icon
التغطية الحية

كيف يمكن تحويل فينسيوس جونيور إلى كريستيانو من دون تطويره؟

2022.03.05 | 06:52 دمشق

tnzyl.jpg
النجم البرازيلي فينيسيوس جونيور، أحد أبرز لاعبي ريال مدريد (الإنترنيت)
+A
حجم الخط
-A

كان ستونز من أفضل مدافعي الدوري الإنجليزي حين كان في إيفرتون، اشتراه مانشستر سيتي بصفقة قياسية بعد سباق مع اليونايتد وتشيلسي، لكن موسمه الأول مع الفريق كان متوسطاً، وجاء الثاني مخيباً وظهر بمستوى منخفض جعل الجميع يعتقد أنه مدافع ضعيف لم يستحق ما دفع لأجله، بل كاد يرحل عن مانشستر سيتي لأنه لم يعد له مكان هناك.

لكن في موسم 2020-2021، أصيب لابورت المدافع الأساسي، فلعب ستونز بجوار روبن دياز، ليظهر بمستوى رائع مغاير تماما لما ظهر عليه في المواسم السابقة، وقاد الفريق نحو الدوري الإنجليزي ونهائي دوري أبطال أوروبا، وعاد ليكون من أفضل مدافعي إنجلترا مرة أخرى.

جون ستونز ليس الوحيد، هناك العديد من اللاعبين الذين اختلف مستواهم فجأة، إما بالتألق أو الفشل، لاعبين مثل كيبا أريزابلاجا حارس تشيلسي أو ماجواير في مانشستر يونايتد أو تحول فينيسيوس المفاجئ في بداية الموسم الجاري، والكثير من الأمثلة في دورياتنا العربية.

يفترض المتابعون أن سبب التغيير المفاجئ مثل الذي حدث مع فينيسيوس هو تطور، يتحسن اللاعبون بالطبع ويتعلمون الكثير طوال مسيرتهم، لكن طبقاً لجيسوس بيريز مساعد بوكتينيو الأول في توتنهام، فإن التطور لا يشكل مساحة كبيرة كما يتخيل بعضهم، ولا يتعدى الأمر بالنسبة للكثير من المدربين مجرد تشجيع لاعبيهم على التجربة والخطأ وإتاحة الأجواء لهم للتعلم.

ولذلك فإن ستونز الذي كان مدافعاً ممتازاً مع إيفرتون لم ينس كرة القدم فجأة ولم يتذكرها فجأة، لكن طبقاً لبيب جوارديولا فإن الثقة كانت هي كل شيء وهي سبب التألق والفشل على حد سواء.

عامل الثقة بالنفس

تعرف الثقة بالنفس على أنها الإيمان بمهاراتك وقدراتك، ونظرتك الإيجابية لذاتك، بحيث تعرف نقاط قوتك وضعفك جيداً، بما يمكنك من التعامل مع الإشادات وتقبل النقد.

ورغم بساطة التعريف فإن الأمر معقد، ومستوى معين من الثقة هو المطلوب لو زاد الأمر عليه يتحول إلى غرور، وإن قل عنه لن تتمكن من أداء الأشياء نفسها التي اعتدت أداءها.

وصف "ستيفن وارنوك" مدافع أستون فيلا وليفربول السابق، الثقة في كرة القدم، بأنها اتخاذ القرارات وتنفيذها بشكل طبيعي، وهو أن يعتقد المرء أن ما يفعله هو الصواب، من دون الإفراط في التفكير عن كيفية تمرير الكرة التالية أو ما حدث في المباراة السابقة.

بدوره، وارنوك تعرض للكثير من المشكلات فيما يخص الثقة، ولم ينجح في تخطيها إلا عندما عمل مع جميل قريشي، أحد أبرز الأطباء النفسيين الذين عملوا في الدوري الإنجليزي.

ويعرف قريشي الثقة بأنها قدرة اللاعب داخل الملعب على التفكير في استجلاب الهتافات لتفادي الاستهجان.

كيف يفقد اللاعب الثقة؟

في كرة القدم، يبدأ الأمر بمجرد خطأ صغير، يتعرض اللاعب للهجوم من الجماهير، لكن تسجيل هدف أو إنقاذ آخر محقق بعد ثوان يساعده على تخطي الأمر.

لكن حين يتأخر ذلك، يبدأ اللاعب في التفكير حول هذا الخطأ بشكل مستمر، خصوصاً إذا كان خطأ مؤثراً، ولا يمكنه تخطي هذه الأفكار بسهولة.

يروي سمير بيجوفيتش حارس تشيلسي السابق أنه حين مر بهذه التجربة، كان يدخل المباراة بينما يفكر: ما الذي سيحدث؟ هل سأخذل فريقي؟ هل سأخيب أمل عائلتي؟ هل سأفقد مكاني في الفريق؟ يقول بيجوفيتش إن هذا الأمر أصابه بشلل التفكير في بعض الأحيان.

ماذا يقول علم النفس الرياضي؟

يتفق عالم النفس الرياضي دان أبراهامز معه، حيث يرى أن إفراط اللاعب في التفكير يؤثر على أداء عضلاته وسرعة معالجة المعلومات في عقله.

واستغراق اللاعب في التفكير في الخطأ يجعله يركز على عدم تكراره، ويفكر في كل حركة ولعبة بشكل زائد، وهو ما يجعله يتوتر بالطبع، فيخطئ مرة أخرى، فينتقده الجمهور، ويكرر الأمر بعد ذلك، حتى يفقد مستواه تماماً.

يقع اللاعب بذلك فيما يعرف بـ (self fulfilling prophecies) أو التنبؤات المحققة لذاتها، أنت تتوقع أنك ستسقط الكوب الذي في يدك، فتركز عليه، وتنشغل به عن كل شيء، فتصطدم بشيء في الأرض ويقع الكوب بالفعل، مجرد توقع غير مبنى على أي شيء قد يتسبب في الفشل.

بالمثل اللاعب يتوقع أنه سيخطئ فيتوتر وينفعل فيخطئ بالفعل، ويقع فيما يحذر منه "قريشي" أن تلعب لتفادي الأخطاء فقط فتقع فيها لا محالة.

ثقة أعلى

لكن على الجانب الآخر فإن اكتساب الثقة قد يرفع من مستوى اللاعب فوق إمكانياته، والتألق المستمر يساعد اللاعب للمزيد من التألق.

الثقة تجعل اللاعب يُقدم على تصرفات أخطر وأفضل لأنه يثق في قدرته على تنفيذها، وكلما زادت المخاطرة زاد العائد بالطبع، والأهداف الصعبة تكون فرصة ضياعها أكثر من تسجيلها، لكن ثقة اللاعب في نفسه تساعده على الإقدام على تلك التصرفات.

يخضع الأمر كذلك لتأثير الهالة (halo effect)، في مباراة الإنتر مع ليفربول الأخيرة أحجم لوتارو مارتينيز عن محاولة مراوغة فان دايك، رغم أن فرصته كان أكبر نظرياً في تجاوزه، وذلك لصورة فان دايك الذهنية في مخيلة الجميع الناتجة عن تألقه المستمر.

بالمثل مع المهاجمين، المدافع يعرف أن أريين روبين صاحب مهارة عالية، فيواجهه وهو متوتر فيراوغه روبين بالطريقة ذاتها، أو يحجم عن التدخل عليه من الأصل، فيمنحه وقتا ومساحة ليصنع أو يسجل.

ولذلك فإن الثقة والتألق المستمر يمنح اللاعب أفضلية فائقة، وكان ذلك من أسباب تألق فينيسيوس جونيور بالطبع.

كيف يكتسب اللاعبون الثقة؟

مع التطور في كرة القدم، وتداخل علم النفس بشكل قوي في اللعبة، فإن الأندية تلجأ إلى عدة طرق لمساعدة اللاعبين في اكتساب الثقة وتخطي فترات انخفاضها، وأندية كليفربول تمتلك أكثر من مختص داخل الفريق لهذا الشأن.

يرى إيفان جوزيف، مدرب كرة القدم وطبيب علم النفس، أن الثقة بالنفس مهارة يمكن تعلمها، يحترم جوزيف القدرات الفنية كالتسديد والتمرير والمراوغة، لكنه يعتقد أن الثقة هي الأساس الذي بُني جميع اللاعبين العظماء عليه.

يقول عالم الأعصاب الدكتور ستايسي غروسمان إن التخيل هو أحد التقنيات الرائعة للتعامل مع الأمر، مساعدة اللاعب في تخيل نفسه بينما يقوم بأداء رائع، يسدد ويراوغ ويسجل الأهداف، كل ذلك في خياله قبل المباريات.

هذا من شأنه أن يعزز أفكاره الإيجابية عن نفسه، ويمنعه من الاستغراق في الأفكار السلبية، ولذا تنكسر دائرة الإخفاق التي صنعها بنفسه.

واين روني أسطورة مانشستر يونايتد أكد أن هذا الأمر ساعده كثيراً طوال مسيرته، واعتاد دائماً على ممارسته في ليلة المباراة.

يلجأ كذلك بعضهم إلى مشاهدة لقطات لإجادته في مواقف سابقة، وهو ما يجعله يسترجع ثقته في إمكانياته ويدرك أنه كان قادراً على تقديم أداء رائع، فلم لا يكرره الآن.

يلجأ بعض اللاعبين لتأكيد قدراتهم لأنفسهم في كل لحظة ليرفعوا ثقتهم، الملاكم محمد علي كان يصرخ دائماً "أنا الأعظم على الإطلاق"، وبينما يرغب في تخويف خصومه، فهو يدعم نفسه ويرفع ثقته.

كما تصمم الكثير من التدريبات بشكل مخصص لذلك، حيث تساعد المهاجم على سبيل المثال على التسجيل من وضعية صعبة، ومع تكرار الأمر وإيمان اللاعب بقدرته على تنفيذها، يستطيع تنفيذها في المباريات من دون مساعدة.

فينيسيوس كان مثالاً واضحاً على أهمية الثقة لأداء الرياضي، وهو نفسه صرح قبل موسمين أنه فقد الثقة بعد إضاعته للكثير من الأهداف، وأصبح أكثر خوفاً من التجربة والخطأ، وهو ما أثر على مستواه جميعاً وأبعده عن التشكيل الأساسي.

وهو نفسه صرح أن تألقه الحالي يعود إلى الثقة التي منحها له أنشيلوتي، والذي تتنامى مع كل هدف يسجله، وبهذا المعدل فإن معادلة مسيرة رونالدو مع الريال ليست مهمة مستحيلة على الفتى البرازيلي.