كيف يستغل بشار الأسد مجلس الشعب في تعزيز سلطته وتمرير مشاريعه؟

2024.05.21 | 06:39 دمشق

آخر تحديث: 21.05.2024 | 06:39 دمشق

5888888888888888888
+A
حجم الخط
-A

منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011 يصر نظام بشار الأسد على القيام بانتخابات لأعضاء مجلس الشعب، كما يصر على استمرارية انعقاد هذه الانتخابات في ظل ظروف الحرب وعدم الاستقرار التي تعم البلاد وذلك رغبة من نظام الأسد في إظهار صورة لاستمرار عمل مؤسسات الدولة بشكل تام أمام المجتمع الدولي، وحرصا منه على استمرارية العملية السياسية لنظام الدولة بما يتلاءم مع تحقيق مصالحه.

كما أضفى النظام على التشكيلات البرلمانية تطورات وتغيرات مختلفة عن التشكيلات المتعارف عليها قبل الثورة، إدراكا منه بضرورة إحداث تشكيلات برلمانية جديدة تتوافق مع إدارة المرحلة الحالية على المستويين المحلي والدولي.

فقد أدخل النظام على المجلس قادة الميليشيات العسكرية وأمراء الحرب الجدد الذين حاربوا إلى جانبه، ومنحهم نسبة من التمثيل البرلماني كمكافأة على شنهم للعمليات العسكرية ضد الشعب السوري الذي يسعى للمطالبة بحقه بالحرية والتغيير.

وإلى جانب قادة الميليشيات أدخل النظام السوري شخصيات من الأقليات المذهبية أو الدينية، وذلك بدلاً من شخصيات كانت محسوبة على المجتمع من رجال أعمال وأعضاء من حزب البعث وشخصيات دينية سنية. القيام بتغييرات في تشكيلات مجلس الشعب ينطلق من إدراك نظام الأسد الجيد لأهمية إدارة السلطة التشريعية في الدولة، ولهذا السبب يعطيها حيزا مهما في سياساته.

ولابد من التنويه إلى أن مجلس الشعب ليس مجرد مؤسسة عادية بل هو مؤسسة ذات سيادة وتأثير على سياسة الدولة في الوقت الحالي وفي المستقبل، وطريقة تشكيله وانتخاب أعضائه من قبل النظام لا يجب أن تقلل من أهميته كجزء مهم من الدولة، وانطلاقا من ذلك نناقش في سطور هذه المقالة كيف يستغل بشار الأسد مجلس الشعب في تمكين سلطته على الدولة ومؤسساتها وتمرير مشاريعه السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية، بما يضمن قانونيتها أمام النظام الدولي بحكم أن النظام السوري ما زال يحظى بالاعتراف الدولي.

من الناحية الوظيفية فلم يعد لأعضاء مجلس الشعب في زمن سلطة عائلة الأسد صلة بالمهام الأساسية المنوطة لهم كما أقرها الدستور.

مجلس الشعب بين المهام الدستورية والدور الوظيفي

حدد الدستور السوري مهام أعضاء مجلس الشعب الذي يمثل السلطة التشريعية للبلاد بالقيام بالأعمال التالية ونذكر أهمها كما جاء على المنصة الإلكترونية للمجلس: أولاً، إقرار القوانين، بمعنى أن غالبية القوانين التي ينفذها النظام ويعمل بها (السلطة التنفيذية) تم تمريرها من المجلس. ثانياً، مراقبة وحجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء. ثالثاً، إقرار الموازنة العامة للدولة وخطط التّنمية. رابعاً، إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية، مثل معاهدات الصّلح والتحالف، والمعاهدات التي تتعلّق بحقوق السّيادة، أو الاتفاقيّات التي تمنح امتيازات للشّركات أو المؤسّسات الأجنبيّة، وأيضاً المعاهدات والاتّفاقيّات التي تُحمّل خزانة الدّولة نفقات غير واردة في موازنتها، أو التي تتعلّق بعقد القروض، أو التي تخالف أحكام القوانين النّافذة ويتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد.

في القسم الثاني من المقالة نناقش كيف يستغل نظام بشار الأسد هذه المهام لتمكين سلطته وشرعنة القرارات والاتفاقيات الدولية التي يبرمها.

ومن الناحية الوظيفية فلم يعد لأعضاء مجلس الشعب في زمن سلطة عائلة الأسد صلة بالمهام الأساسية المنوطة لهم كما أقرها الدستور، وإنما أصبحوا واجهات لأحكام مسبقة الصنع يفصّلها النظام على مقاس مصالحه، وأصبح عمل الأعضاء يقتصر على تحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة ومن حولهم.

أصبح نظام الأسد يصدر نفسه على أنه السلطة التنفيذية التي تنفذ القرارات والتشريعات الصادرة عن مجلس الشعب.

مجلس الشعب يمكن النظام من الدولة ويشرعن سياساته

استغل نظام بشار الأسد مجلس الشعب لتوفير الغطاء القانوني داخلياً وخارجياً، فقد حقق النظام بفضل المجلس عدداً كبيراً من المكاسب التي مكّنته من فرض سلطته على الدولة. فعلى الصعيد الداخلي، أولاً، عزز نظام بشار الأسد من سلطته على المجتمع والدولة من خلال منح مناصريه ومؤيديه مقاعد في مجلس الشعب، الأمر الذي أدى إلى حدوث نزاع بين مناصريه من خلال السباق على إظهار الطاعة المطلقة له، مقابل الحصول على مقعد في المجلس يحصل من خلاله على فوائد مالية وحصانة، كما أعطى أيضاً النظام مقاعد في المجلس لشخصيات من الأقليات ليكسب تأييدهم ومناصرتهم. ثانياً، شرعنة وإضفاء الطابع القانوني على القرارات والإجراءات والقوانين السياسية والاقتصادية التي يصدرها النظام لخدمة مصالحه بعد مصادقتها من مجلس الشعب، وإبرازها أمام المجتمع والنظام الدولي على أنها إجراءات قانونية صادرة عن برلمان ممثل من الشعب. وبذلك أصبح نظام الأسد يصدر نفسه على أنه السلطة التنفيذية التي تنفذ القرارات والتشريعات الصادرة عن مجلس الشعب. ثالثاً، انطلاقاً من النقطة السابقة يستطيع النظام التملص من أي مسؤولية قانونية حول أي قرارات أضرت بالصالح العام، تم تمريرها من قبل مجلس الشعب، وبذلك يرفع عنه المسؤولية ويرميها على المجلس.

أما على الصعيد الخارجي، فيستطيع النظام توجيه رسائل خارجية للدول، من خلال تمرير أو عرقلة إجراءات عبر المجلس قد تضر بدول معينة. كما يستطيع النظام عبر مجلس الشعب وكما بينا في القسم الأول من المقالة أن يمرر المعاهدات الدولية السياسية والاقتصادية التي يرى فيها تعزيزاً لمصلحته وقبضته على الدولة، مثل تلك التي وقعها مع روسيا وإيران، وإعطاء كل الاتفاقيات الموقعة معهم صبغة قانونية، بما يجعل من الصعب في المستقبل إسقاط تلك المعاهدات والاتفاقيات لأنها صدرت من مؤسسات شرعية رسمية معترف بها من قبل المجتمع والنظام الدولي، ويستطيع أيضاً في الوقت ذاته منع إنفاذ معاهدات وقعها مع دول أخرى من خلال عدم تمريرها من مجلس الشعب، كأداة ضغط لتحصيل مكاسب إضافية.

بالنتيجة استطاع النظام توظيف مؤسسات الدولة لتعزيز سلطته لاسيما المؤسسة التشريعية "مجلس الشعب" فمن خلاله استطاع شرعنة كل الإجراءات والقرارات التي تصب في مصلحته، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.