icon
التغطية الحية

"قسد" متخوفة والنظام يلتزم الصمت.. ما حدود التصعيد التركي شمالي سوريا؟

2023.06.19 | 06:14 دمشق

"قسد" متخوفة والنظام يلتزم الصمت.. ما حدود التصعيد التركي شمالي سوريا؟
"قسد" متخوفة والنظام يلتزم الصمت.. ما حدود التصعيد التركي شمالي سوريا؟
حلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

صعّد الجيش التركي خلال الأسبوع الماضي قصفه الجويّ والبريّ على المواقع العسكرية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" والنظام السوري، على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، ما أسفر عن وقوع قتلى من الطرفين وعطب عدة آليات عسكرية.

وبدأ التصعيد فعلياً يوم الأحد الماضي، بعد أن استهدفت "قسد" بعدد من الصواريخ وقذائف الهاون قاعدة "جبرين" التركية شمالي حلب، ومركز الشرطة في "أونجوبنار" في ولاية كلّس جنوبي تركيا، ومحيط معبر باب السلامة الحدودي.

وشنت "قسد" الهجوم انطلاقاً من الأراضي السورية بحدود الساعة الخامسة من مساء يوم الأحد الماضي، بحسب وزارة الداخلية التركية، وذلك عبر 5 راجمات صواريخ، دون سقوط ضحايا أو مصابين من جراء الهجوم.

من جانبها أعلنت تركيا الرد على تلك الهجمات، ومنذ ذلك الوقت استهدف الجيش التركي عشرات المواقع العسكرية للنظام السوري وقسد في ريف حلب الشمالي، وفي الحسكة والرقة، عبر الطائرات المسيرة وسلاح المدفعية، ما أسفر عن مقتل وإصابة نحو 60 عنصراً للطرفين، حسبما أعلنت الدفاع التركية.

منحى تصاعدي للهجمات التركية

تركز القصف التركي على أربعة مناطق تعد مراكز رئيسية للنظام السوري وقسد، وهي تل رفعت ومنبج بريف حلب، وعين عيسى شمالي الرقة، والقامشلي بريف الحسكة، واللافت خلال القصف الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة.

وفي حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، أفاد المرصد العسكري "أبو أمين 80" المتخصص بمتابعة التطورات الميدانية، بأن القصف التركي كان كثيفاً على المواقع المشتركة للنظام السوري و"قسد" في محيط تل رفعت ومنبج وعين عيسى، لمدة 72 ساعة متواصلة.

وشاركت الطائرات المسيرة في عمليات الاستهداف، وتركز قصفها على مواقع وغرف عمليات وتحصينات في تل رفعت ومنغ، ومحيط منبج، ووفقاً للمرصد، فإن عدد القتلى الذين تم تأكيدهم نتيجة القصف بلغ 14 من عناصر النظام وقسد، إضافة لتسجيل 9 إصابات.

ونشرت وزارة الدفاع التركية، مشاهد من استهدافها - عبر طائرات مسيّرة - مواقع ومقار لـ"قسد" شمالي سوريا، قائلة إنّ قوّاتها دمّرت، أهدافاً في مدينة منبج شرقي حلب ومدينة تل رفعت في الريف الشمالي.

وأسفر الاستهداف الأخير حسب الوزارة عن مقتل 16 عنصراً من "قسد"، ما رفع عدد العناصر الذين قتلوا وجرحوا في منبج وتل رفعت إلى 57، منذ يوم الأحد الفائت.

وفي محافظة الحسكة، أفاد مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا بأن "مسيرة تركية استهدفت، يوم الأربعاء، بثلاثة صواريخ سيارة نوع أفانتي تقل أربعة عناصر وقياديين من قسد بالقرب من قرية شورك شرقي مدينة القامشلي، ما أدى لمقتلهم".

وأعلنت "وكالة أنباء هاوار" المقربة من قسد، عن استهداف الجيش التركي لمواقع تابعة لقوات النظام بالقرب من مدينة تل رفعت، ما أدى لمقتل 4 عناصر وإعطاب دبابتين، بينما أشار "مجلس منبج العسكري" التابع لـ "قسد" إلى مقتل أربعة من مقاتليه، من جراء استهداف طائرة مسيرة تركية، لمزرعة في قرية الدندنية شمال غربي منبج.

النظام السوري يلتزم الصمت

بحسب الإحصائية التي أوردتها "هاوار"، لقي 9 عناصر من قوات النظام مصرعهم من جراء الهجمات التركية، وذكرت الوكالة أن "النظام يلتزم الصمت حيال هذه الهجمات"، والتي أسفرت أيضاً عن إصابة 10 من عناصره.

واكتفت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، بنقل أنباء عن مقتل 5 عناصر من "قسد" في منبج، متوقعة وفق مصادرها مزيداً من الاستهدافات لمتزعمي "قسد" من طائرات الجيش التركي المسيّرة في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي في الفترة المقبلة، بالتزامن مع استئناف اللقاءات الأمنية والسياسية بين أنقرة والنظام برعاية روسية وإيرانية.

وفي غضون ذلك، لم يصدر تعليق من وزارة الدفاع الروسية، على أنباء مقتل جندي لها وإصابة آخرين، إثر استهداف آلية روسية بريف حلب الشمالي، وتحديداً على طريق حربل - أم حوش في منطقة تل رفعت.

وبينما ادعت مصادر مقربة من "قسد" أن العربة تعرضت لاستهداف مدفعي مصدره مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، أكدت مصادر محلية أن الاستهداف كان بعبوة ناسفة.

من جهتها نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في وزارة الدفاع التركية، قوله إن "التقارير التي تفيد بأن القوات التركية قصفت مواقع في ريف حلب الشمالي وأصابت عربة مدرعة روسية غير صحيحة".

"قسد" تتخوف من تفاهمات جديدة ضدها

أعربت "الإدارة الذاتية" التابعة لـ "قسد" عن تخوفها من تفاهمات جديدة ضدها، قد تبرمها تركيا مع الأطراف الأخرى، داعية التحالف الدولي وروسيا والنظام السوري إلى توضيح مواقفهم حيال التصعيد التركي، والضغط على أنقرة لإيقافه.

وتحدثت "الإدارة الذاتية" عن هجوم تركي موسع عبر المُسيّرات على ما تسميها مناطق منبج، و"الشهباء" وهي منطقة تل رفعت ومحيطها، كاستهدافات جديدة من نوعها في غربي الفرات، خلّفت العديد من القتلى والجرحى.

بيان "الإدارة" عكس مخاوف "قسد" من اتفاق خفيّ يستهدفها، إذ جاء فيه، إن الهجمات تتصاعد في الوقت الذي يزداد الحديث عن استمرار الاجتماعات الرباعية ووضع خرائط الطريق للعمل وإحداث آليات أمنية جديدة بين الطرفين (التركي -السوري)، مضيفة أن التطورات والوضع يخلق أمامنا إشارات استفهام كثيرة، منها ما هو متعلق باحتمالية تفاهمات جديدة بين تركيا وغيرها من الأطراف ضدّ "قسد".

وطلب البيان من التحالف الدولي، وروسيا، والنظام السوري توضيح مواقفهم حيال هذا التصعيد، معتبراً أنهم هم "المطالبون بالعمل والضغط على الجانب التركي للحد من هذه الهجمات التي تدفع المنطقة نحو التوتر والتصعيد".

توقيت وأسباب التصعيد التركي

تصاعُد وتيرة القصف التركي على مواقع النظام وقسد شمالي سوريا، يستبق الجولة العشرين من مباحثات "مسار أستانا" حول الملف السوري، التي ستعقد يومي 20 و21 من الشهر الجاري، بمشاركة تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري والمعارضة السورية ومراقبين من الأمم المتحدة والأردن ولبنان والعراق.

بالتوازي مع ذلك، وعلى هامش المباحثات، تستضيف مدينة أستانا اجتماعاً رباعياً يوم 21 حزيران، يضم نواب وزراء الخارجية من روسيا والنظام السوري وتركيا وإيران، بعد أكثر من شهر على عقد اجتماع بمشاركة وزراء خارجية الأطراف الأربعة، لبحث التقارب بين النظام السوري وتركيا.

ويرى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، محمود علوش، أن التصعيد التركي جاء رداً على قصف "قسد" الذي طال مركزاً للشرطة في ولاية كلس التركية، وفي الوقت نفسه، يشير التصعيد إلى أن تركيا ستكون أكثر صرامة بعد الانتخابات، فيما يتعلق بالصراع مع "قسد".

كذلك تحمل العمليات التركية في طياتها رسالة لروسيا من أجل دفعها إلى تنفيذ الالتزامات بموجب اتفاقية سوتشي لعام 2019، لا سيما أن القصف التركي ركّز على منطقتي تل رفعت ومنبج، الواقعتين ضمن نفوذ الروس في شمال غربي سوريا.

ويكتسب التصعيد أهمية كبيرة، كونه يتزامن مع الاستعدادات لعقد اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية، ووفق "علوش"، فتركيا تريد الحفاظ على موقفها قوياً في سوريا، لفرض مصالحها على الأطراف الثلاثة في اللجنة الرباعية.

ورجح "علوش" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن يستمر القصف التركي في الفترة المقبلة، كأحد أدوات الضغط على روسيا والنظام السوري، لتنفيذ بعض الالتزامات، مثل إخراج "قسد" من تل رفعت ومنبج، وإبعادها عن الحدود التركية.

وربما ترغب تركيا برفع سقف المفاوضات قبيل اجتماع أستانا، على أكثر من جانب، وتوصل رسالة من خلال القصف أن "التنظيمات الإرهابية" ما زالت موجودة في الشمال السوري بغطاء روسيا والنظام السوري، وتهدد أمنها، لا سيما بعد استهداف كلّس.

في المقابل، من المرجح أن تدخل تركيا المفاوضات خلال اللقاء الرباعي المقبل دون ضغوط، كون الفترة الماضية أظهرت أن مطالب النظام بانسحاب الجيش التركي غير قابلة للمساومة أو القبول التركي، كون الروس والنظام فشلا في آن معاً بردع "قسد" عن استهداف الأراضي التركية، ما يعني أن النظام أضعف من أن يقدم شروطاً أو ضمانات بهذا الجانب.

النطاق المتوقع للقصف التركي

بتقدير الباحث، تستفيد روسيا من بعض جوانب التصعيد العسكري التركي، فيبدو أنها لا تتبنى موقفاً متشدداً بهذا الخصوص، لتحقيق هدفين، الأول عدم استفزاز تركيا وتشجيعها على مواصلة الحوار مع النظام السوري، والثاني لاستخدام التصعيد كورقة للضغط على "قسد" في سياق الحوار مع موسكو والنظام، وإنهاء الرهان على الولايات المتحدة في ظل تراجع دورها بشكل كبير في سوريا.

من غير المرجح أيضاً أن يؤثر التصعيد على مسار التطبيع بين تركيا والنظام، فلدى الطرفين مصلحة في الاستمرار بالمسار، كذلك استبعد الباحث أن تشن أنقرة عملية عسكرية للسيطرة على تل رفعت ومنبج، على الأقل في المدى المنظور، إذ تبحث عن خيارات أخرى لمعالجة هواجسها الأمنية الناتجة عن وجود "قسد" قرب حدودها الجنوبية.

كذلك استبعد الباحث رشيد حوراني في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن يتطور القصف على المدى القريب، إلى عملية عسكرية برية للجيش التركي، وربما يتم توسيع نطاق الاستهداف والضربات الجوية والمدفعية في إطار عقاب "قسد" على قصف الأراضي التركية.

بينما رأى الناشط السياسي السوري، عبد الكريم العمر، أن الرغبة التركية بتقليص التهديدات المتعلقة بـ "قسد" تنامت بعد فوز أردوغان بالرئاسة التركية وبقاء حزب العدالة والتنمية بالحكم، وفي الغالب يأتي القصف لرفع سقف التفاوض خلال اللقاءات مع الأطراف المعنية بالملف.

ويمكن القول إن أنقرة أرادت توجيه رسائل متعددة من التصعيد الأخير، في مقدمتها أن استهداف الأراضي التركية سيقابله ردّ موسع، وفي الوقت نفسه، كسب نقاط جديدة بالميدان تعزز من حضورها على طاولة التفاوض، خاصة أن الضغوط انحسرت بالنسبة لأردوغان بعد الفوز بالرئاسة لمدة خمس سنوات قادمة، ما يعني أن تعامل أنقرة مع التهديدات بعد الانتخابات سيكون أكثر حدّية عمّا كان قبلها.