كراهية العرب أم الإسلام وراء شوفينية بعضهم في تركيا؟

2023.06.18 | 06:20 دمشق

كراهية العرب أم الإسلام وراء شوفينية البعض في تركيا؟
+A
حجم الخط
-A

صادفت عبر مواقع التواصل الاجتماعي موقفين هذا الأسبوع، كانا كافيين للتفكير حول قضية جوهرية تأخذ صلابتها وعنادها من التاريخ وانعدام الوعي لا قلته فحسب، لدرجة أن سلاسل من الحديد الصلب باتت تربط أدمغة فاقدي الوعي المعلوماتي والإنساني على حد سواء.

الموقف الأول، كان عبارة عن مقطع فيديو انتشر بكثرة، يظهر محاولة شاب إيطالي تقبيل مذيعة تركية خلال احتفاليات نهائي أبطال أوروبا الذي استضافته مدينة إسطنبول.

أما الموقف الثاني، فهو فيديو كذلك انتشر بكثرة، لشاب تركي انتحل صفة سوري وطالب بإقامة الشريعة في تركيا.

في كلا مقطعي الفيديو، رصد عرب وأتراك على حد سواء، ملامح التمييز والشوفينية، ففي الموقف الأول، رأى البعض أن الشاب لو كان سورياً أو عربياً وليس إيطالياً، فإن ردود الفعل ستكون مختلفة للغاية.

وفي الموقف الثاني، كان الحديث عن الشريعة مع ربط ذلك بالشخص السوري أمر ذو مغزى، وأنوّه إلى أن الادعاء العام التركي فتح تحقيقاً في الحادثة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح والمطلوب لمنع ازدياد مظاهر التطرف العنصري في الآونة الأخيرة.

كان هذان الموقفان كافيين لتوليد عصف ذهني استجلب عشرات المواقف من هذا النوع، وطرح سؤال: ما سبب مظاهر التمييز/الشوفينية تلك"؟ ولماذا للتاريخ علاقة بذلك؟ وحينما نتحدث عن الشوفينية ضد العرب والسوريين؛ فهل السبب هو كراهية العرب أم أيضاً لكراهية الدين؟

بالطبع لا تكفي الإجابة باختصار على تلك الأسئلة، فهي تحتاج دراسة وبحثاً مؤصلاً، لكن يمكن المرور سريعاً على بعض أهم عوامل هذه المظاهر.

"خيانة العرب"

لا شك أن ما جرى مع تقهقر الدولة العثمانية إدارياً وأمنياً إلى جانب تصدير ثقافة القومية الغربية إلى أرض الأناضول والمساحات التي كانت تابعة لها في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، وإثارة حركات التمرد والمطالبة بالاستقلال قبل أكثر من قرن من الزمن؛ يحمل قدراً من الأهمية من حيث انعكاسه على ما يجري اليوم.

القومية الغربية التي كانت مستحدثة في ذلك الوقت، لم تصل عدواها للعرب فحسب، بل أصابت الأتراك كذلك، وضربت قبلهما الأقليات العرقية غير المسلمة مثل اليونان والأرمن وغيرهما، وأحدثت ثورات تمرد وعصيان انتهت بتمزيق الأراضي العثمانية ومن ثم انهيار الدولة، لكن ما بقي حياً للآن هو نظرية "خيانة العرب".

ينظر بعض الأتراك إلى أن القومية العربية رفعها المسيحيون العرب في لبنان وسوريا على وجه التحديد، وبعضهم يرى أن القومية العربية في المجمل كانت ردة فعل على القومية التركية، وبعضهم الآخر ممّن يعشق فرض الأحكام دون دراسة التاريخ وظروفه إلى أن الدولة العثمانية أُنهكت بسبب دفاعها عن الأراضي العربية التابعة لها "بسبب خيانة العرب".

يقول الفريق الأخير، إن الأتراك قُتلوا في "صحاري العرب" بدون فائدة، وإن العرب "طعنوا الدولة من الخلف"، بطريقة تعميم جائرة وغير منطقية وسليمة أصلاً، تُهمل في الوقت ذاته مقتل آلاف العرب في سبيل الدفاع عن دولتهم العثمانية.

وللأسف، فإن هذه النظرية دون غيرها تبدو أنها سائدة بين جمهور غفير في المجتمع التركي إلى اليوم، وهي التي أعاقت حتى وقت طويل من تأسيس الجمهورية تأسيس علاقات قوية مع العالم العربي، والذي هو أقرب لتركيا من الغرب بحكم جواره لأراضيها.

ولقد كان الراحل نجم الدين أربكان أول سياسي يصل للسلطة ويلمس هذا الملف الحساس، ليبدأ بوضع الخطوات الأولى للانفتاح على العالم العربي، والتي لم تنضج إلا في عهد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.

النظرية نفسها، هي إحدى عوامل نظرة التمييز والفوقية ضد العرب، والتعامل معهم على أنهم لا مأمن لهم ويعيشون في الصحراء، وهي في الحقيقة لها خيط سياسي يظهر بوضوح على معالم الذهنية الكلاسيكية لحزب الشعب الجمهوري المعارض، أكثر من غيره من باقي شرائح المجتمع السياسي لتركيا.

العرب هو الإسلام

هناك ملمح آخر في الواقع، هو أيضاً لا يزال متشبثاً بجذوره التاريخية التي نشأت منذ انهيار الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية، التي ثارت على أمسها وكل ما يتصل به من مظهر وملبس ولغة وصوت.

مع قيام الجمهورية وفي سنواتها الأولى، شهدت تركيا انقلابات عدة على اللباس الديني والتعليم الديني "الكتّاب" والأذان العربي، ونشأت فكرة أن جميع هذه المظاهر إنما هي عربية لا تركية أناضولية، ونما هذا التفكير لا سيما عند الشريحة اللادينية أو حتى القومية المتصالحة مع الدين لكنها متعصبة لقوميتها.

ولعل ظهور ذلك الشاب بالفيديو ويتحدث عن ضرورة إقامة الشريعة في تركيا كشخص سوري "مزيّف"، يدلل على طريقة التفكير تلك، بغض النظر عما لو كان هذا الشخص مدفوعاً أو قال ذلك من تلقاء نفسه.

لكن مشاركة شخصيات مشهورة في تركيا لهذا الفيديو بدافع النقد وعداء اللاجئين، ومن بينهم صحفيون، يكسر حدودية الموقف كحدث عادي أو أنه صدفة، ويشير إلى أن الشريعة وتطبيقها هو فهم مستورد من العرب.

ولذلك طالما نلحظ في العديد من حوادث الاعتداء على المحجبات في تركيا من قبل مواطنين / مواطنات؛ هذه العبارة: "اذهبي للسعودية بهذا الغطاء. هنا الجمهورية التركية".

ولو علم أصحاب هذه العبارة حال السعودية اليوم وكيف ثارت هي الأخرى على الكثير من التقاليد وكسرت العديد من الحواجز في هذا السياق، لربما قالوا "اذهبي لإيران" بدلاً من السعودية، وهم يقولون "إيران" كذلك أحياناً، لكن في نهاية المطاف تبقى هذه العبارات دليلاً على التشبث بالتاريخ ومرحلة غابرة لم تعد موجودة ومنطقية في الواقع المعاش اليوم.

كلاهما معاً

وللإجابة عن سؤال المقال ذاته، ليس من الخطأ القول إن نظرة الكراهية للعرب وما يرتبط بهم من مظاهر الدين في الذاكرة الجمعية للمخزون التاريخي الغابر؛ كلاهما يؤثران في انتشار مظاهر التمييز والفوقية والشوفينية.

إضافة إلى ذلك، كان لجوء ملايين السوريين إلى تركيا القشة التي قصمت ظهر البعير، وزادت بدورها من حدة المشهد، لا سيما طول أمد الأزمة السورية دون حل، ووجود عدد كبير من السوريين على الأراضي التركية، واستغلال فريق كبير من المعارضة التركية ذلك كورقة ضغط سياسية.

ولقد رأينا مظاهر ذلك بشكل واضح في الحملة الانتخابية للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، حينما رُفعت لافتات مخجلة لعبارات تعد بترحيل السوريين بجانب صورة للمرشح الرئاسي الخاسر كمال كليتشدار أوغلو.

وإلى جانب وجود حزب وتيار يبني خطابه وهويته السياسية على فكرة معاداة اللاجئين والسوريين على وجه التحديد، فهذا يعني أن هذه المظاهر ستزيد ولن تنقص، إلا أن القانون الفعّال هو الكفيل بإيقافها ولجم أصحابها.