icon
التغطية الحية

لا مبادرات تطرح ولا حلول ترتجى: لماذا استقبلت الإمارات بشار الأسد بحفاوة؟

2023.03.20 | 19:09 دمشق

لماذا استقبلت الإمارات بشار الأسد؟
لماذا استقبلت الإمارات بشار الأسد بحفاوة؟
إسطنبول - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

مع كل زيارة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات يلفت الانتباه أمران، أولهما أن الزيارة تكون في ذكرى الثورة السورية، وثانيهما سؤال ما زال بلا إجابة: "ماذا تريد الإمارات من بشار الأسد"؟، لكن زيارة أمس إذا ما وضعت ضمن سياق تطورات ما بعد زلزال شباط المدمر، تنسج وهماً بحل سياسي أو مبادرة لتعويم الأسد الغارق.

والأمر الأول لا يمكن تفسيره إلا بالكيدية السياسية التي تتسم السياسة الإماراتية بها، والتي بلغت مع الشعب السوري مبلغاً يصل حد الفجور في إصرار السياسيين الإماراتيين ومنصاتهم الإعلامية على شيطنة أي حراك سوري مناوئ للأسد، والتلاعب بالوقائع لتقديم خدمات إعلامية وعلاقات عامة لا ترتبط بالعملية السياسية بمقدار تجميل عائلة الأسد التي تفردت الإمارات في استضافة رموزها وأموالها على أراضيها، وذلك على الرغم من الخطاب الإماراتي الذي كان يظهر دعم الثورة في محاولة لاختراق فصائلها وإخمادها كما جرى مع الجبهة الجنوبية.

في ضوء ذلك، لم يكن غريباً ولا مفاجئاً لأحد الاحتفاء الذي حظي به بشار الأسد وزوجته في زيارتهما الأخيرة لأبو ظبي، والذي مُهّد له باستغلال إنساني فاق كل التوقعات، لقضية الطفلة شام لإضفاء بعد إنساني على مجرمي حرب، مصنفين وموصّفين دولياً. بكلمات أخرى، لا يمكن توصيف السياسة الإماراتية الراهنة تجاه سوريا بالبراغماتية، لأن الأخيرة لها حدود وضوابط لا تسمح عادة بهذا الانحدار .

أما السؤال المتكرر عن جدوى التطبيع الإماراتي، فإنه إن بقي بلا إجابات مقنعة ولا نتائج، فمن الأجدى أن يحال إلى سؤال: "ماذا تريد الإمارات للثورة السورية؟"، وإن كانت الإجابة إنهاءها، فإن الوسيلة الأفضل والأنجع هي بدعم النظام السوري. هذا ليس تبسيطاً وتسطيحاً لخطورة الحراك الإماراتي، وإنما كبح للمخاوف والأوهام المتزايدة بأن الأسد نجا، فالمبادرات العربية كانت عام 2011 ولم يستمع لها بشار الأسد حينها، وطبّق أقصى درجات العنف على نقيص ما نُصح به بداية الثورة السورية، والمحاولات البائسة لملك الأردن وإن بلغت البيت الأبيض إلا أنها ما حركت الملف السوري قيد أنملة، ثم ارتدت السياسة الأردنية على أعقابها وحصدت ما زرعته أشواكاً في صحراء الأسد، وهو ما حاولت أنقرة تجريبه منذ شهور، إلا أن الأسد المحظوظ بأعدائه القديمين يجد الآن خيارات متاحة تزيد من هوامش المناورة والتأجيل والدلع.

هل من مبادرة للحل السياسي؟

لا ترى الإمارات نفسها معنية بالحل السياسي بخلاف ما يروج في حراكها الحالي، فالانفتاح على بشار الأسد ليس وليد اليوم لكنه يعود رسمياً، وعلى مستوى قادة الدول إلى آذار عام 2020. ومع أن أبو ظبي حاولت غير مرة أن تضع حراكها في خانة دفع مسار الحل السياسي أو إبعاد النظام عن إيران، فإن أياً من النتائج السابقة لم تتحقق، لتضيف فشلاً جديداً للملفات التي تفشل بها تباعاً، لاسيما بعد رحيل ترامب عن السلطة، حيث تم إجبارها على المصالحة الخليجية، وتغيير سياستها في ليبيا، وكبح جماحها في مسعاها لانفصال الجنوب اليمني، وصولاً إلى الخلاف مع السعودية التي كشفت عنه تقارير غربية مؤخراً.

وعليه فإن الإمارات، وبخلاف ما تبدو لهجتها الواثقة، تخشى عزلة متزايدة في ملفات الإقليم ولا تجد طريقة للفاعلية الدبلوماسية سوى دعم ديكتاتوريات قديمة عربية، وأخرى جديدة كما في تونس، لتضيف بشار الأسد مؤخراً على قائمتها وهوامشها للفاعلية السياسية. لذلك، وكما تؤكد المعلومات فإن الإمارات لم تقدم على مدار السنوات الماضية أي مبادرات باستثناء أفكار عامة طرحها عبد الله بن زايد عن إمكانية قبول الأسد مشاركة المعارضة بحصص وزارية محدودة لا تتعدى أصابع اليد الواحد منها واحدة سيادية.

ضمن هذا الإطار، كان زلزال السادس من شباط الماضي ضربة حظ كبيرة للنظام، ففي حين كانت فرق الدفاع المدني تكافح بمعدات بسيطة لإنقاذ آلاف العالقين تحت الأنقاض وانتشال جثث آلاف آخرين في الشمال السوري الذي بقي محاصراً دون مساعدة لمدة 9 أيام؛ كانت الطائرات الإماراتية تتزاحم للهبوط في مطاري دمشق وحلب لتتربع على قائمة الدول المرسلة للمساعدات للنظام السوري، وجاء ما سبق بالتزامن مع استثناءات أوروبية وأميركية مؤقتة للعقوبات الاقتصادية على النظام، وزيارة وزير الخارجية المصري لدمشق للمرة الأولى، وتكثيف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا زياراتها ومساعداتها لمناطق سيطرة النظام.

وتقول عدة مصادر إن الحماس الإماراتي نحو الأسد لا يرتبط بما تحاول بعض الدول العربية مثل السعودية طرحه، بل يأتي في سياق إعادة التقرب مع إيران، لاسيما أن أبو ظبي وجدت نفسها متفاجئة من الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، والذي استبعدها من مسألة خليجية مهمة. في ضوء ذلك، وكما تشير معلومات حصل عليها تلفزيون سوريا فإن الحراك الإماراتي يأتي في سياق الخلاف الإماراتي السعودي المتصاعد وليس في إطار التنسيق بينهما، وكأن أبو ظبي تتطلب هذه المرة أن يتوسط الأسد لدى طهران لتكون منخرطة في أي تفاهم إيراني - سعودي عن الخليج.

أكثر من ذلك، تذهب معلومات يصعب التأكد من دقتها، بأن المقاربة السعودية الجديدة تجاه النظام في سوريا تأتي في سياق محاولة الرياض تدوير الزوايا في الملفات الخلافية مع طهران، ولعدم استئثار أبو ظبي بالملف السوري عربياً وإقليمياً في حال حصلت تطورات غير متوقعة في الانتخابات التركية، وكأن تنافساً غير معلن يظهر بين الدول العربية على بشار الأسد، وبين الدول العربية وتركيا على بشار الأسد.

الموقف السعودي المتراخي والضبابي مقارنة بالسنوات الماضية، أثار المخاوف أيضا من أن تنحو السعودية، بثقلها العربي، في مسعى إعادة تأهيل النظام بعد أن كانت إلى جانب الدوحة سداً منيعاً لعودة الأسد إلى النظام الإقليمي العربي والجامعة العربية، وهذا الانزياح السعودي غير المكتمل خفف منه التصريح الكويتي غير المسبق والذي جاء بعكس التيار المطبع، عندما أكد وزير الخارجية الكويتي سالم الصباح عدم وجود نية لدى بلاده للتطبيع مع النظام السوري، في حين تتشدد الدوحة في لهجه خطابها تجاه الأسد وتؤكد على موقفها القاطع من التطبيع.

باختصار، بعد زلزال شباط أصبحت المواقف أكثر وضوحاً، باستثناء الموقف السعودي الجديد الراغب بإعادة تفعيل الدور العربي في سوريا، ولكن هذه الدبلوماسية السعودية بالنظر إلى التنافس السعودي الإماراتي على قيادة الدور العربي والإقليمي والخلافات بين البلدين في عدد من الملفات، لن تبقى غير مكتملة، وقد تحسم الرياض قرارها بشأن التطبيع مع النظام، خاصة بعد أن فتحت القنوات الدبلوماسية المغلقة مع إيران، وهذا ما فهمه الأسد الذي راح يتغزل بالسعودية من موسكو في زيارته الأخيرة، مقابل التصعيد اللفظي ضد أردوغان وتركيا.

ويمكن فهم تصعيد الأسد ضد تركيا وأردوغان شخصياً من موسكو، لأنه يأمل بتغير الموقف العربي، وتصدير الواقع السياسي الجديد إلى تركيا وأوروبا والولايات المتحدة عبر الإمارات. ولم يكن الاحتفاء الإماراتي بالأسد في الزيارة الأخيرة، إلا زيادة في جرعة الإغراء كي يبقى أكثر قرباً لها من السعودية.

ووفق هذه المعطيات، لا يمكن القول إن ما يحصل هو حل سياسي أو مبادرة، إنما هي استمرار للجهود الإماراتية واستغلال سياسي كيدي لكارثة الزلزال، وجر التنافس والخلاف بين أبو ظبي والرياض إلى الساحة السورية، ومحاولات لتعجيل وتحريف الحل السياسي المتفق عليه دولياً أو إنتاج تسوية مؤقتة. وهو ما انتهى عند البيان الأميركي الأوروبي الرباعي، والتلويح التركي بقبول ضم فنلندا لحلف شمال الأطلسي وإصلاح العلاقات مع الغرب.