icon
التغطية الحية

"قضية حياة أو موت".. الصحفيون في غزة يتعاونون لنقل الصوت والصورة

2023.12.08 | 05:51 دمشق

فلسطينيون ينعون الصحفيين المحليين حسونة سليم وساري منصور، اللذين استشهدا في غارة إسرائيلية على منزلهما، في مستشفى وسط قطاع غزة.
فلسطينيون ينعون الصحفيين المحليين حسونة سليم وساري منصور، اللذين قتلا بغارة إسرائيلية على منزلهما وسط قطاع غزة ـ رويترز
تلفزيون سوريا ـ بثنية الخليل
+A
حجم الخط
-A

كثيرة هي الحروب التي عرفتها غزة، منها خمسة حروب في آخر 16سنة، لكن الحرب الحالية لا تشبه أياً من الحروب السابقة، وخاصة بالنسبة للصحفيين الذين أصبحوا هدفا مباشرا لرصاص الاحتلال الإسرائيلي وصواريخه.

ففي الحروب السابقة، كان ارتداء خوذة واقية وسترة مكتوب عليها "press" (صحافة) عامل "أمل" لحماية المراسلين الصحفيين من نيران الاحتلال. لكن الوضع اليوم مختلف تماما، فلم تعد هذه الإجراءات تحقق لهم الحماية، لأن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد وبشكل ممنهج قتل الصحفيين واستهداف مقارهم، لمنعهم من نقل وتوثيق المجازر التي يرتكبها بحق المدنيين في قطاع غزة.

استهدفت حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال كل شيء في غزة، وهي تسعى لتدمير كل ما فيها من مبان، من دون تمييز ولا استثناء، ومن دون مراعاة أي قواعد أو قوانين أو أعراف دولية، بأي قدر كان.

استهداف مباشر للصحفيين

منذ 7 تشرين الأول أكتوبر  2023 أضيف إلى عدادات الضحايا من المدنيين، والعاملين في المجال الصحي، وموظفي الأمم المتحدة، عداد آخر خاص بالصحفيين يرتفع كل يوم، ليبلغ عند إجراء هذه المقابلة 75 صحفياً فلسطينياً قضوا في غزة خلال 60 يوماً (وفق نقابة الصحفيين الفلسطينيين)، دون الحديث عن المصابين، ومن فقدوا أسرهم، ومن فقدوا منازلهم، ومن فقدوا مكاتبهم ومعداتهم ومؤسساتهم، ومن باتوا مشردين ينامون في العراء، أو نازحين يعيشون ويعملون في أماكن إيواء النازحين المؤقتة.

وتخطى عدد قتلى الصحفيين من جراء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة في أقل من شهرين، حصيلة قتلاهم خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) التي راح ضحيتها عشرات الملايين وتوصف بالحرب الأكثر دموية في التاريخ الحديث، بحسب إحصاء مؤسسات معنية رصدته الأناضول.

الصحفي الفلسطيني عزيز المصري، مدير "شبكة مصدر" الإخبارية، نقل لموقع تلفزيون سوريا ما يعيشه هو وزملاؤه الصحفيين في هذه "المقتلة العظيمة".

استهداف الصحفيين
                  الاحتلال يقصف مقر شبكة المصدر في غزة

يقول المصري : "منذ يوم 7 من تشرين الأول - أكتوبر كنت وزملائي على يقين أننا مقبلون عل حرب قاسية مختلفة عن سابقاتها، فكانت أول خطوة اتخذناها هي نقل فريق العمل الصحفي من مقرنا في برج الكرمل بمدينة غزة، إلى مكان آخر نظن أنه يتمتع بمستوى أعلى من الأمان، وهو برج الغفري، وبسرعة، قمنا بنقل معدات العمل الميداني، ووزعنا المهام بيننا".  

ويضيف عزيز المصري: "بعد أربعة أيام، قامت طائرات الاحتلال باستهداف ثلاث شقق سكنية ومقر عمل وكالة مصدر الإخبارية في برج الكرمل، وخلال استهداف البرج، قتل ثلاثة صحفيين هم سعيد الطويل وهشام النواجحة ومحمد صبح رزق، في أثناء تغطيتهم للحدث. بعدها قررنا نقل بعض أفراد طاقمنا إلى المستشفيات لحمايتهم، لكننا اكتشفنا فيما بعد أن المشافي أصبحت من بين الأماكن الأكثر خطورة.. كنا نشاهد القصف من نوافذ مقرنا الاحتياطي في برج الغفري ورأينا بأعيننا خسارتنا الأولى، وهي زملاؤنا ومقر كامل بمعداته التي لم يكن بإمكاننا نقلها".

ويتابع الصحفي الفلسطيني: "فجر يوم الجمعة في الثالث عشر من تشرين الأول - أكتوبر، وصل بريد إلكتروني سري إلى الأونروا والمؤسسات الدولية العاملة في غزة يفيد بضرورة إخلاء مدينة غزة وشمالها إلى جنوب غزة. علمنا بهذا التعميم قبل نشره رسمياً وفي وسائل الإعلام، فقررنا إخلاء مقرنا الاحتياطي الكائن وسط غزة المجاور لمشفى الشفاء، وانطلقنا نحو مشفى الشفاء مشياً على الأقدام، وخلال مسيرنا كان الأهالي في الشوارع يستفسرون حول مدى صحة هذا الخبر، ونحن لا نملك إجابة قاطعة".

ويضيف: "عندما وصلنا إلى مشفى الشفاء وجدنا حالة من الارتباك والتوتر، حيث كانت قنوات تلفزيونية تفك معداتها وخيامها في ساحة المشفى استعدادًا للانتقال إلى جنوب غزة، وسيارات كانت تحمل عائلاتها متجهة إلى الجنوب. حينئذ استهدف الاحتلال برج الغفري مقرنا الثاني الاحتياطي، بمن فيه من مكاتب ومقار إعلامية أجنبية ومحلية".

صحفيو غزة يتعاونون لإنجاز المهمة

وعن الضغوط النفسية التي يعيشها الصحفيون الفلسطينيون في غزة منذ العدوان الإسرائيلي، قال عزيز المصري: "نعيش تحت ضغوطات نفسية كبيرة ومتعددة، نعيش الرعب من أصوات ومشاهد القصف الوحشي، ونعيش صدمات من مشاهدة الأشلاء، والدماء التي تغطي وجوه الأطفال والكبار، ونعيش الخوف المتواصل على أهلنا الذين قد يتحولون في أي لحظة إلى شهداء ننقل صورهم ومأساتهم. وهذا ما حصل مع عائلة مراسل قناة فلسطين محمد أبو حطب، وعائلة مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح، وكذلك مراسل الجزيرة مؤمن الشرافي الذي فقد 22 شخصا من أسرته في يوم واحد".

يواجه الصحفيون في غزة مخاطر عالية بشكل خاص في أثناء محاولتهم تغطية الهجوم البري الإسرائيلي، بما في ذلك الغارات الجوية الإسرائيلية المدمرة، وانقطاع الاتصالات، ونقص الإمدادات، وانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع.

وعن هذه المشكلة يقول عزيز المصري: “هذه التحديات دفعتنا إلى استخدام الطاقة الشمسية لشحن بطاريات الأجهزة، ودفعتنا لتبادل النواقص، فقد يكون أحدنا لديه بديل للكهرباء، وآخر لديه وقود، وثالث لديه إنترنت، ورابع لديه اتصال هاتفي، فيقدم كل واحد ما لديه للآخرين".

صحفيون يكتبون وصاياهم

وجاء استهداف قوات الاحتلال للصحفيين رغم تمتعهم بالحصانة بموجب القوانين الدولية، وتحول الصحفيون إلى هدف مباشر للجيش الإسرائيلي الذي قصف محيط المشافي التي تمركزت فيها الكاميرات ووسائل الإعلام ظنا منهم أنها مناطق "محرمة"، لكن الاحتلال فاجأ الجميع بوحشية غير مسبوقة، حيث لم تسلم المشافي من القصف والتدمير أيضا.

وتحول قطاع غزة المحاصر إلى كتلة من نار مع تصاعد العدوان، مما دفع صحفيين فلسطيين إلى كتابة وصاياهم، وقالت صانعة الأفلام بيسان عودة، 25 عاما على منصة (إكس): "عكس ما كنت أتوقعه في البداية، فالآن أنا متأكدة أنني سأموت خلال الأسابيع أو الأيام القليلة القادمة".

أما المصور الصحفي معتز عزايزة فقد قال : "القضية الآن قضية حياة أو موت.. لقد نقلتُ بما فيه الكفاية وأشهد الله أن ذلك كان لوجهه وخدمة لوطني"، مشددا على أن العدوان الإسرائيلي "سيشمل كل جزء من غزة".

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن صحفيا واحدا على الأقل قتل على أيدي القوات الإسرائيلية كل يوم في فلسطين ولبنان منذ بداية الحرب.

وفي السابع من الشهر الجاري قالت وكالة رويترز، إن تحقيقا أجرته خلص إلى أن "نيران دبابة إسرائيلية هي التي قتلت مصور رويترز التلفزيوني عصام العبد الله (37 عاما) في لبنان يوم 13 أكتوبر تشرين الأول".