icon
التغطية الحية

"كسر عضم" يعيد الدولار المجمد إلى الواجهة.. أساليب النصب وتوضيحات الخبراء

2022.04.20 | 02:50 دمشق

mw-ey056_dollar_20161017211422_zh.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعاد مشهد ضمن مسلسل "كسر عضم" قضية الدولار المجمد إلى الواجهة، حيث بدأ كثير من السوريين والعرب البحث عن حقيقة الدولار المجمد وطريقة الحصول عليه، وبالتزامن مع ذلك نشطت مجدداً شبكات النصب والاحتيال، وعادت منشوراتهم على الفيس بوك: "ادفع 5 آلاف دولار، واحصل على 10 آلاف دولار مجمد".

وفي الحلقة الـ 15 من مسلسل كسر عضم ينصح أحد الشبان صديقه الذي يخطط لمغادرة البلاد إلى أوروبا بأن يستعيض عن 3600 دولار استطاع جمعها، بـ 7 آلاف دولار مجمد.

 

 

ويبسّط المشهد طريقة الحصول على الدولار المجمد، بمجرد إجراء بحث سريع على الفيس بوك. "بيطلع لك أرقام واتساب، تتواصل معهم وبتلتقوا بمكان ما لتبادل الأموال".

ومع نهاية الحلقة، بدأ السوريون بالبحث بشكل كبير عن "دولار مجمد" في الفيس بوك، حتى أصبح "رائج الآن" على التطبيق، وهو ما يدفع للاستفسار بالفعل عن حقيقة هذا النوع من الدولارات وقيمتها.

ما هي الدولارات المجمدة؟

يشاع أن مصطلح "الدولار المجمد" ينطبق على ملايين الدولارات التي تم تهريبها من البنوك الليبية بعد سقوط نظام معمر القذافي، إلى عدة دول تعاني من ضعف في الرقابة النقدية، في حين يقول بعضهم إن المصطلح ظهر لأول مرة بعد حرب الخليج الثانية، حيث سيطر العراقيون على ملايين الدولارات من البنوك الكويتية، وهو ما دفع الغرب إلى تجميد الأرقام التسلسلية لهذه الدولارات بهدف منع تداولها في البنوك.

ويدعي العاملون في بيع "الدولار المجمد" أنه غير مزور ولا يمكن تفريقه عن الدولار الحقيقي، لكن نقطة ضعفه أنه لا يمكن تصريفه في البنوك، ولذلك يلجأ هؤلاء إلى ضخه في السوق السوداء، عبر إغراء الناس بالحصول عليه من خلال دفع نصف القيمة فقط.
ويعرّف باحث الدكتوراه في الاقتصاد، يحيى السيد عمر الدولار المجمد، بأنه دولار تم إيقاف التعامل به، بحيث لم يعد يحمل أي قيمة حقيقية، فهو لا يتعدى كونه ورقة مماثلة لورقة الدولار التقليدية ولكن بدون قيمة، مضيفاً أنه يتم تجميد أرصدة الدولار في البنوك المركزية في ظل الحروب والاضطرابات الكبرى، وهذا التجميد يكون لمنع جهات محددة من الاستفادة من هذه الأموال في حال السيطرة عليها، فعلى سبيل المثال تم تجميد أرصدة الدولار في المركزي الكويتي بعد غزو الكويت عام 1990 وذلك لمنع نظام صدام حسين من الاستفادة من هذه الأرصدة، وبعد انتهاء الغزو تم رفع التجميد عنها.

وأفاد بأنه عقب ثورة 2011 في ليبيا تم تجميد أرصدة المركزي الليبي، وحالياً غالبية الدولار المجمد في السوق -كما يدعي المروجون له- هو دولار ليبي.

وأضاف السيد عمر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، بأنه من حيث المبدأ الدولار المجمد ليس مزوراً، فهو دولار صحيح 100 في المئة، لكنه بلا قيمة، وعادة بعد تجميد أي أرصدة يتم تعميم أرقام الأوراق المجمدة على مختلف البنوك المركزية لحظر التعامل مع هذا الدولار ولمصادرة أي دولار يحمل أياً من الأرقام المذكورة، وفي حالات عدة، عند مصادرة أي دولار مجمد يتم اعتقال صاحبه للتحقيق معه ولمحاولة معرفة الشبكات التي تروج لهذا الدولار.

كمية الدولار المجمد في السوق السوداء ليست كبيرة

ووفقاً للباحث، لا يمكن تحديد قيمة الدولار المجمد في السوق، لكنها ليست ضخمة جداً فالعديد من الأرصدة تم رفع التجميد عنها، كما أن المركزي الليبي لم يتعرض لعملية سطو كبرى تسمح بتدفق كميات كبيرة من الدولار إلى السوق، لذلك فغالبية عمليات الترويج للدولار المجمد ترتبط بترويج دولار مزور، فضلاً عن وجود عمليات احتيال في هذا الأمر، ولذا يفترض على الجميع عدم الانجرار وراء دعوات كهذه، لما تنضوي على خسارة محققة، إضافة إلى المخاطر الأمنية وغيرها.

وفي تعريفه لهذا النوع من الأموال، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي، الدكتور مخلص الناظر، إن المقصود بالدولار المجمّد، العملة الأميركية التي تم تجميد أرصدتها من قبل الأمم المتحدة في البنوك الواقعة بمناطق الحروب، معتبراً أنه "من حيث المبدأ هو يصلح للتداول في الأسواق الحرة من دون الإيداع في المصارف".

وأشار الناظر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن الدولار المجمد يباع مقابل حسومات كبيرة، مثلاً الدولاران من النوع المجمد مقابل دولار نظامي واحد، لكنه لم ينصح به وحذر من شرائه خوفاً من التزوير، كما أوضح أن أرقام الدولارات كلها معممة على البنوك العالمية، ولذا لا يمكن الإيداع في المصارف بهدف تبييض الدولار المجمد.

بدوره أفاد كرم شعار، دكتور الاقتصاد والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، بأن هناك دولارات مجمدة بالفعل في بعض الحسابات البنكية في عدة دول مثل لبنان، وتتلخص الفكرة بأن البنك الذي يحتوي على ودائع للعملاء، غير قادر على دفعها، وتكون المشكلة في الغالب من البنك المركزي، لأن البنوك الخاصة لا تضع كل الودائع لديها، بل تضع جزءاً بسيطاً في حساباتها، والجزء الأكبر يكون في خزينة البنك المركزي، الذي يعتبر عملياً "بنك البنوك".

وأضاف الدكتور "شعار"، أن بعض الأشخاص يمكن أن يتوصلوا إلى تسوية مع البنوك ضمن ما يسمى "هيركت-haircut"، وهي تسوية يتفق من خلالها البنك الخاص والمودع على سحب العميل جزءاً من المبلغ المجمد مقابل تخليه عن الادعاء بوجود وديعة لدى البنك. مثلاً، يحصل الشخص على 70 في المئة من أمواله المجمدة فقط مقابل تصريحه أن لا وديعة له في البنك، وكثيراً ما يقبل المودعون تلك التسويات خوفاً من خسارتهم للوديعة كاملةً مع مرور الزمن وانهيار النظام البنكي كاملاً.

ويستغل بعضهم هذه الحالة -بحسب شعار- للنصب على الآخرين، حيث يزعمون أن الدولارات الموجودة في حساباتهم مجمدة، لكنهم غير قادرين على التصرف بها وأن الآخرين يمكنهم ذلك، ويؤكد شعار أن هذا الشيء غير وارد إطلاقاً، ويعد باباً للاحتيال، ويجب على الجميع الحذر من الوقوع في هذه الحيل، خاصة أن عمليات الإغراء من قبل المحتالين تتم بالتدريج.

وسائل التواصل أداة إقناع بـ "الدولار المجمد"

تنتشر عشرات الإعلانات يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة فيس بوك، عن إمكانية ربح آلاف الدولارات، في حال قرر الشخص شراء دولارات مجمدة بنصف القيمة.

تتضمن الفيديوهات رزماً من الدولارات، مع موبايل مكتوب على شاشته اليوم والتاريخ لإقناع المشاهد، مع إرفاق رقم للتواصل عند الرغبة بالاستفسار أو الشراء.

ويقول اللاجئ السوري أحمد اليوسف، القاطن في مرسين التركية، إنه تواصل مع أحد الأرقام المرفقة في الفيديوهات، وكان المجيب حذراً في الرد على أي سؤال، واكتفى بالقول إنه مستعد لتحويل 10 آلاف دولار مجمد، مقابل 4 آلاف فقط.

وقال اليوسف في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا، إن المتحدث اشترط أن يتم تحويل الأموال عبر شركة "ويسترن يونيون" المتخصصة بالحوالات المالية، كما أنه رفض الإدلاء باسمه أو موقعه بغرض تحويل الأموال، إلا عند التأكد من أن العميل أصبح داخل أحد محال الصرافة، وبات مقتنعاً بفكرة التحويل.

وأردف: "بعد إقناعه بالجهوزية لتحويل الأموال المطلوبة، أرسل الاسم المراد التحويل إليه، والبلد، وتبين أن الشخص الذي سيتسلم الأموال موجود في المغرب، وبدا ملحاً على ضرورة الإسراع في عملية التحويل، وبعد مرور 10 دقائق على عدم التحويل، مسح رسالته المتضمنة الاسم والبلد".

وكذلك تواصل اليوسف مع شخص آخر يدعى أبو سومر، وأجاب بأنه موجود في لبنان، لكن بإمكانه تبديل الدولارات في مدينة إسطنبول عبر وسيط له، يلتقي مع العميل بشكل مباشر، من دون الحاجة إلى التحويلات المالية.

شبان تعرضوا للاحتيال عبر طريقتين

تعرض العديد من الشباب للاحتيال، حيث اقتنعوا بفكرة الحصول على دولارات مجمدة ومضاعفة أموالهم، لكنهم صُدموا عندما فقدوا المال بالكامل من دون مقابل.

وقال أحد هؤلاء الشبان لموقع تلفزيون سوريا، إنه تواصل مع شخص من مروجي الدولارات المجمدة، واتفقا على اللقاء في تركيا، وعند اللقاء دفع الشاب 500 دولار، وحصل على 1000 دولار قيل إنها مجمدة، ولكن بعد العودة إلى سوريا تم اكتشافها أنها مزورة بالكامل.

وأشار شاب آخر إلى أنه تواصل مع شخص فلسطيني للحصول على الدولار المجمد، واتفقا على إرسال إشعارات التحويل في اللحظة نفسها، وعندما تم الإرسال سحب الفلسطيني الحوالة، وأخفى إشعاره بطريقة مدروسة، تبين عند الاستعانة بخبير اتصالات أنها مصممة من قبل المرسل.

صرّافون يحذرون

ذكرت شركة "الحفار" للحوالات المالية في مدينة اعزاز شمالي حلب، أنه لا يوجد شيء في الشمال السوري اسمه دولار مجمد، وتساءلت: إذا افترضنا أنه موجود، ويعمل بعضهم على تصويره أنه يباع بنصف القيمة، ولا ينكشف بالعدادات المالية الحديثة، فلماذا صاحب الدولار المسمى مجمدا، لا يتداوله هو، إذا كان دولاراً صالحاً للتداول؟.

وأضافت الشركة في إفادة لموقع تلفزيون سوريا: "كل هذا باب للنصب على الناس الفقراء الذين يملكون مبلغاً قليلاً من المال، فيكونون الطعم للمروج الذي يدعي أن الدولار يعمل في جميع المناطق المحررة، ويقعون بالفخ من خلال شراء 1000 دولار مجمدة، وهي مزورة لا تصلح للتداول، بـ 500 دولار أميركي، مما يؤدي إلى ربح المحتال 500 دولار صالح للتداول، وخسارة المشتري كل شيء".

وتوافق مع ذلك صراف في مدينة اعزاز أيضاً -فضل عدم ذكر اسمه- حيث أكد أنه لا يوجد شيء يسمى دولارا مجمدا، وهو عبارة عن باب للنصب، وينتشر بشكل رئيسي في الأماكن التي تعاني من الفوضى وغياب الرقابة.

وضرب الصراف أمثلة على عمليات نصب اطلع على تفاصيلها، منها بحق شاب في تركيا ذهب لتسليم وتسلم مبلغ، لكنه فوجئ بقدوم 4 أشخاص للتسلم، انهالوا عليه بالضرب وأخذوا المبلغ ولاذوا بالفرار، كما توجد حالات أخرى يحاول فيها المحتالون أن يقنعوا الشخص بسرعة التسلم والتسليم أو ما يوصف محلياً بـ "العبطة" من دون تحقق من الأموال أصلاً بحجة ضمان سرية العملية.

فتوى "الإسلامي السوري" بخصوص الدولارات المجمدة

في وقت سابق أصدر المجلس الإسلامي السوري فتوى حول الدولار المجمد، قال فيها إنه بعد الرجوع لأهل الاختصاص من الاقتصاديين تبيَّن أن ما يسمى بالدولارات المجمدة لا تعد أموالاً على الحقيقة، فلا يجوز التعامل بها صرفاً، ولا بيعاً، ولا شراءً.

وأضاف: "يُطلق المتعاملون اسم الأموال (المجمدة) على أموال مجهولة المصدر جُمدت أرقامها التسلسلية من قبل الجهات المصدرة لها، مما يجعلها غير قابلة للتداول الرسمي في البنوك أو المؤسسات المالية، مع أن أصلها أموال حقيقية لكن أُلغي التعامل بها، لكونها مسروقة، أو مصادرة بسبب تعاملات غير مشروعة من تجارة مخدرات أو غسيل أموال ونحوها، أو مما حصلت عليها بعض الجهات بطريقة غير صحيحة؛ كالتحايل، أو السطو المسلح على البنوك، أو أخذ الفدية مقابل الرهائن، أو التجارة بالممنوعات، ونحو ذلك، ويذكرون أنه لا يمكن لأجهزة الكشف عن الأموال المزورة ولا الخبراء الماليين اكتشافها بمجرد الفحص اليدوي، وهذا ما يجعلها تختلف عن الأموال المزورة التي تكون مُقلَّدة لأصلها ويسهل كشفها".

ولفت إلى أن هناك أموالاً عطَّلت المؤسسات المالية أرقامها التسلسلية بسبب السرقة أو غسيل الأموال ونحو ذلك، إلا أن غالب ما يُتداول تحت اسم الأموال (المجمدة)؛ إما أن تكون أموالاً مزورة غير حقيقية، ويُطلق عليها هذا الاسم تضليلاً وخداعاً، أو أنَّ الجهات المتعاملة بها تستخدم هذه التسمية للتضليل والاستدراج ثم تقوم بسلب الأموال بالخداع أو التهديد.
وخلص المجلس إلى أن التعامل بما يُسمى بـ(الأموال المجمدة) إن ثبت وجودها محرم لا يجوز شرعاً، مشيراً إلى أن من وقعت في يده هذه (الأموال المجمدة) أو غيرها من الأموال المزورة، فلا يجوز له التعامل بها ولا نشرها بين الناس مع معرفته بحقيقتها، وينبغي عليه إبلاغ الجهات المسؤولة عن ذلك لكشف مصدرها، أو أن يقوم بإتلافها.