icon
التغطية الحية

لاجئون سوريون عالقون في "متاهة" الدنمارك والعودة إلى سوريا ليست خياراً

2022.03.09 | 13:47 دمشق

اللاجئ السوري هيثم كردي في مطبخ مشترك داخل مركز الترحيل في الدنمارك
اللاجئ السوري هيثم كردي في مطبخ مشترك داخل مركز الترحيل في الدنمارك
نيويورك تايمز - ترجمة ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

هيثم كردي، طالب لجوء سوري عمره 61 عاماً، يقبع منذ نحو ستة أشهر في مركز للترحيل بالدنمارك، حيث يقول أقاربه إنه أصبح مكتئباً ونادراً ما يتناول طعامه، كما أصبح يعاني من تشنجات لاإرادية حيث بدأ يكلم نفسه.

هرب هثيم من الحرب السورية في عام 2015، عقب وصول ولده محمد إلى هناك قبل سنة على ذلك. منح هذا الرجل في بداية الأمر حق اللجوء المؤقت، إلا أن السلطات ألغت إقامته خلال السنة الماضية بعدما ارتأت بأن العودة إلى سوريا باتت آمنة بالنسبة له ولغيره ممن ينتمون إلى دمشق.

وفي مقابلة أجريت معه في غرفته الصغيرة المتداعية بمركز "كيرشوفيدغار" بمدينة إيكاست الواقعة شمالي الدنمارك، حيث يتم احتجازه مع غيره من طالبي اللجوء الذين تم طردهم من البلاد، يخبرنا هيثم الآتي: "إن العيش هنا أشبه بالموت البطيء"، إلا أن فكرة العودة إلى سوريا مرعبة على حد تعبيره، ولهذا قرر ألا يعود إلى بلاده.

عندما وجد الآلاف من السوريين ملاذاً لهم في أوروبا خلال عام 2015، استقبلت الدنمارك أكثر من 30 ألف لاجئ سوري يومئذ، ولكن منذ ذلك الحين، لم تبلغ أي دولة أوروبية مقدار ما بلغته الدنمارك في شططها الذي سعت من خلاله إلى جعل اللاجئين السوريين يشعرون بأنهم غير مرحب بهم على أراضيها.

ومع اجتياح أزمة لجوء جديدة لأوروبا، أثار الترحيب الحار بالأوكرانيين الفارين من الهجوم الروسي التعاطف والمرارة ذاتها في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يشعر كثيرون بأن الدول الأوروبية أبدت موقفاً متعاطفاً تجاه القادمين الجدد أكثر بكثير مما أظهرته لطالبي اللجوء من العرب والمسلمين والأفارقة الذين حاولوا الوصول إلى بر الأمان الأوروبي خلال السنوات القليلة الماضية.

ففي عام 2019، شرعت الحكومة الدنماركية في إرسال رسائل إلى أكثر من 1200 لاجئ تعود أصولهم إلى دمشق ورد فيها بأنها تعيد تقييم وضع اللجوء المؤقت لديها بعد منحهم الإقامة. ومنذ ذلك الحين، تم إلغاء أكثر من 100 إقامة تعود لسوريين من أمثال هيثم كردي، وقد استنفذ هؤلاء فرص نقض ذلك القرار، مما جعل إقامتهم في الدنمارك مخالفة للقانون.

ولهذا تم إرسال بعض منهم إلى العديد من مراكز الترحيل المنتشرة في تلك البلاد، حيث تتم مراقبة تحركاتهم بدقة، إلا أن الدنمارك لا تستطيع ترحيلهم نظراً لانقطاع العلاقات الدبلوماسية بينها وبين النظام في سوريا.

وهكذا انتهت الأمور بهؤلاء السوريين ليتحولوا إلى أشخاص عالقين في تلك المتاهة التي يعيشون معها حالة حبس إلى أجل غير مسمى مع تهديد بالترحيل في أية لحظة.

عبر إلغاء إقامات بعض السوريين، أصبحت الدنمارك أول دولة أوروبية تقرر عدم منح حق اللجوء بالرغم من وجود مخاطر يمكن أن يتعرض لها اللاجئ في بلده.

يرى خبراء مختصون بالأمن وحقوق الإنسان بأن تقييم الدنمارك للوضع الأمني في منطقة دمشق يشوه إلى حد بعيد حجم الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها اللاجئ عند عودته إلى بلده مع بقاء الديكتاتور بشار الأسد في السلطة، وذلك لأن من عادوا من اللاجئين تعرضوا للابتزاز والتعذيب والعنف الجنسي والاختفاء القسري بحسب ما أوردته منظمات حقوقية.

ولذلك طالبت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الحكومات حول العالم بعدم إعادة السوريين "إلى أي جزء من أجزاء سوريا" وذلك لأن الإجراءات التي اتخذتها الدنمارك أرعبت الكثير من النواب الأوروبيين، وبعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا، التي أعلنت بكل صراحة ووضوح بأن عودة السوريين إلى سوريا ما تزال غير آمنة.

معاملة الأسرى

يقول المحامي نيلز-إيريك هانسن من كوبنهاغن حيث يمثل هيثم الكردي وغيره من السوريين في هذه القضية: "إن السلطات الدنماركية تعامل موكلي معاملة الأسرى حتى ترسل إلى العالم رسالة مفادها بأن الدنمارك أسوأ مكان يمكن لأي طالب لجوء سوري أن يأتي إليه".

أما الناطق الرسمي باسم الحكومة، راسموس ستوكلوند، فقد ذكر بأنه لا يحق إعادة أي سوري إن كان سيتعرض لأي خطر، وأضاف: "إننا نرحب بكم هنا طالما أنتم بحاجة إلى الحماية، ولكن بمجرد عدم احتياجكم إلى الحماية، عندئذ يترتب عليكم العودة إلى بلدكم".

هذا ويحق لكل سوري ألغيت إقامته الطعن في ذلك القرار، ولذلك تأتي هيئة مؤلفة من ثلاثة قضاة لتحكم بشأن تلك الطعون في كوبنهاغن، إلا أن من يستنفدون كل السبل القانونية يتم إرسالهم عادة إلى مراكز ترحيل كذلك المركز الذي يقيم فيه هيثم كردي حالياً.

فهذا المركز الذي كان سجناً في السابق، محاط بسياج عال ويخضع لرقابة الحراس، ولهذا لا يسمح لهيثم أن ينام خارج المركز سوى مرتين في الشهر.

إن هدف الدنمارك من كل ذلك هو منع طالبي اللجوء من القدوم أو الإقامة فيها بحسب ما ذكره توماس غاميلتوفت-هانسن، وهو أستاذ جامعي دانماركي متخصص بحقوق اللاجئين لدى جامعة كوبنهاغن، حيث يقول: "لقد أصبح المنع بطريقة غير مباشرة رداً ممنهجاً من قبل الدول الأوروبية فيما يتصل بالأزمة السياسية الحالية التي تتعلق باللجوء في أوروبا. إلا أن الدنمارك كانت السباقة فضلاً عن كونها مصدر إلهام بالنسبة للبقية".

يذكر أن دولاً أوروبية أخرى قامت بتشديد سياساتها بالنسبة للاجئين السوريين، فقد رفعت ألمانيا حظر الترحيل إلى سوريا بالنسبة للمحكومين بجرائم شائنة، وأوقفت السويد إصدار الإقامات من أجل بعض السوريين.

معظم السوريين الحاصلين على إقامة في الدنمارك بوسعهم أن يقيموا فيها حالياً، بما أن هذه الإجراءات لم يتضرر منها سوى من تعود أصولهم لدمشق، إلا أن السلطات الدنماركية تقوم اليوم بإعادة تقييم الوضع الأمني في أجزاء أخرى من سوريا، ما يعني بأن آلاف اللاجئين السوريين سيتعرضون لخطر الترحيل.

الطعن بقرار الإعادة 

أعلنت وزارة الهجرة الدنماركية بأن نحو 400 سوري عادوا إلى سوريا طوعاً، وحصلوا على مبلغ 30 ألف دولار لقاء رحيلهم عن الدنمارك.

ولكن من بين أكثر من 250 سورياً تم إلغاء إقاماتهم في الدنمارك ثم قاموا بالطعن في ذلك القرار، نجح الغالبية في الطعن مقابل أقلية خسرت تلك القضية.

ومن بين من نجحوا في الطعن بذلك القرار سامي الدياب، 50 عاماً، وهو عامل في مصنع في جنوبي الدنمارك، هرب من سوريا في عام 2014، ليلتحق بزوجته وأولاده الخمسة بعد ذلك بعام، ثم استطاعت تلك الأسرة أن تشتري بيتاً لها في عام 2019، ولكن بعد فترة قصيرة من شراء البيت، تم إلغاء إقامة سامي.

ولكن في أحد الأيام في ساعات العصر الأخيرة بمدينة كوبنهاغن، خرج سامي من مقر مجلس الطعن المخصص للاجئين، وهو يضرب قبضته في الهواء للدلالة على الانتصار، وبعدما كفكف دموعه، اتصل برب العمل الذي يعمل لديه، وقال له: "كل الأمور بخير، سنبقى في الدنمارك".

إن الإجراءات التي اتخذتها الدنمارك ضد السوريين وضحت بكل جلاء التوتر القائم بين الدنماركيين الذين يفضلون إجراءات معادية للهجرة وبين من يقفون ضدها، إذ إن نحو 80% من الناخبين في الدنمارك اليوم لا يوافقون على هذه الإجراءات وذلك بحسب ما ورد في مسح أجري قبل فترة قصيرة.

نقل عن وزير الهجرة الدنماركي، ماتياس تسفايي، قوله أمام البرلمان الأوروبي في مطلع هذا العام بأنه ينبغي على الدنمارك أن تحمي نفسها من المشكلات التي تحدث بسبب اندماج عدد كبير من المهاجرين، وأكد عدم تعرض أي شخص ممن عادوا إلى دمشق لأي خطر.

إلا أنه رفض إجراء مقابلات عديدة، لكنه أورد في تصريح له بأنه غير مسؤول عن تلك التقييمات الأمنية الخاصة بالمناطق السورية، وغير مسؤول عن القرارات التي تتخذ بشأن طلبات اللجوء.

إلا أن غالبية ممن خسروا حق الإقامة في الدنمارك لا يفكرون بالعودة إلى سوريا نهائياً، إذ تقول أسماء الناطور، وهي سورية تبلغ من العمر 51 عاماً، تم إرسالها إلى مركز للاجئين في مدينة هولستيبرو برفقة زوجها عمر: "لن نعود طالما بقي بشار هناك، ولكننا سنعود إن رحل".

إجراءات تفرق العائلات

بخلاف بقية مراكز الترحيل في الدنمارك، تم تخصيص مركز هولستيبرو للواصلين الجدد من طالبي اللجوء أو لمن طعنوا في قرار إلغاء إقاماتهم وينتظرون القرار النهائي، ولهذا يتمتع هذا المركز بظروف أفضل، إذ لدى أسماء وزوجها سيارة وبوسعهما أن يدرسا وأن يحصل كل منهما على راتب شهري يعادل 320 دولاراً أميركياً.

إلا أن سياسات الدنمارك تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء قد فرقت الكثير من العائلات، فقد حصل محمد بن هيثم كردي، 28 عاماً على وضع اللجوء بعد زواجه من دنماركية وإنجابه لطفلتين، وذلك لأنه يمكن أن يتعرض لخطر التجنيد في جيش النظام حال عودته إلى سوريا، ما يعني أن بوسعه الإقامة في ضواحي كوبنهاغن برفقة أسرته.

يؤوي مركز كيرشوفيدغار الذي يحتجز فيه هيثم كردي نحو 250 شخصاً، بعضهم ينتظر قرار الترحيل إلى دول أخرى غير سوريا، ويحق لمن يقيم فيه مغادرته مرتين في الشهر ليلتقي بأسرته أو بمحاميه.

وفي زيارة جرت أخيراً لهذا المركز، وجدنا بأن بعض المساحات المشتركة قد امتلأت بالقمامة، كما انتشرت الجرذان في مركز ترحيل آخر بحسب الصور التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز.

وبما أنه لا مستقبل ينتظر هيثم في الدنمارك، لذا فقد حاول مغادرتها والسفر إلى ألمانيا خلال العام الفائت، لكن طلب لجوئه رفض هناك وتمت إعادته إلى الدنمارك، ولذلك يخبرنا ابنه محمد بأن أباه ندم أشد الندم على قرار انتقاله إلى الدنمارك، حيث يقول: "ليس لدى والدي أي مستقبل هنا، أي أن انتظاره لن يأتي له بشيء".

   المصدر: نيويورك تايمز