icon
التغطية الحية

"كلنا مهاجرون".. الهجرة التركية تحتفل بيوم المهاجرين الدولي بحضور وزير الداخلية

2021.12.20 | 10:33 دمشق

267725974_2041089332723636_7001471986781967676_n.jpg
مؤتمر يوم المهاجرين الدولي في مدينة إسطنبول (محمد كريمش)
إسطنبول - صالح عكيدي
+A
حجم الخط
-A

شهدت أكثر من عشر مدن تركية على مدار الأيام الماضية، فعاليات ثقافية ومجتمعية نظمتها رئاسة الهجرة التركي لتسليط الضوء على التنوع الثقافي الذي بات جزءاً من البلاد، احتفالاً باليوم الدولي للمهاجرين الموافق لـ 18 كانون الأول/ ديسمبر.

وتحت عنوان "تركيا نقطة التقاء الثقافات" وشعار "تعالوا لنتعارف"، وبالشراكة مع منظمة الهجرة الدولية؛ نُظمت المعارض الفنية وعروض الرقصات الشعبية وبرامج التعريف بمطابخ الثقافات المتنوعة في مختلف المدن التركية التي تستضيف نسبة عالية من المهاجرين.

لتُختتم الفعاليات بمؤتمر في إسطنبول مساء السبت الفائت، حضره مئات الأجانب من مختلف الدول من جهة، ووزير الداخلية التركي "سليمان صويلو" ورئيس الهجرة التركية "ساواش أونلو" ورئيس البعثة التركية لمنظمة الهجرة الدولية "جيرارد كارل" ووالي مدينة إسطنبول "علي يرلي كايا"، بالإضافة لوفد بروتوكولي من الحكومة التركية من جهة أخرى.

حمل المؤتمر الذي حضره تلفزيون سوريا رسائل عديدة، عُبر عنها بكلمات المتحدثين من المسؤولين الأتراك، أو بخيارات رئاسة الهجرة التركية التنظيمية؛ مشبعة الترميز.

تركيا بلد الهجرات.. "كلنا مهاجرون"

منذ اللحظات الأولى لبدء المؤتمر، باتت الرسالة الأولى واضحة للمراقب. فمقدم الحدث الذي صعد المنصة "علي تناز"، ورغم لغته التركية الأم، فإنه أسمر البشرة ذو ملامح أفريقية. وهو إعلامي في مجال الترفيه وينحدر من عائلة "أفرو-تركية" كانت فيما مضى جزءاً من أقلية تُعرَّف أيضاً بالأتراك ذوي الأصول الأفريقية، ويعود أصلهم لأيام هجرات الرقيق قبل مئات السنين.

 

 

"تركيا بلد الهجرات"، قالها رئيس الهجرة التركية "أونلو" في خطابة الافتتاحي للمؤتمر. فطالما كانت الأناضول هدفاً لمئات حركات الهجرة القديمة قدم التاريخ، ومسرحاً لعشرات الحضارات والثقافات المختلفة، وحتى الأتراك أنفسهم كانوا قبائل مهاجرة استوطنت هذه البلاد قبل ألف عام، حسبما أضاف.

 

 

أما إسطنبول أكبر وأهم المدن التركية، فكانت مقصداً لعدد لا يحصى من الهجرات بحكم موقعها منذ فجر التاريخ، في كل حجز وزاوية وحي في المدينة، وفق ما أفاد والي إسطنبول "يرلي كايا" في خطابه.

لا يمكن اختصار حكاية الهجرة إلى تركيا، والتنوع الثقافي والإثني الذي تحتويه، بالـ 5.3 ملايين أجنبي المقيمين فيها تحت إشراف الهجرة. فمن ضيوف الحفل من هاجر من بلاد البلقان، ليصبحوا مكوناً أصيلاً في البلاد، وجزءاً من عشرات الهجرات التي انتهت في تركيا خلال القرون الماضية من داغستان أو القوقاز أو بلغاريا أو جورجيا.

قال وزير الداخلية سليمان صويلو: "كلنا مهاجرون وكلنا نهاجر.. الملك لله ونحن جميعاً أبناء للأمة الإنسانية". كما دعا "صويلو" ضمن كلماتٍ وجهها نهاية الحفل لـ "التمسك معاً بأُطر الأخوة".

 

 

بين القومية والانفتاح على الآخر

لم يغب الاعتزاز القومي عن كلمات المسؤولين الأتراك أو عن توجه البرنامج، فطالما كان الشعور القومي راسخاً في عقيدة الدولة والشعب التركي. لكن شكلت طبيعة حضور الشعور القومي دلالةً على أسلوب تبنيه من قبل الدولة التركية، بطريقة لا تمنع الانفتاح على الآخر، بل على العكس تعززه.

فالتسامح وحب الإنسان جزء أصيل من قيم وحضارة الإنسان التركي كما يقول رئيس الهجرة "أونلو"، وعبارة "يا واليته كل مظلوم" العثمانية والتي تعني "ملجأ كل المظلومين" ما زالت معلقة على بوابة قصر الباب العالي في إسطنبول، لتعبر عن الانفتاح في الدولة العثمانية ووريثة حضارتها: الجمهورية التركية، كما أشار والي إسطنبول "يرلي كايا".

وجاءت الإشارات العديدة خلال البرنامج للشاعر والمتصوف التركي "يونس إمره" لتدعم ما عناه المسؤولون من توافق بين الشعور القومي التركي والانفتاح على الآخر. فـ "يونس إمره" (1238 - 1328)؛ بالإضافة لكونه رمزا من رموز الثقافة التركية ورائد الشعر التركي في الأناضول، عُرف بحبه للإنسان ومخاطبته في أشعاره بغض النظر عن دينه وعرقه ولغته.

رسائل سياسية وإدارية

رغم تشكيل الأبعاد الثقافية والمجتمعية والإنسانية، محاور المؤتمر الرئيسية، إلا أنه لم يخلُ من رسائل إدارية وسياسية، ولو كان بعضها بين السطور.

فبعد تأكيدهم على أن الهجرة تحد عالمي، كانت للأرقام التي شاركها المسؤولون الأتراك، من عدد الأجانب لعدد إجراءاتهم الإدارية اليومية وتنوع الخدمات التي يصلون إليها، رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن تركيا تتحمل جزءها وأكثر من المسؤولية العالمية تجاه الموضوع.

أما تذكير المسؤولين بأن غالبية المهاجرين في تركيا هنا بحكم الأمر الواقع، بعد أن لجأ الملايين لا طمعاً بعمل أو ظروف أفضل، بل فقط لحفظ حياة وكرامة أبنائهم، بالإضافة لتأكيدهم على أن الحكومة تدير الموضوع بأفضل شكل مراعية الظروف المحلية، والتشديد على محاسبة المخالفين من الأجانب، فكانوا بمثابة رد على المعارضة التي تستغل ملف الهجرة في مهاجمة الحكومة التركية.

في ختام الحفل، حملت كلمات وزير الداخلية التركي "سليمان صويلو" أيضاً رسائل سياسية، في إبلاغه للحاضرين أنه ذاهب لزيارة شمال سوريا صباح اليوم التالي الأحد، ما يشير لارتباط ملف الهجرة الوثيق بتوجهات تركيا في سوريا والمنطقة.

 

 

أما تصريحه بأنهم وبقيادة الرئيس التركي أردوغان، ملتزمون بالتعاليم الإلهية التي تراعي الإنسانية على طريقة "جلال الدين الرومي ويونس إمره"، بينما يعبد الآخرون الدنيا، في إشارة واضحة للمعارضة التي تكرر تأكيداتها على إعادة السوريين إلى بلادهم في حال وصلوا للسلطة.

زيادة التعاون مع المنظمات الدولية

كان لتنظيم سلسلة الفعاليات هذه، ذات المستوى المجتمعي غير المسبوق، بالشراكة مع منظمة الهجرة الدولية، دلالة على ارتفاع مستوى تنسيق وتعاون الحكومة التركية مع المنظمات الدولية المعنية.

وعبَّر رئيس البعثة التركية لمنظمة الهجرة الدولية "جيرارد كارل" عن هذا التقارب خلال خطابه في المؤتمر، الذي وصف فيه سياسة الحكومة التركية في التعامل مع أزمة الهجرة بـ "العظيمة"، وأشاد بدور تركيا "القيادي على مستوى العالم" في ملف الهجرة.

كما دعا المبعوث للحديث بشكل دائم عن فرص وتحديات الهجرة، لما يلعبه من دور في إدارة ملف الهجرة، بعد أن أكد على استمرار دعم منظمته لسياسات تركيا التي تعزز اندماج المهاجرين في المجتمعات المضيفة.

حضور سوري

شكل السوريون الحصة الأكبر من حضور المؤتمر، وكانوا بصفتهم غالبية الأجانب في تركيا موضوعاً رئيسياً في كلمات المسؤولين، وضمن فعاليات البرنامج.

إذ قدمت فرقة سورية تركمانية عرضاً غنائياً وفنياً، وتحدث المستثمر السوري ورئيس مجلس مشفى "ميدي لايف" الخاص التركي "محمد بريخان" عن قصة نجاحه في البلاد.

أما مفاجأة الاحتفالية، فكانت حضور الأب والطفل السوريين من مدينة الريحانية، بصفتهم ضيوف شرف للاحتفال، وهما كانا بطلي صورة المصور التركي "محمد أصلان" التي فازت بجائزة أفضل صورة لعام 2021 في حفل جوائز سيينا الدولية للصور.

 

183651-698x800.jpg

 

 واعتلى الأب والابن المنصة في أثناء تقديم جوائز "يونس إمره" في نسخة خاصة موضوعها الهجرة، لـخمس شخصيات عن خمس فئات مختلفة، ساهمت في تسليط الضوء على موضوع الهجرة.