، وظنَّه قد أتى..!

(4)

لا يعتقد بأن الوطنية تتجزأ..! وأن يقبل احتلال ويرفض، أو أن يسمى محتل ما صديقاً وآخر عدواً فهذا غير مفهوم للشعب. إن ما تفعله إيران، على سبيل المثال، من تغيير في الديموغرافيا السكانية في حلب الشرقية، وفي دير الزور ودمشق وريفهما وغير ذلك من المدن السورية.. وكذلك ما تقوم به من تشييع تسهيلاً أو تغطية لاحتلالها، وأن تبني المزيد من الحوزات والحسينيات، وتنشئ مكاتب لزواج المتعة حتى من القاصرات.. أفلا يعد ذلك احتلالاً وفتكاً بالمجتمع؟! وحين يقوم الروس بتوسيع قاعدة حميميم، وتشترط في العقد بعدم السماح لأي كان من السوريين مهما كانت صفته الدخول إليها إلا بإذن رسمي، ويجري ذلك حتى على المؤسسات التي تستثمرها، وعندما يتدخل الطرفان أي الروس والإيرانيون بهذه القطعة العسكرية أو تلك، ويحسب هذا الضابط أو ذاك على كل منهما، فما الذي يعنيه هذا الأمر؟! وعندما يفاجأ "السيد الرئيس" و"القائد الملهم" بزيارة وزير الدفاع الروسي، ويستدعى إلى حميميم فبمَ يمكن تفسير هذا الأمر؟!

(5)

اليوم وبعد تسع سنوات من الحرب المتوحشة التي دمرت سوريا حجراً وشجراً وبشراً، وبعد أن أنهكت اقتصادها، وأتت على مقدرات شعبها، ووزعت شبابها (ثروتها البشرية) في أنحاء العالم..! هذا التوحش التي صفقت له إسرائيل إذ جعلها تفرح كما لم تفرح من قبل..! اليوم تأتي اللجنة الدستورية لتضم وجوه النظام والمعارضة أنفسهم ليقوموا بإعداد دستور لبلاد ممزقة الجسد والروح..! اليوم يزعم الطرفان نظاماً ومعارضة بأنهما حققا نصراً باهراً لسوريا؟! وكأنهما ليسا مسؤولين عن هذا الخراب الشامل..! أي نصر أيها "السادة"؟! وأية سوريا تتحدثون عن انتصارها؟! أهذه التي يتسابق الأغراب على نهشها بلؤم غير مسبوق؟! وتحت أعينكم بل برضائكم التام ومؤازرتكم.. أو تظنون أن فعلكم هذا سوف يطمس جرائمكم.. خياناتكم.. اليوم يجري السؤال العفوي على كل ألسنة الشعب السوري بمرارة: لماذا إذاً دمرت سوريا؟! وما الدوافع البعيدة؟! ولماذا أهدرت دماء مليون سوري وأكثر؟! لا جواب طبعاً.. ربما يكون في الاستقالة - المستحيلة طبعاً- للطرفين نظاماً ومعارضة، وتقديم اعتذار للشعب السوري وتسليم البلاد لهيئة حكم انتقالي محايدة تقود العمل لوقت محدد ريثما تجري انتخابات ديمقراطية حرة تأتي بعدئذ بالعدالة الانتقالية التي تقتص ممن ارتكبوا الجرائم بحق سوريا وشعبها.. فهذا وطن لا سلعة، يا تجار الدم..! وما يقال الآن ليس حلماً، بل حقيقة قائمة، وقادمة. وللشعب السوري أسوة حسنة بما جرى في السودان ولا يزال مستمراً في الجزائر وقد بدأ في العراق.. وتلوح تباشيره في مصر.. إنه الربيع فلتفهموا، وتتعظوا..!