icon
التغطية الحية

كاميرات قديمة تساعد أطفالاً سوريين على التعافي من جرح اللجوء

2021.09.20 | 20:52 دمشق

3088.jpg
الغارديان - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

درس سربست صالح فن التصوير في جامعة حلب قبل أن يغادر سوريا مع أسرته في عام 2014 مع تقدم مقاتلي تنظيم الدولة ووصولهم إلى مدينته الأم، كوباني. وهكذا أصبح سربست أحد اللاجئين الذين يقدر عددهم بمئة ألف لاجئ يعيشون في مدينة ماردين التاريخية بجنوب شرقي تركيا، والتي تبعد مسافة بضعة كيلومترات فقط عن الحدود السورية. حصلَ سربست في البداية على عمل في التصوير لدى منظمة ألمانية غير حكومية، ثم تغيّرت حياته بشكل كبير في عام 2017، وذلك عندما اكتشف في أثناء تجواله مع صديق له في تلك المدينة مجتمعاً كبيراً من اللاجئين الذين يعيشون في عدد من المباني الحكومية المهجورة ضمن حي إستايسون الكردي الذي يضم أبناء الطبقة العاملة.

 

6960.jpg

صورة التقطتها عائشة، 9 سنوات، ماردين-تركيا

 

وعن تلك التجربة يحدثنا سربست فيقول: "كان مكاناً يضم الكرد الأتراك والسوريين جنباً إلى جنب كجيران، لكن التواصل كان مقطوعاً بينهم، فهم غرباء يتحدثون اللغة ذاتها، وهذا ما دفعني للتفكير باستخدام التصوير الضوئي التناظري كوسيلة لدمج هذين المجتمعين المتمايزين".

وهكذا، وبالتعاون مع سيرخاني، وهي منظمة اجتماعية محلية، وبتمويل مبدئي من قبل منظمة فيلتهانغريليف الإغاثية الألمانية، بدأ سربست بإقامة ورشات للتصوير الضوئي بالاعتماد على كاميرات تناظرية رخيصة حصل عليها عبر التبرعات، وعن ذلك يقول: "الكاميرا الرقمية أسهل وأسرع، ولكن عملية التناظر تعلم الأطفال أن ينظروا بدقة أكبر وأن يتحلوا بالصبر، لأنهم يقومون بالتقاط صورة دون أن تظهر لهم النتيجة على الفور، وبالنسبة لهم، أصبحت تلك العملية بمثابة علاج وشفاء".

 

6832.jpg

صورة التقطها أحمد، 10 سنوات، الحسكة-سوريا

 

يدير سربست اليوم مشروع سيرخاني داركرووم في ماردين، ومنذ عام 2019 أخذ يسافر إلى المدن والقرى المجاورة بواسطة قافلة سيرخاني وهي عبارة عن النسخة المتنقلة لهذا المشروع. وهكذا صار الأطفال الذين تبدأ أعمارهم من سبع سنوات يحضرون ورشاته ليتعلموا مهارات تصوير الأفلام التقليدية ومعالجة النتائج في الغرفة المظلمة، وعن هؤلاء الأطفال يحدّثنا سربست فيقول: "في بعض الأحيان ينفجر الأطفال بالضحك ويقولون: هذه كاميرات من زمن أهالينا، ولكن عندما يشرعون باستخدامها، يحدث شيء كالسحر، إذ يبدؤون بإظهار العالم الذي يعيشون فيه بأعينهم هم".

أما النتائج كما ظهرت في كتاب جديد بعنوان: (رأيت الهواء يطير)، فقد أتت مدهشة في معظم الأوقات، فإلى جانب كونها تعكس صدمة الأطفال بالنزوح واللجوء، تبدو تلك الصور ميّالة إلى البراءة والبهجة، إذ فيها صور للعائلة، ولقطات مغبّشة لأصدقائهم وهم يلعبون، ولأطفال آخرين وهم يقفزون ويختبئون، ويتخذون وضعية للتصوير برفقة أصدقائهم، أو وهم يعتنون بحيواناتهم. وهنالك مجموعات رسمية أكثر تعقيداً تلفت الأنظار، إذ هنالك مجموعة من الصور لمبان تقع أعلى تلة، إلى جانب أسلاك كهرباء تتشابك فيما بينها وتتقاطع تحت قبة السماء.

 

6816_0.png

صورة التقطتها روجين، 14 عاماً، ماردين-تركيا

 

ثم إن عدم وضوح تلك الصور وكونها أحادية اللون يضيف إلى الوقع الذي تخلّفه، فهنالك صورة تظهر سرباً من الطيور وقد توزع أفراده في أرجاء السماء الرمادية الملبدة بالغيوم، وصورة أخرى لظل طفل يمتد فوق باحة ذات أرضية مرقعة. وصفّ من الأيدي المرفوعة وهي تمسك بألواح الغزل فوق عصي رفيعة. أي أنك تجد كل مظاهر الحياة البشرية في تلك الصور، ولكن كما يعيشها الأطفال في مجتمع اللاجئين المؤقت بتركيا.

يتشابه هذا الكتاب مع كتاب ويني إيوالد المعنون بـ: (صور وأحلام: صور وقصص يقدمها أطفال من جبال الأبلاش)، والذي تعلم فيه الكاتبة فن التصوير الضوئي بطريقة عملية للأطفال الذين يعيشون في بيئات ريفية فقيرة، لكن النتائج مبهرة للغاية في معظم الأحيان. وتماماً مثل هذا المشروع، نجد أن كتاب (رأيت الهواء يطير) يعدّ دليلاً على الخيال الذي لا ينضب لدى الصغار، مهما كانت ظروفهم مزرية، كما نكتشف من خلال هذا المشروع مدى إيمان سربست بالقوة التحويلية للتصوير الضوئي التناظري، إذ يقول: "عندما أرى صورة فلا بد لذلك أن يبهرني، وهذا ما يحدث على الدوام، ولهذا أفخر بأن لدي إيمانا كبيرا بما يمكن للتصوير الضوئي فعلُه".

 

6800.jpg

صورة التقطها إبراهيم، 13 عاماً، القامشلي-سوريا

 

ومع تطور الأطفال في تلك الورشات، يطلب منهم تصوير مواضيع محددة، وقد تتراوح تلك المواضيع بين الأمور الحياتية اليومية (كالحديقة والبيت)، وحتى الأمور الاجتماعية، مثل عمالة الأطفال وزواج القاصرين، والقضايا التي تتصل بالتمييز بين الجنسين. ويعلق سربست على ذلك بقوله: "غالباً لا تشعر الإناث أنهن سيُبلين بلاء حسناً كالذكور عندما نبدأ، والمؤسف أن هذا ما تعلّمْنه من عالم الكبار، ولكن سرعان ما يبدَأْنَ بالتقاط الصور عن حياتِهِنّ وتجارِبهنّ، وذلك لأن الكاميرا تمنحهنّ الثقة للقيام بذلك".

وعلى موقع سيرخاني الإلكتروني، تعدّ الفيديوهات والصور خير دليل على الإحساس بالدهشة الذي عاشه الأطفال في الغرفة المظلمة عندما ظهرت الصور التي التقطوها في نهاية المطاف. ولكن ما هو رأي الكبار في تلك المنطقة عن ذلك المشروع؟ يقول سربست: "في البداية، كانت الغالبية منهم ترسل أولادها إلينا فقط حتى يخرجوا من البيت، بعد ذلك، عندما رأوا النتيجة، دُهِشوا هم أيضاً لما حققه أطفالهم".

هذا ويعتزم سربست: "توسيع ورشات القافلة حتى تصل إلى أكثر المناطق تضرراً" إلا أن ذلك بقي معلقاً منذ أن بدأت الجائحة، واضطر سربست حينئذ أن يقدّم دروسه عبر الشابكة، وعن تلك التجربة يقول: "كانت تجربة صعبة، وذلك لأن معظم الأطفال ليست لديهم هواتف ذكية أو إنترنت، ولهذا حاولنا أن نقدّم بعض المساعدة والدعم، بيد أن ذلك لم يستمر حتى الآن، ثم إننا أصبحنا نعتمد بشكل أكبر من ذي قبل على جمع التبرعات والهبات المالية والعينية، والمواد المستعملة، ليس فقط فيما يتعلق بالكاميرات، بل أيضاً بالنسبة لأمور مثل المواد الكيماوية الخاصة بالغرفة المظلمة، والتي لا يمكن أن تصل إلينا من خارج تركيا، أي أن الأمر غاية في الصعوبة".

 

6720.jpg

صورة التقطها سلطان، 14 عاماً، نصيبين-تركيا

 

يعدّ كتاب: رأيت الهواء يطير، بمنزلة إنجاز فردي، كما أنه كتاب بسيط للغاية، لكونه يعتمد على مختارات من الصور التي التقطها الأطفال بأنفسهم، إذ إن سحرها القائم على جودتها المتدنية خير دليل على الطبيعة الشعبية للوسيلة المستخدمة، وعلى قدرتها على إدهاش الآخرين، وهذا ما يعلّق عليه سربست بالقول: "يعتقد الناس أنك إن أعطيت طفلاً لاجئاً كاميرا، فإن النتيجة ستكون حزينة، لكن على العكس، كانت البهجة موضوعاً لمعظم تلك الصور التي تمثل لحظات قصيرة من السعادة على المستوى الشخصي".  

 

المصدر: غارديان