كيف مهّدت إيران لقمع التظاهرات في العراق؟

2019.11.11 | 14:08 دمشق

gettyimages-1173432612_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع انطلاق الاحتجاجات في العراق بداية الشهر الماضي، كان هناك حديث عن دور إيراني في قمع التظاهرات. لم يكن هذا الدور واضحاً حينها، لكنّ ردّة الفعل العنيفة تجاه المتظاهرين واستخدام وسائل قتل مباشرة أدّى إلى دفع العديد من العراقيين إلى الاعتقاد بأنّ هناك دوراً إيرانيّاً ما في هذه العملية. في مرحلة لاحقة، بدأت تظهر دلائل متزايدة تشير كلّها إلى أنّ إيران تلعب بالفعل دوراً في قمع الاحتجاجات المتزايدة في العراق، لكن ما طبيعة هذا الدور؟ وكيف فعلت ذلك؟ وهل هو بالأصالة أو بالوكالة؟ سياسي أو أمني؟ مثل هذه التساؤلات أصبحت الأساس في تتبّع الاتهامات المتزايدة تجاه إيران. 

خلال الأربعين يوماً الماضية تمّ قتل أكثر من ٣٢٠ متظاهراً عراقياً وجرح أكثر من ١٥ ألفاً. بدأ الأمر بمشاهد من قبيل ارتداء أقنعة لدى من يفترض بهم أن يكونوا موظفي أمن رسميين، كما ازدادت أعمال القنص ضد المتظاهرين إضافة إلى القتل العمد. ترافقت هذه المظاهر مع ازدياد الانتقادات الصادرة عن المؤسسة الرسمية الإيرانية السياسية والدينية والعسكرية والإعلامية على حد سواء، وهو ما زاد القناعة بحتمية وجود دور إيراني لا سيما أنّ المؤسسة الرسمية الإيرانية استخدمت سلاح التكفير السياسي ضد المتظاهرين بوصفهم عملاء للصهاينة والأمريكيين، وهو اتّهام متعمّد غالبا ما يسبق عملية تحليل دم المتظاهرين. شهدنا ذلك في إيران نفسها إبّان الثورة الخضراء، وفي البلدان التي تخضع للنفوذ الإيراني لاحقاً لا سيما في لبنان.

يشكك البعض بوجود دور للحرس الثوري الإيراني أو الميليشيات الموالية لإيران في العراق ويقولون إنّ السلطات العراقية لا تعاني من نقص في عديد قواتها الأمنيّة وليست بحاجة إلى الاستعانة بقوات من الحرس الثوري الإيراني أو الميليشيات الموالية لإيران في العراق، لكن هؤلاء لا يدركون أنّ الأمر لا يتعلق بالعديد بل بالولاء. في هذا السياق، هناك نماذج حصلت بالفعل سابقاً، فعندما استعان نظام الأسد بميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني لقمع المنتفضين ضد نظام حكمه في بداية الثورة السورية، لم يكن يعاني من نقص في عديد قواته.

النظام الإيراني لا يعاني نقصاً في عديد الحرس الثوري أو الميليشيات الشعبية الموالية له، لكنّ استقدام ميليشيات شيعية من الخارج يبرهن عن ولائها التام للحرس الثوري من جهة، ويردع من يريد الاعتراض من الإيرانيين بشكل أكبر

في مارس وأبريل الماضيين، غرقت بعض مناطق إيران بفيضانات مائية دمرت نحو ٢٧٠ قرية في ١١ بلدة، ووصل عدد المشردين في المحافظة إلى أكثر من نصف مليون مواطن فضلاً عن القتلى. ماذا فعلت السلطات الإيرانية؟ استدعى قاسم سليماني بشكل علني آلاف العناصر من الميليشيات الشيعية في البلدان المجاورة، كالحشد الشعبي العراقي، وحزب الله - لبنان، وفاطميون وغيرهم بحجّة المساعدة. تمّ إدخالهم إلى القرى المنكوبة مدججين بالسلاح والزي العسكري والرايات. أثار هذا الأمر نقمة الناس التي أدركت أنّ هؤلاء موجودون لقمعهم حال اعتراضهم على أداء النظام السيئ وليس لمساعدتهم، عندما اعترضوا بالفعل قال مسؤولون إيرانيون "إنهم جاؤوا للمساعدة فقط". النظام الإيراني لا يعاني نقصاً في عديد الحرس الثوري أو الميليشيات الشعبية الموالية له، لكنّ استقدام ميليشيات شيعية من الخارج يبرهن عن ولائها التام للحرس الثوري من جهة، ويردع من يريد الاعتراض من الإيرانيين بشكل أكبر.

منذ الأسبوع الاول من المظاهرات في العراق، أكّد رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض جاهزية قوات الحشد لإفشال أي "مؤامرة" تحاك ضد أمن البلاد من قبل من وصفهم بالمتآمرين والمتربصين بمحاولة زرع الفتنة في العراق، ومثله اتهم زعماء موالون لإيران في العراق كل الدول الممكن اتهامها بأنّها تقف خلف هذه التظاهرات باستثناء النظام الإيراني. الميليشيات الموالية لإيران في العراق اتّخذت نفس مواقف السلطات الإيرانية من الانتفاضة العراقية لناحية اتهام المتظاهرين بالانخراط في مؤامرة أميركية وإسرائيلية وعربية، ومن الواضح أنّ ذلك كان بمثابة توطئة لتبرير عمليات القتل والقمع بحق المتظاهرين.

تقرير رويترز الذي نشر مؤخراً يشير إلى زيارة سريّة قام بها سليماني إلى بغداد لمنع الإطاحة بالحكومة العراقية والحرص على موقف موحّد لميليشيات الحشد الشيعي بالنظر إلى الخبرة التي يتمتع بها النظام الإيراني في قمع التظاهرات الشعبية، وهو ما يؤكّد الدور الإيراني في العراق. لكن حتى لو اخترنا أن نتجاهل كل هذه الحقائق، فإنّ موقف السلطات الإيرانية (لاسيما خامنئي والدائرة المحيطة به) المعادي للانتفاضة في العراق يعزز من التصور القائم عن انخراط إيران والميليشيات الموالية لها بعملية القمع التي تجري ضد المتظاهرين.