icon
التغطية الحية

كارثة غرق قارب المهاجرين في اليونان.. بطء شديد في عملية التعرف على الغرقى

2023.08.15 | 18:16 دمشق

المفقود عبد الرحمن دياب يتوسط أشقاءه في صورة موجودة على هاتف والده
المفقود عبد الرحمن دياب يتوسط أشقاءه في صورة موجودة على هاتف والده
Los Angeles Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور شهرين تقريباً على غرق قارب صيد متهالك احتشد بالبشر في أثناء توجهه من ليبيا إلى إيطاليا في عرض المتوسط، ما تسبب بوفاة المئات، مايزال أهالي الضحايا يعانون من حمى البحث عن أحبائهم بين المفقودين والغرقى.

ومايزال كثير من التساؤلات تدور حول استجابة السلطات اليونانية وتحديداً عن سبب غرق القارب والطريقة التي غرق بها، بعدما حمل على متنه ما يقرب من 500-750 شخصاً معظمهم أتوا من باكستان وسوريا ومصر، ثم انقلب وغرق في ساعة مبكرة من صباح يوم 14 حزيران في أبشع حادثة غرق لمركب مهاجرين في البحر المتوسط.

لم ينتشل سوى 104 أشخاص أحياء من الماء، جميعهم رجال وصبيان، في حين عثر على 82 جثة، إحداها تعود لامرأة، أما بقية الغرقى، وبينهم نساء وأطفال، فقد اختفت جثثهم في أعمق نقطة في البحر المتوسط، حيث يصل العمق إلى نحو 13 ألف قدم، ولهذا تصبح عملية انتشال أي مركب أو ضحايا مستحيلة.

بيد أن عملية التعرف إلى الغرقى وتحديد هوياتهم بدقة تتسم بالبطء والدقة المفرطة، فضلاً عن اعتصارها للقلوب.

 

مهمة شاقة

بحلول السابع من آب الجاري، تم التعرف إلى نحو 40 جثة انتشلت من البحر عبر عملية مضنية تقوم على إجراء تحليل الحمض النووي، ومراجعة السجلات المتعلقة بالمشكلات السنية لدى الضحية، مع أخذ بصماتها وإجراء مقابلات مع الناجين والأهالي، بحسب ما ذكره اللواء بانتيليز ثيميليز، رئيس فريق التعرف إلى ضحايا الكوارث في اليونان.

بيد أن المهمة تصبح معقدة في ظل عدم توفر معلومات حول من كانوا موجودين على متن المركب، وبما أن معظمهم أتوا من دول عديدة بسبب الحرب والنزاعات، لذا من الصعب على الأهالي تقديم عينات للحمض النووي للضحايا.

منذ حادثة غرق المركب، فُقد عبد الرحمن دياب البالغ من العمر 21 عاماً، وعنه يقول أبوه محمد: "قلبي يحس بأن ابني حي بفضل الله، ولا أصدق حتى بنسبة 1% بأن ابني فارق الحياة، بل إنني لا أفكر حتى بذلك".

خلال بحثه عن ابنه الذي استمر قرابة الشهرين، يخبرنا محمد دياب بأنه استنفد جميع الفرص والخيارات، فقد قدم عينة عن حمض ابنه النووي من خلال اللجنة الدولية للمفقودين، كما أرسل أقارب له إلى اليونان، وهو يمضي ساعات على هاتفه بحثاً عن أي خبر، ويجري اتصالات ويشاهد فيديوهات الناجين ويكررها بعدما نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وهذا الرجل الذي يعمل دهاناً في مخيم فقير للاجئين الفلسطينيين أقيم في ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت يتمسك بأمل وحيد وواه بثه في روحه اكتشاف توصل إليه عندما شاهد هنيهة في مقطع فيديو حول ما جرى بعد غرق المركب، وذلك عندما نقل شاب يشبه ابنه إلى مشفى في مدينة كالاماتا الواقعة جنوبي اليونان.

على الرغم من أن استفساراته التي قدمها للمشفى وللسلطات اليونانية لم تفض إلى أي نتيجة، إلا أن دياب يعتقد بأن ابنه تعرض لحالة غيبوبة، أو سجن ولم يعد بوسعه التواصل مع أهله.

إلا أن جميع الناجين المصابين خرجوا من المشفى منذ ذلك الحين، والناجون التسعة الذين ألقي القبض عليهم للاشتباه بأنهم مهربون جميعهم من التابعية المصرية، ولم يكن اسم عبد الرحمن بينهم.

لكن فكرة فقد ابنه البكر لا تحتمل، ولهذا يتمسك دياب بأمل ضعيف يشعره بأن عبد الرحمن مايزال حياً في مكان ما بطريقة ما، وهذا ما يدفعه للقول: "أملي بالله كبير".

في أثينا، يواصل فريق التعرف إلى ضحايا الكوارث تلك العملية البطيئة التي تقوم على جمع أجزاء الأدلة لتحديد هوية الضحايا والجثث، ولذلك مايزال هذا الفريق يتلقى نتائج فحص الحمض النووي من أهالي الضحايا في الخارج، ولهذا الغرض تم تخصيص خط ساخن بست لغات بعد وقوع الكارثة وسيظل هذا الخط يعمل طوال شهرين آخرين على أقل تقدير، بيد أن الاتصالات غدت أقل وصارت تأتي على فترات متباعدة.

 

عمل إنساني

يخبرنا ثيميليز بأن الحادثة الدولية التي تتسبب بوقوع أعداد كبيرة من الضحايا "تتطلب فتح تحقيق على مستوى عال وهذا الأمر يحتاج لوقت طويل ولمواظبة ومثابرة وصبر حتى يتم التمكن من جمع المعلومات حول المفقودين، بيد أن ذلك أمر أساسي، إذ من الضروري معرفة هوية الأشخاص الذين كانوا على متن المركب".

يستقطب فريق ثيميليز الذي تأسس عام 2018 عاملين متخصصين بتقديم العديد من الخدمات بحسب الحاجة، إذ بينهم عاملون في مجال الإطفاء، وأطباء شرعيون، ومترجمون ورجال شرطة، وقد استدعي هذا الفريق للتعرف إلى رفات أكثر من خمسين شخصاً قتلوا في 28 شباط الماضي بحادثة قطار وقعت وسط اليونان.

يخبرنا ثيميليز بأن العمل في مجال التعرف إلى هويات ضحايا الكوارث عمل إنساني، ولهذا فهو منفصل عن أي شيء آخر سوى مجاله الإنساني وحده على حد تعبيره.

يذكر أن باكستان أرسلت المئات من نتائج تحليل الحمض النووي للمساهمة في عملية التعرف إلى هوية الضحايا، أما في الدول التي كانت فيها عملية إجراء مقابلات مع الأهالي وجمع الحمض النووي للضحايا إشكالية، فقد قام الصليب والهلال الأحمر بهذه العملية.

بالنسبة لدياب، فإن أي تطابق في الحمض النووي يعني فقدان أي أمل بنجاة عبد الرحمن الذي كبر برفقة ثلاثة أشقاء صغار في مخيم شاتيلا بلبنان، تلك المنطقة السكنية المتداعية ذات الأزقة الضيقة وحبال الكهرباء المخالفة.

عمل عبد الرحمن أيام مراهقته في الدهان ليساعد أباه، إلا أن العمل أصبح نادراً بعدما غرق لبنان في أزمة مالية كبرى منذ عام 2019.

خاطر أقارب عبد الرحمن وأصدقاؤه بالسفر إلى أوروبا، وبينهم عمه الذي يدير متجراً كبيراً اليوم في ألمانيا، ولهذا قرر عبد الرحمن في نهاية الأمر أن يلحق بالركب، فرتب أمور السفر جواً إلى مصر ومنها إلى ليبيا، لينطلق من هناك في رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر في عرض البحر المتوسط، بعد الاستعانة بشبكة من المهربين والوسطاء.

باع محمد دياب ممتلكاته واستقرض المال ليجمع سبعة آلاف دولار دفعها للمهربين، على أمل تأمين مستقبل أفضل لابنه، لكن لم يخطر بباله بأن هذه الرحلة ستكون النهاية.

ولكن طالما لم يصله أي تأكيد بأن هذه الرحلة قضت على ابنه، سيظل متمسكاً بأمل عودته إلى بيته في يوم من الأيام، ولهذا يقول: "ما يزال لدي أمل، ولن أفقده إلى أن أرى جثته بعيني، ولهذا آمل أن أراه وأسمع صوته".

المصدر: Los Angeles Times