قانون قيصر صفعة جديدة لمن توّهم أنه انتصر في الحرب السورية

2019.12.21 | 17:36 دمشق

1775733378.jpg
+A
حجم الخط
-A

وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يوم الجمعة على قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، في صفعة جديدة لرئيس النظام بشار الأسد وجميع من ينتظر دوره لنهب المبالغ التي كان يحلم بأن تمطر على سوريا من أجل إعادة الإعمار.  طابور طويل من المتسكعين الذين كانوا ينتظرون هذه الأموال يتقدمهم الأخوان أسد ورامي مخلوف وفلاديمير بوتين فقد أمله الأخير في إعادة الإعمار.

بعد مصادقة مجلسي النواب والشيوخ ثمّ توقيع الرئيس ترمب، ستتمّ معاقبة أي شركة أو مؤسسة أو حكومة تقوم بالتعامل التجاري مع نظام بشار الأسد أو تقدّم الدعم للجهود العسكرية لنظام الأسد في حربه ضدّ السوريين.

هذه العقوبات المشدّدة المفروضة بموجب القانون ستطال جماعات عسكرية ومتعاقدين مرتزقة من الإيرانيين والروس والأفغان وبلطجية حزب الله في لبنان. ولكنها سوف تركّز أيضا على شركات الطاقة الدولية الساعية للاستثمار في قطاع النفط السوري، وأي شركة توفر قطع غيار للطيارات بما فيها الهليكوبتر. ويستهدف القانون أيضا الشركات التي تقدم قروضا مالية للنظام السوري.

بالمقابل، يمنح قانون قيصر سلطات واسعة لوزارة الخارجية من أجل دعم المؤسسات التي تقوم بجمع الأدلة وتتابع الملاحقات القضائية ضد من ارتكبوا جرائم حرب في سوريا".

لقد مرّ حين من الدهر شعر فيه بشار الأسد وحليفه الروسي بأنهما قد حقّقا انتصارهما الأخير، بعد تدمير المدن السورية وقصف البيوت والمستشفيات والمدارس والأفران والأسواق. وأن الوقت قد حان لقطف ثمار الاستثمار الذي زرعوه في سوريا.

الدكتاتور السوري بشار الأسد تمسّك بكرسيه بأسنانه وأظفاره، ما تسبّب بمقتل أكثر من مليون سوري، بينهم نسبة كبيرة من القاعدة الاجتماعية ذاتها التي تؤيده. وخسر الأسد نتيجة لذلك جزءا من ثروته وكامل احترام العالم له وصدقاته معه. وبعد أن كان قبيل الثورة الولد المدلّل لفرنسا والولايات المتحدّة ودول الخليج، بات السبّة التي يبتعد عنها الجميع ويتبرّأ منها كلّ من كان يداهنه سابقا. الآن، وبعد ما توهّم

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع كلّ أوراقه في السلّة السورية، مضحيا أيضا بسمعته كقائد دولي، ومتقبّلا لصورة البلطجي الدولي الذي يقدّم الحماية للمجرمين والمارقين

الأسد أنه قد أنجز انتصاره الكبير لأنه دمّر أكثر ما يمكن وشرّد نصف شعبه خارج حدود بلادهم أو بلداتهم، كان يجلس في قصر الشعب ينتظر عقود إعادة الإعمار ليرمّم صورته ويعيد مراكمة ثرواته ومعه آله وأقاربه وصنائعه.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع كلّ أوراقه في السلّة السورية، مضحيا أيضا بسمعته كقائد دولي، ومتقبّلا لصورة البلطجي الدولي الذي يقدّم الحماية للمجرمين والمارقين، كلّ ذلك في سبيل نفوذ سياسي واقتصادي وممرّ على المياه الدافئة. هو أيضا اعتقد أنه حقّق انتصاره الأخير، وبات في موقع يسمح له أن يجني الآن أرباح استثماره في سوريا.

وإلى الرجلين، ثمّة عدد كبير من الشركات الأوروبية والأمريكية والصينية الإيرانية التي كانت تضع أعينها على ملفّ إعادة الإعمار في سوريا، الذي سيكون بالنسبة لها الإوزة الذهبية.

ثمّ جاء قانون قيصر ليصفع أطماع الجميع. وأهم ما في تمرير قانون قيصر أنه نال ما يشبه الإجماع من نوّاب الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فحصل على ستة وثمانين صوتا في مجلس الشيوخ مقابل ثمانية أصوات فقط عارضته، ما جعل احتمال ألا يوافق عليه الرئيس ترمب، كرمى لصديقه بوتين، معدومة.

لقد أسهمت الجالية الأمريكية-السورية بجهد كبير في صياغة القانون والدعوة لإقراره، من خلال جهود المناصرة التي قامت بها منظّمات أمريكية سورية والدعم المالي الذي قدّمته الجالية بسخاء.

سيُعرِّضُ القانون الشركات التي كانت تنوي الاستثمار في السوق السورية في مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، ولن ينجو آثاره أي طرف كان يؤمّل النفس ويسيل لعابه للثروة المنتظرة. من هذه الشركات التي سوف تخضع للمساءلة في حال خرقها للقانون شركة هواوي الصينية وسيمنز وإريكسون، وكذلك شركات النفط والغاز وشركات التأمين والمقاولات والبناء وفي جميع المجالات والممولين وشركات الاستثمار ومقدمي الخدمات ورجال الأعمال. جميعها سوف تمتنع عن الدخول للسوق السورية لأنها لن تغامر بتعريض مصالحها لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية.

نأمل أن يوجّه هذا القانون رسالة واضحة إلى دكتاتور سوريا بشار الأسد وحماته الروس والإيرانيين، في أن حلمهم في مراكمة ثروات جديدة من خلال إعادة الإعمار في سوريا ستذهب أدراج الرياح.

إن إقرار هذا القانون يؤكّد جملة من القضايا التي طالما اعتبرها السوريون مبادئ رئيسية موجهة لهم. أولى هذه القضايا أن الجرائم ضدّ الإنسانية لا تخضع لمبدأ التقادم، ولذلك، فمهما مرّت السنون والأيام، سيأتي يوم يجد المجرمون فيه أنفسهم يحصدون ما كانوا زرعوا.

القضية الثانية، أنه لا عدالة بدون محاسبة، وأن الظالمين مهما تمادوا

النصر والهزيمة في المحطّات التاريخية الكبرى كالثورات والمنعطفات الكبيرة ليست عسكرية ولا تقاس بحجم الانتصارات الحربية التي يحقّقها هذا الطرف أم ذاك

في غيهم وجبروتهم سوف يخضعون يوما ما للمساءلة عما اقترفت أيديهم من جرائم ضدّ السوريين. السوريون جميعا يريدون حلّا سياسيا وسلاما دائما، ولكنهم يعرفون أن السلام لا يمكن أن يتحقّق ما لم يتأسّس على أساس صلب هو المساءلة.

القضية الثالثة هي أن النصر والهزيمة في المحطّات التاريخية الكبرى كالثورات والمنعطفات الكبيرة ليست عسكرية ولا تقاس بحجم الانتصارات الحربية التي يحقّقها هذا الطرف أم ذاك. فمهما يحقّق الطرف الذي يقف في مواجهة التاريخ من انتصارات على الأرض فيحرق ويدمّر ويستولي على بيوت الآخرين وممتلكاتهم، فإنه في النهاية ليس انتصارا. الانتصار الحقيقي يقاس بمدى التغيير الذي يحقّقه هذا الحراك التاريخي أو ذاك.

ولذلك، فإن إقرار هذا القانون برهان إضافي على أن الانتصارات في سوريا لا تكون انتصارات على الأرض ضدّ المدنيين السوريين، بل انتصارات إنسانية أملاها صمود السوريين وعدالة قضيتهم.