قراءة موجزة في دلالات نشاطات داعش وقدراته وإمكانيات عودته

2024.03.12 | 16:22 دمشق

قراءة موجزة في دلالات نشاطات داعش وقدراته وإمكانيات عودته
+A
حجم الخط
-A

رغم مرور العديد من السنوات لهزيمة تنظيم داعش على يد التحالف الدولي الذي تم تشكيله في عام 201‪4 بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتسبب بخسارة التنظيم لكامل النفوذ والموارد والسيطرة المكانية في كل من سوريا والعراق، إلا أن واقع الحال والوقائع والمجريات الميدانية لاتزال تثبت وتشي بأن التنظيم ورغم انحلال عقده كقوة منظمة مؤثرة وقيادة مركزية ثابتة فإنه لايزال يعتمد على الكثير من الخلايا النائمة التي تسبب بنشاطاتها القلق لكثير من الدول وأصحاب النفوذ، ولايزال هذا التنظيم يشكل بنشاطاته رغم محدوديتها وتباعد أيام حدوثها خطرا وتهديدا مباشرا لهم.

من الواضح أنه وبعد فقدان التنظيم للأرض ومعها فقدانه لغالبية الموارد البشرية والاقتصادية والإمدادات العسكرية واللوجستية التي كان يعتمد عليها، وبعد مروره بفترة كافية من الكمون، عاد التنظيم  لممارسة نشاطاته القتالية مع الإشارة إلى تغيير الطريقة والتكتيكات المتبعة التي أصبحت غالبا ما تصاحب أعماله الميدانية وقيامه بعملياته الدامية، حيث إن التنظيم وخاصة على الأراضي السورية لايزال بشكل أو بآخر يمتلك زمام المبادرة ويتبع تكتيكات عسكرية دأب عليها منذ إعلان هزيمته، جوهر هذه التكتيكات قيامه بتنفيذ عمليات عسكرية خاطفة تجنبه إمكانية الخسائر البشرية والعسكرية، ناهيك عن اتباعه سياسة اللامركزية في القيادة واعتماده على تكتيكات الجماعة والفرد من خلال القيام بأعمال  الكمائن والإغارات الخاطفة، والاغتيالات والتلغيم والتفجير للمقار والمركبات وعمليات القنص، والهجمات على الحواجز ونقاط التفتيش المتباعدة المنتشرة على مساحات واسعة وخاصة في البادية الشامية، وحقيقة فإن التنظيم وبعد خسارته المتوقعة لمناطق نفوذه في سوريا خصوصا ولأنه وبحكم الواقع الميداني بات فاقدا لمسؤولية التمركز والدفاع عن المناطق التي كان يسيطر عليها، وأصبحت خطوط ومناطق تمركزاته وانطلاقه هي مناطق افتراضية، فقد حصلت زيادة ملحوظة بهجماته في مناطق نفوذ ميليشيات قسد شرقي الفرات وأيضا في مناطق سيطرة النظام وميليشياته بالمنطقة الشرقية والبادية السورية الواسعة والتي يشتهر داعش بمعرفة مداخلها ومخارجها جيدا، والتحرك المستور والمناورة عليها بحرية والاختفاء في تضاريسها الطبيعية. وعليه وبالمحصلة فعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته دول التحالف في القدرة على الحد من القدرات العملياتية والقتالية للتنظيم، ولكن التنظيم بشكل عام لايزال بذئابه المنفردة والمجموعات الصغيرة التابعة له يمتلك القدرة على شن الهجمات الدامية التي تسفر غالبا عن خسائر كبيرة في صفوف أعدائه.

من كل ما تقدم فإننا نستطيع القول إن التنظيم عمليا نجح في كل الأوقات السابقة، وما زال ينجح في البقاء والتكيف مع الضربات التي تلقاها من العديد من الأطراف، سواء كانت هذه الضربات التي تؤدي إلى استهداف ومقتل قادته وميدانييه من الصف الأول، أم في الهزائم والخسائر السابقة التي تلقاها والتي وكما نعلم تسببت بطرده من المناطق والمعاقل التي كان يسيطر عليها، وعليه فحقيقة الأمر أن داعش لايزال يشكل الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاهله أو عدم الشعور بخطره، فهو رغم كل ما مر به من خسائر لايزال يواصل نشاطاته العسكرية والإرهابية على الأراضي السورية وذلك لإثبات وجوده الفعلي والفعال من جهة، وإظهاره لعجز الجهات التي حاربته، وتأكيد عدم قدرتها على بسط نفوذها الكامل على المناطق التي سيطرت عليها منذ إعلان سقوطه في آذار 2019 من جهة ثانية. وعليه فلا شك أن التنظيم بدأ يعتمد على استراتيجية حرب الكر والفر والحرب الاستنزافية الطويلة عبر فروعه المنتشرة في سوريا والعراق، من خلال تشكيل مجموعات من المقاتلين هدفها القيام بحرب استنزاف طويلة الأمد ضد أصحاب وأطراف النفوذ وأذرعهم، حيث تظل فروعه نشطة مع زيادة نشاطات التنظيم، وهذا ما يُعطي زخماً للعمليات التي يقوم بها. وتعد الهجمات التي نفذها عناصره ضد ميليشيات قسد وقوات النظام السوري وميليشياته أكبر مؤشر على أن التنظيم لا يزال يمتلك قدرات لا يمكن تجاهلها، ويتبع تكتيكات عسكرية متناسقة ومدروسة، وعلى ما يبدو أن التنظيم أراد ويريد من خلال عملياته تحقيق العديد من الأهداف، وتوجيه أكثر من رسالة أبرزها على الإطلاق كانت لرفع معنويات عناصره، واستعادة وإحياء صورته من جديد أمام حاضنته ومناصريه، بالإضافة إلى بث الروح في خلاياه النائمة وتنشيطها. وعمليا فالواقع الحالي يقول إن التنظيم من الناحية الاستراتيجية لا يريد في الفترة الحالية على الأقل استعادة الأرض والسيطرة على بعض المناطق، لأن ذلك سيجعله واضحا ومكشوفا أمام طائرات التحالف الدولي وطائرات الروس والنظام السوري وسيتكبد خسائر فادحة كما السابق.

عمليا فالمجريات والأحداث الميدانية تقول إن تنظيم داعش قد يضعف لكنّه لن يندثر ويضمحل بسهولة، وذلك بحكم أيديولوجيته التكفـيرية التي لا شك أنها تستقطب العديد من الفئات وخاصة الشبابية منها، وتحوله إلى شبكة جهادية عابرة لحدود الدول، ناهيك عن قدرته على التكيف مع المستجدات الميدانية. ومن هنا نستطيع التأكيد على أن ضعف التنظيم أو حتى اندثاره فـي دولة أو منطقة ما لا يعني ضعفه أو اندثاره فـي دول ومناطق أخرى، ومن ناحية ثانية وعلى رغم التوافق الظاهري بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من طرف وروسيا وإيران والنظام السوري من طرف آخر، ولكن من الواضح أن هناك  أسبابا وخلافات جوهرية وحالة واضحة من التنافس قائمة بينهم تحول دون التخطيط والعمل المشترك والفعال لحملة عسكرية موسعة ضد التنظيم، وهذا السبب الأهم وما يستفيد منه التنظيم حقيقة في تجدد نشاطاته وتوسع دائرتها في العديد من المناطق.

ختاما.. لا شك أن التنظيم في الظروف الحالية التي يمر بها فهو ورغم عملياته الاستنزافية فواقع الحال يقول إنه لا يشكل أي تهديد حقيقي وأقلها على المدى القريب، لأنه في الواقع غير قادر على استعادة السيطرة على مناطق والثبات فيها والاستفادة من مواردها كما فعل مع بدايات ظهوره. ولكن في الوقت نفسه لا يمكننا أن ننكر أن تنظيم داعش لايزال موجودا ونشطا ويتمتع بهيكلية معينة وهو قادر على شن هجماته الثابتة في العراق وسوريا، وبالتالي فإن عودته ممكنة مع توفر الشروط التي تترافق مع ظل عدم المعالجات الجذرية لأسباب ظهوره السابقة، ناهيك أن التحدي الاستراتيجي الأكبر في الأيام المقبلة يتمثل بدور التحالف الدولي في محاربة التنظيم، هذا الدور الذي وكما هو واضح تراجع في ظل ظهور الأولويات الأخرى للولايات المتحدة كمواجهة الصين والحرب في أوكرانيا وتداعيات حرب غزة. وعليه ومع تراجع الاهتمام بالإرهاب الدولي تراجعت عمليات التحالف وهدأت، وهذا ما سيعطي مجالا للتنظيم لإعادة ترتيب أوراقه وصفوفه وإمكانية انبعاثه من جديد.