كورونا لن يغير العالم الذي لم يتغير يوماً!

2020.04.08 | 00:00 دمشق

kwrwnaaa.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتعدد اتجاهات قراءة ما بعد وباء فيروس كورونا المستجد الذي ما زال يفتك بالإنسان ويفسد عليه الحياة بكل تفاصيلها، الفردية والعامة، ما يجعل من التكهن بما سيسفر عنه في النهاية أمر لا يقل إثارة عن التكهن بأسبابه الذي ولّد عشرات من نظريات المؤمراة حتى الآن.

الحديث عن تغييرات دولية كبرى وولادة نظام عالمي جديد وسقوط دول وصعود قوى جديدة وحدوث تحولات اقتصادية ضخمة.. إلى ما هنالك من تصورات وتوقعات يتحدث عنها البعض بحماس، بينما يقرر آخرون، سلفاً وبناء على قياسات تاريخية ومعطيات اقتصادية وسياسية معينة، أنه ستنتج حتماً عن زلزال كورونا متغيرات كبرى.

إلا أنه وبغض النظر عن تفاصيل التغيير الذي سيحدث وأي دولة أو أي دول ستخرج أقوى، وأي دولة وأي دول ستتضعضع وتفقد من نفوذها وقوتها، هذا إن حصل مثل ذلك بالفعل.. فإن ما لم يأخذ نصيبه من البحث والاهتمام هو أي أثر ستتركه هذا التغييرات المتوقعة على الإنسان نفسه؟

فالبشر ومنذ استعمارهم هذا الكوكب وهم يعيشون نظاماً واحداً ساد منذ التاريخ السحيق، وهو هيمنة القوي على الضعيف، بغض النظر عن هوية هذا القوي الذي يمكن أن يتحول إلى ضعيف في الغد والعكس صحيح، وبغض النظر عن الأدوات المستخدمة في هذه الهيمنة ووسائل فرضها وفلسفتها وأدبياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

لم يشهد التاريخ أي انكسار حقيقي لهذه القاعدة، قادة القوة، ولا يمكن بأي حال اعتبار بعض اللحظات التي شذت عن هذه القاعدة كسراً لها.

الأمر ذاته ينطبق على الاقتصاد، الذي ما إن غادر مع الإنسان مرحلة المشاع الأولى، حتى هيمن اقتصاد رأس المال والسوق الحر على البشرية، وخضعت لمنطقه مختلف العصور وجميع الأمم تقريباً، هذا على الرغم من كل ما عرفته الانسانية من حوادث ومتغيرات فارقة على صعيد القوى ولمختلف الأسباب.

وقعت حروب كبرى على مدار التاريخ وسجلت كوارث ضخمة سببتها أوبئة ضربت مساحات واسعة ممتدة على مختلف قارات العالم

وقعت حروب كبرى على مدار التاريخ، وسجلت كوارث ضخمة سببتها أوبئة ضربت مساحات واسعة ممتدة على مختلف قارات العالم، كالطواعين وغيرها من الجوائح التي نتج عنها وفاة ملايين البشر في لحظة زمنية محددة، آخرها عام ١٩٢٠ عندما أدى الطاعون الإسباني بحياة بين خمسين ومئة مليون شخص، لكن كل ذلك لم يغير في العالم شيئاً.

قبل هذا الطاعون كانت إسبانيا ذاتها قد تنحت عن زعامة العالم في القرن الخامس عشر، عندما تعرضت للطاعون الذي قتل ثلث سكان أوروبا، لكنه تغيير عنى إسبانيا وحدها ولم يغير شيئاً على صعيد الإنسانية التي كل ما حصل بالنسبة لها هو تبديل طرابيش.. بمعنى استبدال قوي بقوي.. لا أكثر، أما القيم الأخلاقية والمبادئ الحاكمة للسياسة والاقتصاد والإدارة والسيطرة والتحكم وغير ذلك فقد ظلت هي هي، بل مالت للتوحش أكثر، وأطلقت العنان لتنافس القوى الأوروبية الكبرى بشكل أسوأ.

بعد ذلك حدثت الحرب العالمية الثانية التي انتهت كما هو معروف عام ١٩٤٥، وقد أدت إلى مقتل أكثر من خمسين مليون شخص غالبيتهم العظمى من الأوروبيين، وأسفرت بالفعل عن نشوء نظام عالمي جديد وتراجع قوى عظمى (بريطانيا وفرنسا) لصالح بروز قوى عظمى جديدة (أمريكا والاتحاد السوفييتي) وتأسيس الأمم المتحدة بشكلها الحالي، ولاحقاً السوق الأوروبية المشتركة التي أنتجت فيما بعد الاتحاد الأوروبي.. إلا أن كل ذلك، حتى مع تكريس الصين الشيوعية نفسها كقوة عالمية بارزة ولاحقاً سقوط الاتحاد السوفييتي، لم يستطع العالم إحداث نقلة حقيقية عميقة في مفاهيم القوة والسيطرة، ولم ينتج عن كل ما سبق قيم عملية تترجم للتنظيرات الإنسانية التي أنتجتها حضارة الثورة المعرفية والتطور التكنولوجي والعولمة.

لا يمكن للإنسان على هذا الكوكب أن يأمل الكثير على صعيد القيم والمبادئ

بقي العالم من حيث الجوهر هو هو، وظل الإنسان محكوماً بالقيم التي توارثها عن أسلافه الأوائل.. القوة والقوة والقوة، وبالتالي لا يمكن للإنسان على هذا الكوكب أن يأمل الكثير على صعيد القيم والمبادئ، ومن السذاجة حسب رأيي أن يعتقد البعض أن ينجم عن وباء كورونا أشكال جديدة من العلاقات الانسانية والسياسية والاقتصادية.

وبالقدر نفسه أيضاً، فإنه من قبيل التمنيات والكثير من المغالطات والبناء على معطيات ضعيفة أو غير موضوعية التنبؤ بسقوط قوى وبروز بديل عنها، كتوقع انهيار الاتحاد الأوروبي وحلول الصين أو روسيا محله، بل إن البعض بدأ يتحدث عن إمكانية تفكك الولايات المتحدة نفسها، وهو مبالغة تنتج غالباً عن موقف سياسي أو أيديولوجي أكثر منه عن قراءة علمية للواقع والمعطيات.

تتفق المؤشرات الصادرة عن مراكز الحكم والدراسات في الدول المهيمنة على أن ما قبل كورونا لن يكون كما بعده بالفعل، وأن خسائر اقتصادية ضخمة ستلحق بالدول والمؤسسات والشركات الكبرى، أي أنه باختصار، سيدفع العالم ثمناً باهظاً لهذا الوباء، لكن هذا الثمن لن يغير حتماً من قيم العالم ومبادئه الحاكمة، وبالتالي فإن على الضعفاء أمثالنا عدم الانشغال بمن سيحكم هذا العالم ومن سيسقط عن الحكم، وسيكون من الأفضل بالنسبة لنا العمل على السيطرة على خسائرنا المحتملة والتفكير جدياً بأن نتغير نحن لا أن ننتظر تغير العالم.

كلمات مفتاحية