قراءة اقتصادية في الأزمة الأوكرانية.. أبرز الرابحين والخاسرين (3)

2022.03.24 | 05:27 دمشق

2022-03-06t232609z_1404205445_rc22yr9jpt5g_rtrmadp_3_china-economy-trade.jpg
+A
حجم الخط
-A

الاقتصاد الآسيوي

تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا بتغيير الوضع السياسي والاقتصادي القائم في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، نتيجة لارتباطه بأمن أوروبا اقتصاديا وسياسيا بشكل خاص، وارتباطه بالعلاقات الأمنية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي بشكل عام.  

لم يقتصر التغيير الجيوسياسي الناتج عن الغزو على أوروبا فالعديد من دول آسيا تشعر بوطأة الحدث، ومدى التغيرات الأمنية والاقتصادية القادمة سواء من ناحية إيجابية أو سلبية.

دخلت العقوبات الغربية ضد روسيا حيز التنفيذ مستهدفة الاستقرار المالي للاقتصاد الروسي من خلال إخراج  جزء من النظام المالي الروسي من النظام المالي العالمي بهدف عرقلة حركة الاستيراد والتصدير وخلق العقبات للشركات الدولية العاملة في  السوق الروسية نتيجة لتلك العقوبات فإن جيران روسيا الآسيويين - بما في ذلك  الصين واليابان  والهند - يتأثرون أيضا في قطاعات مختلفة، بما في ذلك الإمدادات الغذائية والطاقة.

في الثامن والعشرين من شباط الماضي، أقرت الولايات المتحدة حزمة عقوبات تستهدف البنك المركزي الروسي وحذا الاتحاد الأوروبي حذوها على الفور. بالإضافة إلى ذلك من المرجح أن تؤدي أي عقوبات تستهدف قطاع الطاقة الروسي إلى تعطيل سلسلة التوريد العالمية وإلى حدوث ركود اقتصادي في شمال شرقي آسيا في حال استمرت أسعار الطاقة في الارتفاع .

في هذه المقالة سنركز على أبرز الرابحين والخاسرين من الأزمة الأوكرانية من دول الاقتصاد الآسيوي من وجهة نظر الاقتصاد  السياسي من خلال تحليل الفرص المتاحة والتهديدات المتوقعة :

1- الصين:

الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم والتي رفضت العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، متهمة الولايات المتحدة الأميركية بإثارة الذعر في العالم، قد تجد في هذه العقوبات فرصة استراتيجية من خلال الحصول على احتياجاتها من الطاقة بأسعار مخفضة وفقا لاتفاقات مع روسيا وخصوصا أن الصين التي تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم مرشحة بقوة لتصبح الوجهة الرئيسية للوردات الروسية كبديل للاتحاد الأوروبي الذي كان أكبر شريك لروسيا قبل احتلالها لجزيرة القرم.

لكن تحويل صادرات الطاقة الروسية المخصصة لأوروبا إلى الصين سيتطلب بعض الوقت لأنه سيتطلب تفعيل خط الغاز السيبيري الذي يربط بين روسيا والصين.

لكن في المقابل فإن القيود على الصادرات الروسية قد يعرض الصين لأزمة غذاء وهي التي لطالما اعتمدت على دول أخرى، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا واليابان في استيراد القمح والمنتجات الاستهلاكية الأخرى. الآن بعد أن أوقفت أوكرانيا صادرات القمح بسبب الحرب، ستكون الصين من بين العديد من البلدان التي تسعى جاهدة للعثور على موردين جدد.

بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النحاس الناتج عن الحرب الذي تعتبر الصين أكبر مستورد له ولطالما اعتبر سعره أحد مؤشرات نمو أو ركود الاقتصاد الصيني وبالتالي الاقتصاد العالمي.

نتيجة لتلك العقوبات فإن جيران روسيا الآسيويين - بما في ذلك  الصين واليابان  والهند - يتأثرون أيضا في قطاعات مختلفة، بما في ذلك الإمدادات الغذائية والطاقة

يضاف إلى كل ذلك التهديد الأميركي باستهداف الصين بعقوبات اقتصادية في حال ساعدت روسيا على مواجهة الإجراءات الغربية بحقها.

2- الهند:

الهند رابع مستورد للنفط في العالم والتي للتو بدأ اقتصادها بالتعافي من الآثار الاقتصادية من أزمة كورونا ستكون معرضة  لصدمة اقتصادية كبرى.

تاريخيا حقق الاقتصاد الهندي نموا جيدا في ظل أسعار نفط دون 75 دولارا للبرميل الواحد ولكن في ظل أسعار الطاقة الحالية والتي من المتوقع أن تستمر في الارتفاع مع زيادة الطلب العالمي وزيادة التوترات الجيوسياسية عالميا فإن احتمالات النمو في الاقتصاد الهندي سوف تتضاءل .

الأمر الذي دفع الحكومة الهندية إلى استغلال فرصة التوتر بين روسيا والغرب إبان فرض العقوبات، حيث اشترت 3 ملايين برميل من خام الأورال الروسي من شركة فيتول للتسليم في أيار، في أول عملية شراء لها منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 من شباط الماضي، يأتي ذلك في الوقت الذي كشف فيه بعض المسؤولين الهنود عن أن نيودلهي تدرس قبول عرض روسي لشراء نفطها الخام وسلع أخرى بأسعار مخفضة، مع الدفع عن طريق صفقة بالروبل الروسي والروبية الهندية.

شكلت هذه الإجراءات تحديا للعقوبات الغربية والتي من شأنها أن تثير التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية والتي قد تستهدف الهند بعقوبات اقتصادية.

3- اليابان:

دانت اليابان الغزو الروسي لأوكرانيا وانضمت إلى قافلة العقوبات إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

لطالما كان الين الياباني مصدر قوة للاقتصاد الياباني حيث يعتبر أحد أبرز الملاذات الآمنة إلى جانب الدولار الأميركي والذهب، حيث أظهر حالة من الاستقرار الفريدة في ظل حالة من التقلبات الشديدة شهدتها الأسواق المالية منذ بداية الغزو.

لكن في المقابل بدأت الزيادة في أسعار النفط بدأت تؤثر سلبا على الاقتصاد الياباني حيث أظهرت بيانات وزارة المالية اليابانية الصادرة اليوم الثلاثاء، تسجيل ميزان الحساب الجاري لليابان عجزاً بقيمة 1188.7 مليار ين (10.30 مليار دولار) خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو ما يتجاوز توقعات المحللين الذين كانوا يتوقعون عجزاً بقيمة 880.2 مليار ين مقابل عجز قدره 37.8 مليار ين في (كانون الأول) الماضي.

 كما توقعت وكالة التصنيف  الائتماني "ستاندرد آند بورز" أن يبلغ معدل التضخم في اليابان 2 في المئة هذا العام، أي أكثر من ضعف توقعاتها السابقة.

4- كوريا الجنوبية :

يعتمد الاقتصاد الكوري الجنوبي بنسبة كبيرة على التصدير، حيث شكلت الصادرات أكثر من 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2019، وفقا لهذه الأرقام يمكن أن نستنتج أن الخطر الجيواقتصادي على كوريا الجنوبية يتمثل في تعطل سلاسل التوريد وفقدان الشركات لوجهات تصدير رئيسية فعلى سبيل المثال تراجعت مبيعات البضائع السنوية إلى روسيا من 10.1 مليار دولار إلى 4.6 مليارات دولار بعد أن ضم فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم في عام 2014، مما أدى إلى فرض عقوبات واسعة النطاق - وهي ضربة كبيرة بالنظر إلى أن روسيا كانت أكبر وجهة تصدير لكوريا الجنوبية في أوروبا منذ عام 2011.

الخلاصة:

بالإضافة إلى نتائجها الأمنية السياسية والاقتصادية فإن الأزمة الأوكرانية ترسم صورة جديدة للاقتصاد العالمي تتمثل في تعزيز المبادلات البينية بين الدول على حساب قواعد التجارة الدولية، بالإضافة إلى تشكل ملامح تحالف يواجه مفهوم عسكرة الدولار الذي تبنته الولايات المتحدة من تسعينيات القرن الماضي، تلعب روسيا والصين دور رأس الحربة فيه ويمكن أن تنضم الهند وتركيا له، وقد يصبح جذابا لأطراف غير متوقعة مثل المملكة العربية السعودية، فهل تشكل الأزمة الأوكرانية بداية النهاية لهيمنة الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي؟