icon
التغطية الحية

كيف ينظر المجتمع التركي لحملات العنصرية ضد اللاجئين السوريين؟

2023.01.19 | 06:19 دمشق

 شاب تركي يرفع لافتة في إسطنبول تضامناً مع الفتى السوري أحمد كنجو، كتب عليها: "من أنا؟ أنا إنسان" - 21 تموز 2022 (أنترنت)
إسطنبول - أويس عقاد
+A
حجم الخط
-A

أثار مقطع مصور للشاب السوري أحمد كنجو عبر من خلاله عن رفضه للمصالحة مع النظام السوري ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، ما دفع حسابات وشخصيات معروفة بعدائها للاجئين لجعله هدفاً أمام مجموعة كبيرة من المغردين الغاضبين.

وكان كنجو نشر الفيديو في مطلع شهر كانون الثاني الجاري، حيث حذر من خلاله باللغة التركية من التطبيع مع النظام السوري الذي ارتكب المجازر ونكل بالناس، مستغرباً الخطوة التي ستنعكس على اللاجئين السوريين في تركيا بشكل سلبي.

وقال أحمد خلال الفيديو: "هل تقبلون التصالح مع من قام بقتل أحد من عائلتكم؟" "هل يمكنكم التفكير حتى في هذا الأمر، نحن لن نسامح، يرجى منكم التفكير في الشعب عند اتخاذ مثل هذا القرار؟".

قال أحد المغردين رداً على أحمد: "عزيزي، لو أننا لم نصالح من قتلنا لكانت الدنيا جحيم"، وقال آخر متهكماً: "عد إلى دولتك قاتل وأسقط النظام، تأتي إلينا وتطلب الحماية ثم تريد تعليم الدبلوماسيين الأتراك كيف تدار الأمور، كل هذا ولم تخرج شواربك بعد".

هذا وعرف كنجو في المجتمع التركي بموقفه الشجاع الذي ظهر فيه خلال أحد استطلاعات الشارع في تموز 2022، وهو يحاول تفنيد مجموعة من الأكاذيب المتعلقة بالسوريين، وعندما حاول بعض الموجودين التضييق عليه ومهاجمته بالكلام قال أحمد لهم "أنا إنسان".

وتبع الفيديو حملة تضامن على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام وسم "أنا إنسان" إذ رفض خلالها المغردون الأتراك والسوريون الموقف الذي تعرض له أحمد ودعوا لقبول اللاجئين والوقوف معهم.

ما مدى انتشار فيديو؟

نُشر الفيديو الذي شاركه أحمد على حسابه الشخصي خلال أسبوع عن طريق 1539 تغريدة حملت اسمه على موقع تويتر وحده، نسبة التعليق وصلت إلى 82 في المئة، ونسبة إعادة التغريد بلغت 14 في المئة، بحسب ما أظهرت بيانات موقع "tweetbinder" المتخصص بإحصاء بيانات تويتر.

وبلغ عدد مشاهدي الفيديو بعد جمع عدد المشاهدات في حساب أحمد وعدة حسابات أخرى على تويتر أكثر من مليون ونصف المليون مشاهدة خلال أسبوع.

1

وللمزيد حول هذا الموضوع تواصل موقع "تلفزيون سوريا" مع الصحفي التركي وخبير التعليق الصوتي محمد أوندر، الذي رأى أن الرسالة التي أراد أحمد إيصالها للمجتمع التركي لم تصل بل على العكس تماماً.

قال أوندر: "يظهر أحمد في الفيديو وهو يتحدث بلغة ليست مناسبة، كان يحاول شرح الأمر لكنه لم يفلح، نعلم أن هناك شريحة من الناس تعادي اللاجئين، هذا النوع من الفيديوهات كنز ثمين لها، لأنه سيستخدم ضد اللاجئين وسيؤدي لإبعاد من تعاطف سابقاً مع اللاجئين مثل هذه الفيديوهات ضررها أكثر من نفعها".

وأضاف أوندر: "أنصح السوريين الذين يريدون تقديم محتوى أن يقوموا بالبحث عما يجمعنا كشعبين، ومن أفضل ما يمكن القيام به في هذه المرحلة هو محاربة الأخبار المضللة دون استخدام لغة كراهية والإجابة عن تساؤلات الناس بكل صبر، مع إدخال بعض المزاح بلغة لطيفة محببة للقلوب".

وتابع: "العنصرية مرض نفسي وعلاجه ليس سهلاً، وهي حالة يشهدها العالم كله ليس فقط تركيا، أكثر ما يؤلمنا أن هذا يحصل في دولة جارة لنا، ربما لا يمكننا حل مشكلة العنصرية بشكل جذري، لكن علينا محاولة تقريب من يمكن تقريبه".

وختم أوندار قائلاً: "السوريون والأتراك ليسوا مختلفين بدءاً من ديننا الذي يجمعنا وصولاً لمأكولاتنا، الموسيقا، الأفراح والعادات نحن شعبين نتشارك نفس المصير".

الصحفي التركي وخبير التعليق الصوتي محمد أوندر
الصحفي التركي وخبير التعليق الصوتي محمد أوندر

العنصريون مجرد أحجار شطرنج يظهرون فجأة ثم يختفون

كما رأت بشرى أكن وهي صحفية تعمل في قناة "خبر تورك"، أن مثل هذا النوع من الفيديوهات لن يغير الصورة النمطية المنتشرة عن السوريين في تركيا ولن يعزز العلاقات بين الشعبين.

وقالت أكن: "لم أكن أنتظر من أحمد مثل هذا الفيديو، لقد ظهر وكأنه يتحدى الشعب التركي، لن يتقبل الشارع التركي طريقة الخطاب هذه التي ترفض تطبيع العلاقات لأن الناس لا يعرفون التفاصيل، لعب أحمد لهذا الدور خاطئ،  لأنه ليس سياسيا أو قائدا معروفا، عُرف بصورته الجميلة من خلال حملة أنا إنسان التي جسدها، لقد كانت نموذجاً إيجابياً ساعد في خلق تعاطف مع السوريين، وخلال هذه الحملة ظهرت أصوات منخفضة شككت وحاولت مهاجمة أحمد لكن لم يدعمها أحد، الفيديو الأخير بمثل هذه الأوضاع السياسية جعل الناس يشكون، لقد مسح أحمد كل الأثر الإيجابي الذي خلقه".

الصحفية في قناة "خبر تورك" بشرى أكن
الصحفية في قناة "خبر تورك" بشرى أكن

وحول التهديدات بترحيل السوريين قالت أكن: "هذا مجرد كلام سياسي، هدفه الحصول على الأصوات، يجب على السوريين الانتباه جيداً وعدم السماح للعنصريين باستفزازكم إنهم مجرد أحجار شطرنج، يظهرون فجأة ثم يختفون، كما ترون لقد خف تأثيرهم بعد خطوة الحكومة الأخيرة التي عبرت من خلالها عن نيتها إعادة السوريين بطريقة آمنة وفتح باب المصالحة مع بشار الأسد".

وحول الرسالة التي يجب على السوريين إيصالها قالت بشرى اهدأوا وابتعدوا عن وسائل التواصل الاجتماعي ولو كان ممكناً ابتعدوا عن الأخبار، طوروا أنفسكم، ركزوا على دراستكم لأنكم بالنهاية أنتم باقون هنا.

ماضٍ مؤلم يجمع السوريين والأتراك

وللمزيد حول هذه القضية تواصل موقع "تلفزيون سوريا" مع البروفيسور في علم الاجتماع فرحات كينتال، الذي وجد أنه من غير المجدي ربط مصدر ردود الفعل على فيديو أحمد بالاختلافات الثقافية أو الفكرية بين السوريين والأتراك.

وقال كينتال: "إذا أردنا أن نبحث عن اختلاف بين السوريين والأتراك، لا يمكننا أن نجد أي اختلاف سوى حقيقة أن اللغة الأم للسوريين هي اللغة العربية ولغة الأتراك هي اللغة التركية، كما تعرفون معظم السوريين المقيمين في تركيا يتحدثون الآن التركية، وهناك بالفعل العديد من المواطنين من أصل عربي في تركيا، يجب علينا البحث عن أصل المشكلة  في الأشخاص الذين يشعرون بعدم الأمان وبالتالي يخافون ويبحثون عن كبش فداء لتعليق مشكلاتهم في بلد مليء بالمخاطر وعدم المساواة الاجتماعية، كما هو الحال في أي مجتمع أو شريحة اجتماعية أخرى".

البروفيسور في علم الاجتماع فرحات كينتال
البروفيسور في علم الاجتماع فرحات كينتال

وتابع: "دعونا لا ننسى أن هذا الشعور بعدم الأمان ومشاعر مثل الغضب والاستياء ضد الآخرين تظهر في العديد من دول العالم. من البرازيل إلى الهند، ومن الولايات المتحدة إلى ألمانيا، من السهل جداً على الأشخاص الذين يشعرون بعدم الأمان أن يحملوا مشاعر عنصرية أو شعبوية، قد يستهدفون هويات وألوانا ولغات وأديانا مختلفة لكن الأكيد هو أن العنصرية هي ظاهرة اجتماعية عالمية".

وحول رفض المجتمع لرسالة أحمد قال كينتال: "تأتي ردود الأفعال هذه بسبب انعدام الثقة العامة والبحث عن كبش فداء، في مثل هذه الأجواء المتوترة تتشكل هويات خاصة بين مختلف شرائح كلا الشعبين".

وبحسب كينتال، فإن "النقطة المشتركة بين السوريين والأتراك هي الصدمات التي عاشها، إذ إن الشعبين لم يعيشا الحرية والسلام بالمعنى الحقيقي من حيث أشكال الحكم أو السياسة، حيث تسببت الانقلابات والممارسات الاستبدادية والشمولية والاستقطاب بفوضى استمرت لآلاف السنين في منطقة الأناضول، وهذا ما أدى لتآكل قدرة الناس على العيش معاً".

ووفقاً لكينتال، فإن "الماضي المؤلم المتأصل في ذكريات أفراد كلا المجتمعين يؤدي إلى انعدام ثقة عميق، كلا الطرفين ينتظران تفهمهما لكنهم يعملون على إثبات مدى صحة كلامهم ومدى ألمهم ضمن الإطار الضيق للدولة القومية عوضاً عن محاولة علاج الجروح بشكل مشترك، لهذا لا يمكن للناس أن يسمعوا بعضهم البعض ضمن الهويات المتكونة بهذه الطريقة".