في يوم اللغة العربيّة؛ عليكم بالقراءة الجهرية لا الصامتة لتقوية اللسان العربي

2021.12.19 | 07:03 دمشق

klmt-n-alywm-alalmy-llght-alrbyt-2022.jpg
+A
حجم الخط
-A

ممّا لا يخفى عن عين الملاحظِ أنَّ الكثيرين في طور محاولتهم إعادة الاعتبار للّغة العربيّة يعكفون على دراسة وتدريس علومها من نحو وصرف وبلاغة وأدب دون الانتباه إلى أنَّ هذه العلوم هي آلاتٌ ووسائل لتحقيق الغاية الأهمّ وهي تقويم اللّسان وتقوية اللّغة وتحويلها إلى كلامٍ يجري عذبًا فراتًا على ألسنة المتحدّثين بلا تكلُّفٍ أو تصنُّع.

غير أنَّ هذه العلوم تحوّلت مع الأسف من وسيلةٍ إلى غايةٍ بحيث يظنّ المتمكّنُ منها أنّه أحاط بالعربيّة علمًا؛ حتّى إذا نزل مضمار الحديث كبَا لسانُه وتقهقرت عباراتُه وتوارت خلفَ عجز المتابعة كلماته ولم يستطع أن يُتِمّ بضع جملٍ بغير لحنٍ جليّ.

إنّ أكثر ما يحتاجه النّاس اليوم في علاقتهم مع اللّغة العربيّة هو تقوية الألسنة بها بحيث تغدو سهلةَ المنال يسيرةَ الجريان سائغةَ اللّفظ محبّبةً إلى القلب قريبةً من النّفس ويشعر المتحدّثُ أنّها أقدرُ من اللّهجات العاميّة على التّعبير عن مكنونات عقله وخلجات قلبه.

  • لا تزهد بأذنَيك؛ فهما بوّابة الفصاحة

من أهمّ ما يقوّي اللّسان ما تسمعه الأذنان، فاحرص على سماعٍ يوميّ لفصيح اللّغة؛ وعذب الأدب، وبليغ الحديث، ورفيع النّصوص؛ سواء كان المسموع كتابًا أم نصًّا أدبيًّا أم قصيدةً أم شعرًا مُغنّى.

واحرص كذلك على استماعٍ منهجيّ للحوارات الفصيحة التي تفيض بها الأعمال الفنيّة الرّاقية أفلامًا ومسلسلاتٍ ومسرحيّات.

وقد غدا هذا ميسورًا متاحًا عبر الهواتف الذكيّة، فلا يحتاجُ الأمر منك سوى أن تضع السّماعات في أذنيك وأنت في طريقك إلى الجامعة أو العمل أو في وسائل المواصلات المختلفة وتطلق العنان لسمعك ليلامسَ قلبك جمال التراكيب وبلاغة الحديث العربيّ المبين.

وهذا الاستماع إلى جانب ما يعطيه للّسان من ثروةٍ لغويّةٍ؛ فإنّه يفتحُ للمرء أبوابًا في أساليب الحوار ويغذّي البديهة اللّغوية لتكون حاضرةً في المواقف المشابهة.

فما يدخل من مصاريع الأذنين هو ما يُخرجه اللّسان إذا شرّع الفم بابَه، فبقدر السّماع للفصيح المليح، والبعد عن الهذر والقبيح؛ يكون اللّسان أقدر على الانطلاق بالفصيحة دون تنطّع مذمومٍ ولا تكلّفٍ ممجوج.

  • اجهر بقراءاتك بلا وجَلٍ يستَقِم لسانُك

من نافلة القول: إنَّ القرآن الكريم هو أعظم سندٍ للّسان العربيّ في رحلته اللّغويّة، وهو المرجع الأوّل في ترجيح الأفصح والأبلغ من كلمات العربيّة عند التّنافس فيما بينها، فمن أرادَ أن يتقوّى بالعربيّة لسانه وتستقيم على الجادّة فصاحته؛ فلا غنى له طرفة عينٍ عن القرآن الكريم.

وإنَّ التّعامل مع القرآن الكريم في إطار تقوية اللّسان يكون على مسارين اثنين: التّرتيلُ اليوميّ، والحفظُ مهما كان يسيرًا.

على أن يصاحب ذلكَ قرارٌ بعدمِ تجاوز كلمة يتمّ ترتيلُها دون معرفة معناها اللّغويّ، وهذا يتحقّق باعتماد مصحفٍ بهامشه تفسيرٌ مبسّطٌ لمعاني الكلمات.

وبعد القرآن الكريم تأتي النّصوص النثريّة في أثرها الفاعل على اللّسان العربيّ تقويةً وتقويمًا؛ والمقصود بالنّصوص النّثريّة؛ الأحاديث النبويّة، والنصوص الأدبيّة قديمها وحديثها، والقصص والرّوايات والمسرحيّات والمقالات وغير ذلك من كلام الفصحاء والبلغاء من أهل العرب لا المترجمة إلى العربيّة من لغات الأقوام الآخرين.

إنّ أهمّ شيءٍ في آليّة قراءة هذه النّصوص ألّا تكون القراءة صامتة، ولستُ أدري لماذا اعتاد المدرّسون تلقين طلّابهم فضيلة القراءة الصّامتة وتمجيدها وإغفال بل تشويه القراءة الجهريّة ونزع كلّ فضيلة عنها كما لو أنّها رجسٌ من عمل الشّيطان.

وفضلًا عمّا للقراءة الجهريّة من فوائد تعود على الاكتساب التعليميّ يتمثّل في ترسيخ الأفكار وتجذير المعلومات في الذّهن بعد أن تتضافر عليها حاسّتان فأكثر؛ فإنّ القراءة الجهريّة لها دورٌ بالغ الأهميّة في استقامة اللسان على العربيّة وجعلها سلسة لا تكلُّف فيها، ولها أثرٌ عظيمٌ في الإسهام في جريان العربيّة عذبةً سائغةً لا قسوةَ في استحضارها ولا تعتعةَ في نطقها.

كما أنّ القراءة الجهريّة تقوّي رابطةً عاطفيّة من نوعٍ مختلف بين القارئ والنصّ المقروء أو المحفوظ فتكون إحدى السّبل لتوثيق آصرة المودّة مع اللّغة العربيّة التي كلّما أحبّها المرء نهل منها وكلّما نهل منها ازداد لها طلبًا فلا يزيدُه الوِردُ إلّا عطشًا.

إذن فالمهمّ أن تكون القراءةُ جهريّةً تسمعها الأذنان بلا تعب، ويتحرّكُ بها اللّسانُ بلا وجَل.

ومع دعوتي لك ـ أيّها الكريم ابن الكرام ـ إلى القراءة جهرًا ليكون ذلك سبيلًا إلى استقامة اللّسان بالعربيّة واعتياده عليها؛ دعني أقول لكَ على الهامش:

حذارِ حذارِ أن تقرأ الشّعر أو نصوص النّثر قراءةً تجويديّة، بحيث تحقّق مخارج الحروف وتتكلّف الغنّة وتطبّق الإدغام في حديثك؛ صدّقني هذا بشعٌ وقبيحٌ للغاية في الشّعر والحديث العاديّ وقبيحٌ في النّطق والسّماع وليسَ من الفصاحة أو البلاغة اللّسانيّة في شيء.

وختامًا: وأنت متحمّسٌ للقراءة الجهريّة لتقوّي لسانك؛ اعلم أنّ الأمر سيكون شاقًا في بدايته، مُتعِبًا في أوّل أمرِه لكنّه سوف يغدو مع المواظبة والاستمرار هيّنًا ماتعًا؛ فأهمّ من الإقبالِ أن تكون هناك مواظَبةٌ على الفعل ومداوَمةٌ عليه، فتقوية اللّسان باللّغة العربيّة حصيلةُ جهدٍ تراكميّ؛ يحتاجُ قرارًا حازمًا وعزيمةً صادقةً وإقبالًا شغوفًا ومواظبةً ثابتة وجهدًا دؤوبًا وجماعُ ذلكَ كلّه توفيقُ الله تعالى وإعانته.