icon
التغطية الحية

"في عالم عربي متحول".. كيف نستطيع إدارة المشاريع السياسية؟

2021.07.06 | 06:30 دمشق

ktab-_tlfzywn_swrya.png
"في عالم عربي متحول"
إسطنبول - إياد السمعو
+A
حجم الخط
-A

بعد ثورات الربيع العربي، رغب كثير من الشباب المتحمس والمندفع بشتى الاتجاهات، ومن دون توجيه، بالتغيير والتخلصِ من الحكم الشمولي ومؤسساته، والمشاركة في الشأن العام. لكن كثيرا منهم، وبعد الاصطدام بالآلة الأمنية والعسكرية لأنظمة الاستبداد وتعاملها الوحشي مع كل من يطالب بالإصلاح؛ انجرف إلى العنف والتطرف.

في ظل هذه التحولات المتسارعة للمنطقة، والتي تشهد مناخات من التفلّت والترهل والترقب غير المُجدي، ينضمّ العديد من هؤلاء الشباب إلى تيارات رديكالية، وبعضهم يعيش حالة من التخبّط والترقّب والانتظار،

وبالتالي ثمّة ضرورة ملحة لترشيد الحراك الثوري والعملية السياسية.

وفي محاولة لمعالجة هذا الواقع، يسعى "بشير زين العابدين" عبر كتابه "إداراة المشاريع السياسية في عالم عربي متحول" إلى طرح رؤية يرى أنها قد تمثل حلولاً ناجعة.

المضمون العام

تقع مادة الكتاب في محور التقاء دوائر الاحتراف والاستشراف والواقعية، وتنزع إلى العمومية والتبسيط وتتجنب الخوض في الجدليات والنظريات المتباينة، يعالج ما قصرت عنه الحركات والتيارات والأيديولوجيات والسلطات الرسمية وغير الرسمية، ويسلط الضوء على التحولات التي يتوقع انتظارها في فترة ما بين عام 2020 و2029 وكيف نتعامل معها؟

الكتاب يخرج من الإطار النظري إلى الميدان العملي ليمكن الشباب العربي من الممارسة الفعالة في مجالات شتى. ويقول زين العابدين: "إن الكتاب محاولة بسيطة لإشعال شمعة في ظلمات الفراغ الهائل لتتعامل مع أحد أكبر الأجيال التي شهدتها المنطقة العربية في تاريخها المدون منذ 7 آلاف سنة".

جيل الألفية وما بعده.. جيل التغيير

ترعرع جيل الشباب الحالي ونشأ على التقنيات الرقمية والتواصل الشبكي ويعتبر أقل إيديولوجيّةً وتصلّباً للأفكار من الأجيال السابقة

جيل الشباب الحالي يمثل أكبر كتلة شبايبة تشهدها المنطقة منذ عقود، إذ يتجاوز عددهم 110 ملايين شاب وشابة في العالم العربي، وهذا الجيل ترعرع ونشأ على التقنيات الرقمية والتواصل الشبكي ويعتبر أقل أيديولوجيّةً وتصلّباً للأفكار من الأجيال السابقة، وينزع لكسر القوالب التقليدية، ويُعدّ أكثر مشاكسة ومجازفة وشجاعة ومهارةً بالتعامل مع الشبكات.

هذه الأجيال ولد معظمها في ظل الكوارث والحروب التي عصفت وما تزال في المنطقة لا يعرفون سوى الدمار والأوضاع الاقتصادية السيئة، وهم الأكثر تضررًا.

 يقول زين العابدين: "إن الجيل الذي ولد بعد الـ2000 والذي يقدر تعداده بنحو 140 مليون نسمة لا يؤمنون بالأيديولوجيات الكلاسيكية التي سادت في الحقبة الماضية، وينزع نحو الانفتاح والاهتمام بالمشكلات الإقليمية والدولية مقابل تضاؤل الحس الوطني وضعف الشعور بالانتماء للوطن نتيجة تحمّله العبء الأكبر من عمليات التهجير القسري والتطهير العرقي والنزوح واللجوء. والوعي المتمثل بزيادة التعليم".

وتقدر نسبة اللاجئين في المنطقة العربية بنحو 23 مليون لاجئ، و70 بالمئة من العالم العربي هم من فئة الشباب، ويقدر عدد المهاجرين، بحسب إحصاءات الجمعية العربية في إسطنبول عام 2019 بـ50 مليون نسمة يتوزعون على أرض المعمورة.

التطورات التي حصلت على الأجيال كبيرة، والمنطقة العربية ستشهد قدوم تسونامي بشري من جيل الألفية يملك ميّزات عظيمة. ويعتبر زين العابدين أن التكدس السكاني الكبير الذي عرفته المنطقة العربية في تاريخها المدون "ميزة وليست مشكلة".

وتعدّ "تحديات العقد المقبل" أمام تلك الأجيال، الأساس الأول الذي بُني عليه الكتاب. ويقول المؤلّف :"إن أعلى نسبة لجوء ونزوح وهجرة خارجية في العالم وأعلى نسبة بطالة وخصوبة هي في العالم العربي، وأعلى نسبة ضحايا في العالم في المنطقة العربية. نحن أمام أحد أعظم الأجيال التي وجدت على وجه الأرض في المنطقة العربية" بحسب رأيه.

الثورة الرقمية وتأثيراتها:

الثورة الصناعية استطاعت إشعال حربين عالميتين وأطاحت بإمبراطوريات كونت نظاماً عالمياً جديداً، والثورة الرقمية تعتبر أضخم من الثورة الصناعية بأربع مرات. ويتساءل زين العابدين: ما الذي ستفعله الثورة الرقمية التي ما زلنا على أعتابها؟

وبينما يصل المتوسط العالمي لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساعتين و24 دقيقة كل يوم، فإن المدة ترتفع في السعودية مثلاً إلى ثلاث ساعات ودقيقتين، وفي مصر تناهز ساعتين و57 دقيقة، وكشف تقرير حديث صدر عن مؤسسة هوتسويت (Hootsuite) الكندية بشأن واقع العالم الرقمي للعام 2019 عن أرقام مثيرة للاهتمام، من أبرزها أن ثمة فارقًا كبيرًا في مدة استخدام الإنترنت على الهواتف المحمولة بين الدول النامية (ومنها الدول العربية) والدول المتقدمة، فالأولى تفوق الثانية بأكثر من ساعة ونصف يوميًا على الأقل، وذلك بالنسبة للفئة العمرية 16-64 عامًا.

وفي مصر وحدها، تتفوق عدد التغريدات في المجال السياسي على أميركا والصين. ويعلّق زين العابدين : "هنالك شاب عربي لديه جمهور على أحد تطبيقات وسائل التواصل أكبر من أي زعيم عربي".

العلم يتضاعف والمعلومات تتزايد بشكل مرعب، والتقنيات المتطورة تجلب معها تهديدات بالغة الخطورة في عالم الفضاء الإلكتروني والحروب السيبرانية.

 وفي ظل هذه الثورات العملاقة (الرقمية والسكانية والاتصالات) من يرشد الشباب إذا كانت الحكومات قاصرة والأحزاب والجماعات على مواكبة هذا الحراك العملاقي والضخم؟ هذا أحد الأسئلة المصيرية التي يطرحها الكتاب.

ضعف التجربة السياسية

الجمهوريات والملكيات العربية قامت على أساس انقلابات عسكرية أو صفقات كان للدول الغربية دور بارز فيها. الأحزاب التي حاولت المشاركة في المعترك السياسي وحاولت دخول الانتخابات، وهي فترات نادرة، أثبتت أنها لا تملك كوادر مؤهلة ولا خبرات لازمة لمقارعة حكم العسكر. ولم يعد خطاب الأبوية السلطوية يتناغم مع هذا الجيل، ما شكّل فجوة واضحة.

القوى السياسية الفاعلة في العالم العربي تعاني من بيئة وأوضاع صعبة نتيجة التقلبات السياسية والأزمات الاقتصادية وأصبحت لا تملك سوى الشعارات البراقة والوعود الكاذبة والتي لم تستطع تقديم رؤى ناضجة لتحقيق التنمية المستدامة على المستويات الوطنية.

كما وأن تلك القوى لم تستطع التأقلم مع أحداث ثورات الربيع العربي2011، حيث تَراجُع الأيديولوجيا بسبب الإخفاقات المستمرة للجماعات التقليدية التي لم تستطع مواكبة التحولات الكبرى التي تمر بها المنطقة. وتكسّرت القوالب الحزبية الجامدة بسبب واقع الثورة الرقمية.

يقول زين العابدين: "الاحتجاجات الشعبية لم تسقط حكام الجمهوريات فحسب بل أسقطت المنظومة السياسية برمتها من جماعات وأحزاب ذات قوالب صلبة عجزت عن التأقلم مع هذه التحولات وأن الهرمية والأحزاب عاجزة عن مواكبة التطورات".

وتعدّ المنطقة العربية أكثر بقاع العالم تعددية بحسب الأمم المتحدة، ونحو 53 إلى 55 مجموعة إثنية وطائفية ودينية عاشت فيها لآلاف السنين، ويشكّل المسلمون الغالبية الكبرى بينها.

الهوية

علينا استيعاب الهويات الفرعية  ضمن الهوية الجامعة وعلينا الانفتاح على الهويات والحضارات وعلينا العثور على آليات ناجعة لتنظيم العلاقة بين الأعراق والطوائف والأديان

يضيف الكاتب: "إننا نعيش آخر مراحل الحكم الأقلي في المشرق العربي، أي في لبنان وسوريا والعراق، وإن الأقليات ارتكبت خطأً تاريخياً، فلا هي حافظت على خصوصية الطائفة ولا استطاعت تقمص الدور الوطني والمحافظة على الأجندة الوطنية في الفترات التي حكمت فيها".

ويرى زين العابدين أن علينا استيعاب الهويات الفرعية  ضمن الهوية الجامعة وعلينا الانفتاح على الهويات والحضارات وعلينا العثور على آليات ناجعة لتنظيم العلاقة بين الأعراق والطوائف والأديان من خلال استحداث مفهوم إدارة التنوع.

ويتوقع أن ثورة الاتصال ستفضي إلى اضمحلال النزعات القومية وذلك نتيجة ضعف الدولة المركزية، كما ستضطر الجماعات الإثنية والدينية نفسها للانفتاح على المجتمع بعد أن كانت تحرص على المحافظة على خصوصيتها.

ويذكر زين العابدين أن أنواع الحروب لم تعد تقتصر على القوات المسلحة التقليدية، إذ أصبحت لدينا حروب سيبرانية وبيولوجية، وأن الميليشيات العابرة للحدود أصبحت تقود جيوشاً كما في لبنان، حيث يمتلك "حزب الله" ترسانة من الأسلحة المتطورة لا تملكها دول أخرى. وكذلك "الجيش العراقي" المشكل من ميليشيات تابعة لـ إيران. ويقول: "يجب علينا أن نمتلك  الأدوار اللازمة لإدارة الصراع وأن نتأقلم للعمل في الأجواء الشديدة التنوع".

فنون إدارية

تعدّ "مصادر القوة" من أهم ما يجب التركيز عليه في أي مشروع سياسي، بحسب زين العابدين الذي يطرح في كتابه حزمة من "الفنون" ويرى أنه من الواجب أن يتقنها الشباب العربي، لأن المقاييس السياسية التقليدية لم تعد تنفع وولى زمانها، والمرحلة القادمة تحتاج إلى أدوات أكثر مرونة. ويوصي بإنشاء معاهد للتنمية السياسية في هذه "الفنون"، التي أجملها بـ 16 عشر فناً، وهي:

إدارة المشاريع السياسية.

إدارة الصراع.

إدارة المخاطر.

إدارة التغيير.

إدارة التنوع.

إدارة الشبكات.

إدارة الحملات الانتخابية.

إدارة التحليل السياسي.

إدارة التسويق السياسي.

إدارة الإعلام الرقمي.

إدارة البيئة السياسية.

إدارة المجال العام.

الإدارة الحكومية.

مخاطبة الجماهير.

حيازة مصادر القوة.

إتقان أدوات الممارسة السياسية.